التصنيف: كتــابــات أدبــــــيـــــة

كتابات ونثر وأعمال نقدية حول مختلف قضايا الأدبوالحياة

  • ماذا قدم إبن عربي للعالم؟


    سألني الأخ Ahmed Omer ماذا قدم ابن عربي للعالم، وكان ذلك في اطار محاججة زعم فيها هذا الاخ ان ابن عربي قال انه هو الله ( غالباً خلط بين مفاهيمه ومفاهيم الحلاج ).
    في هذا المقال، أُسلط شيئاً من الضوء على أبرز ما قدّمه ابن عربي للعالم، من إسهامات فكرية وروحية وثقافية، مما جعله يستحق لقبي “الشيخ الأكبر” و”الكبريت الأحمر”، كما وصفه بهما كبار الفلاسفة والمتصوفين.

    موقف ابن عربي من فكرة الإتحاد والحلول:

    وفي الحقيقة فقد كان ابن عربي من خصوم فكرة الحلول والاتحاد التي طرحها الحلاج، وقال في ذلك : (العبد عبد، والرب رب، فليعرف العبد قدره، وإياك أن تعتقد الاتحاد، فإنه كفر، وإياك أن تعتقد الحلول، فإنه كفر. وإنما الحق أن تعلم أنك ظاهر بوجود الحق، لا أنك إياه، ولا أنه حل فيك.) الفتوحات المكية، الجزء الثاني، الباب الـ198.
    وفي موضع آخر يقول بوضوح: (من قال بالحلول فقد حد، ومن قال بالاتحاد فقد كفر.) المصدر: الفتوحات المكية، الباب الـ73.
    ويؤكد ابن عربي في “الفتوحات” أن الحلاج أخطأ التعبير عن تجربته العرفانية فقال: “أنا الحق”. في حين أن العارف لا يتكلم إلا عن الله، لا عن نفسه، ولا ينطق بضمير الأنا في هذا المقام.ومن أبلغ ما قاله في ذلك: ( لو أدرك الحلاج ما قلناه لسكت، ولما قال: أنا الحق. بل لقال: هو الحق.) الفتوحات المكية، الباب 73.

    بين إبن عربي وإبن تيمية:

    والشاهد أنه حين يُذكر اسم محيي الدين بن عربي (1165–1240م)، يتبادر إلى الذهن أحد أعظم رموز التصوف والفكر الفلسفي في الحضارة الإسلامية والعالم. وربما يكون هو وابن تيمية – على اختلافهما – من اكثر الشخصيات جدلاً وتأثيراً في العالم الاسلامي، كما أشار الشيخ علي جمعة، ففي حين كان ابن تيمية ملهم السلفية على مر القرون، كان ابن عربي شيخ الصوفية عبر التاريخ، رغم انه لم يُخلِّف وراءه طريقة تُذكر ( الطريقة الأكبرية المنسوبة له لا يكاد يكون لها وجود فعلي) .
    وفي الحقيقة إن ابن تيمية رغم شدة نقده لفكر ابن عربي، خصوصًا فيما يتعلق بفكرة وحدة الوجود، لم يُكفّره كما فعل كثير من تلامذته أو من جاء بعده من فقهاء السلفية، حين قال عنه : ( وابن عربي صاحب فصوص الحكم هو من أئمة أهل التصوف، وله من الكلام الجيد المستقيم كثير، وله من الكلام الباطل كثير، وإنه وإن كان من أعظم من تكلم في الفناء ووحدة الوجود، فإنه لم يكن منكرًا للشرائع ولا مبطلًا لأحكامها كما يقوله الاتحادية الزنادقة.) مجموع الفتاوى، الجزء 2، صفحة 444

    دور إبن عربي في تطوير الفلسفة العربية – الاسلامية:

    لم يكن ابن عربي مجرد متصوف انعزالي يكتب في الخلوات، او قائد صوفي طرائقي يجمع حوله الأتباع، بل كان مفكرًا موسوعيًا، متقدمًا في رؤيته للإنسان والكون والإله، متجاوزًا للحواجز الزمنية والحدود الجغرافية.
    في هذا قدّم ابن عربي مفهومًا فريدًا في الفلسفة العربية – الإسلامية عُرف لاحقًا باسم مفهوم وحدة الوجود، وهو تصور يرى أن الله هو الوجود الحق، وأن كل ما في الكون تجلٍ من تجليات ذاته، دون أن يكون هو عينه.
    هذا المفهوم لم يكن فقط رؤية دينية، بل كان أيضًا رؤية فلسفية عميقة لحقيقة الكون والإنسان والعلاقة بينهما. ألهم هذا الفكر لاحقًا فلاسفة ومتصوفة ومفكرين في الشرق والغرب، وأحدث جدلًا فكريًا عميقًا داخل الفكر والفلسفة الإسلامية وخارجهما.

