Skip to main content
عادل عبد العاطي : كاتب وناشط من السودان. وُلِد بمدينة عطبرة في 4 فبراير 1966. له اهتمامات بالتاريخ والتراث والسياسة والأدب. ليبرالي النزعة افريقي الهوىة . له ابنة واحدة ( آماليا) .

,Poland, before it was established as a country and as a nation, was the home land – for some hundred years- of the Vandals. The vandals was a great nation in the “Migration Period” in Europe. In some historical debates it is claimed that Poles a descendants of Vandals. It is also claimed that the first and legendary father of Poles was Wandal or Wandalin.

Poles were called vandals. The great legendary princess of Poland, Wanda said to be the queen of Vandals (Poles) . In Polish Chronicles by Wincenty Kadłubek it is written ((The Wandalus (Vistula) river name came from her name, because it was the center of the kingdom; hence, all who were under her authority, were called Vandals”. Gervase of Tilbury wrote in his” Otia Imperialia” that The Poles “are referred to as the Vandals and so they call themselves”
Regardless of the debate on the origins of the vandals and their connection with ancient Poles, no doubt that they were part of the history of Poland and Central Europe and its culture (mainly the Przeworsk culture). Many polish villages are called now Wandalin, may be in remembrance of its vandal history.

The vandals however left Poland and immigrated to the west, engaging in different wars, alliances and building different states. They established a new state of Vandalia in south of Spain (today Andalusia) , but their great glory was in Africa. The Vandals has entered North Africa in 429 and in 435 they established a kingdom which included the areas of today Tunis, East Algeria, Mauritania, as well as the islands of Sicily, Corsica, Sardinia, Malta and the Balearic Islands. The powerful kingdom of “Vandals, Allans and Berbers” fended off several Roman attempts to recapture North Africa from them, and sacked the city of Rome in 455.

The African kingdom of the Vandals collapsed in 534 and the vandal nation disintegrated. Many Vandals went to Béjaïa in north Algeria and integrated with the Berbers. Many others were put into military services of Rome and Byzantium or fled to the Gothic kingdoms in South of Europe. The vandals as a great nation has disappeared from the scene of history.

The modern word “vandalism “is coined from a false reputation of the Vandals as barbarian people who devastated Europe and Rome in their wars. The Vandals were definitely not more barbarian or destructive than any other nation or invaders of their times, including Romans. It is Rome-centrism which blamed them for its destruction and portrayed them as barbarians. On the contrary, Vandals seems to be more civilized nation and kingdoms than others, taking into consideration the conditions of their times.

The Vandals were easily integrating with other nations. In Europe they build an alliance with the Allans, an Iranian immigrating nation, and together they built their kingdoms in South Spain and North Africa. Historian Averil Cameron suggests that the new Vandal State in North Africa have been welcomed warmly by the native population of North Africa, suffering under the repression of Rome, and a Vandals-Berber alliance was build. The vandals, being Arians themselves, has guaranteed freedom of religion in their kingdom for Catholics and others, regardless of the religious fanaticism of their time.

The Vandals were not destructible at all while entering into Africa. Recent archaeological researches show that street pattern remained the same and some public buildings were renovated and new industrial centers were built within towns during their domination. Historian Andy Merrill proofed that the rule of Vandals in North Africa was a time of economic stability and prosperity.

We can surely tell today that descendants of Vandals remained and integrated within the people of Poland and Africa, since nations do not vanish totally, but like snow in spring they turned into water and goes deep in the earth. The recent archeological surveys shows that the great vandals were connected mainly with Poland and Africa. There are different evidences that the Vandals in Africa kept contact with their people and allies in Poland . This is another linkage between the two cultures, and a another reason why we tell that Poland is Black 🙂 .

Adil Abdel Aati
21/11/2016

References:
• Jerzy Strzelczyk: Wandalowie i ich afrykańskie państwo. Państwowy Instytut Wydawniczy, 2005.
• Vandals, Wikipedia: https://en.wikipedia.org/wiki/Vanda…
• Polacy a Wandalowie : Wikipedia : https://pl.wikipedia.org/wiki/Polac…
• Merrills, Andrew H. [Publ.]. Collection of Essays, Vandals, Romans and Berbers. New Perspectives on Late Antique North Africa · – Cambridge (2004)
• Cameron, Averil (2000), “The Vandal conquest and Vandal rule (A.D. 429–534)”, The Cambridge Ancient History. Late Antiquity: Empire and Successors, A.D. 425–600, XIV, Cambridge University Press, pp. 553–559
• Collins, Roger (2000), “Vandal Africa, 429–533”, the Cambridge Ancient History. Late Antiquity: Empire and Successors, A.D. 425–600, XIV, Cambridge University Press, pp. 124–126
• Nasi bracia Wandalowie: Newsweekpolska: http://www.newsweek.pl/nauka/nasi-b…

donald-trump-22مقدمة :
شكل انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية مفأجاة كبيرة لأغلب المتعاطين مع الشأن السياسي الامريكي والعالمي. لقد كان ترشيح ترامب في البدء أشبه بالمسخرة ولكن الرجل استطاع ان يستفيد من كل تناقضات مرشحته الرئيسية ومن ازمات المجتمع الامريكي ومن عقم النظام الانتخابي ليوظف كل ذلك في حملة ديماجوجية نقلته الى البيت الابيض رغم حصول كلينتون على عدد اصوات إجمالي اكبر منه.

وجهان لأمريكا:
ويشكل انتصار ترامب انتصاراً للوجه القبيح لامريكا. فقد لقد ملكت أمريكا طوال تاريخها وجهان : وجه حرياتي مشرق عبر عنه رجال ونساء مثل جون براون وتوماس بين وماركوس غارفي وانجيلا ديفيز وغيرهم واحداث مثل حرب الإستقلال وصياغة الدستور والنضال من اجل الحريات والحقوق المدنية الخ – بينما كان لها وجهها القبيح المتمثل في تجار وملاك العبيد والحروب الاستعمارية والعنصرية الداخلية والخارجية . إن دونالد ترامب هو التمثيل الأوضح لهذا الوجه القبيح في القرن الحادي والعشرين .
إن فوز ترامب يوضح ان الديمقراطية الامريكية تعاني من عدة امراض قاتلة : اولها هي نظام الحزبين الذي لا يجعل هناك اختيارا كبيرا للمواطنين؛ ثانيها هي سيطرة المال تقريبا على كل العملية الانتخابية بل وعلى عملية اتخاذ القرار في الكونغرس، ثالثها هي سيطرة النخب السياسية الرثة التي اتعبت الناس وامللتهم واوصلتهم الى حد التصويت لأهطل حتى يتخلصوا من امثال هيلاري كلينتون ، رابعها هو اعلام الاثارة الذي صنع ترامب ويصنع كل يوم امثال ترامب ؛ خامسها هو مدى التمزق الداخلي الذي يعيشه المجتمع الامريكي والذي لم يستطع الديمقراطيون والتقدميون تقديم اي برامج ناجحة لتجاوزه.
ويستغل البعض فوز ترامب لتسعير العداء لامريكا والغرب. إن استخدام انتصار ترامب لزيادة العداء للولايات المتحدة والقيم الديمقراطية اللبرالية انما هو زعم زائف. فمعاداة امريكا كبلد ومجتمع ونظام كما يفعل الكثيرون دون التفريق بين امريكي صالح او طالح وبين مؤسسة جيدة او رديئة وبين ال (ابولوشينستس والكوكولوكس كلان هو نوع من العنصرية وايدلوجية الكراهية . إن الهجوم على امريكا كلها بما فيها من صالح وطالح ومن مشرق ومعتم يشكل عندي عنصرية وتأثرا بالاعلام المعادي لامريكا لا يختلف عن عنصرية ترامب واعلامه المعادي للاخرين.
والشاهد انه ليس هناك لشعب او بلد وجه حقيقي واخرى زائفة ، بل في كل بلد هناك اوجه متعددة بتعدد البشر وتنوعهم وكون دعوات الحرية والاخاء والمساواة هي دعوات كونية تشمل جميع بني البشر ، وكذلك توجهات الشر والاقصاء والتخلف ذات طبيعة كونية وتوجد في جميع المجتمعات. ليس هناك ثقافة واحدة او وجه واحد او طبيعة واحدة لأي مجتمع ؛ ناهيك عن ان يكون هذا المجتمع مجتمعا متنوعا معقدا مثل المجتمع الامريكي الحافل بالمتناقضات .

مزاعم وأوهام:
ويزعم البعض ان ترامب يمثل الوجه الحقيقي لامريكا والوجه الأوضح للسوق الحر وأنه ابن الديمقراطية الليبرالية . وفي الحقيقة فإن ترامب ليس راسماليا شريفا وانما هو انسان – بشهادته – مضطهد للعاملين معه متهرب من الضرائب وهو ايضا يمثل الوجه القبيح للراسمالية. لا يتبنى ترامب افكار السوق الحر ولذلك يعارض اتفاقيات نافتا ويسعى لعزل امريكا وفرض جمارك عالية – لا يتبنى ترامب الديمقراطية الليبرالية فهو يسعى لتقليص الحقوق المدنية ويمارس العنصرية ويجاهر بها .
هذه الدعوات لربط ترامب بالسوق الحر والليبرالية تأتي من طرف الشموليين الشيوعيين والاسلامويين واشباههم ؛ في سعيهم الابدي لتشويه صورة الديمقراطية الليبرالية والسوق الحر. وفي الحقيقة إن ترامب نفسه ينفى عن نفسه صفة الليبرالية بل يعلن حربه عليها. هو في ذلك مثل الشيوعيين والاسلاميين الذين يستخدمون النظام الديمقراطي الليبرالي لتقويضه؛ لذلك لا يدهشنا فرح بعض اليساريين والاسلاميين بفوز ترامب.
الا ان الغريب حقا هو احتفاء بعض “العلمانيين” و”الليبراليين” لفوز ترامب؛ وهو امر غريب اذا ما نظرنا لكل اطروحات ترامب وممارساته التي تتناقض مع ابسط قواعد العلمانية والليبرالية والثورة المضادة التي وعد بها في كافة مجالات الحقوق المدنية للنساء والاقليات الجنسية والنكوص عن كل معاهدات واجراءات حماية البيئة والاصلاحات الاجتماعية البسيطة التي قامت بها الادارات الديمقراطية بما فيها فيها اوباما كير . و لا اظن أنه يمكن لعلماني حقيقي ان يحتفل بفوز اليميني المعادي للحريات والكرامة الانسانية دونالد ترامب – فوز ترامب كله شر على الشعب الامريكي وعلى العالم.
إن من يظن إن ترامب سيحارب الارهاب الإسلامي يمكن أن يواجه خيبة أمل كبيرة. فتعامل ترامب مع الاسلام والمسلمين سطحي وينطلق من عنصرية ومن نظرية صراع الحضارات وهو انعكاس لموقفه من اللاتينين ومن النساء ومن كل مختلف عنه. هذا مع ذلك لم يمنعه من التعامل اقتصاديا مع مختلف فاسدي الدول “الاسلامية” وله في آسيا الوسطى استثمارات متشابكة مع مصالح جنرالات في الحرس الثوري الإيراني. من يعول على ترامب لمحاربة الارهاب الاسلاموي يعول على حيطة ميلة ؛ فترامب بفكره ونهجه اقرب لهم ويمكن ان يدخل مع المنطرفين في تحالفات معلنة او سرية الا يلمسوا له امريكيته ويعيثوا في بلادهم وباقي العالم فسادا وارهابا.
إن مواجهة التطرف الإسلامي لا يمكن أن تتم بتطرف مسيحي أو من مواقع العنصرية ؛ وإنما بنشر قيم التسامح والديمقراطية الليبرالية واحترام الاخر اولا ؛ اي تقديم النموذج المضاد لنموذج الاسلاميين؛ ثم التصدى الحاسم لكل عملية ارهابية وكل تنظيم ارهابي. أما ترامب في موقفه من المسلمين فهو ينطلق من مواقف التطرف المسيحي والاقصاء والعنصرية؛ وهو يصب بذلك الماء في طاحونة الارهابيين . كما ان تعامل ترامب النفعي وعقليته الطفيلية التي جعلته يتعامل مع اروغان وغيره يمكن ان تجعله اكثر ميلا للتؤاطؤ مع الارهابيين؛ اذا رفعوا يدهم عنه. ولنا في التاريخ امثلة عديدة على مثل هذه المساومات القذرة.

العالم بعد ترامب:
إن اهتمامنا بفوز ترامب ينبع من ان السياسة اليوم مترابطة في العالم ولا يتم شيء في منطقة الا تتأثر به الدول والشعوب الأخرى . وفي هذا الصدد نناقش فوز ترامب في اكبر واقوى دولة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في العالم ؛ بانعكاساته الخطيرة علينا في السودان وفي العالم. أن فوز ترامب يصب الماء في طاحونة اليمين المتطرف في اوروبا؛ وقريبا يمكن ان نشهد فوز مارلين لي بين في فرنسا وصعود اليمين المتطرف في المانيا وغيرها. كما انه بشارة سارة للديكتاتوريين والاوتوقراطيين من امثال بوتين واردوغان وغيرهم من المتسلطين على شعوبهم. ليس صدفة احتفاء بوتين الحار بترامب او دعم ديكتاتور روسيا البيضاء له قبل فوزه ، وقد كانت أول التهنئات له من طرف الرؤساء الطغاة والشعبويين؛ وفي أولهم الرئيس الفلبيني المتهم بانتهاك حقوق الانسان.
إن ترامب الذي يفتقد لأي خبرة سياسية سابقة، والمتورط في علاقات خارجية مشبوهة عبر استثماراته كمقاول ووسيط في بلدان أوتوقراطية وفاسدة مثل مشاريعه في موسكو واسطمبول وازربيجان وغيرها، يشكل خطرا على مصالح الولايات المتحدة كما على مصالح العالم نفسه. ويطرح السؤال نفسه : هل سينحاز ترامب لصالح مصالح الولايات المتحدة ، ناهيك عن مصالح شعوب العالم ، ام سينحاز لمصالحه الشخصية ومصالح ” منظمة ترامب ” ، في حالة حدوث اي تضارب في المصالح بين مصالحه الخاصة والمصالح العامة.[i]

ماذا يعني فوز ترامب للسودان :
هناك ثلاثة احتمالات يمكن أن يسير عليهما ترامب فيما يتعلق بقضايا السودان – يمكن استنتاجهما من تصريحااته السابقة – كلاها خاطئ . الأول هو ان يعتبر ترامب السودان ( والسودانيين حيث الرجل لا يفرق بين الانظمة والشعوب) ممثلا للارهاب الاسلامي ويقوم بمغامرات غبية تجاه النظام مما سيجلب للنظام دعما شعبيا باعتبار انه يدافع عن السودان (والاسلام) ضد عدو للمسلمين. الثاني وهو الارجح ان يتجاهل قضايا السودان تماما في اطار سياسته الانعزالية ويترك قضايا السودان للكونغرس ؛ والثالث انه ربما يسعى لرفع العقوبات والتعاون مع النظام باعتبار انه معجب بالدكتاتوريين وله علاقات مع بعضهم واعمال في بعض اسؤا الدول الديكتاتورية في العالم وتصريحات بدعم الديكتاتوريين؛ وهذا هو السيناريو الاسؤا .
في كل الاحوال فإن النظام في السودان هو واحد من أهم المستفيدين من فوز ترامب؛ ويظل بوتين ومعسكر الطغاة هو الرابح الاكبر من هذا الانقلاب الجذري في السياسة الامريكية.

[i] مقال حول امكانية تضارب نشاطات ترامب الاقتصادية الخارجية مع الامن القومي الامريكي : http://europe.newsweek.com/donald-trump-foreign-business-deals-national-security-498081?rm=eu

downloadونحن نستشرف العام الجديد؛ كان لزاما علينا ان ننتبه لما اغفلناه لفترة طويلة ؛ من ضرورة التصدى الحاسم والحازم؛ للفكر السلفي الرجعي التكفيري؛ الذي عاث في بلادنا فسادا؛ وانتج لنا كمية من الحروب والاغتيالات وسيرة من الذبح والسحل لم نكن نتصورها في اسؤا كوابيسنا؛ واصبحنا اليوم وكأننا نتعايش معها أو نتقبلها كشر لا بد منه؛ وكجزء من حياتنا؛ وهيهات.. فثقافة التكفير هي بالضد من الحياة؛ وهي صنو الموت للافراد والمجتمعات.

**
بالمقابل تشكل ثقافة التفكير المعادل الموضوعي لتطور الحياة؛ والحافز الاول للتطور .. فما اصبح الانسان انسانا وخرج من مملكة الحيوان الا بالتفكير: باستخدام اللغة وتطور المخ والقدرة على النقد والمراجعة والابتكار.. ان تاريخ البشر انما هو في الحقيقة تاريخ الفكر والافكار.. فلولا التفكير لظللنا حتى اليوم على اغصان الاشجار او في كهوف الغابات.. بالتفكير انتقل الانسان من الخوف من الطبيعة الى محاولة فهمها .. بالتفكير اصبح الانسان اكثر قدرة على التعامل مع محيطه وواقعه وغيره من البشر؛ وقد كان ثمن التفكير باهظا في كثير من الاحيان؛ ولكن الحياة بدونه كانت ستكون سلسلة طويلة من القتل وصراع الغاب وظلام العصور الحجرية.

*
واذا كان معظم البشر في اغلب الاحيان يميلون الى السائد والقائم؛ واذا كانت حياة الانسان تنزع مرات الى الاستقرار؛ فتحاول ان تؤبد الافكار القديمة وتجزع من الافكار الجديدة؛ فان تاريخ العالم قد اثبت ان التحنط الفكري قاتل للمجتمعات مدمر لروحها اولا؛ ثم لاساس وجودها ثانيا .. وكثيرا ما نسمع عن حضارات سادت ثم بادت .. وما كانت سيادتها الا لانها قامت على فكرة جديدة او ابتكار جديد في مجال العلوم او الاقتصاد او الاجتماع؛ وما بادت تلك الحضارات الا لانها حنطت تلك الفكرة الجديدة او الابتكار الجديد ورأت فيه نهاية المطاف وميس النهاية؛ بل تحولت الى الرجعية وبدأت ترفض كل من ينظر بعين النقد او التطوير لتلك الفكرة التي كانت ثورية في زمانها؛ ثم تجاوزها الزمن والواقع؛ او حق عليها التطوير.. ومن هنا نقول ان التراجع عن ثقافة التفكير هو سبب انتكاس كل المجتمعات التس تسير في هذا الدرب الخطير.

**
ان تاريخ البشرية لهو سلسلة طويلة من حياة الفكر والشعور: الفردي والجماعي .. وقد انتقلت الحضارة بفضل الفكر والتفكير في حلقات لولبية؛ اسهم في صعودها كل شعوب العالم بلا منازع؛ وتوزعت حلقاتها بين حضارات افريقيا القديمة الراسخة؛ وافريقيا هي مهد الانسانية وبداية الحضارة؛ حيث كانت الحضارة الفرعونية والمروية الخ؛ لتنتقل الى اسيا وتصل الى اقصاها في تطور الحضارات الصينية والهندية؛ وفي الغرب كانت هناك حضارات المايا والازتك وغيرها من حضارات الهنود الحمر؛ كما في اوروبا كان تطور الحضارة الهيلينية والرومانيةمهيمنا لفترة على التاريخ؛ ثم اخذ الشرق الاوسط فرصته حين انتج اليهودية والمسيحية وحضارتيهما؛ ومن بعد بزغت الحضارة العربية الاسلامية التي حركت مسار التاريخ لقرون؛ قبل ان تسقط في الرجعية والانحدار لاخصاء العقل واقصاء التفكير.
*
ومع نهاية القرون الوسطة فقد انتقل تطور الحضارة بصورة واضحة الى الغرب الوسيط ؛ اى الى اوروبا والمراكز التي تاثرت بها : شمال امريكا واستراليا الخ .. حيث شهدت حركة التفكير عصفا لا مثيل له؛ تمثل في تطور التفكير العلمي واختراع الآلات والبخار واكتشاف الطباعة الخ ؛ واستيعاب معارف العصور القديمة من الحضارات السالفة : صينية وهندية ورومانية وهيلينية وعربية اسلامية الخ؛ وتطويرها بشكل لا سابق له من قبل. وقد كانت الثورة الصناعية التي بدات في انجلترا وثورة الاصلاح الديني التي نشات في المانيا وسويسرا والثورة الدستورية التي افتتحتها الجمهورية الفرنسية الخ ؛ هي العوامل الثلاثة التي ادت الى نهضة الغرب وتقدمه الشامل على الشرق والجنوب؛ واعطته قصب السبق والريادة طوال القرون الستة الماضية على غيره من العالم.

**
أما الشرق العربي الاسلامي؛ والذي تأثر به السودان طويلا عبر التمازج الثقافي منذ سقوط المسيحية في السودان؛ فقد شهد كغيرة فترات ازدهار وانحدار؛ وكانت اكثر فترات الاذدهار هي الفترة الاولى من دولة العباسيين؛ وهي الفترة التي شهدت حركة للعقل بعد سنوات من النقل؛ فتطور علم الكلام الاسلامي الي فلسفات مستقلة ابتدرها الفارابي وابن رشد؛ وتطور الطب على يد ابن سينا وتطورت الرياضيات و الكيمياء وعلوم الفلك وغيرها؛ ثم تراجع هذا كله مع دورة الجزر الحضاري؛ والتي تميزت بغياب العقل وسيادة النقل والنص؛ وهي السمة التي وسمت المجتمعات الاسلامية منذ انهيار دولة العباسيين والى يومنا هذا؛ وان بانقطعات قلية لم تغير من المجرى العام.

*
في مقابل التطور الحضاري للغرب والشمال؛ والذي كان التفكير العلمي محركه الاساس؛ كان الشرق والجنوب منهاران؛ حتى بدات المحاولات للنهوض الفكري في بعض مواقع الجنوب والشرق في القرن التاسع عشر والقرن العشرين؛ فشهدنا نهضة اليابان التقنية والعلمية؛ وراينا اذدهار الهند والصين وجنوب شرق اسيا؛ كما كانت هناك محاولات للنهوض الحضاري في كل من مصر محمد علي وفي تركيا وايران وتونس الخ؛ احرزت بعض اكلها مرات؛ وانتكست مرات كثيرة لثقل ميراث الجمود وسلطة القديم؛ ووقوف سلاح التكفير شاهرا على كل اصحاب الدعوات الجديدة في العلوم والافكار و واصلاح الدين والسياسة والمجتمع.

**
أما السودان والذي يقع في موقع القلب من القارة الافريقية؛ وفي تقاطع ثقافتين افريقية وعربية؛ فقد كان له قصب السبق في سابق التاريخ في مجالات علمية وفكرية كثيرة: ففي عهود المرويين كان السودان سباقا في استخدام الحديد واستخراج المعادن؛ وكان الإله الاسد ابادماك ثمرة الفكر اللاهوتي السوداني؛ كما وجدت المسيحية الشرقية ارضا خصبة لها في السودان؛ حيث سادت فيه لقرون .. وطورت الممالك النوبية العديد من منجزات زمنها؛ فكان ان ظهرت الكتابة المروية وانظمة الري والمعمار النوبي الخ؛ مما تقف اثار البركل والبجراوية وغيرها شاهدا على امكانيات الانسان السوداني؛ عندما اتيح له التفاعل الايجابي مع حضارات الشعوب.
*
ورغم ان السودان الحديث قد نشأ في ظروف التخلف التاريخي الذي ضرب باطنابه على الشرق والجنوب منذ القرون الوسيطة؛ ورغم انه ظل في موقع التابع للمراكز الاستعمارية الشرقية والاوربية – مصر؛ تركيا؛ انجلترا- الا انه مع اكتساب الاستقلال السياسي في العام 1956 ؛ كان يمكن له استشراف ثورة ثقافية كبيرة تغير جامد الحياة فيه؛ وتنقله الى مصاف الامم التي تعتمد العلم والتفكير طريقا للتنمية والتطور. ذلك لان تطور العالم ووسائل الاتصال اتاحت للمم المتاخرة ان تلحق بركب التقدم؛ عبر استيعاب المنجزات الحضارية للشعوب السابقة لنا؛ بدلا من تكرار تجاربها او اعادة اكتشاف النار بدق الاحجار مع بعضها مرة اخرى؛ في زمن تتوفر فيه القداحة وعلبة الكبريت.

