Skip to main content
عادل عبد العاطي : كاتب وناشط من السودان. وُلِد بمدينة عطبرة في 4 فبراير 1966. له اهتمامات بالتاريخ والتراث والسياسة والأدب. ليبرالي النزعة افريقي الهوىة . له ابنة واحدة ( آماليا) .

12717365_966635310051993_7669233125332330132_nمقدمة :

اعلن الاديب والروائي السوداني الشاب محسن خالد مجموعة من التحولات الفكرية والبحوث العرفانية في سلسة من الكتابات السردية في منابر الانترنت السودانية ؛ كان اشهرها ما سطره في كتابته الملحمية ” زهرة الغرق” في موقع سودانيات.كوم ؛ وما صاغه في كتابة موازية بعنوان “مراجعة المنهج والتجربة” في موقع سودانيز اونلاين. الا ان اهمها واكثرها اثارة للجدل هو ما سطره قبل نهاية العام الماضي بعنوان” العاشر من صفر، الموافق 22 ديسمبر، عيد الشهيد نبي السلام، هابيل” ؛ وهي الكتابة التي اعلن فيها رؤية ابوكاليبتكية للعالم تنبأ فيها بنهايات له تبدأ من كنيسة “اللد” في انجلترا. ولم يلبث ان اعلن فيها نبوته وانه النبي الطائر والمهدي المنتظر ((إنّني هِبَة البارئ، المهدي المنتظر، المهدي أي التائب إلى ربّه، والنبي الطائر، المؤيَّد بنار اليشب وبمذراة الحياة والطاقة، وريث السيّد المسيح عليه السلام، المأذون بإحياء الموتى والطيران وفعل الخوارق، من سيؤمُّ المسلمين في المسجد الأقصى. ومَن أسماه السيِّد المسيح بـ(المُدَلَّل عند ربّه) المعجّنو ربّو..)) ليتراجع من بعد سريعا عن ذلك قائلا إن هذا الزعم كان من تلبيس الشيطان عليه.

كتابات محسن خالد ذات الطبيعة التفاعلية؛ اذ ينم نشرها – وهي طازجة – في مواقع الحوار السودانية ؛ لا تزال مستمرة في ذات النسق؛ في شكل كتابات سردية وحوارية فذة وعميقة؛ ربما تكون مشاريع كتب؛ يستخدم فيها محسن خالد تفسيرات مجددة وشخصانية وميدعة للقرآن وقراءة للرموز والأرقام والأحرف في منهج عرفاني متطرف؛ يضع فيه نفسه في مرتبة عالية من العلم. وفي نفس الوقت الذي يغترف فيه محسن خالد من رموز ونظريات حديثة بل ومن عالم الادب والفن الهوليودي؛ في مقاربات لا سلفية بالمرة ؛ يُحمل كتاباته منهجا تشاؤميا كاسحا؛ ودعوة رسالية بصراع اخير ونهائي بين قوى الخير والشر ؛ في تصور ارماجدوني للعالم؛ وان كان بصيغة اسلامية ؛ وهو تصور يلعب هو نفسه فيه دورا مركزيا؛ حيث لم تغب دعوى النبوة تماما من أجندته وان تراجع عنها تكتيكيا كما يبدو . ولكن في كتاباته الاخيرة يوحي بأنه قد يكون تجلياً جديداً للنبي يحي ؛ سيتم اشهاره في ظرف عامين. ((في اعتقادي أنَّ يحيى قد بعثه اللهُ من الموت في العام 1975م وأنَّ عمره الآن 38 عاماً مثل رقم الآية التي تُحَدِّد الإنظار، وبإكماله أربعين عاماً فسيعرفه العالم أجمع، والله من قبل ومن بعد هو وحده العليم بكل شيء على وجه الدقة لا التقريب)).

دور السودان المركزي عند محسن ومحمود :

كتابات محسن خالد الاخيرة ؛ وخصوصا في هذه المصنفات الثلاثة المذكورة اعلاه؛ اختلف حولها القراء جدا ؛ ما بين مؤيد وناقد ؛ قابل وجاحد؛ صديق وعدو . وانتظم الناس في معسكرين رئيسين: ما بين معجب بلغتها وادبياتها العالية وطرافتها ؛ من جهة ؛ و ما بين متخوف من حمولتها التعبيرية و”التفجيرية” الضخمة؛ من الجهة الاخرى. ويأتي التخوف من طرف تيارين متناقضين: التقليديين الذين يرونه خارجا عن اطر العقيدة التقليدية ومفجرا لمسلماتها؛ عبر نهجه الغنوصي؛ و الحداثيين الذين يرونه خطرا على النظرة العلمية ونصيرا ادبيا للدعوة السياسية للسلفيين والتكفيريين؛ خصوصا بعد شنه هجوما شديدا على العلمانية والعلمانيين؛ وإعلانه “التوبة” عن “علمانيته” السابقة ؛ وهو الذي كان من اكثر روايي وكتاب السودان تحررا فكرياً وفنياً. مع هجوم جارف (أخيراً) على الماسونية او من يسميهم “البنائيين العبيد” ؛ والذين يشكلوا له تحالفاً قديماُ لأهل الشر من انس وجن؛ وتوزيعه للتهم بالانتماء لهم لجملة من الكتاب والشعراء السودانيين والعرب !.