    كرامة الإنسان ومفهوم الإنسان الكامل عند ابن عربي:

    كان ابن عربي يؤمن بكرامة الإنسان وعظيم قدره، باعتباره خليفة الله في الارض. هذا المفهوم لكرامة الإنسان عند الشيخ الأكبر ، وتميزه حتى على الملائكة، يفتح الباب للترقي و التحول ويشجّع على تنمية الأخلاق والسمو الروحي.
    يقول ابن عربي : (فما في الكون أعظم حرمةً من الإنسان، فإن الله خلق العالم كله من أجله، وخلق الإنسان له، فهو المخلوق على صورته، وهو الخليفة في أرضه، وهو المظهر لأسمائه وصفاته، وهو محل نظره، وهو موضع سره.) الفتوحات المكية، الجزء الثالث، الباب 268
    ومن هنا طرح ابن عربي مفهوم الإنسان الكامل باعتباره تمام التحقق والتكامل الأخلاقي والسمو الروحي للإنسان. وقد وجد هذا المفهوم طريقه إلى مدارس فلسفية وصوفية لاحقة، وكان له أثر كبير في الفكر الإنساني، إذ قرّب بين التصوف والفلسفة واللاهوت.

    التسامح الديني عند ابن عربي:

    من أبرز ما ميّز فكر ابن عربي هو انفتاحه الروحي وتأكيده على وحدة الرسالات السماوية ومقاصدها.
    قال في ذلك : (فلا تعتقد أن ما تعتقده في الله هو الحق دون غيره، بل اعلم أن الله قد تجلى في كل معتقَد، وأن كل من عبد الله على وجهٍ، فإنما عبد صورةً من صور تجليه، وهو في جميعها ظاهر، ولذا قال: ﴿كُلٌّ إلينا راجعون﴾.) فصوص الحكم – فصّ حكمة نورية في كلمة نوحية
    كما قال في واحدة من أشهر أبياته: (أدين بدين الحب أنى توجهت – ركائبه، فالحب ديني وإيماني)
    بهذا المعنى، كان ابن عربي من أوائل من نادوا بـالتعددية الدينية بوصفها تجلٍ من تجليات التجربة الروحية، ورفض الحصرية الدينية والفكرية، وهو موقف سابق لعصره بأشواط طويلة، ويُعتبر اليوم موقفًا متقدمًا في عصر التعددية الثقافية والدينية.

    الانحياز للمرأة ورد اعتبارها:

    كان ابن عربي من أسبق المفكرين المسلمين في الانحياز للمرأة ورد اعتبارها الروحي والإنساني، فقد رفض النظرة الفقهية التقليدية التي تنتقص من كمالها، وأكّد أن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى، وأن الذكورة والأنوثة مجرد أعراض لا تمس جوهر الإنسان. قال في ذلك : (فكلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية) رسالة عقلة المستوفز – باب “الكمال الإنساني”.
    وفي مواجهة التصورات الذكورية السائدة، فتح ابن عربي أمام المرأة باب الولاية الكاملة، بل أقر لها بمقام “الإنسان الكامل” الذي جعله متاحًا للنساء كما الرجال. وقال في ذلك : (كل ما يصحُّ أن يناله الرجل من المقامات والمراتب والصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء) الفتوحات المكية، الجزء الثاني، الباب 178
    ولم يكتف ابن عربي بالتنظير، بل سجّل تجربته الروحية مع شيخاته فاطمة بنت المثنى القرطبية وشمس أم الفقراء المغربية الخ وامتدح علمهما، كما خلد حبه واحترامه للمرأة في ديوان ترجمان الأشواق، الذي جعل فيه محبوبته “النظام” رمزًا للجمال الإلهي والمعرفة. لقد مثّل ابن عربي صوتًا تحرريًا نادرًا في التراث الإسلامي، رأى في المرأة شريكة كاملة في المعرفة والمحبة والقداسة.

    إبن عربي وإعادة تعريف المعرفة:

    قدّم ابن عربي رؤية شاملة للمعرفة تقوم على التذوق والكشف، لا العقل وحده، ولا النقل فقط. فرأى أن هناك معرفة شهودية، لا يدركها إلا من “ذَاق”، أي عاش التجربة الروحية.
    يقول ابن عربي في ذلك : ( فما كل من نقل عرف، ولا كل من عقل وقف، إنما العارف من ذاق، ومن ذاق عرف، ومن عرف وصف، ومن وصف ألحق.) الفتوحات المكية، ج3، الباب 267
    بهذا أسس ابن عربي لمدرسة المعرفة العرفانية، التي تعطي للتجربة الداخلية والحدس دورًا مركزيًا في فهم الحقيقة، وهو ما نراه اليوم في مدارس الفلسفة التأملية، والصوفية المعاصرة، وحتى في بعض اتجاهات علم النفس ، مثل نظريات كارل يونغ في علم النفس التحليلي، الذي ميّز بين المعرفة الواعية والمعرفة الناتجة عن اللاوعي الجمعي والرؤى الداخلية، واعتبر أن الرموز والتجربة الصوفية تعبّر عن مكنونات النفس العميقة، وكذلك مدرسة كين ويلبر (علم النفس الإنساني-الروحي)، التي ترى أن الإنسان لا يبلغ تمامه إلا بالتكامل بين العقل، والمشاعر، والحدس، والتأمل.

