Skip to main content

islamic-reform

بعيدا عن فرقعات الترابي الإعلامية، فانه من الواضح أن النصوص الإسلامية الحاكمة، وهي القرآن وسنة الرسول، لم تمنع المرأة المسلمة من الزواج بالكتابي، بل فعل ذلك الفقهاء منطلقين من نظرتهم الذكورية الضيقة، ومتلاعبين بالنص الديني ومفسرين له على هواهم، واصلين لدرجة التزوير والتدليس في هذا الأمر.

التحريم للكافر أو المشرك:

يعتمد الفقهاء في تخريجهم بتحريم زواج المرأة المسلمة من الكتابي، اي اليهودي والمسيحي، علي جملة من الآيات، تتحدث كلها عن تحريم زواج المسلمة بالكافر أو المشرك، ولا تتحدث عن الكتابي قط، وهي نفس نسق الآيات التي تحرم زواج الرجل المسلم من الكافرة أو المشركة، وتبيح للمسلم الزواج من كتابية، وفي هذا نرى كيف يتلاعب الفقهاء بالنص الديني ويخضعوه لنزواتهم وهواهم، بتحريف واضح للكلم عن محله.اوضح آية في تحريم زواج المسلمة بالكافر، نجدها في سورة الممتحنة، والتي تقول  فإن عَـِلمْـتُموهُنَّ مؤمناتٍ فلا تَرجِعوهُنَّ إلى الكفار لا هنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ ) الممتحنة/ 10

إن هذه الآية تتحدث بوضوح عن الكفار، وليس فيها إشارة لكتابي، وإذا كان الفقهاء متفقون على عدم جواز المسلم بكافرة، وإذا كانوا يبيحوا زواج المسلم بالمسيحية واليهودية، فان هذا يعني وفقا لهم إن المسيحيين واليهود ليسوا بكفار، ولذلك لا يمكن أن تكون هذه الآية مصدرا لتحريم زواج المسلمة بالكتابي – لأنه غير كافر. اللهم إلا إذا رأى الفقهاء أن المسيحية واليهودية غير كافرتان، أما المسيحي واليهودي فكافران، ولن يكون هذا التخريج لو صدر بغريب على هؤلاء.

يعتمد الفقهاء في تحليلهم لزواج المسلم من اليهودية والمسيحية، على الآية من سورة المائدة التي تقول:

(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) المائدة/4.

قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: ” (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) يعني: والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس أن تنكحوهن أيضاً ، (إذا آتيتموهن أجورهن) يعني : إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن ” تفسير الطبري 6/104

يبدو هنا واضحا تحليل زواج المسلم من الكتابية، ولكن بعض الفقهاء أرادوا قسر هذه الآية، لتبرير تحريمهم التخريجي لزواج المسلمة من الكتابي، في تجاهل واضح لأسس التفسير ومقاصد الشرع وأسس المنطق.

فهذه الآية أولا لم يأت بها اي نص بتحريم زواج المسلمة من الكتابي، ومن المعلوم إن التحريم لا يأتي إلا بالنص القاطع، وفق القاعدة بان “الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فأدروا الحدود بالشبهات” ، ومن المعروف أن كل ما لم يحرم ، فهو محلل ومشروع، وفي ذلك ينظر للآيات التي خاطبت الرسول عندما حرم على نفسه ما حلله الله، في الزواج بمطلقة زيد بن حارثة.

ثانيا فانه وان خاطبت هذه الآية الرجال من المسلمين، حسب ظاهر نصها ، فأنها يمكن ان تعمم على كل المسلمين، رجالا ونساء، وذلك لانه في القرآن آيات كثيرة، يخاطب فيها القرآن المسلمين بصيغة المذكر (الفرد والجمع) ، الا انها تخاطب الجميع // يا ايها الذين آمنوا// الخ

ولا احسب هنا، أن أحدا من هؤلاء الفقهاء، سيأتي ليقول إن المرأة المسلمة، لا يمكن لها أن تأكل من طعام أهل الكتاب، المحلل في الآية أعلاه، أو يذهب إلي تحريم أكل المرأة المسلمة لأكل أهل الكتاب، اعتمادا على أن المخاطب هنا هم الرجال، لأنه في هذه الحالة سيفضح جهله وتحيزه وتحريفه للكلم عن موضعه.