في كل هذا يجب الاشارة الى وضع السودان في ضمن الكتابة الجديدة لمحسن خالد؛ حيث يضعه في موقع مركزي في الكون؛ ويعتبر انه مؤطي الاماكن المقدسة ؛ وانه مركز الصراع الاولي بين الخير والشر ؛ ومكان المعركة الاولى بين قابيل وهابيل؛ وربما مكان المعركة الاخيرة بين قوى الخير والشر الكونية. يقول مجسن خالد : ((قلتُ السودان البلد المقدس، حيث جبل الطور-التاكا المقدس، تسمية التاكا حسب تحريف الشيطان الملعون، وتوتيل هي النبع المسمّى (سَرَيا) في القرآن، الذي نبع حين ولادة أمنا مريم للمسيح عليه السلام (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) حيث الرطب الجني بمواقيته في المدينة التي حُرّف اسمها لكسلا.)) ويقول: ((السودان هو الأرض المقدسة القديمة التي شهدت خروج معظم الأنبياء الذين نعرفهم، والطور هو جبل التاكا في شرق السودان، وهو الشرق المقصود بخروج الدجال.)) وكذلك ((وأريد ربط ذلك بالسودان فهو أحد مواطن الأسرار الكبرى بالنسبة لهذا الموضوع وبالنسبة للماسونية وبالنسبة لبلاد (الجن) (الجنان). هذه الحروب التي تشتعل في كل من مكان من السودان هي جزء من هذا الصراع الكوني، (اقتربت الساعة وانشق القمر) و(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)، الذي لا يؤمن بالله عليه أن يؤمن ويوحّد ويصلي ويتوب قبل فوات الأوان))

محسن خالد في كل هذا ؛ هو كاتب واديب ؛ وهو لا ينسى هذه الحقيقة بل يذكر بها مرارا؛ وفي رده على بعض محاوريه ونقاده ذكرهم باحتفائهم القديم باعماله الادبية ؛ وانه اذا لم يعجبهم طرحه ولم تقنعهم افكاره فعليهم التعامل معها كنص ادبي؛ ولا يزال بين الحين والاخر يكرر هذه الثيمة. بل انه يشير – علنا – الى اقتفاءه أثر مهدي سوداني أخر هو محمد احمد المهدي في صيغة كتابته؛ ويستغرب من عدم اهتمام الناس بالمهدي محمد أحمد ك”كاتب ملهم”. (( لن يفوت على ذكائكم ومطالعتكم أنني أتمثّل أسلوب المهدي محمّد أحمد في “الكتابة”. بالمناسبة لماذا لم يقم أحدٌ بدراسة المهدي بوصفه “الكاتب” المُلْهَم؟)).
منهج محسن خالد العرفاني؛ قريب ايضا من منهج المصلح الديني والصوفي الاجتماعي السوداني “محمود محمد طه” في التفسير ؛ وفي تقييم ذاته. فمحمود محمد طه كان يستخدم منهجا عرفانيا في التفسير يخرج فيه بتفسيرات جديدة كل الجدة عن النص القرآني؛ كما كان يرى نفسه أو يراه تلاميذه ك”الاصيل” الوحيد والمسيح المحمدي ورسول لرسالة ثانية للاسلام؛ وقد اعلن عن هذا مرات ولمح به مرات. الا ان محموداً كما يبدو كان يعاني من بعض ظلال الشك حول نفسه؛ ويقول انه لا يأمن مكر الله؛ في الوقت الذي طلب من تلاميذه عدم الشك فيهأ. محسن خالد في حديثه عن التلبيس الشيطاني؛ يعبر عن نفس الشك المحمودي؛ رغم اعلان الرجلان لدعوتهما الجديدة والطريفة في الواقع السوداني؛ وعدم تحرجهما في الدفاع عنها؛ رغم الشك الوجودي والمعرفي الذي عانيا منه.

ومحمود أيضا مهموم بتقديم السودان على غيره؛ وتجده يقول أن السودان هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب: ((أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم .. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان ، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية ، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن ، وحاجة الفرد إلى الحرية المطلقة ، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب .. ولا يهولن أحداً هذا القول ، لكون السودان جاهلاً ، خاملاً ، صغيراً ، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض ، بأسباب السماء )) ويقول عن الخرطوم في تفسير لطيف: ((ولما كانت القلوب، في سويداواتها، قد جعلها الله حرما آمنا فإن منطقة الكبت لا تقع فيها، وإنما تقع في ((الخرطوم))، في ((المقرن)) في ((البرزخ)) الذي يقوم عند مجمع بحري العقل الواعي، والعقل الباطن.. قال تعالى في ذلك، ((مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)).. وهذا ((الخرطوم)) هو موطن الانسان في الانسان – هو موطن الانسان الكامل، في الانسان الذي هو مشروعه المستمر التكوين- وكما أن طريق التكوين، والتطوير، لولبي، فكذلك الكبت فإنه لولبي.. هو لولب يدور حول مركز.)) وقد وقعت على من ينسب له ان تفسير مرج البحرين هو موقع الخرطوم؛ واعتماده على الاية ((سنسمه على الخرطوم)) ولكني وللحقيقة لم اجد توثيقا لهذا . وقد سار احد المهدويين السودانيين المعاصرين(سليمان أبو القاسم موسى) أكثر فكتب رسائلا طويلة حول ان ((الخرطــوم منــارة الـهــدى (تــحمــل إســم المسيــح ومنــها يخـــرج لنــصرة المســلميـــن) )) وان ((المهدي من أرض السودان)) وأن كردفان هي ((كوفة المهدي)) وجبل مرة ((مكة المهدي)) الخ من الكتابات التي يسودن فيها المهدية ويقنع فيها بمهديته.

الجذور الفكرية لدعوات محسن ومحمود:

ارجع لمحمود محمد طه ومحسن خالد ؛ واقول ان دعوات الرجلين جديدة في الواقع السوداني؛ ولكنها ليست جديدة في الواقع العربي – الاسلامي والكوني. فمحمود محمد طه قد كان متأثرا بافكار ورؤى الصوفية والعرفانيين المسلمين القدامي (وكذلك الصوفية السودانية) ؛ وبأفكار ونظرية الانسان الكامل (المسيح المحمدي) ؛ ذات التراث الذاخر في الصوفية الاسلامية؛ رغم انه ادخل عليها بعدا سودانياً اصيلا. أما محسن خالد فأفكاره رغم طرافتها وجدتها واعتمادها على اساليب وقراءات حديثة للرموز ؛ الا انها تشبه مدرسة الحروفية التي اسسها فضل الله النعيمي الاسترابادي ؛ وانتشرت في الاناضول ولعبت دورا كبيرا في تركيا بفضل تلميذه الشاعر عماد الدين نسيمي ؛ كما كان لها جناحها المغربي عبر ممثلها هناك أحمد بن علي البوني؛ صاحب كتاب “شمس المعارف الكبرى” الغنوصي المشهور بصورة واسعة في السودان. وربما يكون محسن خالد اقرب الى البوني المغرم بالجداول والذي يجمع ما بين العلوم الطبيعية والعلوم الغيبية. وقد زعم البوني انه وجد مخطوطات نادرة تحت الاهرامات تعود الى فترة ما قبل الطوفان؛ وطرحه قريب في منهجه من محسن خالد الذي تحتل الاثار والمصريات جزءا كبيرا من دائرة اهتمامه وتفسيره لوقائع بداية الخلق !

