Skip to main content

مقدمة :

يعتبر الحزب الشيوعي السوداني واحدا من اقدم الاحزاب السياسية الناشطة حاليا في السودان؛ فقد تأسس عام 1946 في مصر تحت تأثير مباشر من الحركة الشيوعية المصرية بقيادة هنري كورييل من جهة ومن ضباط شيوعيين بريطانيين من الجهة الاخرى. ويمكن ان نعتبر هنري كورييل هو المؤسس الحقيقي للحزب الشيوعي السوداني ؛ والذي نشط تحت إسم الحركة السودانية للتحرر الوطني منذ تأسيسه حتى عام 1956 حيث غير اسمه في مؤتمره الثالث الى اسمه الحالي.

وتعاقب على قيادة الحزب خمسة من الزعماء هم على التوالى : د. عبد الوهاب زين العابدين عبد التام (1946-1947) والاستاذ عوض عبد الرازق (1947-1949) ثم الاستاذ عبد الخالق محجوب (1949-1971) ثم السيد محمد ابراهيم نقد (1971-2012) ثم المهندس محمد مختار الخطيب (2012- حتى الآن). وكان للحزب الشيوعي اسهامات مقدرة في النضال ضد الاستعمار كما كانت له هفوات مثل معارضته لاتفاقية الحكم الذاتي في عام 1953 . كما كان له دور مقدر في النضال ضد ديكتاتورية عبود . لكنه تورط كذلك في عدد من المحاولات الانقلابية ضد نظام عبود ثم ساهمت عضويته العسكرية وبقرار منه في انقلاب مايو وتوطيده ثم ما لبثوا ان حاولوا الانقلاب عليه والانفراد بالسلطة في انقلاب هاشم العطا في يوليو 1971 والذي كان بداية النهاية لذلك الحزب في عملية اشبه بالانتحار السياسي كما وصف ذلك الاستاذ فؤاد مطر في كتابه المهم : „الحزب الشيوعي السوداني : نحروه ام أنتحر „.
وشارك الحزب الشيوعي في حكومات مختلفة كحزب أقلية ؛ فقد كان له ثلاثة وزراء في حكومة اكتوبر الاولى ( أحمد سليمان ، الشفيع أحمد الشيخ والأمين أحمد الأمين) واربعة وزراء في حكومة مايو الاولى (فاروق ابو عيسى ؛ محجوب عثمان؛ موريس سدرة وجوزيف قرنق) ووزيرين في حكومة الصادق المهدي الاخيرة (أبو زيد محمد صالح ، د. عبد الرحمن ابراهيم ابو الكل). وقد كان بعض اولئك الوزراء ممثلين للحزب علنا بينما كان اخروون هم شيوعيين اتوا للحكومة من الحركة النقابية .
 