    إسهام إبن عربي في الكتابة والعلوم:

    كتب ابن عربي في مجالات مختلفة من بينها اللغة، الفقه، التفسير، الحديث، الفلسفة، والرياضيات الرمزية، بالإضافة إلى التصوف. في المحصلة خلّف ابن عربي ما يتجاوز ال350 عملًا بين كتب مطولة ورسائل قصيرة وشروح وأمالي ودواوين شعرية وكتب رمزية أو كشفية. بعض الباحثين قالوا ان اعماله تجاوزت ال٨٥٠ عملاً بين أعمال محفوظة ومفقودة وأعمال مشكوك نسبها اليه.
    يبقى من ضمن أشهر كتبه كتابان هما “الفتوحات المكية” ، وهو موسوعة كبري فيها أكثر من 560 بابًا في 4 مجلدات ضخمة، و”فصوص الحكم”، وهو عمل فلسفي عرفاني مركّز، عدّه ابن عربي خلاصة فكره ولبّ رسالته. والكتابان موسوعتان تدمجان بين التجربة الروحية والتأمل العقلي العميق، وتتناولان موضوعات تتعلق بالله، والكون، والزمان، والمكان، والنبوة، والولاية، والعلم.
    كما نُسب لإبن عربي تفسير للقرآن، ربما جُمعت مادته من كتابيه السابقين، يفسر فيه القرآن عرفانياً، ويعد من اكثر التفاسير تميزاً وتفرداً في تاريخ علوم القرآن وتفاسيره المتعددة.

    التأثير العالمي واللاحق لإبن عربي:

    لم يتوقف أثر ابن عربي عند حدود العالم الإسلامي. في العصور الحديثة، تُرجمت الكثير من أعماله إلى اللغات الأوروبية، ودرسها مستشرقون كبار مثل هنري كوربان (Henry Corbin) وويليام شيتيك (William Chittick) وميغيل أسين بلاثيوس (Miguel Asín Palacios)، الذين أبرزوا تأثيره على الفكر الأوروبي، وحتى على بعض تيارات الفلسفة الغربية الحديثة.
    كما أثّر الشيخ الأكبر على شعراء وفنانين وفلاسفة مختلفين مثل الادباء والشعراء جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار ومحمد اقبال وجبران خليل جبران الخ ، وفنانين مثل عابد عازرية ولوري اندرسون وفرق موسيقية عديدة من اهمها فرقة Ensemble Ibn Arabi المغربية، وفلاسفة مثل صدر الدين الشيرازي و رينيه جينون وهنري كوربان.
    أيضاً اعتبر بعض الدارسين مفاهيمه وتصوراته المعقدة للزمان والمكان والوجود الذري ووحدة الوجود والتجلي الالهي والخلق المستمر الخ، بمثابة مقدمة واستشراف لنظريات فيزيائية حديثة عن النسبية والزمكان والطاقة الكونية و الحقل الكمومي والنظام المتضمن والأكوان المتعددة الخ ، وإن بلغة رمزية. في هذا ربما، عبر الذوق والكشف، استشرف ابن عربي كثيرًا من القضايا والأسئلة التي لا تزال الفيزياء الحديثة تسعى للإجابة عنها.

    خاتمة:

    لقد قدّم ابن عربي للعالم ما يتجاوز الحدود الدينية والثقافية: قدّم رؤية كونية للإنسان والوجود والدين، تقوم على المحبة والمعرفة والتجربة، وتحترم التعدد، وتساوي بين البشر، وتدعو إلى سلام الإنسان مع نفسه وغيره.
    وبسبب من غزارة انتاجه وغنى فكره وتعدد طبقاته، لا يزال إرث إبن عربي، بعد مرور أكثر من ثمانية قرون، يُلهِم الباحثين والفلاسفة والعلماء والروحانيين، ويُعتبر جسرًا حضاريًا بين الشرق والغرب، وبين الدين والفلسفة، وبين العقل والقلب.
    لهذا كله اعدُ إبن عربي واحدًا من أعظم العقول الإنسانية على مرّ التاريخ، وأحد اكثر الناس الذين قدموا فيوضاً من المعرفة الروحية والعلمية للعالم.

    عادل عبد العاطي
    ٢٤ يوليو ٢٠٢٥م

  • التوب السوداني: بين الهوية والعملية

    مقدمة:

    يُعتبر “التوب” من أبرز رموز الهوية النسائية في السودان. فهو ليس مجرد قطعة قماش تُلف حول الجسد، بل يمثل تاريخًا اجتماعيًا وثقافيًا ممتدًا لقرون، ارتبط بالأنوثة السودانية وبالمكانة الاجتماعية، وأخذ رمزية خاصة في الزواج والحداد والمناسبات. ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا: هل التوب ما يزال عمليًا في حياتنا الحديثة؟ أم أنه عبءٌ ثقيل على المرأة السودانية يستدعي خلعه وتجاوزه؟

    التوب بين التاريخ والأسطورة:

    كثيرون يقعون في مبالغات أو مغالطات حين يتناولون تاريخ التوب. فالرسومات التاريخية تُظهر أن جدّاتنا الأوائل لم يعرفن التوب بشكله الحالي، حيث ارتدت النساء في العصور المروية فساتين طويلة من الكتان، تكون مشدودة أحياناً بحزام عند الخصر. في العصور المسيحية تاثرت الملابس النسوية بالنموذج الكنسي البزنطي والقبطي، ولم يكن للتوب وجود. حتى في سلطنتي دارفور وسنار لم يكن للتوب وجود بالمعنى المعروف اليوم. في بداياته، لم يكن التوب لباسًا ريفيًا، بل كان زياً محصورًا بالمدن والمناطق الحضرية.

    الأرجح أن التوب ظهر في القرن التاسع عشر كتطور ناتج من التفاعل مع أزياء شعوب مجاورة، كالـ”شَمَا” الرجالية الحبشية، أو “الملاية اللف” المصرية، أو “الحايك” المغاربي.