الحروفية وارتباطها بالرقمية ؛ ثم ارتباطها بالخيمياء (السيمياء) ؛ تجد جذورها في كتابات اخوان الصفا ؛ وكذلك في نظريات عبد الكريم الجيلي وتحديده لسمت الانسان الكامل. البعض يربطها ايضا بالفيثاغورية ونظرياتها حول العدد ؛ وكذلك فيما يعرف بالجمطرية وهي ام الهندسة الرياضية الحالية ؛ والتي زعمت امكانية قياس كل ما في الارض والسماء بفضل الحروف والارقام. وقد نجد في الحروفية والرقمية وعلم الرموز انعكاسا في الفن والادب والتراث الاوروبي القديم والحديث؛ فالعديدون يرون ان كتابات ناستراداموس وتنبؤاته تنهل من نهج البوني وحروفيته. أما فلسفيا فقد تجلت تأثيرات الحروفية في “الفلسفة الخفية” التي طورها كورنيليوس اغريبا؛ أما في الادب فقد تأثر بها الشاعر الفرنسي جون إيزيدور غولدشتاين ؛ وربما استمرت عليها مدرسة الحروفية وبنتها الاصغر lettrist international الباريسية. وتظل الحروفية بالنسبة لي منهجا صوفيا مرتبطا بالادب حيث كان كل زعمائها كتابا مجيدين وكان بعضهم شعراء افذاذا ؛ ومن هنا وجه آخر للمقاربة.

عموما تظل اشراقات محسن خالد جزءا من الابداع الصوفي والديني السوداني؛ منذ الشيخ فرح ود تكتوك وحتى آخر معلن للمهدية في السودان. وقد رصدنا في وقت سابق اربعة من “المهديين” المعاصرين الناشطين في السودان. واذا ما كان هذا الابداع قد أخذ الطابع الديني ؛ فلا غرو أن يحدث ذلك في مجتمع يتخلله الوعى الديني ويغوص الى اعمق اعماق ذاته المكونة. وكما قال ماركس فان الفلاسفة لا ينبتون مثل الفطر ؛ وانما هم حصيلة مجتمعاتهم وواقعهم. كذلك الانبياء والمهدويون لا ينبتون مثل الفطر؛ وانما هم حصيلة واقعهم ومجتمعاتهم التي نشاؤا فيها؛ ونتيجة الظروف التي لا تجعل للابداع والثورة والتغيير الا غلالة دينية في عالم الجنوب؛ بينما يخرج عالم الشمال المنهج العلمي والعلماء والمستقبليين الذين هم أيضا حصيلة واقعهم ومجتمعاتهم.

لماذا وقفت مع محسن خالد ضد خصومه ؟

لقد وقفت مع “شطحات” محسن خالد لسبيين: الاول هو ايماني المطلق بحرية الضمير وحرية التعبير ؛ بما في ذلك حرية الاعتقاد وحرية الالحاد وحرية تكوين الاحزاب السياسية والمناهج الفكرية والطرق الصوفية بل حتى اعلان النبؤة والمهدوية. هذه التمظرهات كلها تغرف من نبع واحد وهو الروح المبدعة ورحلة الانسان في معرفة حال نفسه في الحياة والمجتمع والكون. ولا حجر هنا على أحد ؛ ما دام كل شيئ يتم سلميا وما دام الصراع يدور بالأفكار والرؤى والكلمات. ولاقتناعي التام بصدق محسن مع نفسه ومعاناته في سبيل ما يؤمن به . اما السبب الثاني فهو كمية الشاعرية الدفاقة والافكار الجديدة الطازجة والمعلومات الغزيرة والشطحات الخطيرة في كتابات محسن خالد؛ مما يجعل قرائتها متعة محضة؛ أو محض متعة.

لهذا اقول إني متعاطف مع محسن خالد في صراعاته الوجودية وفي بحوثه الرمزية العجيبة ؛ ومعجب بلغته الشاعرية وشجاعته الادبية الفائقة ؛ رغم اني اختلف معه منهجيا؛ واضرب صفحا عن المحمول السياسي العابر لدعوته وكتاباته؛ اذ يبدو ان همه الاول ليس سياسيا بل عرفانيا؛ ومن هنا تفشل وستفشل كل محاولات استقطابه سلفيا. فالرجل عرفاني لا سلفي؛ عقلي (وان بطريقته) لا نقلي. كما اني ارى في كتابته ابداعا سودانيا محضا ؛ فماذا يضيرنا ان يكون لنا نبي طائر سوداني او ان يخرج المهدي المنتظر من السودان؛ أو ان يكون السودان رحم البشرية ومحط صراعاتها الاولى ومركز الكون؟؟ هذا لن يكون فيه الا الخير لنا في صورة اهتمام عالمي بالاثار السودانية والسياحة السودانية والفكر السوداني؛ الديني منه والعلماني ؛ فمالنا ننقض غزلنا بايدينا ونقتل الانبياء والمبدعين فينا؛ في زمن قلت فيه النبوة وضمر فيه الابداع؟.

في النهاية اتمثل في التعامل مع محسن خالد قول النبي محمد عندما ضايقه قومه فطلب منهم أن يتركوه والناس وقال: (( يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام و آخرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة)) ثم ختم: ((فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)).

وهكذا اظن محسن خالد فاعلاً.