 
ايجابيات الحزب الشيوعي:
يعتبر الحزب الشيوعي من اوائل الاحزاب الحديثة من جيل احزاب الاربعينات – حيث كونه الطلاب والمثقفين ثم دخل اوساط العمال والمزارعين حيث نشط اعضاءه في تنظيم الحركة النقابية العمالية والتي انتهت بتكوين اتحاد عمال السودان. و نشط كذلك في حركة المزارعين والتي أدت لتكوين اتحاد مزاعي الجزيرة ؛ كما كان له دور كبير وسط المهنيين. وطوال فترة الخميسنات والستينات كان الحزب الشيوعي قلعة القوى الحديثة في المجتمع في مواجهة حزبين سياسين طائفيين كبيرين هما حزب الامة الانصار والحزب الاتحادي اليمقراطي اللذين اعتمدا على الولاءات الطائفية والقديمة في المجتمع.
كما كان للحزب الشيوعي دورا كبيرا في المرحلة الاولى للحركة النسوية السودانية حيث فتح ابوابه للنساء وساهمت عضواته ضمن اخريات في تأسيس الاتحاد النسائي السوداني ؛ وتخرجت من مدرسة الحزب الشيوعي قائدات نسويات مختلفات ووجدت فيه النساء مجالا للعمل الحزبي ، قبل ان تفتح الاحزاب الاخرى ابوابها امامهن .
كما كان للحزب الشيوعي دور معتبر وسط حركة المثقفين والمبدعين وفي طرح افكار واشكال جديدة للنشاط الادبي والابداعي كان من اكبر تجلياتها تأسيس رابطة ابادماك في نهاية الستينات. ولا يزال الحزب الشيوعي يحتل موقعا قويا وسط صفوف المبدعين من ادباء وفنانين رغم انحسار السيطرة الشيوعية تدريجيا على هذه الجبهة.
ويشير البعض الى نضالات الشيوعيين ضد الانظمة العسكرية والديكتاتورية المختلفة مثل نظام عبود (1959-1964) ونظام مايو (1969-1985) ونظام الانقاذ الاسلاموي (1989-الآن) ؛ حيث كان للشيوعيين دور كبير في الهبات والانتفاضات الجماهيرية والاضرابات الخ ؛ كما كان لهم دورهم في حركة الطلاب المعارضة عبر تنظيمهم الطلابي (الجبهة الديمقراطية) . وقد دفع الشيوعيون في هذا الطريق ثمنا غاليا عشرات الشهداء والمئات وربما الآلاف من المعتقلين والمشردين.
كما يشير البعض لطهارة يد الشيوعيين وبعدهم عن الفساد. وفي الحقيقة فإن الحزب الشيوعي كحزب معارض ما كان له ان يتورط في الفساد. فالفساد مرتبط بالسلطة؛ ولقد رأينا فساد الشيوعيين في الدول الشيوعية متجاوزا لكل حد. ولكن تبقى الحقيقة ان شيوعيي السودان كانوا الابعد عن الفساد المالي ، وربما كان للايدلوجية الشيوعية التي تتحدث عن العدل والمساواة ورفض الظلم الخ من الشعارات دور في التطهر الثوري لعوام الشيوعيين؛ ممن نشهد لهم فعلا بالبعد عن الفساد ومحاربته في المواقف والمواقع التي اصطدموا به فيها.
 