**
الا ان ضعف القيادات الفكرية والسياسية التي حكمت السودان منذ الاستقلال وتصوراتها القاصرة للدولة المدنية الحديثة؛ قد جعلتنا نتراجع القهقرى؛ حيث عمدت باسم مختلف الدعوات القومية والدينية والطائفية؛ الى عزلنا عن العالم وعن مجري التطور العاصف من حولنا؛ والى اعادة انتاج القديم وصب الخمر القديم في كؤوس جديدة. وفي حين تطور العالم كله من حولنا؛ نجد اننا في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين نناقش قضايا اباحة تزويج غير البالغ وتخرج المظاهرات مطالبة باعدام البشر في قضايا تتعلق بالفكر؛ وتدعو احزابنا “الوسطية” الى الجمهورية الاسلامية؛ و يكسو القبح حياتنا عندما تتلثم الفتيات وتنثلم العقول ويرتج على الافكار الجديدة ابوابا ثقالا وتكون على القلوب اقفالها .

**
وكما أن الطبيعة لا تعرف الفراغ؛ فان المجتمع نفسه لا يعرف الفراغ. لذلك ففي غياب الفكر العلمي وامام انكسار المثقفين ومهانة الفكر الحر في السودان؛ كان لا بد لتيارات الظلام والتفكير والعودة لعصور البربرية ان تعشعش وتبيض وتفرخ في السودان؛ فاتت الينا مختلف التنظيمات والمناهج التفكيرية والرجعية مستوردة من واقع التخلف الذي يحيطنا؛ فترعرعت الدعوة الكيزانية وانتشرت الوهابية وسط الشباب؛ وتفرخت تيارات للتكفير والهجرة تطل برأسها في كل أزمة؛ وتظل قنابل موقوتة في جسد شعبنا ومجتمعنا تهدده بالانفجار في اي وقت.

*
انني احمل النخب السياسية والفكرية السودانية مسؤولية هذا الانهيار الكبير؛ ومسؤلية دخول تلك الثقافة التكفيرية الفاشية لبلادنا وترعرعها فيها: فقد انشغلت تلك النخب بقضايا الصراع السياسي الفوقي وبالقشور الثقافية وبمغازلة التقليدي من مكونات المجتمع . ولا غرو؛ فان تلك النخب قد اخترات خيانة خيارات الثقافة والمثقفين في الدعوة للعلمية والعلمانية والديمقراطية والتنوير؛ حينما انضمت للقيادات الطائفية او انكسرت للبيروقراطية العسكرية او ركضت خلف مختلف مهووسي المشاريع الايدلوجية اليمينية واليسارية؛ والتي كانت فيها في موقع التابع الناقل؛ لا موقع المنتج الاصيل.
**
في هذا الطريق المظلم كانت هناك بعض اللمحات الايجابية والمضيئة؛ مثل ثورة 1924 ومشروعها التوحيدي للامة السودانية؛ ومحاولتها خلق وحدة السودانيين على اسس جديدة؛ وهي المحاولة التي واحهتها القوى القديمة بعنف شديد؛ ثم محاولة النهضة الفكرية والثقافية في الثلاثينات والاربعينات؛ او الرينسانس السوداني كما عبرت عنه شخصيات مثل معاوية محمد نور وعرفات محمد عبد الله الخ؛ ثم المحاولة التجديدية العميقة التي حاول ادخالها في الاسلام منطلقا من السودان شهيد الفكر والموقف الاستاذ محمود محمد طه؛ او مشروع السودان الجديد الذي اراده الراحل جون قرنق بديلا لبنية السودان القديمة والمتكلسة؛ والذي لم يجد حظه من التفصيل وطغت عليه قضايا السياسة وتقلباتها؛ وظل كامنا في حيز الشعار اكثر من خروجه لافاق المشروع الفكري والبرنامج القابل للتطبيق.

*
ان الآفة الاساسية التي حكمت تطور السودان الحديث في الجانب الثقافي؛ منذ الاستقلال على الاقل؛ قد كانت في غياب المشروع التنويري العلمي العلماني الشامل؛ الذي ينشد التغيير ويبني اطره السياسية والثقافية والاجتماعية والمدنية الخ. فالسياسة الصرفة وخصوصا التقليدية منها تعتمد على مبدأ الرزق تلاقيط او رزق اليوم باليوم؛ ولا مثابرة فيها ولا مشاريع فكرية ضخمة. وفي ظل انعدام مشروع التغيير العلمي العلماني؛ فان كل مجاهدات فردية في هذا المجال تبقى معرضة للهزيمة والضياع؛ وخصوصا ان مشاريع التجهيل تنطلق من مراكز عالمية وتتوفر لها امكانيات كثيرة وظروف ملائمة عدة؛ ليس اقلها بنية المجتمع التقليدي الاقرب لقبول الافكار القديمة منه لتقبل الافكار الجديدة.

**
وقد كان يمكن للتيار اليساري السوداني ان يكون حاملا لدعوة التغيير هذه ولمشروع التنوير؛ لولا انه عزل نفسه من البداية حينما اختار التكلس الايدلوجي وحينما ذهل عن دراسة القوى الاجتماعية المؤهلة لحمل رسالة التغيير؛ وفرض احكامه الطبقية على واقع مجتمع يعاني من التخلف؛ وافترض رسالة للطبقة العاملة في وقت كانت هذه الطبقة طفلا يحبو .. وبتطور الزمن وازمة المنهج وتكرر الاخطاء وعادة المثقفين السودانيين في الانكسار للسائد؛ فقد تحول اساطين التيار اليساري السوداني الى داعمين للرجعية واليمين؛ وتخلوا تماما عن دعوات التغيير والتنوير؛ بل اصبحوا طابورا خامسا يعمل ضد اي دعوة لثقافة التفكير النقدي وللتغيير الاجتماعي والثقافي الحقيقي في السودان.

*
لقد اصبح ضربة لازب علينا؛ ان ترتبط التيارات الديمقراطية الجديدة بمشروع شامل للتنوير والتغيير؛ بل ان تكون قائدة لهذا المشروع؛ وحاملة لهمين: ثقافي وسياسي. ان التيار الليبرالي السوداني الذي انتمي اليه قد اعلن انحيازه بصورة واضحة للمشروع العلمي العلماني ولضرورة التغيير الشامل للبنية الاجتماعية والفكرية في السودان؛ الا ان ادائه في هذا المجال لا يزال ضعيفا؛ ولا يزال دعوة التغيير وثقافة التفكير تحتاجان الى بلورة دقيقة لاطرها ووسائلها؛ حتى لا تتحول الى شعارات استهلاكية جديدة لا تحفر عميقا في ارض الواقع وفي البنية الذهنية والاجتماعية للسودانيين.
**
ان قضية شكل الدولة وانتمائها الثقافي تحتل مكانا هاما في عملية البلورة هذه وفي استشراف ملامحج التغيير. لقد كانت الدولة السودانية بعد الكولونيالية مسخا مشوها يجمع بين الاشكال الحديثة والجوهر المتخلف القديم. كما كانت قوانينها تدرس القانون الانجلو ساسكي مع قوانين قرون التخلف المسماة بالشريعة الاسلامية وقوانين الاحوال الشخصية؛ حتى انتكست تماما ووازنت بين جوهرها الرجعي ومظهرها بعد سبتمبر 1983. لقد اصبح من الحتمي ان ننحاز لمشروع الدولة العصرية الحديثة التي ينسجم جوهرها مع مظهرها؛ ودستورها مع قوانينها؛ وينسجم خط تطورها مع الفكر العالمي الحديث. اي اننا نحتاج الى دولة ديمقراطية علمانية لا تتوجه شرقا وانما تتوجه نحو المستقبل؛ وفي مثال الهند لنا عبرة كبيرة؛ وفي مثال تركيا لنا انموذج أقل؛ ذلك لان ازمة الديمقراطية في النموذج التركي قد اصابته في مقتل.

*
كما تحتاج قضية البني الاجتماعية القديمة والبالية الى معالجات جذرية : ان العنصرية والاستعلاء العرقي هي مشاكل خطيرة في السودان؛ كما لا تزال القبلية تعشعش في قلوب الكثير من السودانيين وعقولهم . وتمارس الطائفية السياسية خداعها واستغلالها للمواطنين حتى اليوم. صحيح ان هذه البنى والاشكال لن تضمحل الا بتغيير اقتصادي وعلمي كبير يشمل البلاد؛ لكن هذا التغيير لن يقوم ما لم يكن مطروحا كبرنامج للعمل والتطبيق؛ وما دمنا لا نحدد بدقة معوقاته والمشاكل التي يهدف لعلاجها. ان العفوية والتهرب من القضايا الحارقة ستؤدي في اجسن الاحوال لاعادة انتاج المسخ القديم؛ وفي اسؤاها لتشظي الدولة السودانية والانتقال لاشكال سياسية ادني ومرحلة ما قبل الدولة الحديث؛ وسيتحلل المجتمع السوداني والذي هو في طور التكوين كمجتمع؛ ليعود لمكوناته الاولى كقبائل وتجمعات عرقية ودينية كنا نظن اننا فارقناها منذ العام 1924.

**
و تحتل قضية موقع الدين في المجتمع والدولة اهمية قصوى؛ فما عاد من الممكن محاولات الترقيع وتقديم الخطاب العلماني في لباس اسلامي او العكس . كما لم يعد من الممكن تجاهل الخطاب الرجعي السلفي الذي يريد الارتداد بالمجتمع السوداني والدولة السودانية للقرون الوسطى؛ اذ ان هذا الخطاب متماسك في مشروعه الكلي: وهو مشروع رجعي بامتياز ومعاد لمصالح وتطلعات ومستقبل اهل السودان ودولة السودان الديمقراطية. ان هذا التيار الرجعي الان يحتل الموقع الامامي في الدفاع عن النظام القديم وتجلياته الفاشية الاكثر عنفا وعداء لشعب السودان؛ وهو يستمد\ قوته من سيطرته على الحكم وجهاز الدولة حاليا؛ ووجود جيوب قوية له في المعارضة – المؤتمر الشعبي – او على تخوم النظام – الوهابيين والرجعيين والسلفيين من رجال الدين والطرق الخ – ؛ ويشكل في مجموعه جبهة واسعة وقوية للردة والتخلف والعنف والاستغلال.
*
إن قضية تحرير المراة ومساواتها الشاملة والكاملة بشريكها الرجل تأخذ موقعا متقدما في ملامح استراتيجية ودعوة التغيير وفي ثقافة التفكير. ان اصحاب ثقافة التكفير يعتمدون على ثقافة النص المتخلفة والفقه الرجعي لادامة قهرهم للمراة السودانية ولخلق لباس ايدلوجي لافكارهم وممارساتهم المريضة والمعادية للمراة والاسرة والمجتمع. ان صياغة البديل بشكل علماني واضح وبالاعتماد على الفقه الدستوري لا الديني وتحريك جموع النساء وخلق حركة مواطنية جبارة لتحرير المراة قد اصبح ضربة لازب. وفي هذا المجال لا بد من صياغة قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان؛ واعادة صياغة كل القوانين المدنية والجنائية الخ؛ بحيث تنطبق مع مبدأ المساواة بين المواطنين الدستوري.

**
ان جماهير الشباب هي الحليف الاول في معركة التغيير والتنوير؛ وما فرخ الدجل التكفيري وسطها الا لغياب البديل الديمقراطي العلماني والعلمي؛ والا لمثابرة التكفيريين ونشاطهم الفائق؛ وثوريتهم اللفظية التي يستغلوا بها حماس الشباب حتى اوردوه موارد التهلكة. ان روح الشباب في ذاتها؛ اضافة الى منجزات الحضارة الحديثة من انترنت وقنوات فضائية وثورة الاتصال والمعلومات كلها تدفع الشباب نحو ثقافة التفكير النقدي ومراجعة القديم البالي والانتماء لمشروع التغيير والتفكير. ان ما ينقص هو بلورة هذا المشروع وبناء حوامله التنظيمية والفكرية؛ حتى يجد الشباب ما يتجه اليه؛ وسط موج الفكر السلفي والرجعي المتلاطم الذي تحاصره به الدولة والتنظبمات الرجعية؛ والذي مع ذلك لا يجد ترحيبا كبيرا من اغلب الشباب؛ وذلك بصورة عفوية وغريزية.

*
ان الاسلام السوداني الصوفي قد كان مغايرا بشكل كبير لشكل الاسلام السلفي الذي انتشر في العالم الاسلامي في عهود انخطاط الحضارة الاسلامية؛ وكان قريبا دائما من نبض المجتمع؛ وتميز بدرجة كبيرة من التسامح؛ وكانت الطرق والمراكز الصوفية مراكز اجتماعية مهمة توسل بها المجتمع لاشباع بعض احتياجاته المادية والروحية؛ وواجه بها صلف الدولة بل اثر عليها وجعلها اقل عدوانية. ان اسلام اهلنا الصوفي يظل الاقرب الى دعوة التسامح والتغيير والابعد من ثقافة التسلط والتكفير؛ وهو بهذا المعنى يشكل حليفا موضوعيا للمشروع التنويري؛ دون ان يغيب عن ذهننا الجوانب السلبية في الصوفية الطرائقية؛ او وضع بعض قادة الطرق الصوفية انفسهم مطية للحكام او قيادات الاحزاب الطائفية؛ او ان الصوفية في السودان لها بعض المقاربات السلفية؛ الا ان اغلبية الصوفيين تظل مع ذلك في انسجام مع تطلعات مواطنيها؛ وتظل الاقرب الى دعوات التسامح والتنوير والتغيير.

*
ان التخريب الشامل الذي احدثته ثقافة التكفير وايدلوجيات معاداة المجتمع والانسان في الشخصية السودانية والعقل السوداني كبير ويتجاوز الوصف؛ ويكفي قراءة الصحف او التجول في الاسواق او مراقبة ملابس الناس لنعرف حجم التخريب الذي احدثته فيروسات العقل تلك على عقلنا الجمعي؛ ولكن بقدر ما هناك فيروسات للعقل بقدر ما هناك ادوات لتطهير العقول من الفيروسات؛ وهناك امكانية عظيمة لاصلاح الضرر الذي لحق بالشخصية السودانية – والتي رغم ديناميكيتها الا انها تبقى بالفطرة السليمة ابعد من دعوات التفكير – واعادة المجتمع الى روح العصر ومجرى التطور الانساني.

**
فنعمل اذن ولنبتدر الحوار؛ من اجل ثقافة التفكير لا جهالة التكفير؛ ومن اجل تغيير الواقع للافضل؛ لا الارتداد به الى كهوف التاريخ.

عادل عبد العاطي
21و23 ديسمبر 2007

Untitled

 

 

مدخل :

يذهب معظم الباحثين والمتابعين لصيرورة التطور التاريخى والسياسى للسودان ؛ على وجود ازمة عميقة تتحكم فى مفاصل هذا الكيان السياسى ؛ بعض من جذور هذه الازمة كامن فى الحقبة الكولونيالية ؛ الا ان تمظهرها الاساس قد تبدى فى مجمل التاريخ الاحدث للدولة ” الوطنية ” بعد الكولونيالية التى بزغت بعد الاستقلال . ان هذه الازمة الوطنية ذات اسباب ونتائج مختلفة ؛ من بينها ازمة الحركة السياسية السودانية والنظام السياسى السودانى . فى هذا المقال نتناول جانبا واحدا من مظاهر واسباب الازمة ؛ وهو ازمة الشرعية فى الحركة السياسية السودانية وفى كامل النظام السياسى السودانى .

فى وصف الظاهرة :

ظاهرة ازمة الشرعية ؛ سواء كانت فى الحركة السياسية ؛ او فى مجمل النظام السياسي ؛ ظاهرة عامة عرفتها وتعرفها البشرية منذ عقود ؛ اذ انها ليست خاصة بالكيان السودانى وحده ؛ او الاحزاب السودانية حصرا . ان المتابع لتاريخ افريقيا الحديثة يجد سجلها وافرا بالانظمة غير الشرعية ؛ او الحركات السياسية التى تفتقر الى المشروعية . كما ان هذه الظاهرة تمتد الى اسيا وامريكا الجنوبية ؛ والى مختلف النظم الشمولية التى مرت على اوروبا فى القرن العشرين . ان المظهر الذاتى لازمة الشرعية يتجلى فى تبدى المقاومة المنظمة والمعارضة للحزب المعين او النظام القائم ؛ وهى مقاومة تستند فى المقام الاول على نقض شرعيته ؛ وتهدف الى اقتلاع الحزب المعين او النظام وتصفيته من الجذور ؛ وليس على المعارضة السلمية له فى اطار نظام شرعى مقبول . اما المظهر الموضوعى له فيتبدى من خلال قراءة مدى مشروعية  الحزب اوالقائد او  النظام المعين على هدى المبادى القانونية والدستورية لنظرية الشرعية .

لماذا البحث حول  ازمة الشرعية فى السياسة السودانية :

اننا ؛ انطلاقا من هذين المعيارين  ؛ سننظر الى تاريخ ومكونات الحركة السياسية السودانية والنظام السياسى السودانى . حيث نلحظ وجود مقاومة منظمة ؛ لا تنقطع ؛ لمجمل الانظمة التى مرت على تاريخ السودان المستقل ؛ من مدنية وعسكرية ؛ وهى مقاومة استندت اساسا على حجة عدم مشروعية هذه الانظمة . واذا كانت المقاومة للانظمة العسكرية قد كانت شاملة لقوى متعددة فى القطر ؛ فان المقاومة للانظمة المدنية قد جاءت من طرف الحركات الممثلة لجنوب السودان اساسا ؛ والتى كانت تذهب فى معظمها ليس الى نقض مشروعية النظام القائم فحسب ؛ بل الى التشكيك فى مشروعية الكيان التاريخى السودانى فى مجمله (دعوات الانفصال ؛ دعوات تحرير السودان) . ان وصول هذه المعارضة الى حد المقاومة المسلحة توضح الى اى حد تتبدى ازمة المشروعية هذه لدى معارضيها ؛ اما المظهر الموضوعى لازمة الشرعية فيجب البحث عنه فى مجال القانون الدستورى والعلوم السياسية ؛ وهو ما سنتناول بعضا منه فى هذه العجالة .

واذا كانت ازمة الشرعية فى النظام السياسى قد كانت بادية للكثيرين ؛ فان ازمة الشرعية فى مكونات الحركة السياسية السودانية لم تحظ حتى الان بحقها من الاهتمام . رغما عن اشارة العديد من المثقفين والمحللين الى ظواهر هذه الازمة واحتقاناتها فى الخارطة الحزبية السودانية .  اننا نلاحظ ان هناك قراءة خاطئة تستند على ان اى تشكيك بمشروعية حزب ما ؛ انما يهدف الى بناء ديكتاتورية والى نقض الديمقراطية . .وهذه قراءة تنبع اما من سوء الفهم ؛ او سوء النية . سوء الفهم ينبع من غياب الفكر النقدى فى حياتنا العامة ؛ وكون القوى الشمولية قد جعلت من الهجوم على الحزبية احد وسائل دعايتها الاولى . اما سؤء النية فينبع من تلك الاطراف المستفيدة من الازمة ؛ والراغبة فى تأبيدها واعادة انتاجها ؛ والتى تفسر كل انتقاد لمواقعها من زاوية المنافسة السياسية او الايديولوجية . وفى الحقيقة فان الديمقراطية الحقة لا تبنى بواسطة مؤسسات وقادة يفتقروا الى الشرعية ؛ كما ان انعدام الشرعية فى حزب ما ينبغى ان يجد المقاومة ؛ ليس من منتسبى هذا الحزب فقط ؛ وانما من مجمل الراى العام ؛ وذلك لان حزب كهذا لا بد مشبع بميول تسلطية قوية ؛ ستنعكس حتما على مجمل الفضاء السياسى ؛ طالما توفرت له امكانية الوصول الى السلطة او التاثير عليها .

ان تناولنا لظاهرة ازمة الشرعية فى الحركة السياسية السودانية وفى مجمل النظام السياسى السودانى اذن ؛ لا تنبع من اهتمامات اكاديمية محضة ؛ او من منافسة حزبية  لبعض تيارات الخارطةالسياسية ؛ وانما من حاجة عملية لترشيد الحركة السياسية السودانية ؛ ولتاسيس المعارضة للنظام القائم ( وعلى كامل بنية الكيان السياسى المهيمن منذ الاستقلال ) على اسس مبدئية وفكرية وقانونية ؛ وليس على المكايدة السياسية او العداء البيولوجى ؛ والذى يحكم سلوك معظم القوى السياسية المعارضة تجاه النظام . ولا عجب فى موقفها  ذلك ؛ حيث ان هذه القوى المعارضة ؛ لا يمكن ان تشير الى جانب انعدام الشرعية فى النظام والحزب الحاكم ؛ اذا ما كانت هناك شكوك حقيقية حول مشروعيتها بالذات . ان تناولنا لهذه الظاهرة يصب ايضا فى اتجاه بناء قوة سياسية جديدة ؛ ذات مشروعية ديمقراطية  ؛ تهدف الى بناء نظام سياسى حديث ؛ قائم على الشرعية ودولة القانون ورقابة المجتمع المدنى ؛ وليس على تزييف الشرعية سواء فى تزييف ” ثورى ” او ” اصولى – طائفى ” .

فى اصل الشرعية :

ان مشروعية حاكم ما ؛ قائد ما ؛ حزب ما ؛ او نظام سياسى بعينه ؛ قد تطورت فى التاريخ ؛ اعتمادا على مصدر الشرعية المتبنى من قبل الكيان الاجتماعى المحدد . اننا هنا ولتسهيل التعريف نزعم بان المشروعية تعتمد اعتمادا كبيرا على واقع القبول والاعتراف بالسلطة السياسية المعينة ؛ من قبل المواطنين الخاضعين لسيادتها ؛ بصورة سلمية وطوعية ؛ دون قهر خارجى ؛ قانونى او روحى او بدنى . فالسلطة ؛ سواء كانت فى حزب ؛ نظام ام مجموعة اجتماعية ؛ تمارس فى ظل مفهوم السيادة ؛ وبهذا فعلى السائد ان يجد القبول بسيادته ؛ وبذلك الاعتراف بمشروعيته ؛ من قبل المحكومين . ان عالم الاجتماع الفرنسى مارسيل غوشيه ؛ يحاول ان يجد الاجابة على السؤال ؛ لماذا يقبل انسان او مجموعة ؛ بان يقدم الطاعة لانسان آخر ؛ يتمتع بممارسة السلطة . وهو يذهب الى ان اصل علاقة القبول والطاعة ؛ كامن فى ما يسميه ب”مديونية المعنى” ؛ اى اطاعة ذلك الشخص الذى يشبع رغبتنا فى التوصل الى معنى ملى لنشاطنا وحياتنا
[i]. وبالتالى فالطاعة والقبول هنا تاتى نتيجة لضرورة داخلية ذاتية ؛ وليس نتيجة لقسر خارجى . وفى هذه الحالة فان السلطة تتحول الى سيادة عليا ومشروعية كاملة ؛ لا تحتاج الى القوة لفرض نفسها ؛ ومن اجل ان يطيعها الناس .اننا فى الفقرات التالية ؛ سنحاول ان نتابع اصل “مديونية المعنى”
[ii] او مصدر مشروعية السلطة ؛ كما تبدى  فى التاريخ ؛ و كما تمظهر فى التجربة السياسية السودانية .