عادل عبد العاطي
20-5-2013

1924185_37232111474_5307_nمقدمة:

سيكون اليوم 31 اكتوبر، وبعد غدا 2 نوفمبر، مسرحا لاحتفالات بأعياد الموتى في اماكن مختلفة من العالم، وان اختلفت التسمية وضاعت الملامح القديمة لتلك الاعياد في المضامين الحديثة لها، المسيحية والتجارية.
فاحتفال هولوين الذي يتم في الثقافة الانجلو ساكسنوية ، وينتقل للعالم في صورة احتفالات فرائحية او افلام رعب ، انما يرجع للثقافة السلتية والتي خرجت من وسط اوربا وانتشرت في العالم، ووجدت تطورها في ايرلندا والجزر البريطانية، حيث كانت ليلة 31 اكتوبر تعتبر “زمنا من غير زمن”، باعتبار ما قبلها نهاية الصيف وما بعدها بداية الشتاء، وفيها يسمح رب الموتى -سماحين – بالتقاء عالم الاموات والأحياء .
اما يوم الموتى المكسيكي والذي يقع في 2 نوفمبر، فهو ذو طابع فرائحي اكثر منه حزيناً، وهو يرجع لتقاليد ثقافات الازتيك والمايا ما قبل الكولومبية، وكان احتفالا تحت اشراف ربة الموتى – المستعاض عنها الان بشخصية لا كارنينا- ، ويقوم الان كما كان في الماضي على تذكر ارواح الموتى من الاقارب والأطفال. كما هناك في شمال وشرق اوروبا احتفال الجدود (جادي)، الموجود في التراث قبل المسيحي للشعوب السلافية والبلطيقية، وهو عيد يقوم فيه الاحياء باستضافة ارواح الموتى من الجدود، لكسب تعاطفهم ودعمهم، وكان يتم الاحتفال به مرتين ، في 2 نوفمبر وفي الربيع. تم استبداله الان – في بولندا مثلا باحتفال كاثوليكي في نفس اليوم (زادوشكي)

عيد الموتى في الثقافة النوبية:

هذا كله معروف، وربما نجد له نظائرا مختلفة في الثقافات والديانات الأفريقية ولكن غير المعروف على شكل واسع، هو الاحتفال بعيد الموتى او يوم الموتى في الثقافة النوبية التقليدية في شمال السودان، وهو عيد كان يتم الاحتفال به حتى وقت قريب، وربما لا يزال ممارساً حتى اليوم في بعض القرى النوبية.
ويقع هذا العيد في يوم معين من أيام السنة، حيث تقوم النساء والاطفال فيه بزيارة المقابر، وتقوم النساء بتسوية القبور وتحويطها، ثم يقمن برسم علامة كالصليب، واحدة كبيرة او عدة علامات صغيرة على تراب القبر، ثم بعد ذلك يتم نثر الماء على القبر، وتترك بجانب القبر وعلى كل جوانب “التحويطة” هدايا من البلح والقمح وكذلك سعف النخيل.
ويبدو ان الامر مرتبط بالتقاليد الدينية القديمة في منطقة النوبة، قبل الاسلامية او ربما قبل المسيحية، فالنوبيون يؤمنون ان الروح “شورتي” لا تذهب للعالم الاخر مباشرة بعد الموت، وانما تظل بجنب القبر لمدة اربعين يوما، ثم تذهب بعدها للعالم الأخر، “وبعد الوفاة يستلم ملاك الموت الروح(شورتى) إما الى شجرة كبيرة تنظر الى الجنة وإما الى بئر ينظر الى الجحيم “. وتعود الروح من عالم الاموات الى عالم الاحياء في الاعياد، وخصوصا في يوم “عيد الموتى”.
ولا يتم الاهتمام بالمقابر في هذا العيد وحده، وانما في الاعياد الاسلامية أيضاً، حيث تقوم صلاة العيد في المقابر او قربها، ثم يقوم الرجال بقراءة الفاتحة على المتوفين، وبتسوية القبور وغرس بعض من الجريد الاخضر حولها، بينما النساء ” يقفن بجوار قبة فقير المقبرة وتأخذ المرأة البركة (تراب من فوق القبر ومن جهة رأس الفقير بالذات) و(لا يجوز إعطاء الظهر للفقير) ثم تخرج وهي تسير نحو الخلف ثم تعطي هذه البركة لكل النساء ليتبارك الجميع بمسحها في الوجه والرأس مع الدعوات الصالحة . ”
ويعتقد النوبيون ان الروح مادة متحركة ومتحولة، غير ساكنة، وان روح الميت لها دور كبير في المشاهرة، وهي حلول ارواح شريرة او مصائب بالشخص. “فالطفل المولود الذى لم يتجاوز الاربعين يوما يتعرض لخطر عارم عند حدوث الوفاة فى القرية، وكذك تمنع النساء فى فترة الحيض والنفاس من حضور العزاء”، خوفا من المشاهرة.

النوبة والتراث السوداني القديم:

يبدو لي التراث النوبي في هذه القضية متميزا، وهذا الاحتفال الفريد الذي لم اسمع به إلا مؤخرا، من الاخ عمار محمد حامد وأكدته لي الاخت منال ابوبكر، قد ترجع جذوره لتقاليد ضاربة في القدم، قد تصل الى الحضارة المروية القديمة او ما قبلها، وهي الحضارات السودانية التي تعايشت مع الحضارة الفرعونية وربما فاقتها روحياً او كانت اقدم منها.
وفي الحضارة الفرعونية والحضارة المروية هناك وجود كاسح لعالم الموتى وتأثيره في الاحياء، ولا يزال “كتاب الموتى” الفرعوني دليلا على عمق العالم الروحي والميثولوجي لقدماء المصريين، وكذلك يقدم التراث النوبي نموذجا لعمق المفاهيم الروحية وغناها عند المرويين خصوصا والكوشيين عموما، مما انتقل الينا بعضها عن طريق النوبيين، ومما نجد له اثرا في مختلف الثقافات السودانية الاخرى.

إلا ان هذا التراث كله معرض للضياع، اذا لم يتم حفظه وتسجيله بعناية، وإذا ما لم يتم العناية بنقله للأجيال الجديدة. فرغم ما في هذه الممارسات من قيم غيبية قد يعتبرها البعض “خرافات ” وبدعاً، الا انها تشكل جزءا من ثقافة وإسهام وروحية الانسان السوداني، التي يُراد لها اليوم التسطيح والإفقار، رغم ان جذورها ضاربة القدم، في علاقة قوية مع الارض والماء والسماء، والحي والميت، والمحدود والمطلق.

