Skip to main content

1924185_37232111474_5307_nمقدمة:

سيكون اليوم 31 اكتوبر، وبعد غدا 2 نوفمبر، مسرحا لاحتفالات بأعياد الموتى في اماكن مختلفة من العالم، وان اختلفت التسمية وضاعت الملامح القديمة لتلك الاعياد في المضامين الحديثة لها، المسيحية والتجارية.
فاحتفال هولوين الذي يتم في الثقافة الانجلو ساكسنوية ، وينتقل للعالم في صورة احتفالات فرائحية او افلام رعب ، انما يرجع للثقافة السلتية والتي خرجت من وسط اوربا وانتشرت في العالم، ووجدت تطورها في ايرلندا والجزر البريطانية، حيث كانت ليلة 31 اكتوبر تعتبر “زمنا من غير زمن”، باعتبار ما قبلها نهاية الصيف وما بعدها بداية الشتاء، وفيها يسمح رب الموتى -سماحين – بالتقاء عالم الاموات والأحياء .
اما يوم الموتى المكسيكي والذي يقع في 2 نوفمبر، فهو ذو طابع فرائحي اكثر منه حزيناً، وهو يرجع لتقاليد ثقافات الازتيك والمايا ما قبل الكولومبية، وكان احتفالا تحت اشراف ربة الموتى – المستعاض عنها الان بشخصية لا كارنينا- ، ويقوم الان كما كان في الماضي على تذكر ارواح الموتى من الاقارب والأطفال. كما هناك في شمال وشرق اوروبا احتفال الجدود (جادي)، الموجود في التراث قبل المسيحي للشعوب السلافية والبلطيقية، وهو عيد يقوم فيه الاحياء باستضافة ارواح الموتى من الجدود، لكسب تعاطفهم ودعمهم، وكان يتم الاحتفال به مرتين ، في 2 نوفمبر وفي الربيع. تم استبداله الان – في بولندا مثلا باحتفال كاثوليكي في نفس اليوم (زادوشكي)

عيد الموتى في الثقافة النوبية:

هذا كله معروف، وربما نجد له نظائرا مختلفة في الثقافات والديانات الأفريقية ولكن غير المعروف على شكل واسع، هو الاحتفال بعيد الموتى او يوم الموتى في الثقافة النوبية التقليدية في شمال السودان، وهو عيد كان يتم الاحتفال به حتى وقت قريب، وربما لا يزال ممارساً حتى اليوم في بعض القرى النوبية.
ويقع هذا العيد في يوم معين من أيام السنة، حيث تقوم النساء والاطفال فيه بزيارة المقابر، وتقوم النساء بتسوية القبور وتحويطها، ثم يقمن برسم علامة كالصليب، واحدة كبيرة او عدة علامات صغيرة على تراب القبر، ثم بعد ذلك يتم نثر الماء على القبر، وتترك بجانب القبر وعلى كل جوانب “التحويطة” هدايا من البلح والقمح وكذلك سعف النخيل.
ويبدو ان الامر مرتبط بالتقاليد الدينية القديمة في منطقة النوبة، قبل الاسلامية او ربما قبل المسيحية، فالنوبيون يؤمنون ان الروح “شورتي” لا تذهب للعالم الاخر مباشرة بعد الموت، وانما تظل بجنب القبر لمدة اربعين يوما، ثم تذهب بعدها للعالم الأخر، “وبعد الوفاة يستلم ملاك الموت الروح(شورتى) إما الى شجرة كبيرة تنظر الى الجنة وإما الى بئر ينظر الى الجحيم “. وتعود الروح من عالم الاموات الى عالم الاحياء في الاعياد، وخصوصا في يوم “عيد الموتى”.
ولا يتم الاهتمام بالمقابر في هذا العيد وحده، وانما في الاعياد الاسلامية أيضاً، حيث تقوم صلاة العيد في المقابر او قربها، ثم يقوم الرجال بقراءة الفاتحة على المتوفين، وبتسوية القبور وغرس بعض من الجريد الاخضر حولها، بينما النساء ” يقفن بجوار قبة فقير المقبرة وتأخذ المرأة البركة (تراب من فوق القبر ومن جهة رأس الفقير بالذات) و(لا يجوز إعطاء الظهر للفقير) ثم تخرج وهي تسير نحو الخلف ثم تعطي هذه البركة لكل النساء ليتبارك الجميع بمسحها في الوجه والرأس مع الدعوات الصالحة . ”
ويعتقد النوبيون ان الروح مادة متحركة ومتحولة، غير ساكنة، وان روح الميت لها دور كبير في المشاهرة، وهي حلول ارواح شريرة او مصائب بالشخص. “فالطفل المولود الذى لم يتجاوز الاربعين يوما يتعرض لخطر عارم عند حدوث الوفاة فى القرية، وكذك تمنع النساء فى فترة الحيض والنفاس من حضور العزاء”، خوفا من المشاهرة.

النوبة والتراث السوداني القديم:

يبدو لي التراث النوبي في هذه القضية متميزا، وهذا الاحتفال الفريد الذي لم اسمع به إلا مؤخرا، من الاخ عمار محمد حامد وأكدته لي الاخت منال ابوبكر، قد ترجع جذوره لتقاليد ضاربة في القدم، قد تصل الى الحضارة المروية القديمة او ما قبلها، وهي الحضارات السودانية التي تعايشت مع الحضارة الفرعونية وربما فاقتها روحياً او كانت اقدم منها.
وفي الحضارة الفرعونية والحضارة المروية هناك وجود كاسح لعالم الموتى وتأثيره في الاحياء، ولا يزال “كتاب الموتى” الفرعوني دليلا على عمق العالم الروحي والميثولوجي لقدماء المصريين، وكذلك يقدم التراث النوبي نموذجا لعمق المفاهيم الروحية وغناها عند المرويين خصوصا والكوشيين عموما، مما انتقل الينا بعضها عن طريق النوبيين، ومما نجد له اثرا في مختلف الثقافات السودانية الاخرى.

إلا ان هذا التراث كله معرض للضياع، اذا لم يتم حفظه وتسجيله بعناية، وإذا ما لم يتم العناية بنقله للأجيال الجديدة. فرغم ما في هذه الممارسات من قيم غيبية قد يعتبرها البعض “خرافات ” وبدعاً، الا انها تشكل جزءا من ثقافة وإسهام وروحية الانسان السوداني، التي يُراد لها اليوم التسطيح والإفقار، رغم ان جذورها ضاربة القدم، في علاقة قوية مع الارض والماء والسماء، والحي والميت، والمحدود والمطلق.

عادل عبد العاطي
31-10-2007

* استخدمت في الموضوع بعضا من المعلومات الواردة في بوست ” عادات وتقاليد نوبية قديمة” في منبر البيت النوبي.

We #HelpSudan.
Learn how you can help too!

#Help­Sudan

We don't know how long the conflict will last. But what we do know is that we can't stand aside and watch.

The fastest way you can help too is to support Sudan financially. The Save Sudan Initiative has opened a multi-currency account for that purpose. Learn more

If you want to volunteer and provide help, then here are specific instructions how to do this: Learn more

Spread the word!