شرعية الوراثة :

وهى شرعية تنبع من توريث السلطة فى داخل اسرة ما او مجموعة عرقية ما ؛ وانتقالها من الزعيم المؤسس او المجموعة المؤسسة الى ابناءه واحفاده من بعده ؛ حتى تنتزع منهم السلطة اسرة اخرى ؛ او  شرعية اخرى . وشرعية الوراثة رغم انها قد مورست – وتمارس – فى العديد من التشكيلات الاجتماعية ؛ بدءا من العشيرة الصغيرة وانتهاءا بالامبراطوريات ؛ الا انها ما كانت قط كافية كمبدا اساس للشرعية ؛ ولذلك غالبا ما طعمت بشرعية ذات اساس دينى ؛ او اقتصرت على مستوى الرمز ( الملكية الدستورية ) . او حددت بسلطات اخرى يمكن ان تقاومها (مجلس الشيوخ ؛ كبار القبيلة ) الخ . ان ابن خلدون قد رصد هذه الشرعية كاحد مصادر العصبية ؛ فى عمله الاجتماعى الرائد ؛ المقدمة ؛ ولكنه مع ذلك وضح قصورها على المدى الطويل ؛  فى ايصالها للقيادة عناصر ضعيفة مع الزمن ؛ لا ترقى لمستوى وقدرات القادة المؤسسين ؛ ومن ثم بروز منافسين من الاسر والمجموعات الاخرى ؛ الامر الذى يؤدى الى تغيير المجموعة الحاكمة ؛ غالبا فى صورة عنيفة .

ان هذه المشروعية كمصدر للسلطة يمكن ان نرصدها اساسا فى السودان فى السلطات القبلية والعشائرية ؛ كما نراها ايضا فى التكوينات الطائفية والصوفية ؛ رغم ان مصدر الشرعية الاساس هناك ذو طابع دينى . ولقد بذلت الادارة الاستعمارية مجهودا كبيرا لبسط سلطتها اعتمادا على هذه الشرعية (الادارة الاهلية ) ؛كما  تمت محاولة فى الاربعينات لتوسيع شرعية ابناء المهدى من حدود الطائفة الى الاطار الوطنى العام ؛ فى فكرة بناء نظام ملكى فى السودان ؛ بقيادة السيد عبد الرحمن المهدى  . الا ان الفكرة قد ووجهت بمقاومة ضارية ليس من قبل العناصر الجمهورية والحديثة فقط فى المجتمع ( الحزب الجمهورى ؛ الحركة الاتحادية ؛ براعم اليسار الناشئ ) ؛ وانما من زعماء الطوائف الاخرى وشيوخ القبائل كذلك ( الحزب الجمهورى الاشترالكى ) ؛ والتى رفضت ان ترى احد الزعماء الطائفيين ؛ مالكا لسلطة مطلقة على حدود الوطن كله ؛ وفضلت الشكل الجمهورى على الخضوع لمن راته يماثلها فى المقام .

الشرعية ذات الاصل الدينى :

ان السلطة التى تبحث عن مشروعيتها فى اصل دينى ؛ لهى من اقدم نظريات المشروعية ؛ فاغلب المجتمعات البشرية مرت فى تطورها بمرحلة تاسيس السلطة السياسية بناء على مشروعية دينية . و قد استمد مختلف الحكام مشروعيتهم من اصل دينى ؛ طوطمى او وثنى ؛ وفيما بعد من ” معطى الوحى” . ان هذه المشروعية تتبدى فى الاسلام فى خضوع الحاكم والرعية لمعنى اكبر ؛ وهو الشريعة ؛ ومن هنا ياتى ربط الطاعة للنظام او الحاكم بالتزامه بالشريعة ؛ ومن هنا جاء الادعاء من مختلف السلاطين والملوك بانهم خلفاء او امراء المؤمنين  ؛  والخليفة هنا هو خليفة للرسول ؛ كما جاء فى تسميته الاولى ؛ خليفة رسول الله ؛ ثم تحولت فيما بعد  الى امير المؤمنين ؛ والى خليفة المسلمين  . ان مبدا الطاعة هذا قد قابله منهج للمعارضة ؛ يعتمد ايضا على مصدر دينى ؛ وقد تمظهر اولا فى ثورة الخوارج ؛ وشعارهم ” لا حكم الا لله ”
[iii] ؛ والذى استغل لنزع المشروعية عن مجمل الخلفاء والنظام السياسى فيما خارجهم . وامتد من بعد الى الشيعة وغيرها من الحركات المعارضة على اسس مشروعية دينية
[iv].

ان نفس البحث عن مشروعية للسلطة فى اصل دينى قد تم  فى اوروربا ؛ وامتد من طقوس التنصيب “الروحية” عند القبائل الجرمانية والاسكندنافية والسلتية ؛ الى مفهوم  الامبراطور- الاله فى الامبراطورية الرومانية ؛ الى مباركة البابا لملوك اوروبا فى العصور الوسيطة؛ حيث كان للبابا سلطة مباركة الملوك او خلعهم ؛ الامر الذى جعل السلطة الزمنية معلقة اطلاقا بارادة البابا ؛ والذى كانت له دولته الخاصة . ان هذا الامر لم يتغير الا بعد نشاة الكنائس الوطنية فى الدول البروتستانتية ؛ حيث اصبح الملك رئيس الكنيسة ؛ لكن التغيير الحقيقى تم مع الثورة الفرنسية ؛ والتى نزعت الغلالة القدسية عن السلطة ؛ واحالت مشروعيتها الى الانسان والمجتمع .

 وفى السودان فقد قامت مختلف الدويلات على مبدا المشروعية الدينية ؛ سواء فى الدويلات المسيحية ؛ او الاسلامية ؛ او القائمة على كريم المعتقدات. ان نموذج الدول المسيحية نراه فى المقرة وعلوة ونوباتيا ؛ اما الاسلامية فامثلتها فى دولة الفونج وسلطنة الفور ومملكة تقلى – المسبعات ؛ اما القائمة على كريم المعتقدات فاهمها مملكة الشلك . اما   النموذجين الاكثر تطرفا لمبدأ المشروعية الدينية –الدولة الاصولية – فيمكننا ان نراهما فى نظام الدولة المهدية
[v]؛ ونظام الجبهة القومية الحالى ؛ اللذان بنيان مشروعيتهما على اصل دينى .

الشرعية الدستورية :

المصدر التالى للسيادة ؛ ومن ثم للشرعية ؛ بزغ مع الثورة الفرنسية ؛ وبناء على افكار سابقة لها حول العقد الاجتماعى . ان الثورة الفرنسية قد اسست لشرعية جديدة ؛ حينما رفضت الاصل الملكى والكنسى للسلطة ؛ وارجعتها الى المواطن . ان اعلان حقوق الانسان والمواطن ؛ قد كان هو الاساس الفكرى للشرعية الدستورية كما كان حق الاقتراع العام والحياة النيابية ؛ اساسها السياسى .

ان فكرة الشرعية الدستورية ؛ تقوم على مبدا العقد الاجتماعى ؛ وهو التنازل عن جزء من حقوق الفرد ؛ لصالح ضمان اغلبها فى الكيان الاجتماعى ؛ ومن هنا جاء حق الانتخاب والتمثيل . وبهذا فان الشعب اصبح هو مصدر الشرعية ؛ والدستور وحق الاقتراع العام ؛ اصبحا مظهر هذه الشرعية الاساس .

ان السودان قد عرف الشرعية الدستورية ؛ فى صورة الانظمة الديمقراطية التى تعاقبت منذ الاستقلال ؛ والتى وان كفلت حق الانتخاب والاقتراع العام ؛ الا انها قد شابتها الكثير من المسالب ؛ وشككت فى مشروعيتها اطراف متعددة لنواقص كثيرة طالتها  ( اكتسبت النساء حق الاقتراع فقط بعد ثورة اكتوبر ؛ قاطع حزب الشعب الديمقراطى انتخابات 1965 ؛ تم حل الحزب الشيوعى وابعاد نوابه تحت ظل هذه الشرعية ؛ كما لم تتم الانتخابات فى مناطق واسعة من الجنوب خلال انتخابات الستينات وانتخابات العام 1986) . الا ان المقتل الاول لهذه الشرعية فى السودان كامن فى انها استندت ليس على مبدا علمنة السياسية وتداول السلطة ؛ وانما على اعتماد السياسة على الطائفة ( اى مصدر دينى وليس دستورى  للشرعية ) ؛ وتابيد الرئاسة فى زعماء الطائفة – الحزب .

الشرعية الثورية :

فى مقابل هذه الشرعيات التقليدية  ؛ فقد برزت الشرعية الثورية ؛ وهى فكرة تذهب بجذورها ايضا الى زخم الثورة الفرنسية وسنينها الاولى ؛ وخصوصا ديكتاتورية اليعقوبيين ؛ ولكنها تطورت بشدة ؛ خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ؛ بدفع من الاتجاهات الاشتراكية المتطرفة اولا ؛ ومن بعد لحقت بها الاتجاهات القومية الشمولية .

ان دعاة هذه الشرعية يذهبوا الى ان مصدر الشرعية ليس هو الشعب فى عمومه ؛ وانما مصدرها هو الجماهير ( الشعبية ؛ الكادحة ؛ الخ )؛ والتى تعبر عنها طليعة ما ( طبقة ؛ حزب ؛ مجموعة ثوار؛ مجموعة ضباط  الخ ) . ان هذه الطليعة ؛ تدعى ان لها دورا ثوريا ؛ وانها تعبر عن مصالح اغلبية الجماهير ؛ وهى بهذا تعطى شرعية لنشاطها وسلطتها ؛ التى غالبا ما يتم الاستيلاء عليها عن طريق العنف . ان هذه الشرعية قد كانت يسارية وعلمانية فى الاساس ؛ رغما عن استخدامها من بعد من قبل اطراف يمينية ودينية . وقد اعتمدت على نقض شامل لمبادى الشرعية الدستورية ؛ باعتبارها خالية من المضمون الاجتماعى ؛ وتعبر عن مصالح النخب السياسية والحزبية والطبقية  المسيطرة  .

وقد وجدت هذه الدعوة رواجا فى السودان ؛ تحت تاثير العناصر اليسارية ؛ والتى انتقدت بعنف نواقص الشرعية الدستورية ؛ كما طبقت فى السودان . كما كانت دعوة كل الانقلابات العسكرية المتتالية التى حكمت السودان ؛ والتى بنت شرعيتها عل انها ثورة تعبر عن الجماهير . وقد تبدى ذلك فى زعم العسكريين ؛ التقليديين فى البداية والمؤدلجين فيما بعد ؛ بان كل اغتصاب لهم للسلطة تم باسم الثورة ؛ وفى اطلاقهم تسميات مفخمة على انقلاباتهم البائسة  (ثورة 17 نوفمبر ؛ ثورة 25مايو المجيدة ؛ ثورة الانقاذ الوطنى ) ؛ كما ان حركات سياسية عديدة ؛ قد بنت نشاطها على مبدا الشرعية الثورية ؛ والتى رفضت بها الانخراط فى العملية الديمقراطية (الحزب الشيوعى –القيادة الثورية فى الستينات ؛ الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الديمقراطية الثالثة ؛ حركة اللجان الثورية ؛ الخ )

شرعية الصفوة :

وهذه دعوة تقوم على ان اصل الشرعية كامن فى العلم ؛ وان السلطة بذلك يجب ان تقع فى يد الجزء الاكثر تعليما فى المجتمع ؛ بوصفه الاكثر معرفة باحتياجات الشعب ؛ والاكثر قدرة على حلها . ان جذور هذه الدعوة ترجع الى افكار افلاطون حول المدينة الفاضلة ؛ والتى قسم سكانها الى طبقات متعددة ؛ تقوم كل منها بمهمة ؛ وقد حدد الفلاسفة لمهمة الحكم والتدبير . ان التراث الاسلامى قد شهد دعوة مماثلة ؛ فى افكار اخوان الصفا ؛ والذين طوروا افكارا مشابهة للجمهورية الافلاطونية ؛ وفى افكار تيارات اسلامية عديدة ؛ صوفية وسنية ؛  فصلت ما بين مقدرات ومهام ومسئوليات  العامة (الجمهور) ؛ والخاصة (الفقهاء ).

اما فى العصر الحديث ؛ فقد انتشرت هذه الدعوة فى المستعمرات والبلدان ذات معدلات الامية العالية . وفى الغرب تبدت فى دعوات حكومات التكونقراط وسلطة ذوى الياقات البيضاء (افكار هربرت ماركوز ) . اما فى السودان ؛ فقد تبدت اول مرة فى دعوات مؤتمر الخريجين وادعاءه تمثيل مختلف قطاعات الشعب السودانى ؛ ثم تكرست فى افراد دوائر معينه للخريجين فى مختلف الانتخابات البرلمانية ( عدا انتخابات عام 1968) ؛ وفى الدعوات المتعددة لتمثيل القوى الحديثة فى الحكم ؛ خارج اطار مبدا الديمقراطية التقليدى ؛ فرد واحد : صوت واحد .ان هذه الدعوة نجدها ايضا فى افكار وممارسات الفترة اليمينية البيرقراطية فى مايو (1973-1977) ؛ ومنظريها من امثال منصور خالد ؛ جعفر محمد على بخيت ؛الخ .  كما نجدها ايضا فى الافكار الصفوية ؛ والتركيز على التعليم والمتعلمين ؛ كمدخل للتغيير الاجتماعى والسياسى والدينى ؛ فى فلسفة الجمهوريين والاستاذ محمود محمد طه .

ان مشروعية الصفوة فى السودان قد كانت محاولة لتجاوز قصور الديمقراطية البرلمانية ؛ ومشروعيتها الدستورية ؛ فى واقع يتميز بالتخلف الاجتماعى وسيادة العلاقات التقليدية ؛ وان كانت لم تذهب الى حدود دعاوى الشرعية الثورية  وتحتكر كل السلطة لنفسها . انها دعوة اصلاحية اذن ؛ ولكن تنقصها الديمقراطية ؛ كما تغيب عنها الثورية ؛ وبذلك فلم تجد لها صدى واسعا وسط الحركة السياسية السودانية وفى النظام السياسى ؛ خارج اطار قلة من التكنوقراط والمتعلمين .

اصل  الشرعية فى الحركة السياسية السودانية :

اننا نزعم فى بحثنا هذا ؛ ان الازمة فى مشروعية النظام السياسى السودانى ؛ ترجع بدرجة كبيرة الى ضعف هذه المشروعية فى مكونات الحركة السياسية السودانية ؛ وقبل كل شى فى احزابها السياسية . ان المجال لا يتسع هنا للنقاش التفصيلى حول قضايا الشرعية ومديونية المعنى فى كل حزب على حدة ؛ الامر الذى نامل بالعودة اليه بتفصيل اكبر فى المستقبل . لذا فاننا نكتفى هنا بالتقسيم الواسع الذى ابتدعناه لاجنحة الحركة السياسية السودانية ؛ فى تياراتها الرئيسية : الطائفية ؛اليسارية ؛ الاصولية ؛ الحركات الاقليمية  (او  حركات القوميات المهمشة ) ؛ والقوى الجديدة .اننا فى الفقرات التالية سنستعرض المبدأ الاساسى للشرعية فى هذه التيارات ؛ ثم انعكاس هذا المبدا فى الحياة الداخلية التنظيمية لاحزاب ذلك التيار ؛  آملين بذلك ان نلقى بعض  الضوء على ازمة الشرعية وسط هذه المكونات فى عموميتها .

أ: الاحزاب الطائفية

تعتمد الاحزاب الطائفية فى السودان ؛ والتى من اهمها الان حزبى الامة والحزب الاتحادى الديمقراطى ؛ على دمج عاملين للشرعية ؛ وهى الشرعية الدينية ؛ وشرعية الوراثة ( الشرعية المبنية على الانحدار من اصل كريم ) . ان الشرعية الدينية هنا لا تقوم على اجتهادات القائد الحالى للطائفة – الحزب ؛ وانما على الانجازات السابقة لمؤسس الطائفة ؛ المنقولة وراثيا واوتوماتيكيا ؛ الى اسرته المنحدرة من صلبه . وبهذا فان الشرعية الدينية قد تحولت الى شرعية طائفية ؛ هى وراثة الابن والحفيد للسلطة بناء على مشروعية الاصل الدينى لهم ؛ اى انحدارهم من صلب مؤسس الطريقة الدينية التى تنتمى اليها الطائفة . ان وراثة السلطة داخل الطائفة ؛ قد تحولت الى وراثة السلطة داخل الحزب ؛ المعبر السياسى عن مصالح قادة الطائفة . ان مبدا الوراثة ؛ المرفوض اسلاميا ؛ كشكل من اشكال شرعية السلطة فى الاسلام ؛ والمرفوض ديمقراطيا ؛ حسب نظرية الشرعية الدستورية ؛ قد اصبح هنا مرجعا واصلا للشرعية ؛ ليس فقط الدينية (اقرأ الطائفية ) ؛ وانما السياسية ؛ فى الحزب والدولة
[vi].

اننا هنا لا نلغى حق منتسبى الطائفة فى الانتساب اليها ؛ ولا نطالب بالغاء الطائفة كشكل من اشكال التنظيم الاجتماعى ؛ او كتجل لمبدأ مشروعية المعنى ؛ الا اننا نرفض نقل السلطة الدينية – الطائفية الى الفضاء السياسى ؛ باعتبار انهما يخلطان ما بين مجالين لنشاط الانسان ؛ المجال الروحى الدينى ؛ والذى قد لا يحتمل المنهج الديمقراطى ؛ والمجال السياسى ؛ الذى يتعلق بمواطنين آخريين ؛ خارج اطار الطائفة او حتى الدين السائد ؛ بل وحتى باعضاء الطائفة ؛ والذين فى الفضاء الاقتصادى –السياسى ؛ قد تكون لهم مطامح متناقضة مع قادة الطائفة .

ان الحزب الطائفى ؛ اذ يرتضى آاليات النظام الديمقراطى ؛ بمشروعيته الدستورية ؛ فهو يناقض نفسه . حيث تفترض الدستورية تساوى كل المواطنين ؛ غض النظر عن دينهم وطائفتهم  ؛ بينما تميز البنية الطائفية بين المواطنين ؛ بناءا على انتمائهم الطائفى ؛ كما تعطى لقادة الطائفة سلطات غير محدودة ؛ وبذلك يصبحوا خارج امكانية تغييرهم (داخل الحزب الطائفى ؛ ومرات ضمن اطار النظام السياسى ) ضمن عملية تداول السلطة ؛ والتى تشكل لب النظام الدستورى .

 ان الحزب الطائفى ؛ يفتقر الى المشروعية كونه يستغل النفوذ الطائفى لتحقيق مصالح سياسية – اجتماعية لقادته ؛ ويجبر منتسب الطائفة على الطاعة فى خارج مجال ولائه ؛ اى فى الفضاء السياسى ؛ و تحويله بذلك  الى رقيق سياسى  )انظر فى ذلك مقولة السيد عبد الرحمن المهدى : ليس كل حزب امة انصارى ؛ ولكن كل انصارى حزب امة ) .  كما تنعكس هذه البنية على الجماهير من خارج الطائفة ؛ كونهم محكومون بالاغلبية الميكانيكية لحزب الطائفة الاكبر ؛ ومتاثرين بقرارات القائد الطائفى– الحزبى ؛ والذى يخضع قبل كل شى الى مشروعيته والتزاماته الاولى ؛ الطائفية .

ان بنية الطائفة ؛ كونها لا تخضع لمبدا الدستورية والديمقراطية ؛ ينبغى ان تفصل تماما عن بنية الحزب ؛ كونه يخضع تماما للشرعية الدستورية ( هذا اذا ارتضاها ) ؛ اما تحويل الطائفة الى حزب ؛ وتحويل القائد الطائفى الى قائد حزبى ؛ فهو يضرب فى الصميم شرعية الحزب الطائفى ؛ حين  يزعم خضوعة لمبدأ الشرعية الدستورية .

ب: الاحزاب اليسارية (العقائدية ):

ان الاحزاب اليسارية ؛ سواء منها الشيوعية او القومية ؛ قد اعتمدت على مبدا الشرعية الثورية ؛ وان كانت قد طعمته بملامح من شرعية الصفوة فى السودان . ان الحزب الشيوعى السودانى ؛ والذى تبنى الماركسية اللينينية ؛ قد تبنى ضمنا مفهوم الطليعة كمصدر للشرعية  ؛ باعتباره ممثلا للطبقة العاملة ؛ التى  تمثل مصالحها ؛ مصالح  الاغلبية الساحقة من افراد المجتمع ( الكادحين )  ان الشرعية الثورية قد نمت فى رفض واضح لاسس الشرعية الدينية –الطائفية ؛ كما فى رفض مماثل لمبادى الشرعية الدستورية التى عبرت عنها التجربة الليبرالية ؛ تجلى ذلك فى دعوة الديمقراطية الجديدة فى الستينات وتمثيل القوى الحديثة فى الثمانينات ؛ والتى تبناهما الحزب كمحاولة لتجاوز(تطوير ) ما اعتقده قصورا فى النظام الذى يعتمد على الشرعية الدستورية .

ان الحزب بالمقابل فى داخله قد تبنى مصدرا عقائديا للشرعية (الالتزام بالماركسية ) ؛ وهرميا (المركزية الديمقراطية ) . ان نظرية الطليعة (ديكتاتورية البروليتاريا فى السلطة السياسية و المجتمع )
[vii] ؛ فى ارتباطها مع مبادى المركزية فى الحزب ؛ قد قضت على اى مصادر اخرى للشرعية فى مؤسسات الحزب ؛ فتعطلت الديمقراطية وابدت القيادة وهيمن الايديولوجى ؛ فاختصرت كل الطبقة فى حزب ؛ واختصر الحزب فى لجنته المركزية ؛ بينما اختصرت اللجنة المركزية فى سكرتاريتها ؛ وهذه  فى سكرتيرها العام . ان دمج الشرعية الثورية والصفوية فى مجتمع متخلف قد ادى الى بناء سلفية ماركسية جديدة ؛ يصبح فيها قائد الحزب بمثابة حاكم مطلق ؛ وتمثل جديد للقائد الطائفى ؛ مدعوم هذه المرة بسلطة الايديولوجية والسبق الزمنى فى الولوج للحزب (مفهوم القادة المؤسسين او التاريخيين ).

اما الاحزاب القومية ؛ فقد تبنت مفاهيما مماثلة للحركة الماركسية ( الصفوية والثورية ) كمصادر للشرعية ؛ وان كانت قد اضافت اليها مصادر عقائدية  اخرى (التعبير عن مصالح وتطلعات الامة ) ؛ والذى تبدى فى شعار امة عربية واحدة ؛ ذات رسالة خالدة . ان الحزب بهذا المنهج يحقق ارادة التاريخ ؛ والتى فى خلودها تستعصى على المراقبة او التقييم العلمى . ان هذا النهج قد ادى الى تبنى مفهوم حزب الطليعة والحزب الانقلابى على مستوى التجربة العامة (البعث ؛ الناصرية ) ؛ والى المغامرات العسكرية من جهة وتبنى دعوات الديمقراطية الثورية فى السودان (دعم مايو من قبل الناصريين ؛ التورط فى انقلابات عسكرية من قبل البعثيين ؛ الموقف السلبى تجاه الديمقراطية البرلمانية من الطرفين ) . ان مفاهيم للشرعية مثل هذه ؛ قد ادت الى مفهوم القائد كمصدر اول  للشرعية (الناصرية والصدامية ) ؛ والى الاعتماد على الطائفة والعشيرة فى النهاية ؛ وتوارث القيادة داخل التنظيم والمجتمع (حافظ وبشار الاسد ؛ صدام وعدى ؛ بدر الدين وتيسير مدثر ) الخ .