عادل عبد العاطي
31-10-2007

* استخدمت في الموضوع بعضا من المعلومات الواردة في بوست ” عادات وتقاليد نوبية قديمة” في منبر البيت النوبي.

301390_10151199538926475_573251095_nرايته في طرفة عين أو في بعض  حين؛ هذا الذي حكى عن مثله ابن العربي وسماه  الفتى الفائت ؛ المتكلم الصامت ؛ العائش المائت . هذا الذي عاش كميت ؛ والأن هو حي  في الممات. هذا الذي سماه أهله بالمتوكل ؛ ورأيت  فيه سمة الانسان الكامل، وتجلي نور الذات في أجمل الصفات .

في الحق ما فكرت في متوكل الا وجائتني صورة الكمال؛ ولا كمال. فقد كان متوكل فريد زمانه ووحيد خلانه .. كان واسطة العقد بين الجمهوريين وكان الصغير الكبير وكان العالم الذي لا يكف عن البحث عن العلم وكان المحب  الذي لا يكف عن الحب وكان الانسان الذي تجلت فيه وتكملت به  معاني الانسانية .. كان قائداً زاهداً  وكان مُجّداً ماجداً وكان استاذا يضع نفسه دائما مقام التلميذ .. ادبته أمه وأباه الروحي بالحب والحق  فاحسنا تأديبه وسلّكاه في طريق الحق والحب فسار فيه حتى بلغ المرام وفات ناس الورا والقدام . Continue reading

1930471_32025916474_2125_nإبن عربي والنساء:

كان الشيخ محي الدين ابن عربي محباُ للنساء؛ ضمن حبه لكل البشر. ومن منطلق نظريته أن الدين الحقيقي هو المحبة؛ وبتأثير من تجربته الشخصية وعلاقته بالنساء؛ فقد كان يحبهن ويحترمهن. ولا غرو فهو القائل:

أدين بدين الحب أنى توجهت** ركائبه فالحب ديني وايماني.

ورغم ان كتابات ابن عربي تكاد تخلو من ذكر النساء التفصيلي؛ او التطرق لحياته الشخصية والعائلية؛ الا ان كل من ذكرهن بابتسار في كتاباته من النساء كان ينطلق تجاههن من حب عظيم وأحترام أعظم . وذلك سواء كان الأمر يتعلق باستاذاته (شيخاته) العجوزات؛ مثل فاطمة القرطبية التي كان يقوم بخدمتها سنوات؛ والتي كانت بمثابة امه الروحية؛ او شمس أم الفقراء والتي عرج عليها بالمغرب؛ وقال انها من الاولياء الاواهين؛ وهن الشيخات اللاتي تحدث عن فضلهن وولايتهن. أو تجاه زوجاته والذين ذكر منهن في كتبه فاطمة بنت يونس بن يوسف (أمير الحرمين ) ؛ و مريم بنت محمد بن عبدون التي وصفها بالمرأة الصالحة؛ وتحدث عن علمها ورؤية لها؛ او تجاه اختيه ؛ والذين رأي في رؤية انه سمح له بالشفاعة يوم القيامة؛ فشفع في عدد من الناس منهم اختيه ؛ “ام علاء” و”ام سعد”. Continue reading

tumblr_mrngk0nAEC1rfwfq9o1_1280مقدمة :

إن اللغة كما يذهب معظم الباحثين اللغويين والاجتماعيين، هي مخلوق اجتماعي، تتطور بتطور المجتمع، تزدهر وتتقهقر، تنحط وتتطور، تحيا وتموت، في ارتباط وثيق بمجتمعها، بنمط الثقافة السائد، بطبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسية المهيمنة، وبتطور العلوم والمفاهيم والعلاقات التي تعبر عنها هذه اللغة.

إن اللغة التي سادت طويلا في السودان هي لغة مثقلة بإسقاطات الواقع الاجتماعي المهيمن، وبذلك فان فيها الكثير من معاني التمييز العرقي، التمييز ضد المرأة، سيادة روح الاستسلام والتواكل، التمييز الطبقي والهرمية الاجتماعية. إنها إذن بحق لغة علاقات ومفاهيم «السودان القديم»، سواء في حقبته الاستعمارية، أو في الدولة ما بعد الاستعمارية. Continue reading

11021251_814110898637769_2848161448854978689_nيظن كثير من الناس ان الشيوعية تقف في تضاد مع الاديان. وهذا حق . فالشيوعية ترفض الاديان ولكنها ترفضها من منطلقها بالذات؛ وترفضها لتحل محلها. فالشيوعية في حقيقة الأمر ما هي إلا دين جديد وعقيدة جديدة . واذا كان ماركس قد قال ان الدين افيون الشعوب؛ فان الشيوعية عموما؛ والماركسية تحديدا؛ هي افيون  المتثاقفين المؤمنين بها؛ الجاهلين في معظمهم بتفاصيلها .

أما كون الشيوعية والماركسية عقيدة فهذا واضح من بدايتها ؛ ولعلم القاريء فأن  اول وثيقة شيوعية – ماركسية لم تكن البيان الشيوعي وانما ( اعتراف الايمان الشيوعي ) وهو كتيب كتبه انجلز في عام 1847 على نمط (اعتراف الايمان ) في العقيدة الكاثوليكية وغيرها – وقد أشار باكونين وغيره الى الطابع الايماني والجبري لمذهبية ماركس وانجلز – وقد قر قرار ماركس وانجلز فيما بعد ان يكتبان اعلانهما الشيوعي في صورة بيان وليس اعتراف إيمان، ولكن الطابع الديني لمذهبهما لم يتغير.