إذن في مسألة الزواج، من البديهي أن نسير على نفس النسق، وليس أن نبحث هنا عن تخصيص للرجال فقط، ثم نمضي من هذا التخصيص المشتبه فيه، لنقفز للتحريم القاطع، دون نص ولا بينة.

تخريجات الفقهاء :

ويعتمد الفقهاء في تحريمهم التخريجي لزواج المرأة المسلمة من الكتابي، على الآية التي تقول من سورة البقرة:

(ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه وبيين آياته للناس لعلهم يتذكرون) البقرة/221

ومن الواضح إن هذه الآية تتحدث عن المشركين، وليس عن أهل الكتاب، وقد ذهب إلى ذلك الإمام الطبري في تفسيره، حيث قال:

“القول في تأويل قوله تعالى : (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان ، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله وإن أعجبكم حسبه ونسبه” – تفسير الطبري 2/379

هنا ليس هناك حديث عن الكتابي قط، ولكن نجد أن قتادة والزهري، حسب الطبري، قد ادخلا الكتابيين مع المشركين، دون دليل من النص، حيث جاء:

“عن قتادة والزهري في قوله : (ولا تنكحوا المشركين) قال : لا يحل لك أن تنكح يهودياً أو نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك” – المرجع السابق.

نتسائل هنا من أين اتي قتادة والزهري بهذا التخريج، بإضافة اليهودي والمسيحي، حيث لم يذكرهما النص، أو أليس هذا تقويل للقرآن بما لم يقل، وتحريم ما أحل الله، وتغيير للكلم عن موضعه؟

كم نتسائل أيضا، الم يراجع قتادة والزهري نفس هذه الآية، في شقها الذي يتعلق بالرجال، والذي يحرم عليهم المشركات بنفس الألفاظ التي حرم على المؤمنات بها المشركين، حيث تقول الآية:(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم..) -البقرة/221

هنا نجد إن التحريم ينطبق على الرجال والنساء من المسلمين، بعدم زواج المسلمين والمسلمات، من المشركين والمشركات، وليس في هذه الآية إشارة قط الي الكتابيين، اي اليهود والمسيحيين، فلماذا حرمهم قتادة والزهري إذن على النساء من المسلمات؟

قد يقول بعض الفقهاء والمتفقهين، أن اليهود والمسيحيين قد غيروا كتبهم، وأشركوا بإيمانهم – في حالة المسيحيين – بالثالوث، الخ الخ من التخريجات، التي تريد أن تجعل من الكتابي كافرا ومشركا، بالرغم من النص.

فليجب إذن هؤلاء، كيف يباح زواج المسلم من المسيحية – التي تؤمن بالثالوث- ، والتي هي حسب هذا التخريج مشركة أو كافرة، والآية أعلاه تحرم بوضوح ، الزواج من المشركة،ونحن نعلم إن كل الفقهاء قد اجتمعوا على جواز زواج المسلم بالكتابية، مما يعني إنها ليست مشركة عندهم أو كافرة؟

فهل الكتابية مؤمنة، والكتابي مشرك وكافر، وهم يؤمنوا بنفس الشئ، أم انه الحشف وسوء الكيل والتزوير والنطق عن الهوى؟

هل أهل الكتاب كفار؟

ويعتمد من بقول بكفر أهل الكتاب، على الآيات التالية من سورة المائدة، ومن سورة البينة: (لقد كفر الذين قالوا : إن الله هو المسيح بن مريم. قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمّه ومن في الأرض جميعاً. ولله ملك السموات والأرض وما بينهما. يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير) المائدة/17 والآية : (لقد كفر الذين قالوا : إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلاّ إله واحد، وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم) المائدة/73 والآية : (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنّم، أولئك هم شر البرية) البيّنة/ 6

من الواضح إن هذه الآيات تتحدث عن فئات محددة وسط أهل الكتاب، وليس عموم أهل الكتاب، وإنها تفيد التخصيص وليس التعميم، ويبدو ذلك واضحا، في الآية من سورة البيّنة، والتي تقول “من أهل الكتاب”.