ان الحركتين الماركسية والقومية اذ طورتا من مواقفهما فى السودان من الناحية العملية ؛ بتقبلهما لمبادى الشرعية الدستورية وبانخراطهما – بدرجات – فى النظام الديمقراطى ؛  وفى النضال من اجل الديمقراطية البرلمانية ( المسماة من قبلهما بالبرجوازية ) ؛ قد عجزا عن تجاوز اصولهما النظرية فيما يتعلق باصل الشرعية (مصالح الطبقة اوالامة التى تعبر عنهما طليعتها ) ؛ بل عجزا عن تفسير التناقض فى رفضهم النظرى للديمقراطية البرلمانية وانخراطهما فيها ( المثال الاكثر تطرفا تقدمه تجربة الناصريين ؛ ومن بعدهما اللجان الثورية ؛ والتى رفضت اى مصدر للشرعية عدا شرعية الجماهير المبهمة (فى ليبيا ؛ ارض تجربة اللجان  انحصرت شرعية الجماهير فى ارادة فرد ) ؛ والتى مع ذلكانخرطت فى النظام الديمقراطى و”لعبته” البرلمانية فى السودان  .

د: الحركات الاصولية :

اما الحركات الاصولية او الاسلاموية ؛ والتى تعد من اقواها الحركة التى تطورت لتصبح فيما بعد الجبهة القومية الاسلامية ؛ فقد سعت الى توليف مصادر للشرعية انتقائية ؛ اعتمدت على التقلبات السياسية والسطو على تراث الحركات المنافسة ؛ الامر الذى يدلل على ضعف اصالتها الفكرية ؛ وعلى تجاهلها فى الاساس للثيمة موضوع البحث (مبدا الشرعية) ؛ او هامشيتها ؛ سواء فى خطابها الفكرى –السياسى ؛ او فى ممارستها العملية .

ان المصدر الاول للشرعية لهذه الحركات يكمن فى شكل من اشكال الشرعية الدينية – السياسية ؛ اى سعيها لتطبيق شرع الله (ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون ) ؛ وفق مفهوم الحاكمية ؛ الذى طوره منظرى هذه الحركات (المودودى ؛ قطب ) . ان هذا المفهوم ؛ الضارب بجذوره فى تجربة الخوارج
[viii]؛ ينزع اى شرعية ترجع باصلها الى البشر او المجتمع ؛ ويحيل الشرعية السياسية الى مصدر غامض ؛ هو الحاكمية ؛ التى تتمثل فى صورة دولة ثيوقراطية – اوتوقراطية ؛ بحاكم مطلق الصلاحيات منعدمه عليه الرقابة (ان الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقران ) ؛ ولذلك فان كل انظمة الحكم والاحزاب الاصولية قد قامت على ديكتاتورية مطلقة ؛ تحت سلطة قائد مطلق الصلاحيات  (الخمينى ؛ ضياء الحق ؛ الملا عمر (زعيم طالبان) ؛ ) وقد يفسر هذا فشل مسخ  البشير –الترابى ؛ فى قيادة تنظيم وسلطة حركة  اصولية “حاكمية ” من خلال راسين .

اما فى السودان فقد عمدت هذه الحركة الى تدعيم مفهومها للشرعية بعناصر اضافية ؛ فرضتها عليها الظروف السياسية والمنافسة من اطراف دينية تقليدية (الطائفية والصوفية ) ؛ او حديثة علمانية(اليسار ) . فعمدت الى التعايش مع النظام الدستورى والاستفادة منه ؛ بدعوى انها تهدف لتحقيق مصالح الاغلبية المسلمة ؛ وبان دين وشريعة الاغلبية هى التى يجب ان تسود ؛ دون ان تعلن بوضوح ان الطريق لتحقيق ارادة هذه الاغلبية يتم عن طريق النظام الديمقراطى حصرا. ان محاولة استغلال الشرعية الدستورية (مبدا الاغلبية المسلمة ) قد تبدى فى محاولة جبر النفوذ الطائفى لصالحهم ؛ والادعاء بان الاحزاب الرئيسية فى البلاد اسلامية (الجبهة ؛ الامة والاتحادى ) ؛ ولذلك ينبغى تطبيق الشريعة . ان هذا التبريرالفج  تبدى حتى بعد استيلائهم منفردين على السلطة بعد 1989 ؛ متجاهلين ان القيادات  الطائفية ؛ رغم اعتمادها على الشرعية ذات الاصل الدينى فى حدود الطائفة (والحزب) ؛ الا انها تبنت المبدا الديمقراطى والشرعية فى الدستورية فى فضاء النظام السياسى العام .ان الحديث عن شريعة الاغلبية يفضحه كذلك دعم هذه الحركات لفكرة تطبيق الشريعة ودعمها للحركات الاسلامية فى البلدان ذات الاغلبية غير المسلمة (الهند ؛ الفلبين ؛البوسنة والهرسك اضافة الى  الدول الافريقية جنوب الصحراء ) .

بالمقابل فان الحركة الاصولية قد سرقت مصدرا اضافيا للشرعية من تراث الحركات اليسارية المناهضة لها ؛ فتبنت خليطا من مفهومى الثورية والصفوية ؛ الثورية حين حاولت ان تظهر نفسها كحركة جديدة وثورية ضد النظام الطائفى والحزبى التقليدى ؛ وصفوية حين ادعت انها حركة المثقين والشباب ( نجاحها فى اخر انتخابات للخريجين ) ؛ ان المبدأ الاول قد استغل لتبرير دعم مختلف الانقلابات الاصولية او شبه الاصولية ؛ وفى أخرها انقلاب يونيو 1989 ؛ اما الصفوية فقد استغلت اساسا فى حربها ضد القوى الطائفية ( من اجل الحلول مكانها وسط الجماهير المتدينة ) ؛ وضد الحركات اليسارية (للحلول مكانها وسط القوى المتعلمة والحديثة ) . وقد اعلن الترابى وقيادات الحركة الاصولية اكثر من مرة اعجابهم بتجربة التنظيم الحديدى للحزب الشيوعى السودانى ؛(و الذى طرحها نظريا وطبقوها هم عمليا ) ؛  واعجابهم بتجربة البعث (فى العراق ) و التى استطاعت الوصول الى السلطة والمحافظة عليها بواسطة  حزب صغير غير جماهيرى ؛ منافس من قبل قوى دينية وعشائرية تقليدية من جهة وحركة ماركسية منظمة وقوية من الجهة الاخرى  .

اننا نزعم  انه مع سيادة مبدا المشروعية الدينية تحت مفهوم الحاكمية ؛ الا ان الحركة الاصولية قد ناورت ؛ وفقا للظروف ؛ فى اضفاء شرعية على نفسها ( وسلطتها ) من مصادر مختلفة .  ان اسلوب المناورة هذا ؛ قد افرز فى فترة تحالفا اصوليا –طائفيا حاول ان يصل الى السطة بالعنف (الجبهة الوطنية وحركة محمد نور سعد 1977)؛ ثم افرز  التحالف الاصولى العسكرى تحت قيادة ديكتاتورية (مع جعفر نميرى 1977-1985) ؛وتبدى فى  محاولة الوصول للسلطة ديمقراطيا وانجاز البرنامج السياسى الاصولى تحت ستار الشرعية الدستورية (حكومة الوفاق بين الجبهة والامة والاتحادى ؛ تحت قيادة  الصادق المهدى ومن بعد حكومة الجبهة- الامة بعد خروج الاتحادى الديمقراطي )؛ الا انه اعلن عن وجهه الحقيقى  فى الدولة الاصولية الحزبية الانقلابية (نظام يونيو 1989) .

ان تناقض مصادر الشرعية العامة فى خطاب الحركة الاصولية فى الفضاء السياسى العام ؛ قد انعكس فى تناقض مماثل على صعيد مصدرها داخل التنظيم . فالحركة التى ابتدات بقيادة ذات مشروعية دينية محدثة (مفهوم المرشد ) ؛ قد غازلت مشروعية النخبة المتعلمة  ( مفهوم الدكتور ) ؛ ثم مشروعية الثورة ( مفهوم القائد المجاهد) ؛ الا انها عادت لتنتكس الى مفهوم مشروعية الطائفة (مفهوم الشيخ ؛ والذى تطرف فى  محاولة الترابى الفاشلة ارجاع نسبه الى الرسول الكريم ) . كما ان احد المفاهيم التى برزت هو  مفهوم القائد المؤسس  الابدى ( المستقى من اليساريين ) . بيد ان كل هذه المصادر (لشرعية القائد والقيادة ) قد كانت مظهرية فقط ؛ للاستعمال فى الحدود الدنيا للتنظيم وفى الدعاية السياسية فى خارجه . اننا نزعم ان المفهوم الحقيقى قد كان كامنا فيما اسماه الترابى فى اتصال   الحركة باسباب الملوك والبنوك
[ix]( اى المال والسلطة الحاكمة ) ؛ حيث غدت القدرات المالية الطفيلية وبطش السلطة وامكانياتها هى مصادر الشرعية الحقيقية داخل الحركة وداخل دولتها .وان الصراع الدائر الان داخل هذه الحركة يوضح تهاوى كل مصادر الشرعية فيها ما عدا “اسباب البنوك والملوك”.

ان الجماهير لم تكن غبية اذن حين تجاوزت كل الخطاب الدينى – الثوروى –التقليدى -النخبوى للحركة الاصولية ؛ واسمتهم بتجار الدين . وتجار الدين ليست لهم مشروعية او هدف ؛ كما كتب قبل قرون فيلسوف الاسلام الكندى عن امثالهم “… ذبا عن كراسيهم المزورة التى نصبوها(لانفسهم) من غير استحقاق ؛ بل للترؤس والتجارة بالدين ؛ وهم عدماء الدين . لان من تجر بشئ باعه ؛ ومن باع شيئا لم يكن له . فمن تجر بالدين لم يكن له دين “
[x] .

د: الحركات الاقليمية :

تشكل الحركات الاقليمية ؛ او حركات القوميات المناطق المهمشة ؛ تيارا بدأ يصعد الى المجال السياسى منذ ثورة اكتوبر ؛ وان كان لهذا التيار امتداد سابق فى تجربة الاحزاب والحركات السياسية الجنوبية والتى قامت عشية الاستقلال . الا ان نهوض هذه الحركات فى اقاليم السودان الاخرى (الشرق ؛ دارفور ؛ جبال النوبة ؛ جنوب النيل الازرق ؛ نوبة الشمال ؛ قد ارتبط بتزعزع الايديولوجية الطائفية المسيطرة فى هذه المناطق ؛ وبروز ولاءات وتطلعات جديدة بعد ثورة اكتوبر 1964 .

ان الحركات الاقليمية قد مزجت فى قيامها نزعة تحديثية مقاومة للولاءات القديمة (الطائفية ) ؛ ونزعة اجتماعية قائمة فى احسين ظروف اقاليمها وتنميتها ؛ ونزعة ثقافية  ساعية الى التمثيل عن التفرد الثقافى ةالاثنى لمناطقها ؛ و اخرى سياسيةهادفة للبحث عن  قيادة جديدة تخرج من ابناء الاقليم والقومية المحددة .ان هذه الحركات قد ارتضت الشرعية الدستورية لنشاطها ؛ كما ان ارتباط نشاتها بقوى التغيير وكونها ضمنيا نشات فى منافسة مع الطائفية السياسية  قد اضاف لها نزعة ثورية ما  . ان هذا ما يفسر انخراط هذه الحركات فى الستينات والثمانينات فى العملية الانتخابية وتحقيقها فيها لنجاحات واضحة (مؤتمر البجة ؛ اتحاد عام جبال النوبة ؛ الحزب القومى السودانى ؛ مختلف الاحزاب الجنوبية ) ؛ وكذلك يفسر ضعف نشاط هذه الاحزاب او اندثارها فى فترة الديكتاتورية المايوية ؛ والتى تبنت الكثير من طرح هذه الحركات ؛ واستوعبت بعض  من كوادرها فى جهازها السياسى والتنفيذى .

الا ان نشوء الحركة الشعبية لتحرير السودان (1983) ؛ ببرنامج ثورى واضح ؛ ووفق شرعية  وتكتيكات ثورية ؛ قد القى بظلاله على توجه هذه الحركات ؛ وخصوصا بعد العام 1989 ؛ ووصول الجبهة الاسلامية الى السلطة قسرا ؛ حيث بدا تحول ثورى واضح فى صفوف الحركات الاقليمية والقومية ؛ وتبنت معظمها مبدا الكفاح المسلح الثورى (مؤتمر البجا ؛ التحالف الفيدرالى ؛ الاسود الحرة ؛ الحزب القومى السودانى )؛ كما تبنت فى معظمها مفهوم السودان الجديد ؛ ذو النزعة الثورية الواضحة .

ان تبنى الشرعية الدستورية فى اطرح اغلب هذه الحركات ؛وممارستها لها داخل النظام الديمقراطى ؛ مع تطعيمها بنزعة ثورية حديثة فى مواجهة اللاشرعية الجبهوية ؛ يضعها فى موضع جيد فى الخارطة السياسية السودانية ؛مقارنة مع غيرها من التيارات . الا ان اعتمادها مرات على العامل القبلى او الجهوى ؛ فى تكوين الولاء ؛ او الوصول للسلطة  ينعكس سلبا على مشروعيتها  ؛ وخصوصا فى ادارة خلافاتها الداخلية وسبل حل هذه الخلافات (لاحظ تجربة مؤتمر البجة ) كما ان اعتماد بعضها  على قائد مؤثر تاريخى ؛ يخلق منها بنية تقليدية جديدة تعطل عمل المؤسستتين الثورية والديمقراطية (عباس غبوش وسط حركات جبال النوبة على سبيل المثال )

ه:الحركات الجديدة :

وهى حركات لا تنحصر فى التقسيم التقليدى للتيارات السابقة ؛ وقد بدأ ظهورها منذ الخمسينات والستينات ؛ وان كانت وقتها لا تزال مهمشة وسط التيارات الطائفية والاسلاموية واليسارية . ان فترة الديمقراطية الثالثة قد شهدت انتعاشا واضحا فى نشاط هذه الحركات ؛ ودشن وصول النظام الحالى الى السلطة ؛ والاسئلة التى اثارها عن مسئولية القوى السياسية عن انهيار النظام الديمقلراطى ؛ الى اعادة تنظيم صفوفها وبروزها كقوى يحسب لها حسلب فى المعادلة السياسية السودانية .

ان معظم هذه القوى تتبنى مفهومى اليمقراطية السياسية وحقوق المواطنة كاسس للدولة السودانية ؛ وهى بهذا تنتمى اساسا الى مدرسة الشرعية الدستورية ؛ الا ان معظمها يتميز كذلك بنفس ثورى واضح ؛ والمتمثل فى طروحاتها لاعادة توزيع الثروة والسلطة فى السودان . وممارستها للعمل السياسى وفق تكتيكات ثورية (الانتفاضة ؛ العمل المسلح ) وهى بذلك تضيف عاملا ثوريا الى مصادر مشروعيتها .

ان بروز معظم هذه الحركات فى اثناء النضال ضد اليكتاتورية (الحركة الشعبية لتحرير السودان ؛ قوات التحالف ؛ حق وجاد ) ؛ وعدم مشاركتها فى اى تجربة ديمقراطية ؛ يجعل الكثيرون يتشككون فى مشروعيتها الديمقراطية ؛ وخصوصا فيما يتعلق بتلك القوى المساهمة فى الكفاح المسلح ؛ وذات الخلفية العسكرية لقيادتها (الحركة الشعبية ؛ قوات التحالف ) . الا ان مجمل الطرح النظرى والسياسى والبرامجى المعلن لهذه الحركات ؛ يجعل من الشرعية الدستورية وآلياتها مصدرها المعلن  الاول . ان الاهداف الثورية لهذه الحركات ؛ ورغبتها فى بناء سودان جديد ؛ مربوط تحقيقها حصرا ( فى ادبيات هذه الحركات ) بالعمل  فى اطار نظام ديمقراطى ؛ ووفقا للمبادى الدستورية .

الا ان الحال يتغير قليلا ؛ عندما نتمعن فى البنية الداخلية لهذه الحركات ؛ ومدى سيادة المنهج الدستورى والديمقراطى فى داخلها ؛ فنرصد من جديد تعطيل بعض مؤسساتها الدستورية المعلنة (المؤتمرات الدورية كمصدر الشرعية الاول داخل التنظيم ) ؛ وتابيد القيادة فى شكل مشابه للحركات الطائفية والعقائدية ؛ وعدم القدرة على حل خلافاتها فى اطار المؤسسة ؛ والميل الى الابتعاد او الابعاد حالما تظهر اى خلافات سياسية او تنظيمية بين عضويتها . ان كل هذا يمكن ارجاعه الى بؤس التراث الديمقراطى والمؤسسى فى التاريخ السياسى السودانى ؛ وفى مجمل البيئةالاجتماعية للسودان ؛ الا انه يلقى بظلال كثيفة ؛ على مصداقية حركات ؛ ربطت تميزها بالتزامها بالشرعية الدستورية والياتها الديمقراطية ؛ كوسيلة لادارة السلطة فى الدولة ؛ وكمصدر اول لحركة ونشاط التنظيم .

تجليات ازمة الشرعية فى الحركة السياسية السودانية :

فى الفقرات التالية ؛ نستعرض ما نراه صارخا ؛ من مظاهر وتجليات ازمة الشرعية فى الحركة السياسية السودانية . اننا نعتقد ان هناك ضرورة قصوى لتفصيل هذه التجليات فى كل حزب وتنظيم على حدة ؛ الا اننا لضيق المجال الحالى ؛ وللطبيعة العامة لهذا المقال ؛ نقتصر على ما هو مشترك بينهما ؛ غض النظر عن اختلافات مصادر “شرعيتها “:

1-     ابدية القيادة : فالقائد فى الحزب السيودانى دائم مؤبد ؛ لا يعزله عن منصبه الا الموت ؛ او الانقسام . ان الاحزاب السودانية لم تعرف حتى الان قائدا تنازل عن منصبه اعترافا بالخطا او اتاحة للفرصة للجديد ؛ او لانتهاء مدته الدستورية . ان الحزب الوحيد الذى حدد فى لوائحه استمرار القيادة لدورتين انتخابيتين فقط (التحالف الوطنى السودانى ) ؛ قد نسى ان يحدد طول الدورة الانتخابية ؛ وما هى اليات حسابها اذا ما امتدت الفترة الاولى الى ما لانهاية !

2-     تعطيل المؤسسات : ونقصد هنا المؤسسة الاولى التى تصر عليها كل الاحزاب والحركات السودانية ؛ وهى المؤتمرات  العامة  . ان الحركة السياسية السودانية تسجل هنا احتقارا تاما ؛ للوائحها بالذات . ان بعض الاحزاب لم يعقد مؤتمراته لمدة 33 عاما ؛ بينما اكتفى بعضها بمؤتمره التاسيسى ؛ فى حين لم يعقد بعض الاطراف حتى مؤتمرا واحدا ! ان الاحزاب الثورية ؛ اثناء انشغالها بالنضال ؛ لا تلتفت الى هذه “الصغائر ” الشكلية ؛ اما الاحزاب الطائفية ؛ فلا تحتاج اليها ؛ حيث ان اراء وشخص وحاشية القائد الطائفى ؛ لا يغيرها التابع ؛ من اعضاء الحزب او الطائفة . ان حزب الجبهة الاسلامية وحزب الامة قد كانا هنا اكثر التزاما فى الظاهر ؛ اما فى الحقيقة فقد كانت مؤتمرات الجبهة استعراضات سياسية ؛ ومؤتمرات حزب الامة بصم جماعى على تقلبات الصادق المهدى الفكرية والسياسة .

3-     انعدام الرقابة : ونقصد هنا انعدام الرقابة على القيادة ؛ فعلى العضوية هناك رقابة صارمة ؛ تصل الى حد الرقابة البوليسية فى بعض الاحيان ( اسلوب البلاغات ونفذ ثم ناقش ) . اما القيادة فلا حسيب عليها الا نفسها . وذلك لانعدام المؤسسة الرقلبية النزيهة فى مؤسسات الحزب ؛ وصياغة اللوائح فى المقام الاول لحماية القيادة ؛ وليس العضوية . ان التضامن القبلى بين القياديين ؛ وروح التبجيل والتقديس من الاعضاء والتابعين  ؛ وضعف مؤسسات المجتمع المدنى والراى العام المستقل ؛ وروح الانكسار للسلطة اوالقائد – الرمز او العقيدة الذى يركب معظم المثقفين ؛  تجعل من مبدا المحاسبة الفاقد المشترك الاعظم بين اغلب تيارات الحركة السياسية السودانية .

4-     التقلبات فى المواقف السياسية واللامبدئية فى التحالفات : ونحن هنا لا نقصد التغييرات  التى  تاتى نتجة لتطور هادى فى افكار ومواقف التنظيم او القيادة ؛ والذى تم اقرارها من اغلبية مؤسسات التنظيم . وانما نقصد  تحول المواقف ما بين يوم وليلة ؛ واختلاف ما يكتب فى البرامج عما يكتب فى الصحف ؛ وما يقال عما يفعل ؛ وما يطرح للاعضاء عما يطرح وسط الجماهير . ان اكثر الاحزاب تناقضا تتحالف ليس لسبب ؛ الا للمكايدة لطرف ثالث ؛او للحصول على مصلحة آنية عاجلة . واكثر القوى تقاربا تتعادى ليس لسبب ؛ الا لطموحات القيادات او للمرارات الشخصية .  وقد يتحالف طرف مع عدو سابق ؛ ضد حليف سابق ؛ دون ان يوضح لماذا عادى هذا وحالف ذاك . ان انعدام الوضوح الفكرى وضعف وتناقض  مصادر المشروعية وبناء التنظيم على افراد ؛ لا بد ان يؤدى الى سيادة الشخصى والهامشى والتكتيكى ؛  على العام والجوهرى والاستراتيجى . و لا يتبقى للعضوية الخاضعة والموظفين من المثقفين الا اختلاق التبريرات الفجة ؛ المتعللة حينا بالظروف ؛ والمعتمدة حينا على الدعاية المغرضة ؛ للاجابة على اسئلة الناقدين  ؛ دون ان تتناول الاصول والبرامج الا فيما ندر .

5-     الفشل فى ادارة الخلافات فى التنظيم : فالخلاف الذى هو مبدا طبيعى فى اى تنظيم اجتماعى ؛ يتحول من عامل لاغناء التنظيم وتطويره ؛ الى عامل للشقاق والعداوة والانقسام . ان تنظيمات الحركة السياسية السودانية لا تحتمل الراى الاخر ؛ ولا ترى فيه الا تمردا ؛ مدفوعا باسباب شخصية او عناصر خارجية .ان هذه الظاهرة هى امتداد طبيعى لما سبقها ؛ فالتنظيم الذى لا يقوم على منهجية محددة ؛ وليست فيه آليات لتداول القيادة ؛ وللمحاسبة ؛ والذى لا تحكم نشاطه اى مؤسسات دستورية ؛ لا بد ان يكون اما موحدا خلف راى الزعامة ؛ او متشظيا بالخلافات ؛ التى لا تجد لا من الآليات ؛ او العقليات ؛ او القيادات ؛ من هو قادر على التعامل الايجابى معها . ان سيرة الانقسامات التى ضربت وتضرب كل مكونات الحركة السياسية السودانية ؛ وما رافقها من مرارات ومهاترات وعداوات؛ انما توضح ازمة مشروعية القيادات والتنظيمات والمناهج التى تسيطر على مجمل الحياة السياسية السودانية .