الحزب الشيوعي والانتقال من النقيض للنقيض :
لقد قلنا من قبل ان الحزب الشيوعي بقدر ما حرك من الامال بقدر ما افرز من الالام ؛ وبقدر ما كانت له انجازاته فقد كانت له كبواته ؛ وما احوجنا اليوم الى قراءة ناقدة وموضوعية وصريحة لمسيرة هذا الحزب العتيد .
فالحزب الذى نشا من مواقع البديل للقوى التقليدية والرجعية فى المجتمع ؛ بتعبيره عن فئات ناهضة فى المجتمع السودانى ؛ وباستناده على فكر وتنظيم حديث ؛ ما لبث ان دخل فى ازمات عميقة ومستحكمة ؛ بل وتكاد تكون مستعصية ؛ فى اغلب محاور فكره وبنيته واساليب عمله وتكوين وعمل قيادته. فالفكر الماركسى ؛ والذى كان يفترض ان يكون منهجا للبحث ؛ تحول الى شرط انتساب للحزب ؛ والى منظومة افكار جامدة ؛ والى بضع شعارات لم تجر سودنتها ؛ او لم يتم معالجة علاقتها بالواقع. وفى ظل سيادة الستالينية والجمود على الفكر الماركسى ( اللينينى ) ؛ عالميا ومحليا ؛ فان الاطار الفكرى الذى اتى به الحزب ؛ قد تحول من ايجابية الى سلبية ؛ ومن مصدر اشعاع وتجديد ؛ تحول الى كابح ؛ او قل عصابة سوداء ؛ تمنع رؤية الجديد.
اما بنية الحزب التنظيمية المركزية ؛ والتى هدفت الى بناء حزب حديدى من طراز جديد ؛ على النمط اللينينى ؛ فقد افلحت فى ضمان بقاء الحزب رغم الضربات والانتكاسات. الا انها قد عاقت نمو الحزب ؛ وعطلت انفتاحه نحو الجماهير ؛ فاتسعت الهوة ما بين نفوذ الجزب الادبى والسياسى ؛ وقدرته على التاثير فى الاحداث وصنعها من جهة ؛ وبين حجمه العددى البسيط وتاييده الجماهيرى الضيق من الجهةالاخرى ؛ فكان واحدا من الاحزاب الوطنية المؤثرة ؛ ولكن حصيلته من دعم الجماهير فى العملية الانتخابية قد كادت تكون صفرا .
نلاحظ ان اكبر انجاز انتخابي للحزب الشيوعي قبل اكتوبر قد كان ادخال نائب واحد الى البرلمان في 1954( حسن الطاهر زروق)؛ وبعد اكتوبر انتصار صفوى وسط الخريجين (11 نائبا) ؛ ثم نائبان فقط فى انتخابات العام 1968 (عبد الخالق محجوب والحاج عبد الرحمن) ؛ وبعد الانتفاضة فاز الحزب ب3 نواب (ةمحمد ابراهيم نقد عزالدين على عامر وجوزيف موديستو) ؛ ليس لها من التاثير ما للحزب الشيوعي على المستوى الوطنى العام. كما ان الحزب ؛ والذى كان ابان نشاته ؛ من اكثر الاحزب السودانية شعبية وبعدا عن الصفوية فى تكوين قيادته ؛ حيث وصلت الى اعلى قممها عناصر من العمال ( الشفيع أحمد الشيخ – قاسم أمين – محمد السيد سلام – الجزولى سعيد- الحاج عبد الرحمن : الخ ) والمزارعين ( الامين محمد الامين ) ؛ والنساء ( خالدة زاهر ؛ فاطمة احمد ابراهيم ؛ سعاد ابراهيم احمد ؛ محاسن عبد العال ؛ الخ ) والجنوبيين ( جوزيف قرنق ) ؛ والمثقفين من اصول كادحة ؛ قد تحول عبر السنين ؛ ونتيجة للمركزية وسيادة اساليب العمل السرىوعقلية حزب الكادر ؛ الى ان يصبح حزب القيادات الابدية ؛ فالقائد اما ان يقتل ؛ او يفصل ؛ او يموت !!