لكن إذا سلمنا جدلا بهذا التفسير الموسع، بأن أهل الكتاب كافرون، فكيف تبيحون أيها الفقهاء، لرجال المسلمين أن يتزوجوا نساءا كافرات- من أهل الكتاب هؤلاء-وهو ما اتفقتم على تحريمه بالإجماع؟

لقد روي عن الخليفة عمر بن الخطاب انه طلب من المسلمين الذين تزوجوا من الكتابيات أن يطلقوهم، كراهية لهن، ولكنه رفض إن يحرمهن، كما يفعل من يحرمون بدون دليل زواج المسلمة من كتابي دون دليل، وفي ذلك قيل:

“وقال صالح بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة أن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد اللَه، والجارود بن المعلى،- وذكر آخرَ- تزوجوا نساء من أهل الكتاب، فقال لهم عمر: طلقوهن، فطلقوا إلا حذيفة. فقال عمر: طلقها. فقال: تشهد أنها حرام. قال: هي جمرة، طلقها. فقال: تشهد أنها حرام؟ فقال: هي جمرة! قال حذيفة: قد علمت أنها جمرة، ولكنها لي حلال. فأبى أن يطلقها، فلما كان بعد طلقها، فقيل له: ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ فقال: كرهت أن يظن الناس أني رَكبت أمراً لا ينبغي” ابن قيم الحوزية/ أحكام أهل الذمة / 141

فاذا كان الخليفة الثاني للرسول الكريم، ومن قال عنه الرسول انه إذا كان هناك نبي بعده، لكان عمر، يتورع عن تحريم ما أحل القران، ولا ينطق عن الهوى ولا يحرف الكلم، وإنما يظهر الكره للشئ دون أن يحرمه، وهو قد سئل عن الأمر عدة مرات، فكيف يجرؤ علماء التخريج هنا بالتحريم دون نص ولا بينة؟

الفقهاء يتبعون هواهم:

إن نفس هؤلاء الفقهاء، الذين رفضوا تحريم المخدرات، والتهريب، بدعوى أن لا نص يحرمهما، مع ما لهما من آثار اجتماعية خطيرة، ومع أن المخدرات يمكن أن تقاس على الخمر، يسارعوا في كل أمر يتعلق بالمرأة، إلي حرمانها من حقوقها، وتحريم ما أحل القرآن لها، ويعاملوها كالمتاع، الأمر الذي جعل بعضهم يفتي بعدم الإنفاق علي الزوجة، إذا مرضت مرضا مقعدا، ولم يكن في الإمكان “الانتفاع بها” ، فيا لهم من تخريجيين، لما في هواهم وتحيزهم.

وذهب بعض هؤلاء، ممن يعرفون أن لا نص في القران أو السنة، يحرم زواج المسلمة من الكتابي، إلى تخريج أسباب هي في علم الغيب، من نوع إن الكتابي قد يمنع المسلمة من الصلاة، وقد يؤثر عليها بتغير دينها، وعن الاحترام والتقدير، وعن العدل والانصاف، وعن القوامة والإمامة، والكوع والبوع، مما لا يتوفر في هذه العلاقة الزوجية، الخ الخ.

نقول لهؤلاء أولا، إن قضايا التحريم والتحليل، في الشريعة المدرسية، لا تخضع للتكهنات والاستنتاجات وحساب الاحتمالات، والاستقراء والاستدلال والحدس الخ ، وإنما للنصوص القاطعة، أو هذا ما يقوله هؤلاء الفقهاء أنفسهم.

إما إذا أصبح هؤلاء الفقهاء ما بين يوم وليلة، من أصحاب النظر العقلي، ومنتهج الاستدلال والاستنباط والاستقراء، فنقول لهم لم لا تذهبوا بهذا المنهج إلى آخره، وتحرموا المخدرات والتهريب مثلا، ناهيك عن أن تجيزوا الخروج عن الحاكم الظالم، أو تساووا بين المسلم والمسلمة في الشهادة والميراث الخ، وغيرها من المطالب الملحة، التي تستجيب لنية المشرع، ومنهجه التطوري، لو كان هؤلاء خالون من الغرض.