ازمة الشرعية فى النظام السياسى السودانى  :

رجوعا مرة اخرى الى النظام السياسى العام فى السودان ؛ والذى تشكل الاحزاب احد عناصره ؛ فاننا نرصد ان معظم تجليات هذا النظام ؛ العسكرية والمدنية والانتقالية ؛ قد شابتها الكثير من مسالب ازمة الشرعية . فاذا كانت هناك غيبة كاملة للشرعية فى الانظمة التى وصلت الى الحكم قوة وقهرا ؛ فان هناك قصور كبير فى شرعية كل من الفترات النتقالية والمدنية ؛ فيما نتطرق اليه بسرعة فى الفقرات اللاحقة .

الانظمة العسكرية :

ونقصد بها فترة حكم الجنرال عبود (1958-194) ؛ وفترة الديكتاتورية المايوية (1969-1985) ؛ وفترة ديكتاتورية الجبهة القومية الاسلامية (1989-الآن) . ان هذه الانظمة ؛ ورغما عن طابعها المختلف ؛ واختلاف الغطاء الفكرى والسياسى الذى قدمت به نفسها للجماهير ؛ فانها عانت من غياب الشرعية الاول ؛ والمتمثل فى وسيلة وصولها الى السلطة ؛ وهى العنف . ان النظام الذى اتى الى السلطة بالقوة ؛ وتشكل القوة الضمانة الاساسية لاستمرارية وجوده ؛ يفتقر حتما الى الشرعية ؛ حسب التعريف الذى تبنيناه فى بداية هذا المقال .

ان هذه الانظمة قد حاولت ان تغطى على انعدام شرعيتها بخلق شكل من اشكال الممارسة الدستورية ؛ سواء كانت فى انتخابات المجلس المركزى لعبود ؛ او فى الانتخابات الرئاسية ولمجلس الشعب تحت نظام نميرى ؛ او الانتخابات الرئاسية وللمجلس الوطنى تحت الديكتاتورية الجبهوية . الا ان هذه المظاهر كانت تتناقض مع تركز السلطة فى ادوات ومراكز خارج مجال العملية الانتخابية المزعومة . سواء كانت المجلس الاعلى للقوات المسلحة (عبود ) الاتحاد الاشتراكى (نميرى ) او الحزب الحاكم وجهازه السرى –مجلس الاربعين (النظام الحالى). كما ان العملية الانتخابية بنيت على واقع سياسى وتنفيذى معطى سلفا؛ اى تحت مبادرة و اشراف ورقابة السلطة الديكتاتورية ؛ وبذلك فقد انعدمت شرعيته هى الاخرى ؛ بناء على المبدأ القانونى القائل : ما بنى على باطل فهو باطل .

ان ما يقال عن العملية الانتخابية يقال ايضا عن الاستفتاءات ؛ والتى تفرخت تحت ظل الديكتاتورية المايوية ؛ وعن مفهوم البيعة ؛ والذى خلقته الحركة الاصولية ؛ ومارسته مع نميرى ثم مع البشير ؛ بوصفه تكريسا لمبا المشروعية الدينية لحكم كل منهما كامام . ان نفس هذه الحركة قد نقضت بيعتها مع كل من الامامين ؛ متجاوزة فى ذلك مرجعيتها التى تقول ان نقض البيعة غير ممكن ؛ ولو كان الامام  ظالما ؛ ما دام ملتزم رسميا بالاسلام . ان هذه المسرحية الفجة توضح هشاشة الاسس التى تعتمد عليها الانظمة الديكتاتورية لخلق مشروعية ما لتسلطها .

ان الدستور ؛ والذى يشكل المرجع الاول فى الشرعية الدستورية ؛ قد تحول الى نقيضه تحت هذه الانظمة ؛ اى تحول الى اداة لتكريس السلطة اللاشرعية ؛ ولتكبيل حركة الجماهير وسلب حقوقها ؛ بدلا عن تكريس ضمانات هذه الحقوق  .ان دستور مايو الذى فصل لصالح الديكتاتور ؛ ما تجاوز كونه احد ادوات النظام القمعية ؛ ولذلك فقد تم خرقه عشرات المرات من قبل السلطة التنفيذية . اما دستور نظام الانقاذ ؛ قلم يتعد كونه نقلا لدستور الجبهة الاسلامية ؛ ومحاولة فاشلة منها ؛ لفرض فكرها وبرنامجها على مجمل  المواطنين .

فترات الانتقال :

وهى فترات ما بين الحكم المدنى والعسكرى فى السودان . نذكر منها فترة الانتقال بعد ثورة اكتوبر وقبل انتخابات العام 1965 ؛ وفترة الانتقال بعد انتفاضة ابريل وقبل انتخابات العام 1986 ؛ ونستثنى منها فترة الانتقال الاولى 1954-1956 ؛ ذات الظروف الخاصة ( حيث كانت بين الحكم الاستعمارى والحكم “الوطنى ” ؛ و قامت على عملية انتخابية وحكومة ناتجة عن هذه العملية) .

ان السند الاساسى لفترات الانتقال كامن فى توازن القوى السائد فى اللحظة التاريخية المحددة ؛ ووجود اطراف متعددة ليس لاحدها الغلبة الكاملة ؛ ولكن له بعض التفوق . ان فترة الانتقال بعد الاكتوبرية قد سادها تفوق التيار اليسارى فى حكومة سر الختم الخليفة الاولى ؛ ونوع من التوازن السياسى ؛ بميل الى اليمين فى حكومته الثانية . اما ما يميز فترة الانتقال بعد الابريلية ؛ تحت قيادة المشير سوار الدهب ؛ فهو طابعها المحافظ ؛ ودفاعها عن بقايا النظام المطاح به ؛ واعطائها وزنا ثقيلا فى حكومتها للتيار المحافظ والرجعى ؛ الامر الذى فرضه ضعف القوى الثورية والديمقراطية حينها ؛ ووقوف الحركة الاصولية والاحزاب الطائفية بكل ثقلها خلف العناصر العسكرية المحافظة والمسيطرة .

ان فترة الانتقال ؛ باتاحتها المجال للعمل السياسى ؛ وضمانها للحريات الدستورية المختلفة ؛ تقترب من النموذج الستورى ؛ لكنها تبتعد عنه بانعدام العملية الديمقراطية والانتخابية فى افراز مؤسساتها ؛ وكون سلطة التشريع والتنفيذ مستقاة ليس من ارادة الشعب ؛ وانما من واقع انتزاعها من قبل اطراف محددة ؛ يسمح لها توازن القوى او الاتفاق ما بين الاحزاب بهذا الاستيلاء .

ان فترات الانتقال بهذا تعتبر ذات مشروعية منقوصة ؛ وهى بذلك لا ينبغى ان تفصل فى مسائل جوهرية من القضايا السياسية . وانما ينبغى ان تكون اقصر ما يمكن وان تمهد الطريق وتعد العدة للشرعية الدستورية . الا انه من الملاحظ ان القوى ذات الغلبة فى كل فترة انتقال قد حاولت ان تستغلها لتمرير سياسات وقرارات مصيرية ؛ لا تكفلها لها الحدود الدنيا لمشروعيتها (توازن القوى او الاتفاق السياسى ).

اننا من هذا المجال ؛ ننظر بعين القلق الشديد ؛ الى اقتراحات التجمع الوطنى الديمقراطى السابقة (حينما كان يطمح للاطاحة بالنظام )؛ والتى تقترح فترة انتقال طويلة جدا (من ثلاث الى خمس سنوات ) ؛ لتحكم فيها عناصره بعد الاطاحة بالنظام ؛ وهو حكم –ان قام –  لن يستند الى اى شرعية ؛ غير شرعية القوة والامر الواقع . وننظر لقلق اشد ؛ الى مشاريع فترات الانتقال  التى يعد لها حاليا ؛ بعد اتفاق سياسى بين النظام ومعارضيه ؛ والتى بكل المقايسس تفتقر الى الشرعية ؛ وستؤمن –ان تمت – امتدادا  جديدا للانظمة المفتقدة الى الشرعية فى الحياة السياسية السودانية .

الفترات الديمقراطية :

وهى الفترات الممتدة من 1954-1958؛ 1965-1969 ؛ 1986-1989؛ ةوالتى وصلت الى الحكم فيها حكومات نتيجة لانتخابات ديمقراطية ؛ وتحت ظل دستور ديمقراطى .ان هذه الفترات ؛ منظورا اليها من مرجعية الشرعية الدستورية ؛ تعد اكثر الفترات فى تطور النظام السياسى السودانى التزاما بمبدا الشرعية .

الا ان هذه الفترات قد تميزت بمسالب ؛ قللت كثيرا من مدى شرعيتها ؛ نذكر منها باقتضاب المسالب  الاتية :

  • محدودية العملية الانتخابية ؛ حيث ان النظامين الديمقراططين الين قاما بعد اكتوبر وابريل ؛ فشلا فى اجراء الانتخابات فى كل مناطق القطر ؛ وبقيت مناطق كبيرة ؛ فى جنوب البلاد ؛ غير ممثلة فى البرلمان ؛ الامر الذى لقى بظلاله على مشروعيىة تمثيل النظام الناتج ؛لكل المواطتين ؛ كون العملية الانتخابية لم تكمن شاملة .
  • الاساس الطائفى للولاء : والذى جعل العديدين يشككوا فى شرعية النظام ؛ والذى يدعى الدستورية؛ بينما يتم فيه كسب الولاء على اساس الانتماءات القبلية والطائفية ؛ وتمارس فيه النخاسة السياسية والاستعباد السياسى . ان سيطرة الطائفية على العملية السياسية والانتخابية قد ضربت مبدا المشروعية الديمقراطية لهذ1ا النظام فى الصميم .
  • انتهاك الحقوق الدستورية وتجاهل الستور : والذى تعبر عنه واقعة حل الحزب الشيوعى السودانى فى العام 1965 ؛ وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان . ورفض السلطة التنفيذية لقرار السلطوة القضائية ؛ فى عدم مشروعية هذا الحل . الامر الذى جعل الحكومة فوق الستور ؛ والسياسة فوق القانون .
  • عدم القدرة على حل مشاكل المواطنين : وهو راى اتى من الحركات الثورية ؛ والتى رات فى عجز النظام عن تحقيق التنمية والتطور والعدالة الاجتماعية ؛ قصورا فى مشروعيته ؛ حيث ان واجب السلطة الاول  هو تمثيل الشعب ؛ وخدمة مصالحه . فاذا لم تلتزم السلطة بذلك ؛ فانها قد خرجت عن مهمتها المناط بها ؛ وبذلك فقد فقدت مشروعيتها؛ مهما كان مصدر الشرعية  .

اننا هنا ؛ وبرغم الاعتراضات الجدية التى اقامتها الحركات والتنظيمات الثورية ؛ النقابية والعقائدية والاقليمية حول ضعف المحتوى الاجتماعى للحكم الديمقراطى فى السودان ؛وعلى طابعه الطائفى ؛  لن نعتبر هذ الجانب قصورا فى شرعيتها . الا ان محدودية تمثيلها ؛ وعدم قيام الانتخابات فى كل القطر ؛ والانتهاكات التى تمت للحقوق الاساسية ؛ تشكل لنا علامات واضحة ؛ على قصور شرعية الانظمة الديمقراطية التى توالت على حكم السودان ؛ اعتمادا على مبادى الدستورية ذاتها ؛ والتى لم تلتزم بها الى النهاية هذه الانظمة .

ازمة الشرعية فى حاضر النظام السياسى القائم  :

ان النظام السياسى القائم فى السودان الآن ؛ يفتقر وفقا لراينا الى الشرعية ؛ فى درجات مختلفة ؛ اننا فى الفقرات التالية نناقش ازمة الشرعية على مستوى السلطة ؛ وعلى مستوى المعارضة المضادة لها ؛ وعلى مستوى محاولات المصالحة بين النظام ومناهضيه .

ازمة السلطة :

لا حاجة للقول بان السلطة الحاكمة فى السودان اليوم تفتقر الى ابسط مصادر الشرعية ؛ فقد تحطمت مع الايام معظم دعاويها التى حاولت ان تبنى بها شرعيتها ؛ من تطبيق شرع الله ( حيث  فاقت هذه السلطة غيرها فى تجميد الحدود المسماة من قبل الاصوليين بالشرعية ) ؛ كما فشلت فى مهامها الثورية ( ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ) ؛ وفى تعليلاتها الصفوية ( بناء نظام سياسى حديث لا طائفى ) . ان واقع المعارضة الشاملة الذى يواجه السلطة اليوم ؛ العنيفة منها والسلمية ؛ وذات الطابع العام والجماهيرى ؛ يوضح ان السلطة فد فقدت عند الجماهير اى مصداقية ؛ وتحطمت كل محاولاتها لخلق شرعية ليس فقط لاستمرارها وترسيخها ؛ وانما لمجرد وجودها .

ان انسلاخ جزء كبير من التنظيم الاصولى عن السلطة (جناح الترابى) ؛ وانتقاله الى مواقع المعارضة لها ؛ من خلال الشعارات التى بنيت عليها السلطة مصادر شرعيتها ( الالتزام بالشريعة ؛ محاربة الاستكبار العالمى ؛ الجهاد ) ؛ سوف تزعزع حتما ما بقى من ولاء للسلطة فى نفوس بعض اتباعها المتطرفين . ان السلطة اليوم تعتمد على القوة الغاشمة وموارد الدولة والمناورة السياسية ؛ كمصدر لبقائها ؛ وتحاول التصالح مع المعارضة ؛ وخلق شرعية جديدة تعتمد على السلام ؛ الوحدة الوطنية ؛ الحوار ؛ وغيرها من التخريجات التى توضح ازمتها واهتزاز الارض تحت اقدامها .

ازمة المعارضة :

الا ان ازمة السلطة تقابلها ازمة مقابلة فى شرعية القوى المناهضة لها . واذا كنا قد رصدنا قصور وضعف الشرعية فى مكونات القوى السياسية والتيارات الفكرية المختلفة ؛ والتى يقف معظمها الان فى صف المعارضة للنظام ؛ فان حصيلة جمعها لا يؤدى الا الى قصور مركب فى شرعية المعارضة باجملها .

ان التيارات التقليدية ( الاحزاب الطائفية ) تحاول ان تضفى المشروعية لمعارضتها وسعيها لاستعادة السلطة ؛ بواقع فوزها فى اخر انتخابات برلمانية . وبذلك فانها تمثل السلطة الشرعية ( بروز هذا فى محاولات الصادق عرض نفسه كرئيس الوزراء الشرعى ؛ كما فى محاولة قيادات الجيش السابقة المعارضة للنظام بنفس المنطق -القيادة الشرعية ) . الا ان بعض هذه القوى تنازل عن شرعيته ” الديمقراطية ” هذه ؛ حين هادن النظام منذ بدايته (مذكرة الصادق لقادة الانقلاب )؛ وحينما اعترف بشرعيتهم كامر واقع ( مذكرة التجمع فى الداخل للنظام فى 1998 والذى خاطبت زعيمه بوصفه رئيسا للجمهورية ) ؛ وفى محاولات التصالح والاعتراف المتبادل ما بين اطراف التجمع والنظام ( لقاء قادة المعارضة مع قيادات النظام فى جنيف وجيبوتى واسمرا ) . ان الشرعية الديمقراطية المزعومة هنا قد تنازلت عن شرعيتها لشرعية الامر الواقع .

اما الحركات الثورية داخل المعارضة ؛ فانها تستمد شرعيتها من شعارات وبرامج تدعى تمثيل مصالح الشعب ؛ او من قوة عسكرية تملكها ؛ ولا تبنيها على تفويض شعبى حقيقى . حيث لم يدخل بعضها التجربة الديمقراطية ( الحركة الشعبية ) ؛بينما نال فيها البعض الثانى  تاييدا هزيلا ( الحزب الشيوعى نال 1% من مقاعد البرلمان الاخير ) ؛ وقام البعض الاخر تحت ظروف الديكتاتورية ( قوات التحالف ؛ جاد ؛ الفيدرالى الخ).

ان المعارضة ؛ والتى تتحدث فى خطابها الرسمى عن تمثيلها للشعب السودانى ؛ وتطمح فى الاعتراف بها كالمعبر الوحيد عنه ؛ تتجاهل هذا الشعب فى صياغة قراراتها المصيرية ؛ وفى مؤسساتها التى يغلب عليها الطابع الحزبى والحلقى ؛ تحت دعوى ان التجمع هو ” ملك ” لاطرافه ؛ وما على الجماهير الا تاييده او الانفضاض عنه . ان المعارضة بذلك تنزع عمليا عن نفسها اى مصدر للشرعية ؛يمكن ان ياتى من دعم الراى العام ومؤسسات المجتمع المدنى ؛ فى ظل الغياب القسرى للآلية الديمقراطية .

ان ازمة الديمقراطية والمؤسسية فى احزاب المعارضة الرئيسية ؛ تهز من صدقيتها  الديمقراطية ؛ وتشكك بالتالى فى شرعية تمثيلها لاعضائها ومؤيديها ؛ ناهيك عن مجمل جماهير الشعب .

ازمة المصالحة :

من هذا المنطلق ننظر الى محاولات المصالحة الجارية الان بين النظام والمعارضة ؛ باعتبارها ازمة مركبة للشرعية . فمن جهة نجد نظاما يفتقر الى ابسط مقومات الشرعية ؛يحاور احزابا وتجمعات ذات مشروعية منقوصة ؛ من اجل الوصول الى اتفاق وتكوين حكومة انتقالية ؛ بفترة انتقالية طويلة نسبيا (3 سنوات ) ؛ مع ما ذكرناه عن قصور شرعية الفترات الانتقالية ؛ كونها لاتستند على تفويض شعبى مؤسس (انتخابات) . كما ان المصالحة تفترض الاعتراف بشرعية النظام وشرعية ممارساته ؛ وتغض الطرف عن مبدا المحاسبة لكل ما اغترف مجرمى النظام ؛ من استيلائهم غير الشرعى على السلطة ؛ الى مختلف المجاذر والجرائم التى اجترحوها . ان المعارضة اذ توافق على ذلك ؛ فانها تنخرط فى ضمن المقولة ” من لا يملك اعطى من لا يستحق ” . فالمعارضة لا تملك حق اعطاء شرعية للنظام ؛ ولا التجاوز عن جرائمه ؛ والنظام لا يستحق .

ان منظرى النظام واضحون فى تبريرهم لدعوات المصالحة ؛ وهى رغبتهم فى الاستمرار فى السلطة ؛ ولو كان الثمن هو اعطاء جزء منها للمعارضين . اما المعارضة فتزعم ان دافعها وطنى ؛ وتستحضر لنا تجارب جنوب افريقيا وبولندا وشيلى وغيرها من وسائل التفكيك السلمى للانظمة الشمولية . الا ان المعارضة تتجاهل ان قادة النظام العنصرى فى جنوب افريقيا ؛ والشمولى فى بولندا ؛ قد اعترفوا تماما بفشل مشروعهم ؛ وان المحاورات قد تمت اساسا حول كيفية نقل السلطة ؛ ولم تقدم اى ضمانات بعدم محاسبة المجرمين . ان المعارضة فى ضعفها وقصور مشروعيتها ؛ مستعدة للموافقة على اى شروط ؛ للوصول الى جزء من كعكة السلطة المشتهاة . والنظام من جانبه لم يعترف لا بفشل مشروعة البربرى ؛ ولا بخطأ استيلائهم غير الشرعى على السلطة . ان الحوار مع النظام يتحول من آالية لاستعادة الشرعية ؛ الى وسيلة لتكريس اللاشرعية ؛ فى كل من قطبى الصراع .

اننا بهذا المنطلق نرفض عملية المصالحة باعتبارها لا شرعية ؛ فى نفس الوقت الذى لا نرفض فيه مبدآ الحوار ؛ اذا ما كان الغرض منه تفكيك الدولة الديكتاتورية وارجاع مصدر الشرعية الى الجماهير .دون ان يعنى ذلك الاعتراف بشرعية الطرف الاخر من المحاورين (النظام ) .  ان نصوح التوبة فى الاسلام مربوط بارجاع المظالم الى اهلها ؛ والندم على ما فات ؛ والعزم على ان لا يتكرر . وتحقيقا لهذة المرجعيةالاسلامية ( والتى تدعى اطراف رئيسية من المعارضة والنظام الالتزام بها ) ؛ فان الحوار اذن مرهون بمحاسبة النظام على جرائمه ؛ واعترافه بلا شرعية استيلاءه على السلطة ؛ والتزام قادته وتنظيمه بالالتزام بدولة القانون وحكم الشرعية ؛ وعدم النكوص عليها فى المستقبل. الا ان هذا كله مربوط بتغيير موازين القوى ؛ بحيث يصل النظام صاغرا الى كل هذه المواقف . فالشرعية بلا قوة ؛ هزيلة هى كالقوة بلا شرعية ؛ وقديما قال الامام على ابن ابى طالب ” الحق الذى لا تسنده قوة ؛ حق مضاع ” .

 

خاتمة :

نحو استعادة جديدة للشرعية  :

ان الواقع القائم ؛ يفترض استعادة جديدة للشرعية ؛ تستفيد من تجارب الماضى والحاضر ؛ وتتجاوز قصور الشرعية المرصود فى التجربة الدستورية السودانية ؛ وترشد الايجابى من نداءات النظريات الثورية ؛ وتؤطره بحيث لا يصبح مدخلا للانظمة والتجارب الشمولية ؛ ولكيما تغتنى به الشرعية الدستورية ؛ والتى لابد ان تكتسب محتوى مقاربا لتطلعات ومصالح وحياة المواطنين المعاشة ؛ اذا ما ارادت لسلطتها الاستقرار والقبول .

هل هناك حاجة لشرعية جديدة ؟

 ان السؤال الذى يطرحه البعض حول جدوى النظام الدستورى فى العالم الثالث يشكل لنا محاولة لهز اسس اكثر الانظمة شرعية حتى الان . فالنظام الدستورى ليس هو عملية انتخابية فقط ؛ او احزاب قد ترتقى لمستوى المسئولية الوطنية او تعجز عن ذلك ؛ مما يشير اليه مختلف نقاد التجربة الدستورية الديمقراطية ؛وانما هو قبل كل شى ضمان للحقوق الاساسية للفرد والمجتمع ؛ وفصل لسلطات الدولة ؛ يكفل لها التوازن ؛ وعدم تغول احد السلطات على غيرها ؛ الامر الذى يؤدى لهيمنتها فى الحياة العامة . ان الشرعية الدستورية تعنى قبل كل شى حكم القانون ؛ وبذلك تظل لنا النظام الامثل للحكم ؛ والمصدر الاول للشرعية ؛ مقارنة مع غيرها من النظريات والنماذج للانظمة السياسية بنظرياتها المختلفة للشرعية .

الا ان هذه الشرعية ينبغى ان تتطور ؛ وان تنظر بعين الاعتبار للتراكم التاريخى الذى تم فى حركة الشعوب ؛ وفى الفكر السياسى ؛ وفى وعى وتطلعات الجماهير . ان تركيز نظرية الشرعية الدستورية على البعد السياسى ؛ وضمان الحقوق الفردية ؛ ومبدا فصل السلطات ؛ لا ينبغى ان يتم دون النظر فى التطلعات الاجتماعية ؛ فى دور الراى العام المنظم كسلطة رابعة ؛ ولا فى روح التعاون ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى ؛ من حركات اجتماعية وثقافية وقومية .

ان الشرعية الدستورية قد اصبحت متخلفة عن حركة الشعوب ؛ ويتبدى ذلك فى نمو مؤسسات المجتمع المدنى التى تعمل خارج اطار السلطة ؛ وفى مرات بالتضاد معها .كما ان اغفال الجانب الاجتماعى فى نظرية الشرعية الدستورية ؛ اى واجب السلطة فى التعبير عن المصالح المباشرة للجماهير الشعبية ؛ سيؤدى الى ان تظل هذه الشرعية مهددة دوما من قبل الشارع ؛ ومن قبل الحركات الثورية ؛ والمجموعات الشمولية التى تنتهز كل الفرص المتاحة فى النظام الدستورى ؛ لتهديم اسسه بالذات .