ما هي الصفات المشتركة بين الأديان المختلفة والشيوعية ؛ والتي تجعلنا نتعامل مع الشيوعية كدين آخر ؟؟ هناك عدة مشتركات نجملها في التالي :

  • الايمان بعقيدة او مجموعة عقائد لا تتزعزع مهما جرى – الشيوعيون مثلا  يؤمنون بجبرية التاريخ وبرسالة الطبقة العاملة وحتمية انهيار الراسمالية ؛ رغم ان الواقع ينفي كل هذا الهراء .  الشيوعيون كما المتدينون ليسوا مستعدون للتنازل عن ايمانهم البسيط والبليد حتى لو تركوا الحزب الشيوعي؛ كما المتدين لا يغير ايمانه حتى لو ترك الكنيسة.
  • الدين يطرح للمؤمنين جنة تجرى من تحتها الانهار – الشيوعيون يطرحون للناس مجتمعا لا طبقيا تسوده السعادة الكاملة بل لقد استخدم انجلز التعبير المسيحي حول الحكم الالفي للمسيح وقال انهم سيبنون دولة ألفية ( تدوم ألف سنة.
  • الاديان تملك عددا من الكتب المقدسة “تتنزل” من السماء او يكتبها الانبياء : من بينها كتاب رئيسي ثم كتب شرح فرعية يقرأها المؤمنون وتستخدم كمرجعية للعقيدة – الشيوعيون لهم البيان الشيوعي ككتاب مقدس اول ثم الكتب الاخرى لماركس وانجلز ولينين ككتب شارحة للعقيدة وكمرجعية عقيدية
  • الاديان والشيوعية تقدمان تفسيرات بسيطة لمشاكل معقدة – كما ان كلاهما يحاولان تقديم اجابات على جميع الاسئلة الكونية وتاريخ البشرية : ما كان وما هو كائن وما سيكون – الشيوعية تقدم هذا في اسلوب فج ومبسط تسميه الحتمية التاريخية ( الحتمها منو ؟) والاديان تنسبها للمشيئة الالهية والخطة الالهية الكبرى
  • الشيوعية والاديان لهم شيوخ وشراح يبجلون ولا يقبل نقدهم اطلاقا وتصمم لهم الايقونات بل يتم نصب ضرائح لهم ؛ كضريح لينين وضريح هوشي منه وضريح ديمتروف وضريح كيم ايل سونغ الخ – كما هناك ميل عند المؤمنين الدينيين والمؤمنين الشيوعيين لفرض عقائدهم على الآخرين. وكلنا نعرف تاريخ الدولة الدينية في اوروبا وفرضها لديانتها على الاخرين كما نعرف محاولات فرض الاسلام ديانة للدولة في العديد من البلدان ذات الاغلبية المسلمة ؛ كما كانت هناك دولة هندوسية بنص الدستور ( نيبال) بينما فرضت كوبا والبانيا وروسيا والصين الخ الشيوعية كايدلوجية للدولة والحزب الشيوعي كالحزب الوحيد الحاكم ودرست الماركسية في المدارس والجامعات وربت الناس عليها وحاربت غيرها من العقائد والافكار والفلسفات
  • الشيوعية والأديان كلاهما له شيطان وكلاهما له ملائكة وأخيار : الشيطان في الاديان يسمى لوسفير او ابليس او الشيطان وله اعوان وسيطرة الخ ؛ الشيطان في الشيوعية يسمى بالطبقة البرجوازية التي لها سيطرة وأعوان الخ – الاخيار في الاديان هم الملائكة و/أو مجتمع المؤمنين ؛ وفي الشيوعية هو الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي اللذان يصبحان مادة للعبادة والتبجيل وكتابة القصائد للكورالات وخداع الناس وكسب انصار جدد كما في اغاني الكنيسة او جلسات المديح او التلاوة
  • المؤمنون الدينيون والمؤمنون الشيوعيون مستعدون لتبرير اكبر الجرائم والمجازر والسلوكيات اللا اخلاقية وأفظعها اذا ما قام بها زعمائهم ورسلهم ويجدون لها تبريرات غاية في الفجاجة والسخافة بل تجدهم يمجدونها ومستعدون لتكرارها – وفظائع الحروب الدينية لا تفوقها إلا فظائع الحروب الشيوعية والأنظمة الشيوعية.
  • الطرفان ليس لهما تقبل للأخر المختلف – فالآخر المختلف هو عند المؤمنون الدينيون كافر ومنافق وزنديق وتابع للشيطان الخ – اما عند المؤمنون الشيوعيون فهو عدو طبقي وانتهازي وتحريفي وعميل للامبريالية الخ – وكلاهما مستعد لقتل هذا الاخر وسجنه وشنقه والتبشيع به وتشويه صورته الخ – ولك في محاكم التفتيش في اوروبا نموذجا وفي محاكمات ستالين نموذجا مقابلا
  • الطرفان ليس لهما اي تقبل لتفسير جديد للعقيدة ويعتبران أي تفسير جديد أو أي مفسر جديد خارجا عن العقيدة يجب هزيمته بل سحقه – والحروب العقيدية بين اتباع الدين الواحد مشهورة ومشهودة.  اما الحروب العقائدية بين الماركسيين فقد كانت ممعنة في العنف وقتل الشيوعيون بعضهم بعضا كما الوحوش في روسيا وفي الصين وفي اليمن الجنوبي وفي اثيوبيا وفي كل مكان – وحينما لا يكون القتل المادي متوفرا للشيوعيين يعملون على القتل المعنوي والتشنيع – تماما كما عند اتباع الديان تجاه الخارجين عنهم او المصلحين منهم او المخالفين في التفسير.