    تطور التوب عبر العقود من “توب الزراق” أحادي اللون إلى التوب المزخرف والملون، وانتقلت خامته من الدمور ثم “السكوبيس” إلى الحرير. وبين توب الزراق القديم والتوب العصري برزت مرحلة انتقالية مهمة هي “الفِرْكَة النقّاديّة”. لذلك لا يمكن القول إن التوب إرث ثابت؛ بل هو زي متحول خضع لتأثيرات جمالية وثقافية عديدة، شبيهة بما جرى للساري الهندي أو الكيمونو الياباني.

    التوب كرمز للهوية:

    رغم حداثة ظهوره، صار التوب علامة فارقة للمرأة السودانية. فهو يرمز إلى الرسمية والإحترام حين يُرتدى باللون الأبيض، حيث كان زي الموظفات او المعلمات، والى الفرح حين يرتدي بألوان جذابة في الأعراس، وإلى الحزن حين يكون أبيض أو أزرق داكن في المآتم. كما يحمل أيضًا قيمة إجتماعية، فالتوب اليومي يعكس ذوق المرأة ومكانتها، حيث هو شبه محصور على المتزوجات، ويُعتبر وسيلة للتمايز الثقافي عن نساء أفريقيا والعالم العربي.

    هناك طبعاً أزياء مشابهة مثل “الساري” الهندي و”الملحفة” الموريتانية، وهنا تُطرح أسئلة لا اعرف اجابتها عن علاقة التوب السوداني بهذه الأزياء، رغم إقرارانا بالتلاقح الثقافي ما بين شعب السودان وهذه الشعوب. والظاهر إن التوب قد نشأ غالباً في بيئة الساحل بين السودان وموريتانيا، لأسباب تتعلق بالبيئة، ويمكن العثور على نماذج مشابهة له في تشاد ومالي والنيجر.

    التحديات العملية:

    لكن مع تحولات الحياة الحديثة، صار التوب يواجه مشاكل عملية واضحة، إذ أنه غير مريح للحركة للمرأة العاملة أو الطالبة، والتي تجد صعوبة في إنجاز أعمالها وهي ترتدي التوب. كما هو عبء في المواصلات العامة حيث يحتاج التوب لمساحة وحركة لا يوفرها الواقع اليومي المزدحم. كما أنه غير ملائم للأنشطة الحديثة من الرياضة إلى العمل المكتبي، وبذلك صار التوب بعيدًا عن المتطلبات العملية.

    أيضاً واجه التوب منافسة من الملابس الأخرى، ففي زمن الإنقاذ مثلاً انتشرت ظاهرة لبس “العباية” بأشكالها المختلفة. قد تكون العباية أرخص وأكثر عملية، لكنها قطعاً لا تصل لجمال وأناقة التوب.

    بين الجمال والانتقاد:

    الجماليات مسألة ذوق، لكن من الإنصاف القول إن التوب، حين يُختار بعناية، يزيد المرأة السودانية ألقًا. بعض الألوان والزخارف تناسب درجات البشرة وتبرز جمالها، لكن أغلب تيبان اليوم تبدو مزدحمة أو باهتة. التحدي إذن ليس في أصل التوب، بل في ذائقته وتطويعه للأزمنة.

    أما ما قيل عن “تكلفة إنتاج التوب العالية وأنها دليل على تخلف الأسلاف”، فهذا غير صحيح. التوب في بداياته كان بسيطًا ورخيصًا لأنه غير مخيط، متعدد الاستعمالات: يُلبس في النهار ويُستخدم غطاء في الليل ضد البرد. بل كان أوفر من الملابس المخيطة ذات الوظيفة الواحدة. ارتفاع سعر التوب اليوم ليس عيبًا فيه، بل انعكاس لأزمات الاقتصاد السوداني وعقلية البذخ والـ”بوبار” المنتشرة في أغلب مناحي الحياة، رغم الفقر المدقع الذي يعيش فيه أغلب السودانيين.

    خاتمة:

    غالباً ما سيقى التوب جزءًا من هوية المرأة السودانية، لكنه لن يعيش ما لم يتحول من فرض اجتماعي إلى اختيار حر. إذن الحل لا يكمن في التخلي عن التوب، بل في إعادة تعريف مكانته، أي الحفاظ عليه كزي رمزي وتراثي في المناسبات والاحتفالات، أو ربما تطوير “نسخ حديثة” أكثر عملية وخفة تلائم المرأة العاملة والفتاة الشابة.

    في كل الأحوال يجب قبول التنوع، وهو أن التوب ليس الزي القومي السوداني الوحيد، وأنه من حق المرأة السودانية أن تختار بين التوب والملابس الأخرى دون ضغط أو وصم.

  • مرة اخرى حول اصل “عرب” السودان

    إهتم وكتب الاستاذ خالد حسين Khalid Hussein نقداً لمقالي المختصر السابق حول الأصل الافريقي ( الكوشي – النوبي النيلو صحراوي) لعرب شمال السودان وكردفان ودارفور، وهو اهتمام ونقد اشكره عليه.

    مع ذلك أعتقد أن النقد لم ينقض ما ذكرته من أسباب لزعمي حول الأصل الافريقي ل”عرب” السودان، وإنما أوضح إن هناك تعقيدًا في الأمر. وأنا لا أنفي التعقيد، بل ذكرت وجود مجموعات عربية قُحّة في السودان، لكني أتمسك بفرضيتي للأسباب التي ذكرتها، وأزيد عليها ما يلي.