ان الخطر الاساس الذى يواجه الشرعية الدستورية ونظامها ؛ هو امكانية ان تتحول الى سلطة بيروقراطية معزولة عن المجتمع ؛ وبعيدة عن مشاكله . ان البيروقراطية يمكن ان تتم فى البلدان التاخرة اقتصاديا ؛ وذلك نتيجة لامتيازات النخبة ؛و ضعف الوعى السياسى للجماهير ؛ الا انها يمكن ان تتم فى الدول المتقدمة ؛ حيث تصبح السياسة مهنة ؛ وحيث للمواطن مجالات متعددة للنشاط الاجتماعى والمدنى ؛ خارج سيطرة الدولة ؛ الامر الذى يجعله يتوهم انه فى غنى عنها مرات ؛ ويبعد بذلك رقابته المباشرة على مجريات تشاطاتها  .

ان الشرعية الدستورية فى السودان ينبغى ان تطور باضعاف العامل الطائفى فيها ؛ وبان تتسع لتشمل كل المكونات السياسية والاجتماعية فى السودان ؛ وفق مفاهيم قائمة حقا على اساس المواطنة . ان هذا لن يتم الا بتكريس الطابع المدنى والعلمانى للسلطة السياسية ؛ وحصر مصادر الشرعية فى الارادة الشعبية ؛ ومحاربة كل الدعوات التى تنقل الشرعية الوراثية او الطائفية او النخبوية الى الفضاء السياسى العام .

ان هذه الشرعية ينبغى ان تراقب بصرامة من قبل الراى العام الواعى ؛ ومؤسسات المجتمع المدنى المتعددة ؛ بحيث تكون السلطات اربعة وليست ثلاث ؛ وان يكون للمجتمع المدنى سلطة المحاسبة والرقابة التى تكفل الا تتحول الشرعية الدستورية الى ديكتاتورية مدنية ؛ اى سلطة رغم انها تاتى بالانتخاب ؛ الا انها تعمل بالضد من مصالح الجماهير ؛ وفى احتقار تام لمؤسساتها المدنية .

اصلاح الاحزاب كخطوة لاستعادة شرعية النظام السياسى :

ان الشرعية السياسية للنظام ؛ لا يمكن ان تتم دون شرعية مكوناته الاساسية . وفى النظام الديمقراطى فان اهم هذه المكونات هى الاحزاب السياسية . ان اصلاح الاحزاب السياسية السودانية ؛ يشكل لنا خطوة اساسية ولازمة لاستعادة شرعية النظام السياسى .

ان شرعية الاحزاب لا يمكن ان تتناقض مع الاسس العامة لشرعية النظام الدستورى ؛ وبذلك فان الاحزاب التى تدعو الى الشمولية او حكم الفرد ؛ لا يمكن ان تجد التشجيع او التسامح من قبل الدولة الديمقراطية ؛ اذا ما ارادت لنظامها الاستقرار . كما ان الاحزاب التى تدعو الى تغيير نظام الحكم الدستورى بالعنف ؛ لا ينبغى ان يسمح لها بالنشاط ؛ تحت دعاوى زائفة ومفاعيم خاطئة عن حرية الراى . ان هذا ما توصلت اليه الديمقراطيات العريقة ؛ فى نضالها مع مختلف الدعوات والنظريات الشمولية ؛ التى اثبتت مرات كثيرة فعاليتها وقدرتها على التعبئة  ؛ تجاه النظام الديمقراطى ؛ والذى راته عاجزا بآلياته السلمية ؛ عن مواجهة ايدولوجياتها الديماجوجية واساليبها العنفية (تجربة النازية ؛ الفاشية والنازية الجديدة فى اوروبا ؛ وتجربة الجبهة الاسلامية فى السودان ) .

ان اصلاح الاحزاب السياسية  يستدعى ايضا رفض نموذج الحزب الطائفى ؛ بوصفه حزبا قائما على اسس غير ديمقراطية . ان الفصل ما بين الطائفة والحزب ؛ ما بين القيادة الدينية والسياسية ؛ جوهرى لاستعادة الدستورية فى كامل النظام السياسى . ان استغلال الولاء الطائفى والدينى والقبلى ؛ ينبغى ان يجد المقاومة من مؤسسات النظام الدستورى ؛ ومن مؤسسات المجتمع المدنى .

كما ان الاحزاب الثورية مطالبة بايضاح مواقفها كاملة ؛ حول آاليات الوصول الى السلطة ؛ والكيفية التى تبغى بها تحقيق برنامجها الثورى . ان النظام الديمقراطى لا يمكن ان يتسامح مع حركات غامضة فى آالياتها وقياداتها ومؤسساتها . ان الالتزام بمؤسسات النظام الدستورى ينبغى ان يكون حاسما فى برامج وخطاب وممارسات هذه الاحزاب .

ان كل هذه المبادى النظرية ؛ ينبغى ان تنعكس عمليا فى نساط الاحزاب السياسية ؛ فتكفل فى داخلها سيادة الديمقراطية ؛ وتضمن تداول السلطة واختلاف الراى فى داخلها ؛ كما ان اعضاءها يجب ان يجدوا حقوقهم كاملة تجاه القيادة ؛ ويجب ان تتوفر كل الشفافية فى نشاطاتها التنظيمية ومصادر تمويلها وسياساتها .

ان ما ذكرناه ؛ يشكل بالنسبة لنا الحد الادنى الضرورى ؛ لاصلاح الحركة السياسية السودانية ؛ واستعادة مشروعيتها فى اعين منتسبيها ومؤيديها ؛ وفى اعين الجماهير ؛ هذه الخطوة التى تعيد الثقة فى جدوى ومشروعية النظام الديمقراطى .

اننا نعد بالرجوع مرة اخرى ؛ حالما يتوفر المقام ؛ لقضايا اصلاح الحركة السياسية السودانية ؛ بكل تياراتها ؛ بالمزيد من التفصيل . اننا ننتهز هذه الفرصة ايضا لدعوة كل القوى الحية فى مختلف التيارات السياسية ؛ لخوض معركة لا هوادة فيها ؛ من اجل اصلاح احزابها وتياراتها بالذات ؛ ومن اجل استعادة وتعزيز الشرعية فى مؤسساتها .

 

الشرعية الدستورية فى افق جديد:

بهذه المعانى ؛ وفى هذا الروح ؛ نتطلع الى عودة الشرعية الدستورية فى افقها الجديد . اننا نؤمن بان الحقوق تكتسب وتنتزع ؛ ولا تهب او تهدى ؛ ولذلك فاننا لا نفصل ما بين النضال ضد النظام اللاشرعى الحالى؛ والنضال من اجل استعادة الشرعية فى كل مؤسساتنا السياسية والاجتماعية .

ان فجر الشرعية الدستورية قادوم لا محالة ؛ فهذا هو منطق التاريخ وحصاد تجربة الشعوب .  ولكن هذا الفجر  لن ياتى الا على اكتاف حركة جماهيرية جديدة ؛ تنظر الى السياسة من منظار الشرعية والقانون والدستورية ؛ حركة تتميز بالشفافية ؛ وتلتزم بالجماهير ؛ وتتطلع للحداثة فى مواقفها وبرامجها ومؤسساتها .

 

من اجل هذه الحركة ندعو ونعمل .

 

عادل عبد العاطى

10اكتوبر 2000

 

هوامش المقال:

 

[i]  راجع فى تحقيق ذلك محمد اركون : العلمنة والدين : الاسلام ؛ المسيحية ؛ الغرب . دار الساقى –لندن الطبعة الاولى 1990.

[ii]  فى مفهوم مديونية المعنى ؛ راجع مخطوطتنا ” مديونية المعنى بين الدين والفلسفة والسياسة ” وارسو 2000.

[iii] فى مفهوم وتطبيق الخوارج للحاكمية ؛ وفى عموم نهجهم السياسى –الاجتماعى ؛ وموقفهم من السلطة ؛ راجع مخطوطتنا : “الخوارج ومبدا الثورة الدائمة فى الاسلام ” 1999.

[iv]  فى علاقة السلطة والمعارضة فى الاسلام ؛ راجع هادى العلوى : نقد السلطة ومبدأ الطاعة المشروطة فى الاسلام ؛ مقال مسلسل بمجلة النهج ؛ مركز الدراسات الاشتراكية ؛ دمشق – سوريا .

[v] فى شرعية الدولة المهدية ؛ وفى مشروعية المعارضة لها ؛ راجع : عبد الله على ابراهيم : الكبابيش : نحو مشروعية للمعارضة ؛ فى الطبعة الجديدة لكتابه : الصراع بين المهدى والعلماء ؛ مركز الدراسات السودانية ؛ القاهرة .

[vi]  فى علاقة الطائفة والدولة ؛ راجع برهان غليون : المسالة الطائفية ومشكلة الاقليات ؛ الطبعة الاولى ؛ بيروت 1979 ؛ ومهدى عامل : فى الدولة الطائفية ؛ بيروت ؛ دار ابن خلدون .

[vii]  فى مفاهيم الماركسية –اللينينة حول الدولة والدستورية ؛ راجع : لينين : الدولة والثورة ؛ وكذلك : الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكى . فى لينين : الاعمال الكاملة ؛ دار التقدم ؛ موسكو .

[viii] راجع مخطوطتنا : “الخوارج ومبدا الثورة الدائمة فى الاسلام ” 1999.

[ix]  النص نقلا عن حيدر ابراهيم على ؛ فى كتابه : ازمة الاسلام السياسى : الجبهة القومية السودانية  نموذجا . الطبعة الاولى ؛ مركز الدراسات السودانية  ؛ القاهرة –الدار البيضاء .

[x] .النص مقتبس عن الكندى (من” كتاب الكندى الى المعتصم فى الفلسفة الاولى” –طبعة القاهرة 1948).

 

BOLSHEVIKS

اوضحنا في الحلقتين السابقتين منهج عبد الله علي ابراهيم في الانحياز لممارسات الحزب الشيوعي في اغتيال شخصية المتميزين والنابغين والمختلفين ، وقلنا ان هذا المنهج هو جزء من انحياز ع ع  ابراهيم للسلطة عموما ، سواء كانت سلطة سياسية او اجتماعية او معنوية . ونحن نرى في  ع ع ابراهيم “موظفا” سلطويا بامتياز ، فهو لا يزال يمارس دوره كموظف ثقافي او قل دعائي للحزب الشيوعي ولاطراف السلطة الابوية السائدة في السودان ، مثله مثل السر بابو تماما ، ولا غرو –  فالرجلان متشبعان بالمفهوم اللينيني لوضع الثقافة في خدمة السياسة او الحزب ، والحزب الشيوعي اليوم اصبح احد اعمدة السلطة الابوية المنسلطة في السودان ،  وفي كل هذا لنا رجعة ورجعات.

وقد قلنا ان ع  ع ابراهيم نفسه مارس دوره في التشنيع على الاستاذ عوض عبد الرازق وترديد ترهات الحزب الشيوعي عنه ، من شاكله انه دعا الى حل الحزب الشيوعي وتحويله لجناح في الاحزاب الاتحادية ، او انه دعا لدراسة الماركسية بمعزل عن الواقع. وقد اسهم نشر تقرير عوض عبد الرازق مؤخرا في نسف كل هذه الاكاذيب ، واثبات عبقريته السياسية التي قُتلت تحت حوافر وخناجر الاستالينية البغيضة. وقد ساهم استاذنا صديق عبد الهادي في كشف شيء من هذا التزوير التاريخي وإثبات أن بعض هذه الاتهامات هي خارج السياق التاريخي اصلاً في مقاله المهم الموسوم ” لا مناص من النقد الموضوعي: السر بابو وتجربة الخاتم عدلان مثالاً ” والذي يكشف فيه بعض مغالطات وتجني الحزب الشيوعي على الرجلين العظيمين في تاريخه : عوض عبد الرازق والخاتم عدلان.

وقد تواصلت مساهمة ع ع  ابراهيم في مسيرة  التشويه والتعريض بالاستاذ عوض عبد الرازق ( وع ع ابراهيم له غرام خاص بمهاجمة الموتى ) في مقاله بعنوان ” ودا كلو من تحت دقنوس كلنج أب صلعة: ألحقنا يا راشد” وهو مقال ضعيف يشبه كتابات عوام الحزب الشيوعي ، ومليء بالمغالطات وعبادة الفرد وتشويه الحقائق.  ولا غرو في كل ذلك فكما قلنا فإن الرجل قد خسر دوره كمثقف وتحول الى عرضحالي خرف يكتب كل شيء لتكبير دوره ومعالجة تشرخات روحه بعد بيعه لها للسلطان ، وتغطية “خياسته” الفكرية والسياسية بادعاء ثورية زائفة وبلشفية مشوهة، مستفيدا من كرم السودانيين وترفعهم عن مواجهة امثاله، فبئس الطالب والمطلوب.

يقول ع ع ابراهيم : ((كان من وراء الزخم السياسي الثوري والتنظيمي الحداثي الذي عرضنا له في “المنارات التي شيدها اول مايو” شاب في سنه الثانية والعشرين هو أستاذنا عبد الخالق محجوب (ميلاد سبتمبر 1929 وتولى سكرتارية الحزب من عوض عبد الرازق على نهج جديد في 1949). لم يصطنع الجذرية (وما كان له) التي كانت تسوق الناس سوقاً للنضال مواجهة ضد الاستعمار. ولكنه شم عبيرها العبق واتفق له أن يدفقها على سياسة السودان عبر تنظيم جديد هو الحزب الشيوعي فارزاً كومو من الحركة الاتحادية التي انطوى في أكنافها مجرد جناح يساري من قبل))
[i]

مرة اخرى يردد ع ع ابراهيم تخرصات الشيوعيين ان عبد الخالق محجوب قد اختط نهجا جديدا وان قيادة عوض عبد الرازق قد جعلت الحزب مجرد جناح يساري للحركة الاتحادية. والحقيقة ان كتابات عبد الخالق محجوب نفسه تؤكد كذب تلك التخرصات. فالاتهام بوضع الحزب ( الحركة السودانية للتحرر الوطني في الحقيقة ) قد وجهت في الاصل للدكتور عبد الوهاب زين العابدين عبد التام ، وعلى اساسها تم خوض الصراع ضده في صيف 1947 عند رجوع عبد الخالق والتجاني الطيب من القاهرة في الاجازة الصيفية. وقد كان الصراع في الحقيقة بين المؤسسين للحركة في السودان وتيار “اولاد هنري كوريل” القادمين من القاهرة. وفي هذا الصراع تم ابعاد عبد الوهاب زين العابدين وتم صعود عوض عبد الرازق وعبد الخالق وجناحهم للجنة المركزية وعملها تحت قيادة عوض عبد الرازق ((مؤقتا)) بعد عودة عبد الخالق محجوب للقاهرة.

وخلال الفترة بين صيف 1947 وبداية 1949 قاد عوض عبد الرازق الحركة وانجز الكثير من الانجازات التي عددها في تقريره ، والتي اكدها عبد الخالق محجوب في كتابه ” لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي” حيث ذكر من بينها (( تحرر الحزب من نفوذ التقليدية القديمة وسلك طريقه المستقل في تنظيم الجماهير)) ((ارتبط الحزب مباشرة بالطبقة العاملة واسس فروعه الثابتة في عطبرة وفي الخرطوم بحري)) ((وضع الحزب دستوره الذي يشمل النضال ضد الاستعمار وحق الشعب السوداني في تقرير مصيره واصبحت له الجراءة في نقد وجهة نظر الاحزاب الوطنية الاخرى)) ((اسس الحزب أول اشكال اتصاله الثابت بالجماهير فاصدر اول منشورات مطبوعة في السودان)) (( وضع لائحة تحدد العلاقة بين الافراد والهيئات محل العلاقات الشخصية)) (( بدأ الحزب لأول مرة في اصدار مجلة داخلية لتطبيق الماركسية على واقع بلادنا)) وباختصار (( ان اللجنة المركزية الجديدة وضعت الاسس لقيام الحزب وتطوره))
[ii]

ويمضي عبد الخالق اكثر ليقول ان تلك اللجنة والتي عملت لحوالي عامين تحت قيادة عوض عبد الرازق حلت مشاكل هامة (( على رأسها مشكلة التحالف مع الراسمالية الوطنية في النضال ضد الاستعمار الاجنبي)) و(( أقر الحزب مبدأ التحالف مع الراسمالية الوطنية مع الاحتفاظ بالاستقلال الكامل للحزب في تنظيم الجماهير وقيادة نضالها)) واستطاع الحزب (( أن يوسع من الحركة الجماهيرية ويلهب النضال ضد الاستعمار))  وذكر امثلة لنجاعة هذا الخط كعمل الجبهة الوطنية بمدينة الخرطوم بحري واخراج اول مظاهرة في صيف 1948 من نادي الاتحاديين (( متعاوناً مع الاقسام الاكثر ثورية من الراسمالية الوطنية)) مما ادى لمقاطعة واسقاط الجمعية التشريعية .
[iii]

إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يزعم عبد الله علي ابراهيم في نفس المقال ((وصار عوض عبد الرازق الذي تمسك بوجودنا كجناح يساري في الحركة الاتحادية البطل المضاد لأستاذنا عبد الخالق محجوب الذي قال إن علينا أن نستقل بحزبنا ونطرق باب الجماهير من تحت رايتنا المستقلة (العبارة المفضلة). وكان هذان الموقفان المتباينان مدار الخلاف في الحزب الذي ساق في النهاية إلى انقسام 1951 بين بلشفيك (الروسية للأغلبية) عبد الخالق ومنشفيك (الأقلية) عوض عبد الرازق.)) ولماذا يصر على فرية أن ((إذا صح وجوب بقائنا في الحركة الاتحادية كما قال عوض)) ولماذا يكرر ((هل صح عزم عوض فيما اتفق له من خطة البقاء في الاتحاديين؟)) ؟
[iv]

يزعم ع ع ابراهيم كل ذلك لأنه يصر على ان الصراع كان بين بلاشفة ومناشفة ولأنه يتمسك بالرواية الرسمية للحزب العجوز. ولكن القاريء المحايد للتاريخ يعرف ان الصراع ضد عوض قد تم بعد عودة عبد الخالق محجوب النهائية للسودان في مطلع عام 1949 ، فالرجل كان يريد ان يقود بالاصالة وليس بالوكالة ( في شخص عوض) ولذلك كان لا بد من تنحية الاستاذ عوض عبد الرازق رغم كل تلك الانجازات تحت قيادته  وبخلق اسباب كاذبة وواهية وبتزوير مواقفه. لقد كان الصراع بين المكون السوداني في الحركة وهو المكون الذي انشأها منذ 1943 في السودان  والمكون المصري القادم من القاهرة او “اولاد هنري كورييل” . ان تاريخ هنري كورييل البشع في الحط من خصومه الشيوعيين بل والتعدي عليهم جسديا واحتماءه بالسوفيت معروف لكل متابعي الحركة الشيوعية المصرية وقد نقله عنه اولاده للسودان وعلى رأسهم عبد الخالق محجوب. بعد عودة عبد الخالق ومجموعة القاهرة في مطلع 1949 كان لا بد من البحث عن منصب لعبد الخالق فتم ابتداع منصب السكرتير العام ، واتفق ذلك مع سفر عوض عبد الرازق لبورتسودان طلبا للرزق فسقطت الحركة باردة في يد اولاد هنري كورييل اللذين لا تزال تسيطر بقيتهم وعقليتهم على الحزب الشيوعي ، وقد تناولنا كل هذا في مخطوطتنا : “هنري كورييل – المؤسس الحقيقي للحزب الشيوعي السوداني” .

كان صراع 1951-1952 في جانب منه صراعا فكريا سياسيا ، فقد تمسك الاستاذ عوض عبد الرازق ورفاقه بطرح الحركة في  التحالف مع الراسمالية الوطنية ( الاتحاديين) بينما اتخذ عبد الخالق ورفاقه طريق المغامرة السياسية والتحولات الدراماتيكية من العزلة وبناء حزب شيوعي (ماركسي – لينيني)  وحتى التحالف مع اقصى اليمين الذي كان يمثله حينذاك حزب الأمة (الجبهة الاستقلالية) ثم مع حزب الشعب الديمقراطي لاحقاً . وسوف نتناول تلك التحولات واثرها على التطور السياسي في السودان في كتابنا التوثيقي التحليلي عن تاريخ الحزب الشيوعي السوداني. بينما كان في جانب منه صراعا شخصيا بين شخصيتي عوض عبد الرازق الجماهيرية المنفتحة والشعبية وبين شخصية عبد الخالق محجوب الحزبية التي تخطط وراء الكواليس والمتمرسة في مدرسة الصراع الداخلي الكوريلية. ومن الواضح ان موقف عوض عبد الرازق وقتها كان هو السليم وكان الاقرب لدستور الحزب وتكتيكاته التي تم وضعها عام 1947 .

لقد انتبه الكثيرون لطبيعة هذا الصراع الحقيقية . يكتب استاذنا زين العابدين صالح عبد الرحمن : ((في عام 1947، أستطاع عبد الخالق محجوب مع بعض زملاءه القادمين من مصر، إلي جانب قيادات في الداخل علي رأسهم عوض عبد الرازق، أن يقيلوا عبد الوهاب زين العابدين الذي كان لديه رؤية فكرية مخالفة، حيث كان يعتقد ليس هناك ضرورة لتكوين حزب شيوعي، أنما يجب الاستفادة من التيارات الاتحادية الليبرالية لنشر الفكر اليساري، اعتبره عبد الخالق رؤية تحريفية انتهازية، و استخدم الوسائل الإجرائية للإقالة، و كرر ذات الشيء مع عوض عبد الرازق، عندما طرح رؤيته الفكرية في تقريره ” للفترة 1947 – 1952 للحركة السودانية للتحرر الوطني” قال فيه ( ما زال من واجبات الحركة السودانية للتحرر الوطني المركزية، تحقيق تحالف شعبي واسع معاد للاستعمار، حتى تحقق مهمة إجلاء الوجود الأجنبي، و السير في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية، التي من أسسها الضرورية ذاك التحالف الجبهوي العريض. فعلينا منذ الآن تكثيف الجهود من أجل جبهة معادية للاستعمار، كمقدمة لجبهة وطنية ديمقراطية تجعل الاستقلال السياسي يتكامل مع الاستقلال الاقتصادي، و السير في طريق التطور الرأسمالي) هذه الرؤية للإبقاء علي أن تكون الجبهة الوطنية تحالف ديمقراطي عريض، لكي تستطيع أن تنجز أهدافها الوطنية من خلال تحالف شعبي عريض، تخالف رؤية عبد الخالق محجوب التي كانت تنادي بتكوين حزب شيوعي مستندا للمرجعية الماركسية. لم يذهب عبد الخالق في طريق الجدل الفكري لكي يخلق وعيا جماهيريا واسعا، لكنه فضل اللجوء إلي العزل و التصفية و فصل عوض عبد الرازق، هذه الإجراءات تواصلت مع عددا من قيادات الحزب، مستخدما فيها حتى الحرب النفسية مع عددا من القيادات))
[v]

اننا لن نتناول مجموعة الاسئلة الساذجة التي ذكرها ع ع ابراهيم عن مآلات أفكار عوض عبد الرازق وخططه، فكلها مبنية على اساس خاطيء ومزيف في نسبة افكار ومواقف كاذبة للرجل، وما بنى على باطل فهو باطل. لكننا سنتطرق سريعا لهذه الفقرة المسمومة في مقال ع ع ابراهيم حيث يقول: ((كوَن عوض بعد انقسام 1951 جماعة اسمها “الحركة الديمقراطية”. وكانت ظلاً وقف ما زاد. وصفها لي الدكتور عبد القادر حسن إسحاق، العضو البارز فيها، بأنها تفرقت إيدي سبأ لخلافات تنظيمية لأن من قادتها مثل بابكر احمد موسي، مؤلف “الفلاح الفصيح” وآخر في تاريخ السودان، من أراد أن يحولها إلى حركة دينية. ثم جددها بعض جماعة عوض عبد الرازق مثل سيد أحمد نقد الله وبدر الدين سليمان وعلى التوم في حركة باسم الجمعية الوطنية أصدرت مجلة “القافلة” التي حررتها حاجة كاشف العضو بالجمعية وزوجة على التوم. وراحت الجمعية الوطنية في الزفة أيضاً. أما عوض نفسه فتمسك بالاتحاد مع مصر في “الطليعة الاتحادية” بعد هجران الأزهري لخطة الاتحاد. ثم انتهى إلى حزب الشعب الديمقراطي. وكان ضمن “كرام المواطنين” من الختمية وغيرهم الذين رفعوا عريضة تؤيد الفريق إبراهيم عبود في منعطف زنقة.))