الثابت عندي، وعند كل من له نظر، انه ليس هناك نص في القران او الحديث، يستكره، ناهيك عن أن يحرم، زواج المسلمة من كتابي، وأن كل الآيات التي تعاملت مع هذا الأمر، كانت تتحدث عن زواج المسلمة من الكافر أو المشرك.

في نفس الوقت، فان نفس الآيات التي منعت زواج المسلمات من المشركين والكفار، قد منعت الشيئ نفسه على الرجال من المسلمين، لذلك لا يجوز بالنص والعقل والمنطق، ان يباح زواج المسلم من كتابية، باعتبار أنها غير مشركة أو كافرة، بينما يحرم الأمر نفسه على المسلمة.

إن القرآن قد كان واضحا في نواهيه ودواعيه، في مخاطبة النساء والرجال، وفي إلقاء نفس المسؤوليات عليهم، فليس من شروط للإسلام أو واجبات ونواهي دينية، تفرض على الرجال حصرا دون النساء، أو العكس.

إنني على قناعة راسخة، إن تحريم زواج المسلمة من الكتابي، إنما هو من تخريج الفقهاء، ومن مطهم وتحويرهم للنص، بل وأكاد أقول تزويرهم وتدليسهم وتفقيسهم، ولن يكون هذا أول تدليس للفقهاء وتفقيس، ولا الأخير.

إن الحل يكمن في أن يعمل كل مسلم ومسلمة صوت العقل، لا إن يسمع لصوت الفقيه، وان يرجع للأصل، لا أن يقلد لمخِّرجِين، وان يترك عقلية القطيع، ليستمع لصوت الحق والحقيقة.

والحق في هذا الأمر، ليس قطعا بجانب الفقهاء.

حسن الترابي ومنهج الاستفزاز:

أما حسن عبد الله الترابي، هذا الرجل الحر بائي المتلون، فانه إن أصاب في هذه النقطة، إلا إن مصداقيته مضروبة عندي في الصميم، فالرجل يريد أن يمنح نفسه حق التجديد وحده دون بني البشر، ويقول ما يريد، في نفس الوقت الذي قتل فيه الأستاذ محمود محمد طه، قبل عشرين عاما، وهو الذي قال، اقل مما قال به الترابي هنا وهناك.

والرجل بعد هذا وذاك، لا يريد تطويرا للوعي الإسلامي، وإنما صدمة للآخرين، ورجوعا إلى دائرة الضوء، والشاهد هو أسلوبه الاستفزازي في الحديث، فقد كان الأحرى به، لو كان يريد التجديد حقا، بدلا من إطلاق التصريحات النارية، أن يجلس ويعكف ويكتب ما قال انه يملكه من أدلة، ويناقش الناس نقاشا حسنا، دون أن يحول الأمر إلى معركة استفزازية ليس فيها من مستفيد.

أتمنى إلا تجبرني الأيام، على الدفاع عن التنين الترابي، في مواجهة الحيات الرقطاء التي تربت على صدره سنينا طوالا، ولكن إذا ما أراد المهووسون محاكمة شيخهم الذي أتي بالهوس، وإذا أراد تلامذة الشيخ النرجسي ان يسقوه من نفس الكأس التي سقاها للشهيد محمود محمد طه، فإننا سندافع عن حرية الرأي والفكر، لا عن الشيخ الاستفزازي، المغموسة يده إلى كاحلها في دماء السودانيين.

11/4/2006

We #HelpSudan.
Learn how you can help too!

#Help­Sudan

We don't know how long the conflict will last. But what we do know is that we can't stand aside and watch.

The fastest way you can help too is to support Sudan financially. The Save Sudan Initiative has opened a multi-currency account for that purpose. Learn more

If you want to volunteer and provide help, then here are specific instructions how to do this: Learn more

Spread the word!