أدى هذا لأن نجد فى الحزب قيادات هى اعضاء قى لجنته المركزية منذ اكثر من نصف قرن ( الراحلين محمد ابراهيم نقد والتجاني الطيب ؛ سليمان حامد ويوسف حسين الخ) ؛ ؛ هذا اذا تجاوزنا عن شرعية هذه القيادات فى ظل غياب المؤسسات الديمقراطية والمؤتمرات فى الحزب ؛ الامر الذى افقد هذه القيادات حيويتها ؛ وديمقراطيتها ؛ وشرعيتها وادى هذا فيما ادى ؛ الى شح الكادر الجماهيرة الشعبى فى الحزب؛ وانحساره تدريجيا ؛ لصالح الكادر السرى وكادر العمل الفنى والتنظيمى ؛ فبعد ان كان الحزب يملك قيادات تهز المنابر ويعرفها السودان ؛ من وزن عبد الخالق ؛ وقاسم امين ؛ وشيخ الامين ؛ والوسيلة ؛ وحسن الطاهر زروق ؛ واحمد سليمان ؛ والشفيع ؛ وسلام؛ والحاج عبد الرحمن ؛ فقد نمت فيه قيادات جديدة معزولة عن الجماهير ؛ وغير معروفة خارج اطار حزبها ؛ فعدا عن اسماء محمد ابراهيم نقد وفاطمة احمد ابراهيم ؛ فان معظم قيادات الحزب الحالية غير معروفة شعبيا ؛ ولا تشكل اسماء فاروق زكريا ؛ ومحمد الخطيب قبل انتخابه وعلى الكنين ؛ ويوسف حسين دالة على الحزب الشيوعي ؛ الا فى اذان الشيوعيين ؛ او محترفى السياسة السودانية.
اما اشكال العمل المنقولة من التجربة الشيوعية العالمية والمصرية ؛ والتى ادخلها الحزب عند نشاته ؛ والتى كانت ثورة فى مجال التنظيم الحديث فى الاربعينات ؛ واتت بنتائج ايجابية فى الخمسينات والستينات ؛ فانها قد تحولت حجر عثرة فى طريق تطور الحزب فى السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الفائت ؛ فما بالك ونحن نخطو سنوات فى القرن الحادى والعشرين ؛ قرن العولمة وثورة الاتصالات والتكنلوجيا وفنون الادارة؛ ولا عجب اذن ان تسبقه وتتجاوزه تيارات الاسلام الاصولى فى كسبها التنظيمى . وان يعبر احد قادته (التجانى الطيب) عن اندهاشه من ” التطور” التنظيمى الذى وصل اليه حزب الامة ؛ فحزب الامة لم يتطور الا شكلا ؛ فى نفس الوقت الذى تكلست فيه تجربة الحزب الشيوعى التنظيمية فى حدود الستينات.
اما فى مجال العمل الفكرى ؛ فان الحزب الذى كان من انشط الاحزاب فكريا ؛ واكثرها غنى بالمبدعين والمثقفين ؛ والذى اطلق مبادرات وصحف ودور نشر ؛ مثل جمعية الفكر الحر ؛ ومجلة الطليعة ؛ والفجر الجديد ؛ ودار الفكر الاشتراكى ؛ وندوة الاربعاء ؛ وتجمع ابادماك ؛ قد مضى عليه حين من الدهر ؛ وهو يعيش على انتاجه الفكرى السابق ؛ ويعجز عن اصدار وثائق بقيمة ” الماركسية وقضايا الثورة السودانية ” ؛ او حول البرنامج ” ؛ او اصدار متعدد كاصدارات دار الفكر الاشتراكى ؛ ويحتفى اعضاؤه بالفتات الذى يخرح من افواه قادته فى المقابلات الصحفية او ما يخطه بنانهم فى المقالات المبتسرة مرة كل عدة سنوات. ورغما عن الدور „النضالي” للشيوعيين ضد الديكتاتوريات ؛ الا ان القاريء الناقد لا يمكن ان يمر مرور الكرام عليها دون الاشارة الى الاخطاء الفظيعة التي قام بها الشيوعيين ضد النظام الدستوري والتجربة الديمقراطية السودانية؛ والى ان نضالهم ضد الديكتاتوريات في الحقيقة قد انطلق من مواقع شمولية، مما سنتناوله ادناه في سلبيات الحزب الشيوعي.
 