لا يهم في تاريخ الأفكار أن تملك الحشود والجماهير وان تتفرق شيعا أو ايدي سبأ . فهتلر ملك من الأتباع ما لم يملكه غيره ، وانتهى الى مزبلة التاريخ. وسقراط انتحر وحيدا ومحي الدين بن عربي لم تستمر طريقته والمسيح علق على صليب فردا في حين هرب اتباعه الاثني عشر، وبليخانوف مات وحيدا ونيتشة مات في مصحة عقلية. وهكذا مصير الافكار الكبيرة والمتقدمة الا تكسب مناصرين في زمانها حتى ينتصر لها التاريخ بعد حين.

 أما حزب الشعب الديمقراطي فقد تحالف معه الشيوعيون منذ تأسيسه وحتى حله. أما مذكرة كرام المواطنين فلا شك ان هذا كبوة لاستاذنا عوض عبد الرازق إن وَقع عليها ، رغم ان اغلب نصها كان يتناول العلاقة مع مصر الناصرية ويدافع عنها اكثر منها تأييدا لعبود. لكن هذه المذكرة كانت جزءا من الادب السياسي السائد حينها ، فقد كتب السيد الصديق المهدي مذكرة لعبود وكذلك فعل السيد اسماعيل الازهري . وقبلهما كان قادة الطوائف قد ايدوا عبود تأييدا مباشرا في برقيات رسمية، بل لقد رفعت جبهة المعارضة نفسها مذكرات لابراهيم عبود تعاملت معه فيه كرئيس وكانت قيادات الحزب الشيوعي نفسها من الموقعين. فقد وقع على مذكرة القيادات المعارضة الاولى أحمد سليمان بينما وقع على الثانية .. عبد الخالق محجوب ، كلنج  أب صلعة نفسه. فتأمل  هذا الكيل بمكيالين والنظر بعين حولاء والغرض الذي هو مرض عضال.

إنني في هذه العجالة لن أتطرق لمفهوم ع ع ابراهيم الساذج عن نفسه كبلشفي ، ومحاولة تشنيعه على  استاذنا عوض عبد الرازق بوصفه بالمنشفي وهي شتيمة في عرف الشيوعيين، فالطيور على اشكالها تقع ومرمي الله ما بيترفع. لكننا فقط نشير الى كذبه وتزويره حينما يتحدث عن البلاشفة انهم اغلبية وعن المناشفة انهم اقلية. فطوال تاريخ حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي لم يتحول “البلاشفة” الى اغلبيىة قط حتى عام 1917، وفعلوا ذلك فقط بقوة الحديد والنار. لقد كانت هذه واحدة من تزويرات التاريخ البغيضة .
[vi]

غير هذا فلقد اثبت التاريخ ان المناشفة كانوا على حق في اطروحاتهم وسياساتهم وسلوكهم ، ولا غرو فقد كان بين المناشفة المفكرون النبلاء  فيرا زاسبوليتش وجورجي بيلخانوف وبافل اكسلرود الذين اسسوا الحركة اليسارية والاشتراكية في روسيا وكان جورجي بيلخانوف واحدا من اكبر مفكري عصره، وسلمت اياديهم كلهم من الدماء، بينما  كان قادة البلاشفة  “المتسلبطين”  الاجلاف  لينين وستالين وجيرجينسكي  وتروتسكي الذي انضم لهم من اكبر سفاحي عصرهم. لقد سبب  حزب الاقلية المدعى زورا بالبلاشفة لروسيا  والشعب الروسي آلاما جمة ، مما كشفها المؤرخون ومما كشفها شرفاء المفكرين .

 لكن ع ع ابراهيم غير معني بالحقائق التاريخية ، البسيطة منها والمركبة، ولو عني بها لما كان ما هو عليه الآن – موظفا سلطويا ، ولكنه معنى ببريق السلطة . و”البلاشفة” قد كسبوا السلطة والصراع ضد المناشفة وكانوا “اغلبية” ، فلم لا يكون بصفهم في روسيا أو في السودان؟. ولا يهم بعد ذلك كمية الجرائم والالام التي احدثوها في روسيا او في السودان، فما تهم هي السلطة فقط ، مادية او معنوية. وفي علاقة ع ع ابراهيم مع السلطة تاريخ مخز سنتعرض له في سلسلة مقالات أخرى في حياة الرجل أو بعد مماته.

في النهاية نقول اننا نجدد الدعوة لرد اعتبار استاذنا عوض عبد الرازق كشخصية وطنية ومفكر عبقري وانسان شريف. هذه الدعوة موجهة للحزب الشيوعي في المقام الأول كونه الذي شوه صورة استاذنا عوض عبد الراوزق عبر التاريخ، ولكنها ايضا موجهة لاشخاص بعينهم كتاج السر عثمان ( السر بابو ) وعبد الله علي ابراهيم ممن خانوا امانة المثقف وانتموا للسلطة وشاركوا في سحل المفكرين وحاربوا شرفاء  المناضلين ولا زالوا يفعلون .

عادل عبد العاطي

23/7/2016

[i]  عبد الله علي ابراهيم : ودا كلو من تحت دقنوس كلنج أب صلعة: ألحقنا يا راشد – مقال نشر بموقع الراكوبة بتاريخ 19/5/2016

[ii] عبد الخالق محجوب : لمحات من تااريخ الحزب الشيوعي السوداني ، الطبعة الثالثة 1987 ، دار الوسيلة للطباعة والنشر ، الخرطوم ، صفحات 46-48

[iii] عبد الخالق محجوب ، لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، مرجع سابق ، صفحات 49-50

[iv] عبد الله علي ابراهيم : مرجع سابق

[v] زين العابدين صالح عبد الرحمن : دعاة الأيديولوجية و الخصام المتواصل مع الديمقراطية- مقال نشر بموقع حريات سودان – 23/7/2016

[vi] راجع في هذا مخطوطتي بعنوان : الانقلاب البلشفي

16413111-Cartoon-of-an-evil-man-Politician-CEO-Lawyer-etc-Vector-and-high-resolution-jpeg-files-available--Stock-Vectorتعرضت في الحلقة الفائتة للدخان الذي اطلقه عبد الله علي ابراهيم حول دعوتنا لرد الاعتبار للاستاذ عوض عبد الرازق من الظلم التاريخي الذي تعرض له من مؤسسات الحزب الشيوعي وتشويه سمعته وحرقه عبر التاريخ ، وقلنا انه اذا عرف السبب بطل العجب، فعبد الله علي ابراهيم نفسه كان من جوقة المشنعين على الاستاذ عوض عبد الرازق، إبان عضويته في الحزب الشيوعي. ولما خرج من الحزب العجوز – خورا وضعفا وجبنا وليس قناعة بفشل الحزب او ماركسيته الستالينية – لم يحرك ساكنا لرد الاعتبار لذلك الرجل وغيره من ابطال الحركة الوطنية والعمالية ، اللذين مرغ الحزب الشيوعي اسمهم في التراب، بل حاول ان يجد المبررات والمراقات لتلك الممارسات البشعة .

فعبد الله ع ابراهيم يعرف تاريخ التشنيع والتشويه لإسم وسيرة الاستاذ عوض عبد الرازق جيدا ، ولا غرو فقد كان ع ع ابراهيم المسؤول الثقافي للحزب الشيوعي في السبعينات واطلع على معظم وثائقه وارشيفه القديم، ولا يسمى هذه الممارسة بإسمها الحقيقي كممارسة لاغتيال الشخصيىة او الشواء الآدمى كما سماها الاستاذ شوقي بدري وانما يحاول ان يبررها ويفسرها ويفلسفها بأنها جزء من ((طلاق السياسة والثقافة في حظيرة الأحزاب الموصوفة بالعقائدية)). يا سلام!

ويمضي الرجل في مقاله المعنون ” الترابي البولشفيكي ، عوض عبد الرازق المنشفيكي” للقول : ((فصراع عام 1952 في الحزب الشيوعي هو نزاع بين الجهاديين الثوريين بقيادة أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب وبين الدعويين التربويين بقيادة المرحوم عوض عبد الرازق . فقد ساء عوض أن يرى الحزب يبدد طاقته بين الجماهير “من جم” ويفقد التركيز على تربية الطبقة العاملة في حرف وروح الاشتراكية . ومما يذكر أنه في اجتماع المواجهة بين شيعة عوض وشيعة عبد الخالق قذف عوض بطائفة من الكتب الماركسية عن المزارعين أمام المجتمعين سائلاً إياهم أن يطلعوا عليها قبل أن يبلغوا بنشاطهم جمهرة المزارعين (أو كتل الفلاحين كما كان يقول أخونا حسن عبد الماجد المحامي).ولم يُكتب النجاح لعوض وجماعته التربوية في يومهم ذاك. فقد اكتسحهم جهاديو عبد الخالق الذين قالوا يكفينا لبلوغ أوسع الجماهير مجرد عموميات الماركسية ، ثم نغتني منها بالممارسة علماً ودربة ، ” نعلم الجماهير ونتعلم من الجماهير” كما جرت العبارة .))[i]

العبارة السابقة مليئة باللؤم والكذب. أما الكذب فيتبدى في ترديد تخرصات دعاية الحزب الشيوعي ان عوض عبد الرازق كان عقائديا ركز على ((على تربية الطبقة العاملة في حرف وروح الاشتراكية)) . اما اللؤم فيتبدى في محاولة تصوير الاستاذ عوض عبد الرازق انسانا اكاديميا متعنظزا يرمى بالكتب أمام المجتمعين، وهي واقعة ليس لها اسناد تاريخي وهي من قبيل اساطير الشيوعيين التي تزيف التاريخ. كما يتبدى اللؤم في تسمية عبد الخالق محجوب بالأستاذ وعوض عبد الرازق بالمرحوم، فتأمل لتعرف اين يقف ع ع ابراهيم.

فوفقا لتقرير الاستاذ عوض عبد الرازق الذي كان مغيبا في ارشيف الحزب الشيوعي وتم نشره مؤخرا من طرف الاستاذ مهدي إسماعيل مهدي، وقمنا باعادة نشره في مقالنا الأصل حول رد الإعتبار للأستاذ عوض عبد الرازق،  فإن عوض عبد الرازق قد دعا الى ((توسيع قاعدة عضوية الحركة كمياً ونوعياَ، وذلك بالغوص في صفوف الشعب على مختلف طبقاته وفئاته مما يجعلنا نطور نهج المواجهة الذي بدأته الحركة في أحداث الجمعية التشريعية إلى تحالف وطني عريض معادٍ للوجود الاستعماري))[ii] كما رفض من جهة ((كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لإستقلالية منبر الحركة، أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى.)) ومن الجهة الأخرى ((تحجيم الخط اليساري المتعجل الداعي للقفز فوق المراحل بتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي (ماركسي لينيني). )) وهذا ما ينفى تماما انعزاليته او تحجره او ان يكون عقائديا اكثر من عبد الخالق محجوب.

ويمضي عبد الله علي ابراهيم ليذكر واقعة الاغتيال المعنوي والشتم والتشنيع التاريخي على استحياء ، دون ان يدينها، بل أنه يضيع صوت الادانة المحتمل  وسط فذلكات تاريخية مملة. ففي نفس المقال يقول ((وصحب انتصار الجهاديين فظاظة فكرية عالية بحق التربويين . فقد جرى وصفهم بالتصفويين ، ممثلي الطبقة الوسطى القانطة . حتى صار لا يرد ذكر المرحوم عوض عبد الرازق إلا مسبوقاً بـ ” الانتهازي” . وللقارئ أن يرجع الى كتيب ” لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي” الذي كتبه أستاذنا عبد الخالق بين سنتي 1960 و 1961 ليقف على جزئيات هذا الصراع . وسيُلاحظ القارئ بغير عناء أن الكتيب قبس في خطة التأليف ، وفي اللغة القاطعة الجارحة من الكتاب الحرباء : تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي ، ولعل أهم هدى أخذه كتيب عبد الخالق عن تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي – الفكرة التي مؤداها أن تاريخ الحزب الشيوعي الحق لا يصدر إلا عن لجنة مؤلفة أو مكلفة من اللجنة المركزية للحزب . ومن حسن حظنا جميعاً أن الله قد شغل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني عن كتابة التاريخ بأمهات أخرى من الأمور في حين صدرت أعمال أكاديمية مرموقة أمينة عن تاريخ الحزب الشيوعي مثل التي كتبها صديقنا الدكتور محمد نوري الأمين .))[iii]

الشاهد ان ما تم لم يكن فظاظة لفظية ، ولم يكن لغة قاطعة جارحة كما يزعم عبد الله علي ابراهيم ، وانما كانت حرقا معنويا واغتيالا نفسيا . كانت معاملة عوض كما مريض الجذام ، وجعلت وصمة الانتهازية حياته جحيما لا يطاق كما اورد استاذنا شوقي بدري، وهي من الموبقات والجرائم كما وصفها استاذنا طلعت الطيب. ولقد ذكر الاستاذ يوسف حسين ( حسن تاج السر ) وهو يصف الحال في الحزب الشيوعي وقيادته انها تتميز ب:((سيادة أساليب الهيمنة والتشرذم والفتك بالخصوم وتدميرهم عن طريق تشويه السمعة وفبركة التهم  وتسريب الاختلاقات والأقاويل عن القادة الغير مرغوب فيهم للحط من شأنهم وقتل شخصياتهم  والإنتشاء باخبار السقوط والإرتداد والإبعاد من القيادة وافتقاد الحق والعدل داخل الحزب  وأصبحت القيادة نهباَ للكذب والتآمر، وتحول الحزب الي قطيع مسلوب الارادة وانطمست معالم الحزب كمؤسسة ديمقراطية.))[iv] ولكن عبد الله علي ابراهيم لا يدينها وانما يبررها ، وهو الذي يعلم كل ذلك وأكثر من ذلك.

الشاهد ان ما مارسه الحزب الشيوعي تجاه الاستاذ الراحل هو عين ما قاله يوسف حسين ، اي “الفتك بالخصوم وتدميرهم عن طريق تشويه السمعة وفبركة التهم  وتسريب الاختلاقات والأقاويل عن القادة الغير مرغوب فيهم للحط من شأنهم وقتل شخصياتهم  “. والشاهد ان هذا الفتك بالاستاذ عوض عبد الرازق مستمر منذ عام 1952 وحتى اليوم ، والموثق ان الكثيرين من الشرفاء ممن لا يملكوا معلومات ووثائق ع ع  ابراهيم قد طالبوا برد اعتبار الرجل وانهاء ذلك الظلم التاريخي، و عبد الله ع ابراهيم لا يفعل ، فما هو السبب ؟

السبب إن عبد الله علي ابراهيم يحتفي بأهل السلطة حيين او ميتين. وقد انتصر عبد الخالق محجوب في معركة السلطة على استاذنا عوض عبد الرازق، ولا يزال يملك سلطة معنوية على الحزب العجوز وفي عموم السودان. ولذلك وجب مدحه حتى لو اثبت التاريخ صحة أفكار ومواقف عوض عبد الرازق. والشاهد ان الترابي قد كسب معركة السلطة ولا يزال يملك سلطة معنوية ، لذا وجب مدحه بل ((وصف ع ابراهيم وفاته بالخسارة للوطن كاشفاً عن ملازمته لسرداق عزاء الفقيد لثلاثة ايام ))[v]،  ولو اجرم في حق كل شعب السودان.

وتسود اشاعة وسط القوى السياسية أن قيادة الحزب الشيوعي قد اصدرت تعميما داخليا في السبعينات إبان استقالة عبد الله علي ابراهيم شديد اللهجة ، ألا يتعرض له أحد من أعضاء الحزب العجوز بشرٍ. انني لا اعلم صحة هذه الواقعة ولكنها لو  لو كانت صحيحة فهي تكشف ان تلك القيادة قد كانت “نجيضة” . فهي قد عرفت وله الرجل بالسلطة، وعرفت انه مصنوع من نفس طينتها، وأنه يمكنها الاعتماد عليه في تسويف الحقائق والمعلومات فيما يتعلق بتاريخ الحزب الشيوعي، وأنه من النوع الذي لا يمكن أن ينتصر لمظلوم . وها إن التاريخ يثبت انها – في هذه الواقعة – قد كانت على حق.

عادل عبد العاطي

19/7/2016

[i] عبد الله علي ابراهيم – مقال بعنوان : الترابي البولشفيكي، عوض عبد الرازق المنشفيكي ، نشر في صحيفة الراكوبة الالكترونية ، 17/9/2012

[ii]عوض عبد الرازق: تقرير السكرتير التنظيمي للحركة السودانية للتحرر الوطني عن الفترة من يوليو 1947 – أكتوبر 1952 – قدم للمؤتمر الثاني للحركة السودانية للتحرر الوطني ( حستو) – اعاد نشره الاستاذ مهدي اسماعيل مهدي.

[iii]عبد الله علي ابراهيم – مرجع سابق.

[iv]وردت في مقال للتجاني الطيب بابكر : مجلة قضايا سودانية – العدد الثاني والعشرون، ديسمبر 1999، صفحة 1

[v]عبد الله علي ابراهيم – حوار مع صحيفة ” الاهرام اليوم” – اعيد نشره بصحيفة الراكوبة الالكترونية – 23/3/2016

