Skip to main content

مقدمة :

درجت دعاية الحزب الشيوعي السوداني على وصف الاستاذ عوض عبد الرازق، ثاني سكرتير لذلك الحزب بالانتهازية ، والزعم أنه طالب بحل الحزب الشيوعي وان ينضم الشيوعيين للاحزاب الاتحادية. نجد هذا الهجوم موثقا في كتيب ” لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني” لعبد الخالق محجوب عثمان. ثم نجده متكررا في مقالات المسؤول الثقافي للحزب الشيوعي حاليا وعضو اللجنة المركزية لذلك الحزب تاج السر عثمان المشهور بالسر بابو وفي العديد من كتابات وأقوال  الشيوعيين. يقول السر بابو ((أى رفض اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدرسة النظرية اولا، ثم العمل الجماهيري ، علي ان يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية. )) ليس هناك كذب أكبر من هذا.

لقد تعرض الاستاذ عوض عبد الرازق الى حيف تاريخي كبير. ولا ريب ان تخرصات الحزب الشيوعي ضده ووصفه بالانتهازي امر ليس له سند في التاريخ والوثائق. واذا كان البعض قد طالب بالا نحاسب قيادة الحزب الشيوعي في نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات لوصف الرجل بالانتهازي بسبب مواقف فكرية متقدمة اعلنها، بإعتبار انهم كانوا شبابا متحمسا وقتها، فما بالك برجال هم فوق الستين ولا يزالون يواصلون هذا التحريض  والبهتان على رجل كان من خيرة مثقفي ومناضلي عصره ، لم ينحاز لنظام ولم يخن شعب السودان.

الاتهامات الكاذبة :

لقد كان عوض عبد الرازق من مؤسسي الحركة اليسارية في السودان. وعمليا قاد الحركة السودانية للتحرر الوطني ( الاسم الاول للشيوعيين) منذ عام 1947 وحتى عام 1949 حين تم ابعاده من منصبه كسكرتير تنظيمي وابتداع منصب السكرتير العام. رغم ذلك  لم يتراجع الرجل عن انتماءه وواصل عضويته في ذلك التنظيم حتى تم ابعاده في 1952 بشكل فظ.

ولقد قام الاستاذ مهدي اسماعيل مهدي عثمان عام 2012م بنشر تقرير الاستاذ عوض عبد الرازق المقدم لمؤتمر الحركة السودانية للتحرر  الوطني ( الاسم الأول للحزب الشيوعي السوداني ) في اكتوبر 1952 ، وذلك لاول مرة تقريبا في تاريخ السودان، وهي وثيقة تفضح كذب الاتهامات ضده (ننشرها بذيل هذا المقال). فقد كان الشيوعيون يتهجمون على عوض عبد الرازق ويزورون اقواله  دون ان ينشروا كلامه هو شخصيا ، فكانوا في ذلك الخصم والحكم. واستغل الشيوعيون واقعة انهم حزب منظم وهو رجل فرد فنشروا تخرصاتهم عنه جيلا بعد جيل ومقالا بعد مقال، فكان سلوكهم في مثال ساطع لاغتيال الشخصية التاريخي والمرضي والمهووس.

فالشاهد ان الرجل لم يدع قط لحل الحركة السودانية للتحرر الوطني وتذويبها في الاحزاب الاتحادية ، بل دعا الى العكس حين طرح ((إبعاد كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لإستقلالية منبر الحركة، أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى. فالطريق هو تأكيد شخصية الحركة المستقلة من خلال المعارك اليومية التي تستطيع أن تثبت من خلالها طليعيتها وقدرتها القيادية للحركة الوطنية وفي سبيل إجلاء الاستعمار والتحرير.))

والشاهد ان الرجل فعلا كان ضد تحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني في تلك الفترة (1952) الى حزب شيوعي، والبلاد تواجه مهام مواجهة المستعمر ، والطبقة العاملة ضعيفة او منعدمة . فقد طرح : ((تحجيم الخط اليساري المتعجل الداعي للقفز فوق المراحل بتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي (ماركسي لينيني) مستنداً على العمَّال والمزارعين والمثقفين الثوريين)) . وبعد ان يعدد عددا من الاسباب الوجيهة يقول : ((إن طريق التعجل السياسي ينذر بفقدان الحركة السودانية للتحررالوطني مواقعها كطليعة ديمقراطية يلتف حولها أكثر أبناء شعبنا ذكاءاً، إذا تعارضت مع قيم وتراث شعبنا. فإنشاء حزب شيوعي يدعو إلى الاشتراكية لم يحن أوانه بعد، وربما يدفع نحو المغامرة التي لا تراعي المراحل، وقد يحدث شرخاً عظيماً في وجدان المجتمع ويهدم كل البناء، ولعمري إنه طريق الفشل.)) وبالفعل فقد تحقق ما قاله بالضبط.