سلبيات الحزب الشيوعي:
لقد ذكرنا في مقالنا ” دور الحزب الشيوعي في تخريب التجربة الديمقراطية والنظام الدستوري في السودان” عددا من الاخطاء والسلبيات الخطيرة للحزب الشيوعي ؛ اختصرها هنا في التالي؛ ويمكن لمن يريد ان يرجع لها بالتفصيل في ذلك المقال :
* التأسيس للفكر الشمولي ومعاداة الديمقراطية الليبرالية وتغييب الديمقراطية الحزبية : كان للحزب الشيوعي السوداني قصب السبق فى التأسيس للفكر الشمولي في السودان ؛ وإدخال مفاهيم معادية للديمقراطية الليبرالية ؛ مقتبسة من الفكر والتجربة والممارسة الستالينية ؛ مثل مفاهيم ديكتاتورية البروليتاريا ؛ والدور الطليعي للحزب ؛ والحزب الحديدي ؛والمركزية الديمقراطية ؛ وهى مفاهيم لا تنسجم مع التجربة الديمقراطية ؛ ولا مع مفهوم الحزب كمؤسسة مدنية .
ارتبط هذا بتغيب أسس الديمقراطية الحزبية في داخله ؛ واسهم بذلك في تقليص الفضاء الديمقراطي في داخل مؤسسته؛ وبالتالي في تقليصه في المجتمع . ومن مظاهر ذلك عدم السماح بتعدد المنابر في الحزب ومعاملة كل اختلاف كأنه تكتل وانقسام ؛ ومطاردة المختلفين والمستقيلين والخارجين عن الحزب بحملات الدعاية السوداء واغتيال الشخصية و طرد الأعضاء وتشويه مواقفهم استنادا على خلافات سياسية وفكرية ؛ مثل السكرتير العام الأول عبد الوهاب زين العابدين ؛ والسكرتير الثاني عوض عبد الرازق والخاتم عدلان وغيرهم. ايضا عدم الالتزام بمقررات الوثائق الحاكمة الحزبية ؛ و عدم نقاش السياسات الجوهرية للحزب مع القاعدة الحزبية وتعيين القيادات في المجال المركزي والمحلى ؛ وتغييب وتأخير المؤتمرات العامة الحزبية ؛ حيث عقدت خمسة مؤتمرات خلال 70 عاما هي عمر الحزب في حين تفرض لائحة الحزب أن يقوم المؤتمر مرة كل أربعة أعوام ، وكذلك انعدام وجود مؤسسات الرقابة الحزبية أو الهيئات القضائية الحزبية المستقلة ؛ والتي يمكن أن يرجع لها الأعضاء المتضررون أو مؤسسات النظام الديمقراطي .
* استغلال وتحريف دور الحركة النقابية ومؤسسات المجتمع المدني : لعب الحزب الشيوعي دورا خطيرا في استغلال الحركة النقابية كذراع مساند له ؛ الأمر الذي أدى لحرفها عن دورها المطلبي الأساسي ؛ والى إدخال الصراعات الحزبية والأيدلوجية في داخلها ؛ والى محاربتها الفظة من قبل الأنظمة الدكتاتورية ؛ كما أدى إلى انفضاض قطاعات واسعة من عضويتها عنها ؛ احتجاجا على تحزبها الصارخ ؛ والى تهميش دورها في الحياة العامة . إن هذا النهج الذي مورس في نقابات العمال واتحادات المزارعين والمهنيين والطلاب الخ ؛ قد نقل الى منظمات المجتمع المدني المختلفة ؛ والتي كان يتوسل بها الشيوعيين للضغط على خصومهم ؛ ولتمرير خطهم السياسي ؛ الذي لا يستطيعوا تمريرهم بوزنهم الجماهيري والبرلماني الضعيف ، بل استخدامها وسيلة للتعيش . وقد اضعف ذلك من مصداقية هذه المؤسسات ؛ وجعل الأحزاب الأخرى تتسابق إلى ممارسة نفس الاستغلال .
* إدخال الجيش في السياسة وتنظيم الانقلابات العسكرية و دعم الأنظمة العسكرية : كان الحزب الشيوعي من أوائل الأحزاب السياسية التي اخترقت الجيش السوداني ؛ وبدأت في تكوين خلايا سرية لها في داخله . إن التنظيم العسكري الشيوعي الذي تأسس في مطلع الخمسينات ؛ قد دعم الاتجاهات الانقلابية داخل الحزب وفى الجيش وشارك في عدد من الانقلابات كما نظم بعضها. في ذلك يقول مؤرخ الحزب الدكتور محمد سعيد القدال: ((وكان للحزب الشيوعي دور في كل المحاولات الانقلابية التي تمت ؛ والتي انتهت بالفشل وبالإعدام والسجن والتشريد للعناصر الوطنية في الجيش)). كما شجعت تلك الممارسات الأحزاب الأخرى على اختراق الجيش ؛ فبدأت احزاب الأخرى من بعثيين وناصريين وأسلامويين في بناء تنظيماتها السرية داخل الجيش . بل واستغل الاسلاميون حقيقة الاختراق الشيوعي للجيش لتبرير تنظيماتهم واختراقاهم وانقلابهم اللاحق. كما دعم الحزب الشيوعي نظام مايو منذ بدايته الأولى وحتى 16 نوفمبر 1970 ؛ حيث القى الحزب الشيوعي كل ثقله فى تأييد نظام مايو في تلك الفترة.
* الانكفاء والتخبط وسط حركة المعارضة الوطنية : رغما عن البطولات والمقاومة الفذة التي قام بها أعضاء الحزب الشيوعي ضد مختلف الديكتاتوريات ؛الا ان قيادتهم ارتكبت العديد من الأخطاء ؛ حيث تقاعس الحزب الشيوعي مرتين عن حماية النظام الديمقراطي الذي كان طرفا فيه ؛ وذلك في عامي 1969 و1989؛ حيث لم تكشف القيادة عن الانقلابين رغم علمها بهما . وفي الاولى قال الرائد مأمون عوض أبو زيد ((نحن نحفظ للحزب الشيوعي „أخلاقه” . لم يفشى الأسرار رغم رفضهم للانقلاب. لكن كلم ناسوا ؛ فشاركوا في التنفيذ)). اما الثانية فقد كشف تفاصيلها الخاتم عدلان في خطاب استقالته من الحزب الشيوعي. كما سار الحزب الشيوعي ومنذ عام 1977 وحتى اليوم في تحالفات مكشوفة مع القوى الطائفية والرجعية في المجتمع ؛ مثل حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي ؛ وهما الحزبان المسؤولان عن إجهاض الديمقراطية الثالثة ؛ بل ولم يتورع عن التحالف مع حزب الترابي والترابي شخصيا؛ قبل هلاك الرجل، وهو مهندس انقلاب الانقاذ والمسؤول الاول عنه طوال العشرة سنوات الاولى الاكثر تطرفا منه.
* التراجع الفكري والاجتماعي عن مواقع التغيير: نتيجة للصدمة التي اصابت الشيوعيين عند حل حزبهم في عام 1965 ؛ وبعد الاضعاف المستمر لهم منذ عام 1971؛ ونتيجة لتحالفهم مع القوى القديمة في المجتمع؛ تراجع الشيوعيون عن برنامج التغيير الجذري للمجتمع السوداني؛ وتخلوا عن شعارات العدالة الاجتماعية والقومية ومحاربة الطائفية وعن شعارات العلمانية ومساواة المراة الخ ؛ وتحولوا تحت قياداتهم العجوزة الى حزب تقليدي اخر يتراجع امام التيارات السلفية والظلامية في النجتمع بغير انتظام.
 