    (المزيد…)
  • ليس هو الحب

    ليس الذي يشتل كالتمر ثم يشذب كالزهر هو الحب. الحب لا يزرعه بستاني او اثنان ولا ينثر عليه السماد ولا يرش حوله الماء ولا يهش عنه الطير والسابلة والداجن. الحب لا يولد صغيرا فيكبر كما الاطفال ولا يشيخ كما الكهول. لا ينحني ظهره ابدا ولا يشيب. ليس هذا الحب وانما هو شبه الحب. ما يستزرع ويولد ويهجن ويراعي ويثمر ويحصد هو ما يبقي البشر احياء وما يبقي النوع وما يحفظ النسل. هو ما يبني الاسر والمجتمعات ولكنه ليس الحب.

    الحب ليس هذا ولا يشبه شيئا من هذا. الحب لا يحي وانما يميت. لا يخلق حياة جديدة وانما يدمر حيوات قائمة. لا يسعى للاستقرار وانما للدمار. هو اعصار وزلزال ومليون قنبلة هيدروجينية في آن. طابعه الاصلي هو الجنون ومفارقة المنطق ورفض الوقائع ومجانبة الحكمة. من ظفر به تعذب ومات وعاش حياة الابدية في ثانية ومن لم يعرفه كان سعيدا وعاش طويلا وانجب البنين و البنات وعاش في تبات ونبات وسبات.

    الحب لا تحكمه قوانين البشر وانما قوانين الالهة البدائية التي انقرضت مثل الديناصوات، وتركت لعنتها حية تسعى فينا وبيننا. الحب ينبع من تلك الروح البدائية الاولى التي تكون منها الكون في لحظة الانفجار العظيم. تلك الروح غير المشذبة وغير الواعية التي اخرجت الكون – والحب – في سرابيل الالم والدم. لا غرو اذن ان يولد الاطفال من بين معاناة وبكاء وصراخ، فهم امتداد ذلك الخلق الاول. الحب هو خلق وعذاب. ذلك كان شأن الوجود الاولى ولا تغالطوني في ذلك لأني كنت هناك.

    الحب موستانغ جموح اذا روضته حولته لحصان ركوب او زينة او نقل ولكنه يخسر للابد جماله الوحشي. الحب اذ توقف همد واذا همد مات. الحب هو الغيرة وهو الشك وهو الجنون وهو ان تختصر الكون في انسان وان يكبر لديك انسان فيصبح هو الكون. الحب هو ان تبيع روحك لأجل التفاتة ممن تحب. الحب هو ان تتمنى موتك حتى تحصل على دمعة ممن تحب.

    الحب هو لعنة البشرية وسر تميزها، وما يخرج بها من حياة الديدان واسفل سافلين الى حياة الالهة والمردة والجن والشياطين. الحب هو ان تشعر بطاقة شارب مليون زجاجة رد بول عندما تكون سعيدا وان تكون منسحقا كضفدعة دهستها عشر حاشنات لما تكون تعيسا. الحب هو ان تعطي بلا من وتلحد بلا كفن وتسير بلا زمن وان لا يحدك مكان والا يكون الموت نفسه حاجزا بينك وبين من تحب ، او بينك وبين ان تحب.

  • حكاية بيت

    قبل عام او قرن انتقلنا مع من تحبها نفسي لبيت جديد اختارته ونسقته بنفسها وعطرته بالبخور واللبان والعطور، ثم لم تلبث فيه الا قليلا حتى طارت كريميديوس ولم تأخذني كشمسة، واخذت جل قلبي معها وكل عقلي.

    في خلال عام او قرن كان ذلك البيت لي بيتاً وصديقاً ومعبدا ً ومزاراً وغار حراء، اشم فيه رائحتها وارى فيه لمستها وألمح بين النوم واليقظة في ثناياه طيفها. كان تاج محلي أُمارس فيه جنوني وعملي واتقلب فيه بين ألمي وأملي وابكي فيه واضحك واموت فيه يومياً وأحيا.

    كان ذلك البيت كبيرا علي لوحدي وصغيراً على الحب الذي يملأه. عشت فيه وحدي ولكني لم اكن فيه وحدي، فهي لم تفارقه اذ لم تفارق بعض قلبي الذي بقي معي.

    فهمتُ حينها لمّ كان قيس يُقبّل جدران ديار ليلى وليلى بعيدة ذاهبة في الغياب. فهمت كيف إن للبيوت حكاياتها وللناس كبواتها وللغياب منطقه وللعشق جنونه وللحب سلطان.

    فهمت ان البيت الحقيقي ليس جدرانا نبنيها و نزينها واثاث نختاره وننسقه وانما بشر يقطنونه وحب يعطر جوانبه ويسكن ساكنيه. فهمت انها هي بيتي ووطني، قيامي وظعني، فرحي وحزني، عقلي وجنوني؛ وان بيتي الحقيقي فيها وحواليها، اينما كانت وحيثما حلت.

  • خواطر في غياب المحبوبة


    ” عندي مزاج شجرة الصبار “


    في غيابها أصبح الوطن غربة وأصبحت الغربة جحيماً – بدونها اصبحت كل الحياة منفىً كبيراً


    لقد كانت صحوي ومنامي؛ تمردي وايماني؛ عقلي وجنوني، صخبي وسكوني. كانت الموسيقى قربها احلى والطعام اشهى والصباح اجمل والمساء اكثر روعة. كان النوم قربها وتحت انفاسها مريحا وممكنا وكان الصحو على وقع خطاها بهيا وكامل الاشراق. كان بخورها احلى العطور وحضورها أجمل الحضور وكانت هي احلى من عرفت من النساء والطف من عرفت من الناس. كانت جميلة في فرحها وحزنها ونبيلة في غضبها وحنينها. كانت حياتي الحقيقية وحبي الاول والاخير – كانت فردوسي الذي فقدته.