والشاهد ايضا انه بعد رفض افكار الرجل فأنه لم ينقسم كما يشيع الشيوعيون، بل تم طرده ورفاقه من الحركة السودانية للتحرر الوطني  التي بناها بالعرق والجهد. يقول عبد الخالق محجوب : ((أنتهي المؤتمر الثاني بانتصار ساحق للأتجاه الثوري داخل الحزب وأنتخبت لجنة مركزية الغلبة فيها للتيار الثوري وللأتجاه القائل بتصعيد حركة الجماهير والأستقلالية ونبذ الجمود وطرد من الحزب كافة العناصر الخائرة والمترددة ودعاة الأنقسامات والنظرات الليبرالية البعيدة عن روح الماركسية وتوجهاتها)) فهل انقسم الرجل فعلا ام تم طرده عن قصد وبسوء نية وترصد ؟

كما يثمن الكثيرون  ان عوض عبد الرازق لم يجابد الشيوعيين ويشتمهم كما شتموه بل اسس جمعية هي اقرب للندوة الفكرية الاسبوعية اسمها “الجمعية الوطنية” كانت تتداول في القضايا العامة بفكر ثاقب. يؤرخ الاستاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين لذلك فيقول : ((رحم الله عمنا عوض عبدالرازق و قد كان كثير التردد علي دارنا. إذ أن والدي (عليهم الرحمه) كان من ضمن مجموعه عوض عبدالرازق التي إنشقت عن الحزب الشيوعي بدايه الخمسينات.. و كنت بعد أن أن اخدم ضيافه كل المذكورين أجلس معهم رغم صغر سني حينها. كنت أناديه بعم عوض بمبار لمحبته لتلك الاكلة ، و يناديني بماركوني. كان له تاثير قوي علي مستميعه و اذكر أن مشاركيه في المجلس كانو ينصتون له بكل أدب و كان رايه دائما أقوي و تحس فيه عمق التفكير)) ويذكر استاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين أن المجموعة كانت تلتقي في افكارها وانهم كانوا يلتقون في محل عبده دهب حسنين بشارع الحرية . أما الأستاذ محجوب علي فإنه يقول: (( فهنا يحمد للمرحوم عوض عبدالرازق انه لم يجير جهد الجميع لقناعته الفردية ولم يقل انا الوطنية والتقدمية لكنه توقع ان لا تؤول جهود دعاة الحرية الي استعمار بلبوس جديد ، يا اخي هذ سبق غرباتشوف وعيا .))

والشاهد على كذب وتخرص الدعاية الشيوعية ان عوض عبد الرازق بعد خروجه او اخراجه من الحزب الشيوعي لم ينضم لاي من تلك الاحزاب الاتحادية التي يزعمون انه طالب بالاندماج فيها او الانضمام لها، بل لم ينضم اي من اعضاء مجموعته واصدقائه لتلك الاحزاب على كثرتها وقوتها وكونها وصلت السلطة في فترة قريبة بل بقى الرجل ماركسيا مستقلا ووطنيا ومعارضا طوال فترة عبود وما بعد اكتوبر والنميري حتى وفاته فتأمل. كما ان دعوة الرجل لانشاء الجبهة المعادية للاستعمار قد نفذها الشيوعيين من بعد دون ان ينسبوا الفضل في الفكرة للرجل، فتأمل مرة أخرى.

ومما يشهد على كذب الوصف بالانتهازية ان الرجل لم يملك بيتا حتى مات ، بينما بنى بعض الشيوعيين ” غير الانتهازيين” عمارات وبيوتا ذات طوابق ، بعضها من قروض ميسرة  من بنوك الاسلامويين.  وقد توفي عوض عبد الرازق في قراش ((جراج)) وليس في بيت ، وكان هذا القراش موهوبا له من احد أقاربه. وكانت ورثته وحيلته من الدنيا شنطة كتب، فيا له من انتهازي كبير!. يؤرخ الاستاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين الأمر فيقول : ((عندما مات عوض ذهب والدي لاحضار إغراضه (من قراش أحد المنازل الحكومية بالخرطوم شرق، كان قد أعطاه له وكيل الاشغال الباشمهندس المرحوم إبراهيم محمد إبراهيم الذي تربطه به قرابة). الاغراض كانت عباره عن شنطه حديد بها كتب و أعتقد أنه تم إعطائها لاخيه الدكتور جعفر عبدالرازق.))

من هو عوض عبد الرازق وأي رجل كان ؟

لقد رصد البعض تاريخ الرجل الذي كان مناضلا ومفكرا كبيرا. فقد كان من اهم القيادات الجماهيرية للحركة الشيوعية في النصف الثاني من الاربعينات. وكان الرجل خطيبا مفوها ومفكرا وذو كاريزما، ولم يكن غريبا ان خرج معه اغلب الكادر المثقف من عضوية الحزب في ذلك الوقت، ومنهم الاستاذة حاجة كاشف بدري من مؤسسات الحركة النسوية في السودان، والاساتذة سيد احمد نقد الله، علي التوم، بدرالدين سليمان، حسن أبوجبل، التيجاني الطيب ( ليس التجاني الطيب بابكر وانما مدير سابق لسونا)، محي الدين عووضه المحامي ، أبوبكر عثمان ،  عبده دهب حسنين ( واحد من اقدم الشيوعيين السودانيين)، عبدالرحمن شمس الدين .

كما يذكر الاستاذ مهدي اسماعيل مهدي عثمان  ان من بين من خرجوا معه كان اللدكتور  عبد الوهاب زين العابدين عبد التام  ( أول سكرتير عام للحزب) ، ود. حسين وني، وتيدي لاركن جيمس الخ . كما تبقى بعض من انصاره في الحزب الشيوعي الا انه تم تصفيتهم من بعد واتهامهم ايضا بالانتهازية لمجر انهم دعوا لتحول الحزب الشيوعي الى حزب يساري ديمقراطي عريض (الأستاذ حسن سلامة). وكان ممن طردوا او خرجوا معه عثمان محجوب عثمان ( الاخ الأكبر لعبد الخالق محجوب) . وتحكي الاستاذة الجليلة خالدة زاهر في ذكرياتها التي نشرتها مجلة “الشيوعي” في الثمانينات كيف انها اُبعدت من الحزب الشيوعي في 1952 لمجرد أنها كانت زوجة لعثمان محجوب عثمان ، ورغم انها لم تكن من مجموعة عوض عبد الرازق، فتأمل.