monkey-portrait-2_zpsdb0b4347كتبت مقالا قبل أيام عن ضرورة رد الإعتبار للاستاذ عوض عبد الرازق بعد تشنيع الشيوعيين عليه الذي استمر ويستمر فوق النصف قرن، فرد عبد الله علي ابراهيم بكتابة يطلب فيها رد الإعتبار لميادة سوار الدهب من تشنيع عادل عبد العاطي؛ فيا لمهزلة الرجل ويا لبون الإختلاف.
ويعلم الخاصة والعامة ان الخطأ لا يبرر الخطأ ؛ فإذا أفترضنا جدلا أني قد شنعت على ميادة سوار الدهب؛ فهل يبرر هذا تشنيع الشيوعيين على الاستاذ عوض عبد الرازق لمدة 55 عاما أو نيف ؟ وأين موقف عبد الله علي ابراهيم نفسه من تشنيع الشيوعيين المتواصل والمقيم؛ وهو الذي يدعي أنه شيوعي من منازلهم وأنه الأعرف بتاريخ ذلك الحزب العجوز ؟ بل اين طالب ع ع ابراهيم برد الاعتبار لذلك الرجل وغيره من ابطال الحركة الوطنية والعمالية ؛ مثل محمد السيد سلام او الحاج عبد الرحمن؛ وهل تدخل ع ع ابراهيم لأن طرف السوط قد وصله؛ بإعتباره من المساهمين في التشنيع على الرجل؛ ففضل ان يختبيء خلف اسكيرت ميادة سوار الدهب ليطلق قنابل دخان تخفي سوءة الشيوعيين وسوئته وتجهض دعوة رد الاعتبار للاستاذ عوض عبد الرازق؛ بإعتبار ان عادل عبد العاطي ذات نفسه يشنع؟.
والشاهد ان ع ع ابراهيم كان من جوقة المشنعين على الاستاذ عوض عبد الرازق؛ وقد وقع في يدنا مقال طويل عريض لم نستطع الوصول الى كاتبه؛ وقد نشره الاخ غاندي في موقع سودانيات بعنوان : (( هل عوض عبد الرازق انتهازي أم منشق؟ )) هو رد مطول على تخرصات الحزب الشيوعي و ع ع ابراهيم ؛ وهو بمثابة شهادة فكرية وسياسية وانسانية ضد اللؤم الحيواني للمشنعين على استاذنا عوض عبد الرازق؛ فليرجع اليه من اراد في هذا الرابط: http://sudanyat.net/vb/showthread.p…
ولا استغرب موقف ع ع ابراهيم ابدا في التشنيع على عوض عبد الرازق والدفاع عن ميادة سوار الدهب. فالرجل معروف انه يقدح في الاموات ولا يتورع ؛ بينما يتدجن ويتصاغر امام الاحياء ان كانوا اصحاب سلطة. لقد تجرأ الرجل على البروفيسور محمد عمر بشير وحاول حرق شخصيته بعد موته؛ ولم يتصد للخاتم عدلان الذي فضح تهافته في مقالات نجلاء ؛ الا بعد موت الخاتم عدلان، فبدأ يدبج فيه الوريقات ويشتمه في متهافت الحوارات. كما زعم المسكين أنه كان يُعِلم الشهيد عبد الخالق محجوب ؛ وحاول ضمن محاولاته الخاسرة ان يقول ان الرجل كان من مؤيدي المشروع الاسلامي فتأمل. تلك جرأته وقوة عينه ولوية سِنه امام الموتى .
كما افرد ع ع ابراهيم كتابا كاملا عن الشاعر الفقيد ضحية الحزب الشيوعي محمد عبد الرحمن شيبون؛ مارس فيه التدجيل والتسويف والتطويل والتزييف والاملال والتحريف ليبريء الحزب الفاشي والفاشل من جريمة قتل شيبون وليدين الضحية؛ فرد عليه أهل شيبون واصدقائه وشرفاء الصحفيين بما القمه احجارا فلم يرد عليهم. وفعل الرجل نفس الفعل القبيح مع صلاح أحمد ابراهيم؛ الذي هاجمه مع سلطة الحزب حيا وحاول التنكيل بجثته ميتا؛ فتصدى له استاذنا خالد احمد بابكر (خالد كتمور) فالقمه احجارا فلم يرد . بالمقابل يهادن ويراءي عبد الله علي ابراهيم كل صاحب سلطة ولو كان محمد ابراهيم نقد او الصادق المهدي او ميادة سوار الدهب؛ فبئس الطالب والمطلوب.
والحقيقة ان منهجنا مضاد تماما لمنهج عبد الله علي ابراهيم؛ الذي يصف نفسه كاذبا بالضكارة. ورغم تخلف المفهوم وذكوريته الا انه لا ينطبق عليه. فالرجل عرضحالي يدافع عن السلطة بما هي سلطة واصحاب السلطة؛ رؤساء دول كانوا او رؤساء احزاب؛ بينما نحن معادين للسلطة كلها بما هي سلطة ؛ ويقع اصحابها تحت ازاميل نقدنا المتواصل؛ اذ لا شرعية لسلطة دون محاسبة ونقد. من الناحية الاخرى يتحامل الرجل على الفرادى من الناس وضحايا السلطة والذين لا يستطيعون الدفاع عن نفسهم؛ ومن اضعف في الدفاع عن نفسهم سوى الموتى ؟ لذلك آلينا على انفسنا أن ندافع عن الموتى – مثل اساتذتنا وضحايا السلطة علي عبد اللطيف وعوض عبد الرازق والخاتم عدلان وغيرهم ؛ وان نسترد لهم حقهم ما دامت فينا حياة ؛ بينما يقفر هو دائما ضدهم ومع السلطة التي قتلتهم ماديا او معنويا؛ فشتان .
ونحن نعلم ان عبد الله علي ابراهيم لا يرد علينا فقط في موضوع استاذنا عوض عبد الرازق. فقد شتم الرجل استاذنا الخاتم عدلان قبل اشهر ؛ وكذب حين زعم انه علم عبد الخالق محجوب؛ وادعى لتفسه الضكارة؛ ومدح اسؤا رجلين في السياسة السودانية لان لهما احزاب؛ كما اطرى الترابي . فكتبنا عنه ان لا صلة له بالضكارة وانما بالخياسة ؛ وهي الفساد والافساد ؛ فسكت الرجل ووضع في فمه ماء؛ وتحين الفرصة حتى ظن انه وجدها في الدفاع عن ميادة سوار الدهب؛ فعجبى من ”الضكران“ الذي لا ينازل عندما يدعوه للنزال؛ ثم يأتي مختبئاً خلف اسكيرتات السيدات وعندما يضمن وجود الجوقات والسلطة الى جانبهن.
وميادة سوار الدهب التي يطالب عبد الله علي ابراهيم برد اعتبارها حية ترزق؛ وهي تدعي انها رئيسة حزب ؛ ولها ابن عم سليط يدافع عنها في اللقاءات التي يذكر فيها أسمي مصحوبا بالشتائم عشرات المرات وليس 12 مرة فقط ؛ ولها كلاب حراسة من الصعاليك ممن لا عهد لهم ولا ذمة تطلقهم للنهش في الناس ؛ ولها بعل من اهل الانقاذ الفطاحلة ؛ ولها اسرة وطائفة تنافح عنها وتحتمي بها؛ ولها موتورون تجاه شخصي الضعيف وضعوا نفسهم في خدمتها بالمجان؛ ولها دعم من اسلامويي السودان وطائفييه ممن جعلوها دمية في ايديهم يحاولون بها تكسير نمو اي تيار ليبرالي حقيقي . وعن هذه يدافع عبد الله علي ابراهيم بينما ندافع نحن عن شرف وإسم رجل ميت عاش شريفا ومات شريفا معدما في ”قراش“ ؛ وكانت ورثته الباقية شنطة كتب. فتأمل.
وفي الحقيقة هناك شبه كبير بين عبد الله علي ابراهيم وميادة سوار الدهب . فميادة سوار الدهب لا ترد على كل الاتهامات تجاهها ؛ وانما تحارب بأيادي الآخرين؛ وهي تسكت سكوتا مطلقا ؛ بينما تطلق الاوباش للدفاع عنها لتظهر ان اياديها نظيفة وهيهات. أما عبد الله علي ابراهيم فهو لا يرد على من ينازله فكريا مباشرة : تراجع امام الخاتم عدلان وتراجع امام عبد المنعم عجب الفيا وتراجع امام خالد كتمور ؛ وتراجع امامي حينما وصفته بال“خايس“ فلم يرد ؛ وهو لا يتصدى للناس الا بعد ان يموتوا أو من وراء ستار زائف أو عندما يعلم ان السلطة تقف من ورائه فيا لخسئته. أما نحن فعلى هدى الرجال الشرفاء والنساء الشريفات نحارب معاركنا لوحدنا ومع الاحياء ومع كل سلطة ولا نبالي ؛ فتأمل مرة أخرى.
ولقد وصف الحزب الشيوعي وعرضحاليته استاذنا عوض عبد الرازق بالانتهازية دون سند من موقف او سلوك ؛ بل لمجرد غرض الشواء الآدمي؛ وقد اثبتنا ذلك في مقالنا الذي لا يستطيع ”الخايس“ ع ع ابراهيم ان يرد عليه. بالمقابل ”شنعنا“ على ميادة سوار الدهب بوقائع واحداث صحيجة عليها شهود ووثائق؛ ذكرناها كلها ونتحدى ميادة سوار الدهب و ع ع ابراهيم ان ينكراها. والانتهازية صفة موجودة في الحياة وهي تنطبق على ميادة سوار الدهب وعبد الله علي ابراهيم ولا تنطبق على استاذنا عوض عبد الرازق؛ فالعبرة ليس في اطلاق الصفة وانما في صحتها او كذبها . وقد اثبت الشرفاء من امثال العم يونس الدسوقي ومن امثال الاستاذ شوقي بدري والاستاذ علي العوض علي والاستاذ محيي عووضة المحامي وغيرهم كثيرون خطل التهمة عن الاستاذ عوض عبد الرازق ؛ بينما اثبت الانتهازية عن ميادة سوار الدهب رفاقها السابقين في الحزب الديمقراطي الليبرالي مثل الاستاذ عبد العزيز كمبالي ومن انقسموا معها مثل الاساتذة ياسر ضحوي ورائد رستم وريهان الشاذلى ؛ بل ومن تحالفت معهم من الاتحاديين بقيادة الشيخ احمد زين العابدين الذين فصلوها من قيادة حزبهم ببيان رسمي اثبت انتهازيتها وحربائيتها؛ فشتان ثم شتان.
في النهاية اعلن أن ع ع ابراهيم خصم لي ؛ قد جعلته خصما لي في الحياة وبعد الممات؛ ليس لجرم فعله تجاه شخصي وانما لما جبل عليه من سيء الخصال ومن الخياسة والفساد ؛ ومن مهاجمة الموتى الشرفاء والكرام. وقد كنت من قبل من المخدوعين في الرجل فكريا وانسانيا؛ فلما قرأته وجدته مخاتلا عييا في الكتابة ؛ متناقضا ملجلجا وذلك لأنه غير مستقر نفسيا ولا فكريا؛ وهو يحاول ان يخفي جبنه وانكساره الذي جعله يهرب من معامع النضال في السبعينات وينكسر امام الانقاذ في التسعينات بادعاء الضكرنة ومغازلة الحزب العجوز، وذلك للتعويض النفسي عن الانكسار وهيهات. ولا شك ان للرجل سلطة معنوية على البعض؛ وصورة مزيفة كصورة دوريان غراى عند نفسه وفي مرآته. وقد آليت على نفسي تمزيق هذه السلطة وتكسير هذه المرآة المزيفة ؛ حتى يعرف الناس ويعرف الرجل؛ أنه فرعون عارى ورمز للخياسة الفكرية والاخلاقية في السودان.
هنا الوردة ، فلترقص ها هنا …..

عادل عبد العاطي
18/7/2016

ملحق : ( كتابة ع ع ابراهيم )
لنرد الاعتبار لميادة سوار الدهب من تبشيع عادل عبد العاطي
عبد لله علي إبراهيم
كتب عادل عبد العاطي كلمة على الأسافير طلب فيه رد الاعتبار لعوض عبد الرازق، سكرتير الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو، التي تحولت للحزب الشيوعي في 1956) م من تبشيع الشيوعيين الطويل به ووصفه ب”الانتهازي” خاصة. ومعلوم أنه نشب خلاف في 1949 بأروقة حستو بين سكرتيرها عوض وبين تيار قاده أستاذنا عبد الخالق محجوب حو مسائل في وجهة تطور الحركة وآفاقها. وانتهى الصراع بتقلد أستاذنا مقاليد قيادة الحركة. فوقع الانقسام فيها في 1952 بين “بولشفيك” (الأغلبية في الروسية) أستاذنا وبين “منشفيك” عوض عبد الرازق. وهي مسائل يخوض فيها نفر من الشيوعيين السابقين بغير علم كما سنبين ذلك من قريب.
قال عادل في محاسن عوض عبد الرازق إنه كان من الرافضين لإطلاق الأوصاف التشنيعية على الرفاق. ففي اللائحة التي وضعه لحركته ورد بند يرفض وصف الأخر بالانتهازي أو البرجوازي.
قيل التشبه بالفالحين فلاح. ولكن عادل أضرب في ممارسته السياسية عن قدوة عوض ولائحته. فكلكم قرأ له منذ قريب تبشيعه لميادة سوار الدهب التي خرجت على طاعته في سياق الحركة الليبرالية ومنعطفاتها المؤسية عروفة. وسأترك جانباً ضروب التشنيع التي ابتلي الله بها ميادة من عادل (بما في ذلك شبهة التعامل مع الأمن) إلى إحصاء عدد المرات التي استخدم فيها كلمة “انتهازي” في شتمها في بوست هجائه لها. فوجدته استخدمها 12 مرة.
سيأتي الزمن الذي يطلب فيه سياسي رحيم مثل عادل رد الاعتبار لميادة التي بشع بها عادل كما لا ينبغي لرفيق. ولم يأخذ صفحة من لائحة عوض التي حرمت التبشيع بالزميل في الحركة. فلا رفث ولا فسوق بين الرفاق. ( المرجع : https://www.facebook.com/abdullahi.ibrahim.5099?fref=nf)

IMG_2مقدمة:
طرح الاستاذ عثمان عجبين تساؤلات حول ضرورة تقديم القيادات النسوية للقيادة العليا في الاحزاب السودانية ؛ وزعم ان تولي النساء لقيادة الاحزاب او السياسة لم يأت بعد في السودان . وقال أنه يجب التخلص اولا من ترسانة القيود المجتمعية وهذا لن يتم داخل حزب مهما بلغت درجة استنارته. ذلك لأن الحزب السياسي نتيجة للواقع المجتمعي وليس مقدمة .وقال انه يجب صياغة المقدمات اولا . وانه لا يتوقع من قيادات نسوية غير ان يكن موتورات والسبب يكمن في ان المقدمة غير صحيحة.[i]
وقال الاستاذ عجبين ضمن ما قال ((ياخ ما في اي ديموقراطية ولا عدل في تولي النساء قيادة الاحزاب . صدعتونا بالموضوع دا . تولي النساء القيادة لمجرد انهم نساء دي متاجرة باينة مهما حاولتم تزيينها . من يقود هو من يجب ان يكون مؤهل . لكم في تجربة حزب المؤتمر السوداني في مؤتمره الاخير اسوة حسنة . مسالة التمييز الايجابي والكوتة وتهاويم الامم المتحدة دي مصممة لاقعاد من يفكر في الوقوف.))[ii]
تجربة الحزب الديمقراطي الليبرالي :
اختلفت جذريا مع الاستاذ عثمان عجبين ورددت له بالنفى من خلال تجربتنا البسيطة. قلت ان الحزب الديمقراطي الليبرالي قد حرص منذ بداية تأسيسه على تقديم النساء للقيادة ؛ وفي الحقيقة لقد اكتسبت النساء داخل حزبنا هذا الحق بعملهن ونضالاتهن. فكانت اول رئيسة للحزب هي الاستاذة نور تاور كافي واول امينة عامة هي الاستاذة زهرة حيدر ادريس. ايضا كانت اول ناطقة رسمية هي الاستاذة نسرين عمر والآن فإن الناطقة الرسمية هي الاستاذة ميسون مساعد. كما كانت هناك رفيقات احتللن مواقع قيادية مثل الدكتورة ولاء حسين اول امينة للتنظيم والاستاذة اميمة الفرجوني التي قامت بمهام الامين العام لفترة والدكتورة اريج النعمة التي شغلت منصب نائبة رئيس المجلس السياسي والاستاذة ريهان الشاذلي التي كانت مقررة المجلس السياسي الخ. كل الرفيقات المذكورات لعبن دورهن بكفاءة واقتدار.
اليوم في اللجنة التنفيذية للحزب هناك خمسة عضوات يقمن بدورهن بجدارة. للاسف في وسط هذه الباقة كانت ميادة سوار الدهب والتي ايضا دعمها الحزب وقدمها ولكنها رفضت تطوير نفسها والاستفادة من امكانيات الحزب وجعلت همها المجد االشخصي دون صقل تجاربها ومعارفها وفي النهاية تحولت الى الانتهازية السياسية الصارخة . اقول هنا انه بقدر ما نصر – كعضوية للحزب – على تقديم المرأة والشباب بقدر ما لا نتحكم في عملهم/ن ولا في تطورهم/ن فهذا يرجع لهم/ن ولاخلاصهم/ن ورغبتهم/ن في التعلم والتطور.
في ظني المتواضع ان اغلب النساء الذين دخلن مضمار السياسة – على اختلاف مدارسهن- حققن نجاحات كبيرة رغم تخلف المجتع وابوية الاحزاب السياسية السودانية وذكوريتها . هنا يمكن ان اذكر رائدات ومناضلات مثل الاستاذات والدكتورات خالدة زاهر وفاطمة احمد إبراهيم وسعاد ابراهيم احمد وسعاد الفاتح وسارة الفاضل وامال عباس العجب وفاطمة عبد المحمود وربيكا قرنق وهالة عبد الحليم ونور تاور كافي وآمنة ضرار. الا ان الانجاز الاكبر للنساء السودانيات يظل في حيز العلوم والعمل المدني والاهلي حيث حققن نتائجا اكبر وافضل. ربما يرجع ذلك لتخلف الاحزاب السودانية نفسها وذكوريتها الشديدة .
ذكورية الاحزاب السياسية السودانية:
الذكورية التي اقصدها ليست امتلاء الحزب بالذكور – والتي هي ايضا عرض للذكورية – وانما هي العقلية الذكورية التي تتلبس اغلب احزابنا وتشمل العديد من النساء ايضا. ذلك إن الذكورية هي ايدلوجية وليست نوع – فيمكن ان تجد امراة ذات عقلية ذكورية ورجلا ذو عقلية غير ذكورية. مقابل الذكورية ليس الانوثية وان كانت الانوثية اعلى كعبا من الذكورية ولسبب ما قال الكبريت الاحمر ابن عربي: (( المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه)) . مقابل الذكورية والانوثية هي الانسانية وهي التساوي في الحقوق والواجبات ثم التمييز لصالح من اضطهد قرونا ليلحق بالسبق. هنا ايضا استذكر مقولة ابن عربي الأخرى : ((كلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية)).
من دلائل الذكورية في احزابنا انهم لا يستصحبون قضايا النوع في برامجهم ابدا – فهم لما يتحدثون عن الشعب فانما يتحدثون عن الرجال وعندما يتحدثون عن المواطن فانما يتحدثون عن الرجل. ليست لاحزابنا حساسية تجاه قضايا النساء ابدا. من دليل ذلك رفضهم على اطلاقهم – عدا الحزب الليبرالي – لاتفاقية سيداو . من اعراض ذكوريتهم ايضاً أن قضايا الامومة والصحة الانجابية وامن النساء -وهن الاكثر تضررا من الحروب- وتقويتهن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تغيب تماما عن اجندتهم ونشاطهم. هذا كله يتجلى في خطاب محتقر للمراة ومقيد لها بآلاف الشروط الاجتماعية والدينية . وقد وثقت جانبا من هذا في مناقشتي لموقف التجمع المقبور والمبعوث من جديد كبعاتي في صورة ما يسمى بقوى الاجماع من قضية النساء عموما وسيداو في مقالي التوثيقي الموسوم: << تجمع الميرغني وقرنق والتجاني الطيب أعدى اعداء المراة السودانية>> .
شروط القيادة :
أقول ان شروط القيادة يدخل فيها شرط الاستعداد الذاتي دورا كبيرا ، كما يلعب فيها شرط مؤسسية المؤسسة المعنية ( الحزب هنا ) وتوزيع الادوار فيها دورا كبيرا . كما يدخل فيها شرط التدريب والصقل والتجربة شرطا ثالثا. في ظني ان هناك ناس عديدون بما فيهم اعداد ضخمة من النساء لديهم استعداد فطري للقيادة. ربما يرجع هذا الاستعداد للتربية المبكرة او تجارب الطفولة او ظروف الاسرة الخ. ولكن العامل الحاسم هو الظروف الاجتماعية بما فيها اتاحة الفرصة والصقل والتدريب.
للأسف فإن الاحزاب السودانية تقفل الباب امام النساء والشباب بدعوى انعدام الخبرة او الكاريزما – كيف اذن تُكتسب الخبرة اذا لم يتم تقديمهم للقيادة في مستوياتها الوسيطة ثم الاولى ؟ كيف تكتسب الكاريزما وجزء كبير منها هو اجتماعي يتم اكتسابه ايضا من الموقع والنشاط ؟
التغيير في الاحزاب قبل المجتمع :
خلافا لرأي الأستاذ عثمان عجبين ارى ان تقديم المرأة للقيادة وتمكينها يجب ان يتم داخل الاحزاب نفسها ولا ينتظر التغيير المجتمعي الشامل . لماذا ؟ ذلك ان الحزب نفسه اذا لم يكن انسانيا او مؤنثا فهو لن يقود اي تغيير مجتمعي. حال الحزب في الحكم كحاله في المعارضة واولوياته في الحكم كاولوياته في المعارضة. فاذا كان الحزب المعني لا يهتم بقضايا النوع في برامجه ولا يقوي النساء داخله ولا يعطيهن الفرص للترقي والقيادة والاسهام ولا يشكل لهن بيئة صالحة وآمنة للعمل ؛ فكيف له ان يقوم بذلك عندو وصوله للحكم ؟ المثل البسيط يقول ان فاقد الشيء لا يعطيه. وهكذا فان الحزب الذكوري في المعارضة لن يتحول بين ليلة وعشاها الى حزب انساني او انثوي عندما يصل للحكم لينجز برامج التغيير ويغير المجتمع هيكليا كما نطلب ؛ وانما سيكون كل همه تأبيد القائم مع اجراء بعض الاصلاحات الخفيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
السبب الثاني ان التغيير داخل الحزب نفسه اسهل من التغيير داخل المجتمع ؛ ففي الحزب المعني هناك اناس متفقون على الرؤي والاهداف ؛ ولهم وحدة الفكر والارادة . الاحزاب كمؤسسات يفترض فيها ان تكون اكثر تنظيما ومؤسسية وحساسية بالقضايا المجتمعية ؛ لذلك فإن اجراء التغيير داخلها وانسنتها وبناء المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات هي عملية اسهل في الحزب منها في المجتمع العريض. هذا فقط اذا توفرت ارادة التغيير. من ناحية اخرى فإن اجراء التغيير في الحزب او مجموعة من الاحزاب سوف يقدم نموذجا ايجابيا وسوف يشكل جزرا انسانية وصديقة للنساء في وسط محيط ذكوري هادر – ونحن نعلم انه اذا كان لك جزيرة كان من السهل التعامل مع المحيط.
السلطة والتنوير والعلاقة المستحيلة :
طرح الاستاذ عجبين ان الاحزاب السياسية تسعى للسلطة وهي بهذا ليست معنية بالتنوير وضرب المثال الرشيد في المجتمع . وقال إن الحزب السياسي ليس مؤسسة دعوية ولا اصلاحية وفكرية . وانما هو جسم سياسي يلعب للمكسب واضاف ان كل حزب يسعي للسلطة ولهذا سوف يلعب بالكروت الرابحة و والنساء لسن كرتا رابحا حاليا. إن هذا المفهوم للحزب السياسي مرفوض عندنا تماما.
حزبنا الديمقراطي الليبرالي مثلا يسعى للسلطة لكن لتحقيق برنامجه. يعني إن البرنامج هو الاصل وليس السلطة . اذا لم يكن هناك برنامج للتغيير والنهضة بالبلاد وتمكين المواطن/ة فلتذهب السلطة ( والحزب معها) الى الجحيم. إن الاحزاب في المجتمعات المتخلفة يجب ان تلعب دورا تنويريا واصلاحيا ودعويا بل وتثويريا – ذلك بما تمتلكه من افكار جديدة ومن رؤى ومن اساليب حديثة في التنظيم الخ . مهمة الحزب السياسي في العالم الثالث مهمة فكرية واجتماعية وليست سياسية فقط. الحزب الذي يسعى للكسب السياسي فقط ولا يسعى للتغيير هو حزب انتهازي لن ينجز شيئا ولو كان له مليون عضو. والدليل امامنا تجربة الانقاذ الفاشلة وقبلها تجربة حزب الأمة الفاشلة هي الأخرى.
اذن المهمة التنويرية مقدمة عننا على السلطة؛ كما ان مفهوم السلطة نفسه جدلي. نحن مثلا نؤمن بسلطة تضع نفسها في خدمة الناس ولا تعتقل تطورهم وانما تفتح امامهم آفاق التطور . هل هكذا سلطة ممكنة ؟ هذا ما نؤمن به ونسعى له؛ وهذا هو سعى البشرية منذ بدايتها للخروج من سلطة العنف والقهر المادي والمعنوي للسلطة الرشيدة المحكومة بقيم الخدمة العامة والانسانية الرحبة.
عادل عبد العاطي
3/7/2016
اشارات مرجعية:
[i] بوست للاستاذ عثمان عجبين في موقع (فيسبوك) للتواصل الإجتماعي – 24 يونيو 2016 – منشور على صفحة الاستاذ عجبين بذلك الموقع
[ii] المرجع السابق

مقدمة :

يعتبر الحزب الشيوعي السوداني واحدا من اقدم الاحزاب السياسية الناشطة حاليا في السودان؛ فقد تأسس عام 1946 في مصر تحت تأثير مباشر من الحركة الشيوعية المصرية بقيادة هنري كورييل من جهة ومن ضباط شيوعيين بريطانيين من الجهة الاخرى. ويمكن ان نعتبر هنري كورييل هو المؤسس الحقيقي للحزب الشيوعي السوداني ؛ والذي نشط تحت إسم الحركة السودانية للتحرر الوطني منذ تأسيسه حتى عام 1956 حيث غير اسمه في مؤتمره الثالث الى اسمه الحالي.

(المزيد…)

501مقدمة :
يشكل حزب المؤتمر السوداني رقما متميزا في السياسة السودانية ، فهذا الحزب قد قام على اكتاف حركة طلابية مناضلة هي حركة الطلاب المستقلين التي نشأت في اواسط سبعينات القرن الماضي ، وسرعان ما كسرت الصراع العبثي لليسار الشيوعي واليمين الاسلاموي لتصبح بديلا للكثير من الطلاب فحازت على ثقتهم واعتلت اتحادات الكثير من الجامعات ولعبت الاتحادات التي كان المستقلون في قيادتها دورا محوريا في انتفاضة الشعب السوداني في مارس ابريل 1985.
بعد الانتفاضة اجتمعت مجموعات من خريجي مؤتمر الطلبة المستقلين ومجموعة من اساتذة الجامعات والمثقفين الذين كانوا يدعمونهم لتكوين حزب سياسي يتجاوز حدود الجامعات، فكان تكوين الحزب تحت اسم المؤتمر الوطني وتحت قيادة المرحوم مولانا عبد المجيد امام رئيس القضاء الأسبق وهو رمز من رموز النضال الاكتوبري والنزاهة في العمل العام . ولم يعرف للحزب دورا كبيرا خلال فترة الديمقراطية الثالثة – خارج الجامعات- او ربما لم يتسع له الوقت حتى اتى نظام الانقاذ في الثلاثين من يونيو 1989.
وتضرر الحزب كما تضررت اغلب القوى المعارضة لكن الضربة التي تلقاها كانت موجعة ، فقد سرق الاسلاميون اسم الحزب عندما ارادوا خداع الناس بالتستر وراء مظلة وطنية تخفي سوئتهم وهيهات ، فكان ان اسموا حزبهم السفاح المؤتمر الوطني. وصارع المستقلون من اجل اسمهم في المحاكم ولكنه كان صراعا غير متوافقا فضدهم كان كل جهاز الدولة الانقاذية، فغيروا اسمهم الى حزب المؤتمر السوداني وهو الاسم المعروف اليوم. (المزيد…)

We #HelpSudan.
Learn how you can help too!

#Help­Sudan

We don't know how long the conflict will last. But what we do know is that we can't stand aside and watch.

The fastest way you can help too is to support Sudan financially. The Save Sudan Initiative has opened a multi-currency account for that purpose. Learn more

If you want to volunteer and provide help, then here are specific instructions how to do this: Learn more

Spread the word!