    She” was my North, my South, my East and West,
    My working week and my Sunday rest,
    My noon, my midnight, my talk, my song;
    I thought that love would last forever: I was wrong.

    The stars are not wanted now; put out every one,
    Pack up the moon and dismantle the sun,
    Pour away the ocean and sweep up the wood;
    For nothing now can ever come to any good.

    بتصرف من Wystan Hugh Auden


    :: لو كان ليوم ميلادي من أهمية ؛ فهي أنه مناسبة جميلة لتلقي تهنئتها ::

    دائما ما تجعل يوم عيد ميلادي جميلا حتى في احلك الاوقات – رسالتها لي قبل عدة سنوات في عيد ميلادي كانت اجمل كلام قرأته او وجهه شخص لي في حياتي. عيد ميلادي في 2014 كان الاجمل منذ ولدت . حتى في 2015 لم تنسي التهنئة رغم الظروف القاسية . شكرا لها فدائما ما تهديني الخير والجمال وأنا لم اقدم لها الكثير. وشكرا لها اذ كانت اجمل هدية لاقتني في حياتي وأنا لم اشكرها وربما لم أوضح لها كم هي غالية علي. انا ممتن لها جدا وممتن للزمن الذي ربط طريقي بطريقها ذات يوم .


    لا ترحل بدوني ( جلال الدين الرومي):



    أيها العاشق، يا غبي. حاذر أن تحضن شمسا ملتهبة وحية. لأنك حينها إحتراقا تحترق وموتا تموت.


    عندما نعشق انسانا ما، والعشق هو فوق الحب وهو درجة من الجنون وملامسة المطلق، فإننا نخلع عليه صفاتا سحرية ونجرده من إنسانيته ونضعه في مصاف الملائكة،على الأقل. فيي كل هذا نظلمه. نظلم انسانيته وحاجياته البسيطة والطبيعية في أسطرتنا له. معذرة فأنتي لم تكوني إلها او شيطانا، وانما كنتي ولا زلتي إمراة. ( من وحي مشاهدة فيلم ” المدن الورقية ” مع Amalia Abdel Aati).


    انت نقطة ضعفي الوحيدة، وكل قوتي.


    قالت : انت تدافع عن حقوق كل النساء ؛ الا حقوقي .. وانت لطيف مع كل النساء ؛ عداي .. عذرا صديقتي فقد كنت اتعامل معك انك فوق كل النساء وفوق كل البشر وأنك أنت ذاتي- معذرة على كل تقصير وكل خطأ غير مقصود وكل ألم وجرح .


    لطالما وددت اهانة محمد المكي ابراهيم اهانة اكثر من شخصية. فهو في ادعائه الشاعرية لم يفهم ما اسماه لوركا بسر الروح المبدعة ، وهو في تمجيده لشكليات الحياة لم يفهم ما هو سرها الباقي ووجهها الآخر ، وهو الموت. وهو في احتفائه بأمته لم يحتفي بالفرد فيه وفينا. وهو في تمجيده للبراغماتية والروح الاسبارطية وتحويل الحب الى ساحة للحرب لم يفهم معنى جنون الحب والحب الجنوني. لم يفهم ود المكي ان ابن الملوح لم ينهزم امام القبيل وانما انهزم امام نفسه اللوامة ، ولم يسقط امام الرعب وانما سقط تحت وطأة مشاعره المجنونة التي اضاعت منه العقل واوهنت منه الساعد واليد. لم يفهم ان قصة ابن الملوح هي قصة الجنس الانساني في ميله للتدمير الذاتي. لم يفهم في شاعريته المدعاة ان المعذب والمحب لا يهان ولا يهين.


    الثلاثة مستحيلات موجودة .

    الغول هو الشر الكامن فينا والطافح يوميا في ملايين الشرور الصغيرة ، هي شعر الغول واظافره وانيابه وقرونه ورؤوسه الالف وعيونه المليون. الخل الوفي – كما تبدى لي- هو بكري جبريل. العنقاء امسكتها بيدي التي سيأكلها الدود ثم دفنتها في حضني حتى اختنقت واجبرتها على اكل اللحم بعد ان كانت تشرب الندى وتاكل العنبر، ثم اطلقت سراحها لما قاربت على الموت.


    المرض يقتل الجسد، الهم يقتل الروح.


    إنني أُثني على الحي الذي
    حن للموت بأحضان اللهيب.

    في ليالي الحب والشوق الرطيب،
    يصبح الوالد والمولود أنت،
    يحتوي قلبك إحساس غريب
    ومن الشمعة إطراق وصمت.

    تترك السجن الذي عشت به
    غارقا في عتمة الليل الكئيب
    ينشر الشوق جناحيه إلى
    وحدة أعلى وإنجاب عجيب.

    سوف تعروك من السحر ارتعاشة،
    ثم لا تجفل من بُعد الطريق،
    وستأتي مثلما وقت الفراشة،
    تعشق النور فتهوى في الحريق.