ولقد كان الكثير من الشيوعيين يعرفون فضل الرجل ويعلمون ان تخرصات الحزب العجوز عنه كاذبة ، وفي هذا يؤرخ الاستاذ ناظم ابراهيم فيقول : ((سمعت حديثا لعمى يونس الدسوقى وهو من قدامى الشيوعيين وكان لمن يعرفه موسوعة فكرية ولا يتكلم الابالحق. تحدث عن عوض عبد الرازق بكل ود واحترام وقال ان الرجل حتى رحيله ورغم ما تعرض له لم ينطق بكلمه سوء فى حق الحزب الشيوعى.)) وقد اورد الاستاذ شوقي بدري نفس المعلومة نقلا عن العم الدسوقي.

ويقول الاستاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين إن (( أحسن من يكتب أو يسأل عن عوض عبدالرازق و فكره من الاحياء هو العم الاستاذ محي الدين عووضة  و هو محامي و من أوائل الشيوعيين و مفكر نابه و لا أعرف شخص قرأ و فهم الماركسية  مثله، و أختير للتدرٌيس سابقا بجامعه باتريس لومببا و ذهب للتدريس بالبانيا الشيوعيه أيضا. ))

كما يقول الاستاذ شوقي بدري : ((الاحزاب والتنطيمات ليست دائمة . وهي تتغير وتتحلل وقد تختفي . لكن يبقي الحق والوطن . والحزب الشيوعي ليس بالعجل المقدس . والحزب قد اغتال اعظم الشخصيات لانهم انقسموا او تركوا الحزب . ولقد قال نقد رحمة الله عليه ان من ينصرف بدون ان ينتقد الحزب فسيترك في سلام . ولكن الآخرون سيحرقون. ما كان يذكر اسم الاستاذ عوض محمد عبد الرازق الا ويقول الشيوعيون ، انه انتهازي . وعوض هو اول سكرتير للحزب الشيوعي . ولكنه طرد من الحزب في المؤتمر الثاني في 1951 . لانه كان يقول ان الامر يحتاج لجبهة واسعة معادية للاستعمار . وانه لا وجود للطبقة العاملة في السودان وان المزارعين ينقصهم الوعي السياسي في تلك المرحلة . وكلمة شيوعية بملحقاتها ستنفر الكثيرين . . وكنا نسمع في شرق اوربا ان عوض ومجموعته يريدون ان يذوبوا الحركة في الحزب الاتحادي . والحقيقة ان الحزب الاتحادي تكون في منزل الرئيس المصري محمد نجيب في القاهرة ، اكتوبر 1952 . وهذا بعد طرد عوض ومجموعته . وعوض سجن وحورب في رزقة وانصرف اصدقائه عنه . وعومل كمريض الجذام . وعوض ولد في رفاعة وكان والده مامورا . وهذا كان يجعله من ابناء المصارين البيض . يمكن ان يستمتع بحياة رغدة .عوض عبد الرازق كان يريد ان يكون الحزب يسار الحركة الوطنية . وان يكون حركة تقدمية مفتوحة . ولكن الآ خرون سكروا بالدعاية الشيوعية التي سيطرت علي العالم بعد الحرب العالمية . ولقد كان العقلاء من الحزب يرددون ان عوض كان رجلا شريفا لم يتعرض ابدا للحزب بكلمة واحدة . ولكن وصمة الانتهازية جعلت حياته جحيما ولم يكن يشتكي ابدا .)) – أخطا الاستاذ شوقي بدري فعوض طُرد في عام 1952 والوطني الاتحادي في 1953 ولكن باقي شهادته سليمة تماما، وأنصح بقراءة عموم المقال ففيه معلومات كثيرة عن الاستاذ عوض عبد الرازق.

حرق عوض عبد الرازق عبر التاريخ:

ما ذكرناه اعلاه كله يناقض تخرصات الحزب الشيوعي عن الرجل، وهي التخرصات التي شارك فيها ايضا محمد ابراهيم نقد ؛ ونقد مشهور بالاساءة للموتى. فحين سأله الصحفي ضياء الدين بلال عن  أنّ الحزب الشيوعي شرس تجاه مخالفيه من المنشقين أو المعتزلين ويميل لأغتيال شخصياتهم وحرقهم معنويا- اجاب قائلا: ((في مجموعات وأفراد خرجوا من الحزب وصمتوا وديل ما عندنا معاهم مشكلة لكن في ناس حاولوا يقسموا ويشقوا الحزب وديل ما عندنا أي رحمة ليهم, ديل ما بنتعامل معاهم بتهاون)) وحينها سأل  ضياء الدين الدين بلال: (( وهذه هي الطريقة التي تعاملتم بها مع عوض عبد الرازق ومجموعته؟ )) أجاب نقد ((نعم)).

يقول أحد الكتاب عن هذا التهجم على الاستاذ عوض عبد الرازق من طرف محمد ابراهيم نقد: (( قد يستغرب البعض لهذه الجرأة في الحديث عن القتل المعنوي خصوصا عندما تصدر من الأستاذ نقد. ولكن واقع الامر أنّ سكرتير الحزب الشيوعي أنما يقرّ واقعا معروفا وممارسة مشاهدة أساءت للكثيرين وعلي رأسهم الأستاذ عوض عبد الرازق. وبعيدا عن الحرق والقتل وقريبا من الموضوعية أحاول في هذا المقال ألقاء بعض الضوء علي رؤي الأستاذ عوض عبد الرازق التي كانت وراء خلافه مع الحزب الشيوعي وقيادته التي أطلقت عليه صفة الأنتهازي التي لازمته حتي القبر وكادت أن تصير له أسما أو هكذا أراد مخالفوه.))