خلاصة :
اننا نختصر ونقول ؛ ان ازمة الحركة السياسية السودانية ؛ كما تبدت فى حالة الحزب الشيوعي السودانى ؛ قد انعكست فى عجزه عن التحول الى حزب جماهيرى ؛ وجذب تاييد القطاعات العريضة من الشعب الى صفوفه ؛ والتى توصله الى السلطة عن طريق البرلمان ؛ وتحميه بالعمل الشعبى والتضامنى فى الديكتاتورية ؛ كما تبدت في عدد من الممارسات السالبية ذكرناها اعلاه.
أيضا نرصد عجز الحزب الشيوعي عن تحقيق ولو اجزاء يسيرة من برنامجه السياسى والاجتماعى ؛ اثناء بحثه عن مجرد الوجود والاستمرار السياسي، فأصبح كالذي يحرث في البحر. و انتقل الحزب الشيوعي من الانقتاح الى الانغلاق ؛ ومن مواقع الثورية الى مواقع المحافظة والجمود ؛ فى اغلب سنوات كدحه الاخيرة منذ العام 1971؛ والتى قاربت نصف القرن من الوجود غير المفيد على الساحة السياسية السودانية، حتى اصبح عالة على حراك الشعب السوداني؛ وجزءا من الازمة السياسية الراهنة.
 
عادل عبد العاطي
8/7/2016
We #HelpSudan.
Learn how you can help too!

#Help­Sudan

We don't know how long the conflict will last. But what we do know is that we can't stand aside and watch.

The fastest way you can help too is to support Sudan financially. The Save Sudan Initiative has opened a multi-currency account for that purpose. Learn more

If you want to volunteer and provide help, then here are specific instructions how to do this: Learn more

Spread the word!