جدير بالذكر ان بعض الماركسيين قد حاولوا جديا وعلنيا تحويل الماركسية الى دين وبناء “رب” جديد . هكذا فعل القائد الشيوعي وأول وزير للتعليم والثقافة في روسيا البلشفية  اناتولي لوناتشارسكي متأثرا بأفكار لودفيغ فيورباخ – وهو فيلسوف هولندي اراد بناء دين الإنسانية – وكان ممن تأثر به كثيرا ماركس وانجلز واعتبراه من معلميهما – . وقد قال لونشارسكي (( الاشتراكية العلمية هي الأكثر دينية من جميع الاديان ؛ والشيوعي ( الاشتراكي الديمقراطي كما كان الشيوعيون يسمون انفسهم وقتها ) هو الأعمق تدينا من جميع البشر )) – وقد حاول لوناتشارسكي بناء دين جديد اعتمادا على الشيوعية وقد عارضه لينين لأغراض تكتيكية بحتة حيث زعم ان هذا النهج سيقلل من صدامية الشيوعية ويحولها الى اصلاحية كما ظنها محاولة للتصالح مع العناصر الرجعية. عموما تم اقتباس افكار لونتشارسكي في ادلجة الشعب السوفيتي واستخدمت الرموز الدينية لنشر الشيوعية كما اقتبست مراسم دينية مختلفة تم تطويعها لخدمة اغراض شيوعية – وهذا يذكرنا باقتباس المسيحية والإسلام لعناصر وثنية وادخالها في منظومتها العقائدية او الطقسية ( الحج للكعبة؛ الاحتفال بميلاد المسيح الخ)**

لا انسى أيضا بعض المؤثرات الفكرية الاخرى التي لعبت دورا كبيرا في قيام الديانة الشيوعية . من بين ذلك تحتل اهمية كبيرة وثيقة ” اسس العقيدة الثورية” التي كتبها في عام 1869 سيرغي نيشايف***؛ وهو ممن اثر على لينين اكثر من ماركس نفسه ربما ؛ اذ يقول لينين عن نيشايف ” هذا الثوري الجبار الذي صاغ صياغات مذهلة ستظل محفورة في الذاكرة الى الأبد”،  – وقال ان اعمال نيشايف كلها ” يجب ان تطبع؛ ويجب ان نتعلم البحث عنها وان نجدها جميعا” . ان “اسس العقيدة” الثورية عند نيشايف هي اسس عقيدة دينية تصل اقصى درجات التطرف والتعصب ولا تماثلها ربما الا تطرفات الاديان في مراحلها الاولى. من الجدير بالإشارة ان نيشايف كان من اوائل اللاسلطويين وكان ماركس وانجلز يكرهان اللاسلطويين لكن العقيدة الدينية لنيشايف وتطرفه الثوري لقت هوى في نفس لينين الذي ادخلها في العقيدة الشيوعية وخصوصا في كتاب: “ما العمل؟” – رغم جهل اغلب الماركسيين والشيوعيين الحاليين بدور نيشايف.****

عموما يمكن ان نقول ان الشيوعية هي نظام عقيدي مغلق ومطلق ؛ له ايمانياته التي لا علاقة لها بالعلم؛ والتي لا تتغير حتى لو اثبت العلم خطئها؛ فكما هناك متدينون يؤمنون ان الارض هي الثابتة والشمس هي التي تدور حولها؛ لأن الانجيل او القرآن او مفسريهما قد قالوا بذلك؛ تجد الشيوعيون يؤمنون بأقوال ماركس التي نفاها التاريخ؛ من نوع اضمحلال الطبقات الاخرى وانقسام المجتمع الى طبقة عاملة تتزايد باستمرار وقلة برجوازية ؛ فقط لأن ماركس قال بها.  فالشاهد ان الطبقة العاملة تتناقص باستمرار وان الطبقة الوسطى هي التي تنمو الى اخره .. كما لهم نفس التعصب المذهبي ونفس التقديس لزعمائهم وطائفتهم الدينية المتجلية في شكل حزب ولهم رموزهم وأعلامهم وأناشيدهم والتي تشكل الرمزية الانتمائية لكيان عقيدي واحد بل لهم اعيادهم وطقوسهم (اول مايو) وشهدائهم وجنتهم الارضية الموعودة.*****


مراجع :

*لقراءة اعلان الايمان الشيوعي لانجلز  راجع:https://www.marxists.org/archive/marx/works/1847/06/09.htm

** للتعرف على فكرة لوناتشارسكي حول بناء الدين الشيوعي الجديد وتطبيقاتها في الاتحاد السوفيتي راجع المقال التالي : http://en.wikipedia.org/wiki/God-Building

*** لقراءة نص ” اسس العقيدة الثورية” لنيشايف راجع :HTtps://www.marxists.org/subject/anarchism/nechayev/catechism.htm

****لقراءة اعمق حول تأثير كتيب نيشايف على ايدلوجية لينين راجع المقال التالي :http://theartofpolemics.com/2014/03/06/the-influences-of-the-catechism-of-the-revolutionary-on-lenin/

***** لقراءة اوسع حول الماركسية كدين راجع هذا المقال المكتوب من وجهة نظر علمانية :http://infidels.org/kiosk/article/communism-is-religion-238.html

colec3a7c3a3o-marx-e-engels-ebooksمقدمة:

 كتب الاستاذ عماد عيدروس مقالا قصيرا بعنوان ((ماركس ومركزية العقل الأوروبي)) نشره في صفحته بالفيسبوك وقد دار حوله نقاش واسع ساهمت فيه بقسط قليل، زعمت فيه ان ماركس (وانجلز) لم يكونا فقط يمثلان المركزية الاوروبية في طرحهما الفكري والسياسي؛  وانما ينطلقان من مواقع التعصب القومي الالماني (الشوفينية) في تعاملهما مع كثير من شعوب العالم وخصوصا السلاف ؛ وانهما قد دافعا عن الاستعمار وزعما بوجود دور ثوري له؛ في مواجهة ما اسمياه بالاستبداد الشرقي ؛ بل وحتى مارس ماركس الدفاع عن العبودية والاسترقاق بدعوى اهميتهما الاقتصادية.

اليوم اضيف ان ماركس وانجلز كانا ينطلقان ايضا من نظرة عنصرية مبطنة تجاه الاثنيات السوداء وان عنصريتهما تجاه اليهود والسود قد طفحت في الكثير من مواقفهما وخصوصا في رسائلهما ولم ينج منها  حتى اقرب الناس لهما ؛ واعتبر انهما نهما في المحصلة كانا يعبران ليس فقط عن العقل المركزي الاووربي؛ وانما عن التعصب القومي الألماني  في ابشع تجلياته . Continue reading

21155_830498823665643_6681564530457727919_nصدمني نبأ رحيل الأخ والصديق المرحوم العوض المسلمي وهزني ؛ وكنت قد التقيت بالرجل اول مرة قبل عدة سنوات في حفل شاي اقامه لي بورداب سودانيز اونلاينبالقرب من النادي الالماني ؛ ولاقيته اخر مرة في نهاية ديسمبر الماضي هو والاخ محمد المسلمي من جهة وانا والرفاق محمد مدثر فرح ومدثر خميس ومهند الكارب من جهة اخرى .