يقول الاستاذ شوقي بدري في مقال آخر : ((في   العاشر من ابريل 1978 قابلت الباقر احمد عبد الله في لندن وكان قد حضر لزيارتي في السويد في يوم 28  ديسمبر 1974 وهو يوم عيد ميلاد عبد الرحمن . واخذني الباقر الي شقة الشريف الهندي . وكان الباقر متمددا في شقة الشريف . ولم يكن الشريف موجودا . واستغربت لوجود المناضل عوض عبد الرازق في تلك الشقة . وعوض عبد الرازق هو  السكرتير الاول للحزب الشيوعي السوداني . والمؤلم ان الاستاذ كان ينام علي اريكة غير مريحة في المطبخ . وكان حاله رقيقا ولا يخرج ابدا من الشقة . وكان يقول ضاحكا عن تلك الاريكة ,, الدقداق ,, ولم يكن هنالك من يأتي لزيارته . ورحلته كانت بسبب العلاج الذي لم يتوفر له في السودان  . وكنت اتساءل اين كل الشيوعيين الذين كان عوض طيب الله ثراه رئيسهم وحادي القافلة . كان للبعض من الشيوعيين  عيادات  حتي في شارع هارلي الشهير في لندن . وسكن البعض منهم في منازل او شقق مريحة . لماذا ينسي الشيوعيون من اختلف مع خط الحزب  ولماذا القطيعة واغتيال الشخصية . اين العشائرية والقيم السودانية التي يدعو لها الحزب في ادبياته . فعوض لم يتنكر للاشتراكية وحاول ان يبعد عن الخط الاستاليني  .  وحاول ان يؤسس ما عرف بالجبهة الوطنية كوعاء كبير يضم كل اهل اليسار والديمقراطيين . وتعرض عوض الرجل المهذب والجنتلمان لعملية شواء كبيرة . والآن قد تأكد ان ما كان يدعو له عوض هو الخط الصحيح لماذا لا ينتقد الحزب الشيوعي نفسه ويرد لعوض احترامه .))

لقد كان عوض عبد الرازق من الرافضين لاطلاق الاوصاف التشنيعية على الرفاق، وفي اللائحة التي وضعها كان هناك بند يرفض وصف الاخر بالانتهازي او البرجوازي. ومن سخرية الزمن ان اطلق عليه الشيوعيون هذا التشنيع بالانتهازية حتى كاد يطابق اسمه.

الدعوة لرد الإعتبار :

وتكاد شهادة الاستاذ مهدي وهو الذي نشر وثيقة عوض عبد الرازق واعاد طباعتها من نسخة مكتوبة بخط اليد أن تكون صرخة في رد الاعتبار للرجل، فقد كتب في تقديمه لتلك الوثيقة التاريخية ((أصبحت هذه الوثيقة الصادرة قبل ستة عقود (أكتوبر 1952) جزءاً من التاريخ السياسي للسودان، ولذا فمن حق كُل الأجيال الإطلاع عليها. اعتقد أن في نشرها والتأمل في ما إحتوته من أفكار ثاقبة رداً لإعتبار المرحوم/ عوض عبدالرازق، ومجموعته النيرة بقيادة، المرحوم/ عبده دهب حسنين، والتي ضمت عبد الوهاب زين العابدين، ود. حسين وني، وتيدي لاركن جيمس، إلخ. لقد أثبتت الأحداث مدى بُعد نظر عوض عبدالرازق ورفاقه، وقد صدع بذات الرؤى والأفكار الأستاذ المرحوم/ الخاتم عدلان في ورقته الموسومة \”آن أوان التغيير\” – وسوف ننشرها عليكم لاحقاً، إثراءاً للنقاش، (نرمي بحجر غيرنا في البركة الساكنة، عسى ولعل!!!).  لا تزال حملات التشويه تترى على عوض عبدالرازق ورفاقه، وآخر دليل على ذلك مقال الزميل/ تاج السر عثمان (السر بابو) بتاريخ 06 يناير 2012، والمنشور في صحيفة سودانايل بعنوان \”كيف ارتبطت الماركسية بالواقع السوداني\”. ولعل في نشر هذا التقرير تصحيح وتفنيد للمُغالطات الواردة في مقال تاج السر (وأرجو منه أن يتحرى الصدق والدقة).  يؤكد الواقع الراهن وغياب أي مُبادرات فكرية وحالة الجمود التي تعتري الحزب الشيوعي السوداني منذ غياب الشهيد/ عبد الخالق محجوب قبل أربعين عاماً (26/07/1971)، الحاجة إلى إثارة الحوار من جديد حول كثير من المُسلمات الصمدية. لقد تعرضت الحركة الشيوعية العالمية إلى زلزال البريسترويكا قبل ربع قرن (وقد ذهب البعض إلى إعتباره نهاية التاريخ-فوكاياما)، كما قامت قيامة الحزب الشيوعي السوداني قبل أربعين عاماً (يوليو 1971)، ولا بُد أن يكون لهذه الأحداث آثار عميقة على مسيرة اليسار السوداني. – أتمنى منكم جميعاً الإدلاء بدلوكم بكُل موضوعية وتقدير للرأي الآخر. – ختاماً، حصلت على صورة من هذه الوثيقة المكتوبة بخط اليد من الصديق/ خالد عبده دهب، ولأن عامل الزمن جعلها باهتة فقد رأيت أنه من الافضل طباعتها حتى تسهل قراءتها.))