    من رباعيات الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته – الابيات من قصيدة “حنين مبارك” Selige Sehnsucht” من الديوان الشرقي الغربي (West-östlicher Divan) – ترجمة د. عبد الغفار مكاوي . اختيار الابيات من طرفي .


    :: في عينيك رأيت العالم وفي حبك وجدت نفسي ::


    الحب موت صغير….. (ابن عربي)


    مين دا اللي نسيك ؟

  • المصير والمطر

    اغنية المطر ( Chuva) هي جزء من أغاني الفادو البرتغالية . والفادو تعني بلغة البرتغاليين المصير او بالسوداني (القسمة والنصيب) .. وهي اغاني شعبية او من اصول شعبية يختلط فيها الحب بالحزن؛ وذات طبيعة موّالية وجذور اندلسية وعربية وبربرية وافريقية؛ ومتأثرة لدرجة كبيرة باغاني البحارة. كانت أغاني الفادو تعتبر ولوقت قريب  من الفن الفلكلوري والشعبي البسيط ؛ حتى ظهر  فنانات وفنانين خالدين مثل اماليا رودريغيز نقلوها من مصاف المحلية الى العالمية. ويمكن بدون مبالغة القول ان الفادو هو المنتج الثقافي البرتغالي الاكثر انتشارا ومعرفة في العالم؛ وخاصة في زمن انفجار ثورة المولتميديا .

    تعرفت على الفادو قبل اعوام حينما كنت ابحث عما يتعلق باسم بنتي (أماليا)؛ ووجدت أن أشهر “اماليا” وقتها في العالم هي  اماليا رودريغز؛ وعن طريقها دخلت عالم الفادو. ورغم تعرفي علي هذا الفن بالصدفة الا اني احببته جدا؛ واتيحت لي فرصة ان احضر بعض حفلات مغنيات الفادو الأكثر  شهرة ( ماريزا ، انا مورا ) في بولندا في مهرجان مدينة وارسو  السنوي لتقاطع الحضارات وبعض المهرجانات الفلكلورية الاخرى .

    العارفون يقسمون موسيقى الفادو الى نوعين او اتجاهين: فادو لشبونه ( وخصوصا من مناطق الفاما وموراريا) وهذه تغنيه النساء كما الرجال؛ وفادو كويمبري؛ وهذا يغنيه الرجال حصرا ؛ وهناك من يقول بوجود فادو بورتو ؛ وهي المدينة المشهورة بلنبيذها الذي يحمل نفس الاسم؛ ولكن المحافظين يقولون ان فادو بورتو هو نفسه فادو برشلونة.. وفي الحقيقة رغم ان الفادو بدأ كفن رجالي واغاني للبحارة؛ الا ان انتشاره يرجع للمغنيات النساء؛ ومن بينهن اماليا رودريغز ودولسى بونتيس وماريزا وميزيا الخ .

    من المهم هنا الاشارة الى تعبير او قل مفهوم يكاد يطغي على موسيقي الفادو؛ وهو مفهوم ال (Saudade) ؛ وهي كلمة من الصعب ترجمتها للغات الاخرى؛ فالبعض يترجمها بالوحدة واخرين بالحنين وبعض ثالث بالفقد؛ وهي عموما تعني شعور بالحزن على ما فات؛ على الماضي الجميل ..واحساس بان الجمال والحب دائما ضائعان ومهزومان . هو شعور لا يمكن تحديده ولا لمسه ولكنه موجود؛ وقد انعكس التعبير الذي صكه احد ملوك البرتغال على كامل الادب والفن البرتغالي؛ ووجد تعبيره الاكبر في الفادو.

    أحببت اذن الفادو وأحببت معه البرتغال. وكنت قد تعرفت على على البرتغال والثقافة البرتغالية في تسعينات القرن الماضي عن طريق صديقي خوسيه الانغولي . سمعت منه كمية من مكانين اللغة البرتغالية في دارجيتها وفحشها حتى حسبت اني سانمسخ صعلوكا برتغاليا – او انغوليا – . وشربت معه كميات من البرتو كادت تشتبه لنا بانهار الجنة المليئة بالنبيذ الذي لا يسكر ولا يصدع الناس من بعده ؛ ولكننا سكرنا وصدعنا وما همانا حتى كدنا نسقط في (Saudade)

    البرتغال تجلس هناك على حافة اوروبا وتمارس اشيائها الخاصة . تخرج قليلا قليلا من عقلية الطرف وبساطة المزارعين وروح الحزن الدائم؛ لتقدم للعالم امة حديثة تبحث عن مكان جديد لنفسها؛ بعيدا عن اللبن المسكوب مع الاحلام الاستعمكارية والفتوحات التاريخية؛ وكونها قد عصت على الفاتحين حين تهاوت اختها الكبيرة اسبانيا تحت ضربات البرابرة .

    الاغنية المترجمة ادناه تؤديها الفنانة ماريزا؛ وهي ملكة من ملكات الفادو حاليا؛ ويعتبرها الكثيرون وارثة عرش اماليا رودريغيز؛ وهي قد نقلت الفادو الى افاق جديدة. فمن ناحية الكلمات تغنت بقصائد لأبرز شعراء البرتغال وفي مجال الالحان فقد لحن لها مجموعة من افضل ملحني البرتغال المتخصصين في الفادو. ويعبر أداء ماريزا الحي فعلا عن موسيقي الفادو؛ حيث تنتقل تعابير وجهها من الابتسام الى الحزن الى الفرح الطفولي الخ؛ وتتميز شكلا بلبساتها الكلاسيكية وشعرها القصير المصبوغ للاشقر؛ وهو ما لا يشبه البرتغاليات ولكنه يعطيها تميزها.