كان العوض المسلمي في كل الحوارات التي دخلناها وفي كل اللقاءات وفي كل التواصلات نموذجا للرجل السوداني الاصيل : اخو اخوان – سريع عند الواجب ؛ محترما لنفسه وللغير. رجل تشعر في حضرته بالانشراح وبأن السودان لا يزال بخير. كان الرجل مثقفا موسوعيا في تواضع ؛ متدينا من دون تعصب؛ كريما من دون من. كان خير سفير للاخلاق السودانية في زمن عزت فيه الاخلاق وتدهور فيه السودان.

لم تكن الاختلافات السياسية والعقائدية تؤثر مطلقا في العوض المسلمي. اذكر انه قد تواصل معي وتواصلت معه مرات عندما كانت وتيرة النقاش تلتهب مع بعض معارفه وكان دائما يسعى في الخير والصلح بين الناس. كان الرجل وطنيا قحا وكان له موقف مشرف من نظام الانقاذ ؛ رغم ان الكثيرون كانوا يقروون مواقفه بصورة خاطئة. لن انسى له دعمه الكامل لي عندما اعلنت نيتي للترشح في الانتخابات الرئاسية ؛ ولما انسحبت من الفكرة لم اجد الوقت الكافي لشكره وها قد حان وقت شكره للأسف الشديد.

لتبقى ذكراك يا العوض المسلمي حيَة في قلوب الناس بقدر ما قدمت لهم ؛ ولتبق سيرتك العطرة نبراسا لكل من يبحث عن نموذج انساني يحتذي ؛ ولروحك شآبيب الرحمة ولنا ولأهلك ومعارفك واصدقائك وكل من أحبوك الصبر والسلوان .

اخوك وصديقك:عادل عبد العاطي
7 ابريل 2015

12032167_903270016388523_5240862633715262487_nفراشة تايهة تحلم بالوصال
نزلت على زهر الخيال 
قايلاهو نوارة سيال. 
ولمن حطت رحيلا على ارض الخراب 
عرفت طريقا بدون صواب *

صديقي شرف الدين الذي اشرت اليه في أحد الخواطر**. كان انساناً بسيطاً من أرياف كردفان. تعرفت عليه في سجن كوبر ذات عامين. كان محكوما بانتظار تنفيذ الإعدام. لم يعترف بارتكاب جريمته قط ولم يهمني ذلك؛ إن كان قد فعلها ام لا . اذ اني رأيت الإنسان فيه. الإنسان الذي يمكن ان يخطيء ويسير في طريق الجلجلة وأن يقتل حتى ، ليعود لانسانيته فيما بعد. سامحته وأنا الذي لا أقدر على مسامحة نفسي. حكى لي كيف تمزق قلبه عندما احضروا له ابنه الصغير الذي لم يره لسنوات ولما حاول احتضانه نفر منه الطفل. قال ان هذا كان اقسى عليه من حكم الاعدام.  كان يسألني هل سيلغي الصادق المهدي الاحكام الحدية واحكام الاعدام القديمة وكنت اعلله إن هذا ممكن؛ وأنا أعلم ان من يأمل فيه  كاذب كذيب لا يُرجي منه خيرا. قال لي : يا عادل انا لا اخاف الموت ولكن اخاف ان اتجرس لحظة الموت. قبل تنفيذ الاعدام بأيام تحدثت معه وشجعته . ظهر قبل الاعدام لم اقدر على الذهاب له لزنازنته لتوديعه كما فعل الاخرون. لم انم في ليلة التنفيذ وفي الفجر طارت روحه كفراشته التي حلمت بالوصال لتحط في عالم آخر ربما هو سعيد. تحية لك يا شرف الدين فأنا لا أزال اذكرك رغم مرور السنوات.

* الأبيات لشرف الدين

ROUSSEAU1(من حوار في حلقة نقاشية للحزب الديمقراطي الليبرالي)

كتاب “العقد الإجتماعي” لجان جاك روسو كتاب مهم في تاريخ الفكر الإنساني. وتشكل كتابات وأفكار وأرث لاو تسي وسونجاتا كيتا وابن خلدون وجان جاك روسو وجون لوك ووتوماس هوبز وآدم سميث جذورا واصولا لليبرالية الكلاسيكية، ولكنها ليست الليبرالية ككل وليست هي الليبرالية الحديثة خصوصا.
يجب أن نقول في البدء إن روسو ذاته كان يتطور في افكاره وكتبه. أول كتاب مشهور له او قل كتيب كان عن أثر الفنون والعلوم والفنون في حياة الناس هاجم فيه العلوم والفنون ومدح فيه حالة الطبيعة الاولى والبساطة ، لذلك يعتبره البعض من مؤسسي المدرسة الرومانسية في الادب المتجهة للطبيعة والتي تحارب المدنية والصناعة الخ . كتابه الثاني عن أصل التفاوت بين البشر او عدم المساواة بين البشر ربط فيه عدم المساواة بظهور الملكية الخاصة وخصوصا ملكية الارض، وفي ذلك يشبه المنهج الشيوعي الذي يقول بوجود مشاعية اولى ثم ظهور المجتمع الطبقي بعد ظهور الملكية الخاصة، لذلك كان شيوعيو الثورة الفرنسية من امثال بابوف ايضا من انصار روسو . Continue reading

We #HelpSudan.
Learn how you can help too!

#Help­Sudan

We don't know how long the conflict will last. But what we do know is that we can't stand aside and watch.

The fastest way you can help too is to support Sudan financially. The Save Sudan Initiative has opened a multi-currency account for that purpose. Learn more

If you want to volunteer and provide help, then here are specific instructions how to do this: Learn more

Spread the word!