وقد دافع الكثيرون عن عوض عبد الرازق ومن ضمنهم شخصي الضعيف في مخطوطتي المطولة عن الحزب الشيوعي وفي مقالي عن عبد الخالق محجوب وفي مواقع أخرى.  كما كان منهم الاستاذ  طلعت  الطيب الذي كتب: ((فيما يخص الاستاذ عوض عبد الرازق فاتفق مع الرأى القائل بان الحزب الشيوعى لم ينصف تاريخه على الاطلاق ومارس معه كل الموبقات المتعلقة باغتيال الشخصية وتشويه سمعته. ومن الواضح ان الرجل لم يكن يستحق كل ذلك فقد قدم ما استطاع اصاب واخطأ، لكن تظل للرجل رؤية مهمة جدا اثبتت الايام ان وجود تيارات مثله كان شيئاَ فى غاية الاهمية . لكن طبعا هذه اضغاث احلام ففى الاحزاب العقائدية – حيث الايمان ب (الوحدة الفكرية) مقابل الكفر بالتعددية وفى ظل حياة داخلية تحكمها المركزية الديمقراطية حيث تخضع الهيئات الدنيا للهيئات العليا وليس العكس لانعدام التمثيل الديمقراطى الرأسى وانسداد القنوات الافقية -، تصبح مسألة وجود تيارات مسالة مستحيلة او كما قال المرحوم الخاتم ما معناه : ان وجود اقلية فى حزب تحكم حياته الداخلية المركزية الديمقراطية امر مستحيل ، بل ان مجرد التشدق بحفظ رأى الاقلية يعد من اكبر استهبالات الفكر السياسى المعاصر على الاطلاق!)

ووصف الاستاذ طلعت الطيب التقرير الذي صاغه عوض عبد الرازق بأنه ” مكتوب بماء الذهب” وذهب الى التساؤل : ((الان وبعد كل هذه السنوات هل تستطيع قيادة الحزب ان تقول ان المرحوم عوض عبد الرازق كان محقا؟ هل تستطيع الاعتراف بفشل الاستثمار فى مشروعها الماركسى اللينينى الذى بدأه المرحوم عبد الخالق؟ هل لهم القدرة على احداث انقطاع ثانى مع تاريخهم؟ اسئلة فى غاية الصعوبة ! . الصعوبة تكمن فى أن المرحوم عوض كان نافذ البصيرة حين حاول ان يخلق التوازن بين البرنامج القادر على الاقناع من جهة ، والحفاظ على مشروعية الحركة اى قدرتها على استقطاب القبول والتعاطف من جهة ثانية ، وهى معادلة لم يراها المرحوم عبد الخالق الا بعد ان وقعت الواقعة فى حادثة معهد المعلمين الشهيرة فى منتصف الستينات ))

ويتعرض الاستاذ محجوب علي لتقرير عوض عبد الرازق المشار اليه والموصوف بالانتهازية ويحلله جيدا ويقول ان فيه ((استقراء لمعطيات اجتماعية ، ومعطيات المجتمع ليست كمعطيات المختبرات التي تتحكم في عناصرها ، بل كلها عناصر متغيرة نتيجة للجهد البشري الذي لايمكن ضبط اتجاهاته في واقع صراع تتباين مقاصد ومصالح قواه السياسية مضاف اليه عامل المؤثر الخارجي ( قوي استعمارية ومصالح قوي تقليدية ) . فقوي الثورة الوطنية الديمقراطية ليس فصيل عسكري او اتجاه واحد متناغم الخطي بل تيار عريض من يسار اليمين الي اقصي اليسار المحتشد حول هدف محدد ( محاربة الاستعمار ) ، لذلك تنتفي حالة اليقين المطلق والتقرير الجازم بالمالآت. فالجامع هنا ليس الايدلوجيا وشعارها بل الهدف وعزيمة الجمع وتنوعها))

لقد كتب حتى البعض من الشيوعيين مطالبون برد الاعتبار للرجل . فقد كتب الاستاذ علي عوض علي : ((وفي درب المراجعة والتنقية والتصحيح تبرز قضية الزميل المرحوم عوض عبد الرازق السكرتير الأسبق والذي تم وصفه في أدب الحزب بالانتهازي. وبالبحث عن مساهماته النظرية والفكرية في أرشيف الحزب وإصداراته الداخلية لا نجد أي وثيقة تدون مساهمة له مما يعني احد أمرين:  إما الزميل المرحوم عوض عبد الرازق السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي السوداني كان لا يكتب أو إن المنتصرين عليه في الصراع الفكري غيبوا مساهماته السياسية والفكرية.  والمعروف انه تولى المسئولية السياسية للحزب ( حستو ) في عام ١٩٤۷ حتى العام ۱٩٤۸ولقد شهد هذا العام معارك الجمعية التشريعية والتي أسهم فيها الشيوعيين السودانيين بنصيب وافر من النضال والتضحيات وكشفت القدرات القيادية للزميل المرحوم عوض عبد الرازق. ولقد قدم الشهيد عبد الخالق محجوب تقييم لهذه القيادة والتي على رأسها عوض عبد الرازق في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي أكد فيها إن تلك القيادة حررت الحزب من القيود القديمة التقليدية وسلك طريقه المستقل في تنظيم الجماهير وارتباط مباشر بالطبقة العاملة. كما تم وضع دستور للحزب كما قال ان اللجنة المركزية الجديدة وضعت الأساس لقيام حزب ولتطوره. وهذا لايعني أن لا تكون لدى عوض عبد الرازق أفكار ورؤية قد يختلف معه الآخرين ولكن لا اعتقد إن ذلك يستوجب شطب تاريخه ومساهماته من الحزب. لقد آن الأوان وعبر المؤتمر الخامس للحزب برد الاعتبار للزميل المرحوم عوض عبد الرازق السكرتير الأسبق للحزب ولكل من أسهم بقطرة عرق أو دم أو جهد في بناء الحزب والمحافظة عليه وتطويره))

خاتمة :

قد يتسائل كثيرون لماذا نعيد هذا الموضوع القديم للاضابير ، ونقول اننا نفعل ذلك اذ لا يزال الشيوعيون يصرون على وصفه بالانتهازية والتصفوية وممارسة الكذب انه دعا الى حل حزبهم وتذويبه في الاحزاب الاتحادية، رغم ان بعضهم – ومن بينهم السر بابو نفسه – قد اعترفوا بخطل ذلك . يقول السر بابو في لحظة صدق مع نفسه ما لبث ان انتكس عنها  ((وخلاصة ما جاء في تقرير عوض عبد الرازق لم يخرج عن دراسة النظرية اولا ثم التوجه لبناء الحزب وسط العمال والمزارعين، وان يعكف الحزب علي التبشير بالماركسية وترجمتها بدلا من الاستعجال في قيام حزب شيوعي لم تتهيأ ظروف البلاد الموضوعية لقيامه)) ثم يرجع للتعريض فيقول: ((اضافة الي فقدان الحزب لاستقلاله ويصبح ذيلا للحزب الوطني الاتحادي، لا التحالف معه من مواقع الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي.)) وهذه فرية لم يقل بها عوض عبد الرازق، ناهيك عن ان يدعو لحل حستو  وان ينضم الشيوعيين للاحزاب الاتحادية كما يزعم التاريخ الرسمي للحزب الشيوعي.

كما يقول الكاتب الذي استشهدنا به عاليا : ((أنّ أطروحة الأستاذ عوض عبد الرازق قبل نصف قرن من الزمان حول مستقبل الحركة السودانية للتحرر الوطني تبدو هي الأكثر جدوي. وأنّ أمعان النظر في القضايا التي تناولها يفضي الي نتيجة مفادها أنّ أداء الحزب الشيوعي قد تأثر كثيرا بتجاهله لتلك الاراء في خضم الأجواء الثورية المفخخة بالشعارات والمبهورة بتطبيق الأشتراكية في أوروبا والأتحاد السوفيتي.)) ويواصل : ((في أجابته التكميلية لسؤال الأستاذ ضياء الدين بلال عن عوض عبد الرازق قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني  : ” تجربته لم تنجح والدليل علي ذلك أنّ الحزب الذي كوّنه غير موجود الان”. ويعلم المحارب القديم والسياسي الكبير انّ عدم وجود حزب يحمل افكار المرحوم عوض عبد الرازق لا يعني عدم صلاحية اراءه وأفكاره فهذا خلط للأمور لا يجوز في مقام الفكر .والأصلح عندي أن تتنازل قيادة الحزب عن عصبية موروثة ونهج عقيم في الخصومة ( ديل ما عندنا أي رحمة ليهم، ديل نحن ما بنتعامل معاهم بتهاون) وتتواضع علي دراسة اراء المخالفين ورد الأعتبار لمن طالتهم سياط الحرب النفسية والقتل المعنوي وعلي رأسهم المرحوم عوض عبد الرازق.))

أعتقد انه آن الاوان لاعادة الاعتبار لهذا البطل الوطني والمفكر ذو النظر العبقري والرجل العصامي الشريف، الذي تم ابعاده من التنظيم الذي بناه فعليا بشكل فظ، ورغما عن ذلك عاش حياته بشرف ومات بشرف انسانا مخلصا لافكاره ولشعبه وليس انتهازيا تصفويا كما يقول الشموليون والمرجفون.

عادل عبد العاطي

15/7/2016

ملحق :

تقرير السكرتير التنظيمي للحركة السودانية للتحرر الوطني عن الفترة من يوليو 1947 – أكتوبر 1952

  • التحية لكفاح الشعب السوداني ضد الاستعمار.
  • التحية للجماهير التي أحبطت مؤامرة الجمعية التشريعية.
  • التحية لحركات التحرر الوطني وهي تحقق الانتصار تلو الانتصار.
  • التحية لثورة مصر.

الرفاق الأعزاء:-

من الأهمية بمكان الاعتراف بنمو وتطور المقاومة ضد الاستعمار البريطاني الجاثم على صدر شعبنا، ذلك النمو الذي نشهده في اتساع النشاط الشعبي الناجح في تأسيس هيئة شئون العمال والاتحاد النسائي ومؤتمر الشباب واتحاد الكلية الجامعية. تلك الخطوات الأولى لمقاومةٍ شعبية تراكمت حتى تفجرت تظاهرات رافضة للجمعية التشريعية مما أجبر القيادات التقليدية للتصدي للمهام الوطنية والسير قدماً في إفشال المؤامرة الاستعمارية لتدجين الحركة الوطنية واحتوائها.

معلوم لدينا أن أهداف الأحزاب قد صيغت بإحكام حتى تحدد مستقبل البلاد السياسي – الاستقلال أو الاتحاد، أي أنها اهتمت بقضية التحرير وأغفلت عن عمد قضية البناء والتعمير التي هي جوهر برنامج الحركة السودانية للتحرر الوطني الداعي للتنمية والتغيير الاجتماعي العميق الذي يفضي إلى طريق وطن ديمقراطي يسير بشعبنا نحو الاشتراكية – الطريق الوحيد للتطور والتقدم في هذا العصر، وقد أثبتت الحركة السودانية للتحرر الوطني أنها بؤرة المقاومة التي التف حولها الشعب منذ مولدها. وقد أسهم الرفيق عبدالوهاب زين العابدين في بناء قواعدها رغم الاخفاقات التي تجلت في تبني حق تقرير المصير تحت التاج المصري، وضُرب حولها سوراً من العزلة حتى تاهت في دهاليز السرية بعيداً عن مهامها في نشر الفكر التقدمي العلمي المناهض حقاً للاستعمار البريطاني مما أفقد الحركة فرصاً عزيزة في الانتشار وتوسيع قواعدها.

وبمجرد تكليفي من اللجنة المركزية بتحمل مهام السكرتير التنظيمي في يوليو 1947 عملت مع المكتب السياسي على انتهاج خط سياسي جديد يتجه نحو الشعب مباشرة فعمدنا إلى نشر الفكر الماركسي بين عضوية الحركة على أسس منظمة مما أتاح للحركة فرص استقطاب أعضاء جدد من الطلاب والخريجين فتأسست المنظمات الجماهييرية التي أعطت حركتنا المقدرة على التصدي لقضية الجمعية التشريعية ودفع الأحزاب الاتحادية دفعاً لمعركة الشارع التي خضناها بجدارة وكانت تمريناً عملياً أكد قدرة وعمق جذور الحركة في تُربة الواقع السوداني. تلك الانتصارات قد ألقت على عاتق الحركة مهام جديدة نوجزها فيما يلي:

أولاً، توسيع قاعدة عضوية الحركة كمياً ونوعياَ، وذلك بالغوص في صفوف الشعب على مختلف طبقاته وفئاته مما يجعلنا نطور نهج المواجهة الذي بدأته الحركة في أحداث الجمعية التشريعية إلى تحالف وطني عريض معادٍ للوجود الاستعماري، وعلى هذا الطريق علينا الاهتمام بالقضايا التالية:

  1. a) إبعاد كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لإستقلالية منبر الحركة، أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى. فالطريق هو تأكيد شخصية الحركة المستقلة من خلال المعارك اليومية التي تستطيع أن تثبت من خلالها طليعيتها وقدرتها القيادية للحركة الوطنية وفي سبيل إجلاء الاستعمار والتحرير. لذلك نؤكد أهمية وجود جبهة شعبية واسعة معادية للاستعمار حتى تؤدي تلك المهمة في طريق الكفاح المشترك بين شعبي وادي النيل ضد الاستعمار.
  2. b) تحجيم الخط اليساري المتعجل الداعي للقفز فوق المراحل بتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي (ماركسي لينيني) مستنداً على العمَّال والمزارعين والمثقفين الثوريين وذلك للأسباب الآتية:

– طبقة العمَّال في بلادنا مازالت طبقة وليدة تنحصر في عمَّال الخدمات (سكة حديد، البريد، موانئ، نقل نهري) وهؤلاء جميعاً دورهم مساعد وثانوي. فالعمَّال طبقة مازالت في طور التكوين ولم يكتمل تطورها ولن يكتمل إلا في ظل الثورة الوطنية الديمقراطية التي من مسئولياتها الرئيسية تحقيق بناء صناعي واسع يجعل من العمَّال طبقة قائدة وقادرة على بناء حزبها الطليعي القوي الذي يسير بها وبالمجتمع نحو الاشتراكية.

– أما المزارعون فيطابقون في وعيهم مستوى الانتاج الزراعي، فالزراعة في كل السودان ما زالت زراعة اكتفائية (subsistent agriculture) موسمية وحتى أرقى أشكالها (مشروع الجزيرة ومشاريع الإعاشة) ضعيفة وليست ذات أثر. ولم يشكل المزارعون كطبقة اجتماعية ذات هموم ومطالب ووعي يؤهلها لتحقيق تحالف العمال والمزارعين.

– الفكر الماركسي اللينيني ما زال فكراً منحصراً في أوساط الأفندية الذين يعانون أبلغ معاناة في فهم فلسفته كفكر بعيداً عن الشعارات. فإنشاء حزب شيوعي على تلك الأسس والمعطيات يعد عمل سطحي يساري طفوليَّ لا سند له سوى الجمل الثورية غير المستوعبة للظروف الوطنية وهذا يؤكد تناقض جوهري ينفي العملية ويبرز ممارسة تقليدية تعتمد على التلقين والإشارة. فنقل تجارب الشعوب والأمم من حولنا دون فهم ظروفنا الخاصة مستلهمين في ذلك التجارب يعد عبثاً خطيراً. فالمتتبع لتجارب التاريخ يعرف أن الثورات العظيمة لا تنبثق إلا من استيعاب الشروط الموضوعية والذاتية وعلى رأسها فهم التاريخ والتراث والتقاليد وإخضاعها للنهج الذي استفاد من كل الثقافة الإنسانية الجديدة والظروف الخاصة لكل قطر من الأقطار.

– إن طريق التعجل السياسي ينذر بفقدان الحركة السودانية للتحررالوطني مواقعها كطليعة ديمقراطية يلتف حولها أكثر أبناء شعبنا ذكاءاً وإذا تعارضت مع قيم وتراث فإنشاء حزب شيوعي يدعو إلى الاشتراكية لم يحن أوانه بعد وربما يدفع نحو المقامرة التي لا تراعي المراحل، وقد يحدث شرخاً عظيماً في وجدان المجتمع ويهدم كل البناء ولعمري إنه طريق الفشل.

ثأنياً، الحركة السودانية للتحرر الوطني غرست أقدامها عميقاً في أوساط الشعب باجتذابها العناصر المستنيرة والفئات الأكثر وعياً أو مصلحة (طلاب، موظفين، عمَّال.. إلخ) مما يرشحها لأن تلعب دوراً هاماً في البناء الوطني الديمقراطي بالرغم من وجود عقبات أساسية نوجزها في:-

  1. a) نشأة الحركة الوطنية السودانية تحت تأثير الزعماء الدينيين (المهدي والميرغني) وهما يعملان على تأكيد تأثيرهما بشكل طائفي وكلما زاد دورهما ضعف النشاط الديمقراطي. فدورهما علامة ضعف أساسية للديمقراطية. فالحركة السودانية للتحرر الوطني معنية أكثر من غيرها في ترسيخ قيم الديمقراطية بتوجيه نشاط المنابر الديمقراطية بعيداً عن السقوط في أحضان الزعماء الدينيين، فهم دائماً ما يعملون على تغذية البذور الطائفية المهددة للتطور الحُر الديمقراطي.
  2. b) من المهددات للتطور الديمقراطي اليسارية الطفولية التي تتعجل الانجازات وتتجاوز المراحل في التطور الوطني بغرض فرض خيارات تتناسب مع الظروف الموضوعية على نحو الدعوة لتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي مما يؤسس للعزلة والقطيعة بين الشيوعيين والديمقراطيين وينفرط عقد تحالفاتهم ودورها الرائد كمنبر ديمقراطي تأسس من خلال نضال الديمقراطيين والوطنيين بالدرجة الأولى.
  3. c) ومن المخاطر المهددة للتطور الوطني الديمقراطي الوجود الاستعماري الذي أسس نظام حكم على النمط الاستبدادي العسكري. فمنذ اليوم الأول للغزو الاستعماري ترسخت أقدام التسلط المعادية للديمقراطية فالحاكم العام وسكرتيريه هم كل المؤسسات (تشريعية – تنفيذية – قضائية) فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظل هذا الدمج. فهذه التقاليد التي يجب أن يمحوها نشر الوعي الديمقراطي كي لا تظل نقطة ضعف وطريقاً مفتوحاً نحو سيادة التسلط الاستبدادي وبذرة للديكتاتورية. فمن الضروري أن تعمل الحركة السودانية للتحرر الوطني على نشر الوعي الديمقراطي حصاراً لبذرة الاستبداد التي تشيد لنفسها موقعاً في أرضية البناء القائم الآن.

ثالثاً، منذ تولي المكتب السياسي مهامي كسكرتير تنظيمي وتكليفي سكرتيراً عاماً أخذت الحركة السودانية للتحرر الوطني تسير في علاقاتها الخارجية في طريق الانكفاء على الحزب الشيوعي السوفيتي والبلدان الاشتراكية. ونعتقد أن هذه العلاقة ضرورية وتكتسب أهمية استراتيجية ولكنها لا تتعارض مع العلاقات بحركات التحرر الوطني العربية والأحزاب اليسارية في آسيا وأفريقيا واضعين في الاعتبار أهمية الأحزاب الشيوعية واليسارية والديمقراطية في أوروبا وذلك لكي تكتسب الحركة حلفاء وأصدقاء جدد لقضية الشعب السوداني في طريق الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال وتحقيق مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي تحتاج إلى أصدقاء ديمقراطيين عاجلاً أم آجلاً.

رابعاً، ما زال من واجبات الحركة السودانية للتحرر الوطني المركزية تحقيق تحالف شعبي واسع معاد للاستعمار حتى تتحقق مهمة إجلاء الوجود الأجنبي والسير في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية التي من أسسها الضرورية ذاك التحالف الجبهوي العريض. فعلينا منذ الآن تكثيف الجهود من أجل جبهة معادية للاستعمار كمقدمة لجبهة وطنية ديمقراطية تجعل الاستقلال السياسي يتكامل مع الاستقلال الاقتصادي والسير في طريق التطور اللارأسمالي.

خامساً، بعد انتقالي إلى مدينة بورتسودان في يناير 1949م انتقل تكليفي كسكرتير تنظيمي إلى المكتب السياسي الذي كلف سكرتيراً عاماً. وما زلت لا أرى ضرورة لتوسيع الهياكل التنظيمية للحركة وأن تطور المهام يجب أن يسير تدريجياً مع نمو الحركة وزيادة عضويتها وقدراتها المادية وهذا لحماية الحركة من الاتجاهات اليسارية المتعجلة واليمينية التي ما زالت لم تستوعب العالم الجديد الآخذ في الظهور فاتحاً الباب واسعاً للاشتراكية وانتصار حركات التحرر الوطني وبناء عالم جديد تسود فيه قيم الديمقراطية والعدالة.

المجد والنصر لكفاح الشعب السوداني

المجد والنصر والخلود للحركة السودانية للتحرر الوطني طليعة الديمقراطية

النصر حليف حركات التحرر الوطني في العالم أجمع

أكتوبر 1952

عوض عبد الرازق

السكرتير التنظيمي للحركة السودانية للتحرر الوطني

We #HelpSudan.
Learn how you can help too!

#Help­Sudan

We don't know how long the conflict will last. But what we do know is that we can't stand aside and watch.

The fastest way you can help too is to support Sudan financially. The Save Sudan Initiative has opened a multi-currency account for that purpose. Learn more

If you want to volunteer and provide help, then here are specific instructions how to do this: Learn more

Spread the word!