    اغنية المطر او Chuva هي من اكثر الاغاني التي احبها من اعمال هذه الفنانة؛ وفي شبكة الانترنت  هناك عدة تنويعات لأداء هذه الاغنية. ادناه انشر نسخة لها  مع الجيتارات فقط؛ يظهر فيها صوت ماريزا بكل قوته التعبيرية.  و هنا رابط لنفس الاغنية مع الاوركسترا؛ في اداء تظهر فيه الموسيقى كاروع ما تكون؛ وتلعب فيه ماريزا بالاغنية وصوتها ما شائت لها حنجرتها اللعب. الاغنية تتحدث عن انطفاء نار الحب تحت المطر ؛ وفيها شيء يذكر ب”يا مطر عز الحريق” ؛ رغم اختلاف اللونين والكلمات؛ ولكنه توارد الخواطر الابدي.

    المطر

    الاحداث الفجة في حياتنا
    لا تملأنا بالحزن والحنين
    مثلما تفعل الذكريات المؤلمة
    او تلك التي جعلتنا نبتسم .

    بعض الناس هم تاريخنا ؛
    تاريخ حياتنا .
    بعض الناس الآخرين لا نذكر اسمائهم
    حتى لو سمعناها تردد امامنا.

    هكذا؛ كانت تلك الاحاسيس
    التي تحفظ حزني حيا دائما..
    تلك الاحاسيس التي اشتركنا فيها معا
    والتي فقدتها الى غير رجعة.

    هناك ايام تطبع بميسمها
    على روحنا وحياتنا ..
    لهذا لا استطيع ان انسى
    اليوم الذي تركتني فيه .

    المطر يرمي بنفسه
    على وجهي البارد والمتعب؛
    في شوارع المدينة التي
    اجوبها بغير هدى .

    آه .. مثل فتاة ضائعة
    أصرخ في وجه المدينة:
    كيف ماتت نار الحب بهذه العجلة؛
    تحت قطرات المطر ؟؟

    سمعني المطر وظل صامتا
    محتفظا بالسر لنفسه؛ مخفيه عن المدينة
    وواصل طرقه لزجاج النوافذ
    مالئا قلبي؛ حتى الثمالة؛ بالحزن.

    (( الترجمة أنجزتها من نصين انجليزيين بعد مقارنتهما مع الاصل البرتغالي؛ وهي ترجمة غير حرفية؛ حيث حاولت الامساك بالفكرة وروح القصيدة؛ اكثر من التعلق بالمعاني الحرفية ))


    النص الأصلي ( بالبرتغالية) :

    Chuva

    As coisas vulgares que há na vida
    Não deixam saudades
    Só as lembranças que doem
    Ou fazem sorrir

    Há gente que fica na história
    da história da gente
    e outras de quem nem o nome
    lembramos ouvir

    São emoções que dão vida
    à saudade que trago
    Aquelas que tive contigo
    e acabei por perder

    Há dias que marcam a alma
    e a vida da gente
    e aquele em que tu me deixaste
    não posso esquecer

    A chuva molhava-me o rosto
    Gelado e cansado
    As ruas que a cidade tinha
    Já eu percorrera

    Ai… meu choro de moça perdida
    gritava à cidade
    que o fogo do amor sob chuva
    há instantes morrera

    A chuva ouviu e calou
    meu segredo à cidade
    E eis que ela bate no vidro
    Trazendo a saudade


     

    ترجمة للأغنية للغة الانجليزية:

    The rain

    The ordinary events in our lives
    Do not fill us with sorrow (saudades) ;
    Not so those memories that hurt
    Or those that bloom into a smile.

    Some people are our history,
    The history of our lives;
    There are others whose name
    We do not recall ever hearing.

    Such are the feelings
    That keep alive my sorrow (saudades) ,
    The feelings we shared
    And withered in the end.

    There are days that scar
    One’s soul and life,
    This is why I cannot forget
    The day you left me.

    The rain drenched
    My cold and tired face
    In the streets of a city
    I had aimlessly walked.

    Ah! …Like a girl gone astray
    My cry rang across the city:
    How quick does the fire of love
    Dies in the rain!

    The rain heard me and kept
    To herself my secret in that city
    Where she taps on the window,
    Filling me with sorrow (saudades

     

  • ما لا يعول عليه ( في الحب )

    مقتطفات من رسالة الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر محي الدين بن عربي والموسومة (رسالة ما لا يعول عليه ) وتتضمن ما لا يعول عليه من احوال الحب والمحبة والمحبين

    المكان إذا لم يؤنث لا يعوَّل عليه،

    كل تنهد يكون عن فقد في عين وجد لا يعوَّل عليه.

    السهر من غير سمر لا يعوَّل عليه.

    كل إخلاص لا يعوَّل عليه، فإنه ما ثم ممن.

    الوجد الحاصل عن التواجد لا يعوَّل عليه.

    والوجود الذي يكون عن مثل هذا الوجد لا يعوَّل عليه.

    المحبة إذا لم تكن جامعة لا يعوَّل عليها.

    كل محبة لا يؤثر صاحبها إرادة محبوبه على إرادته فلا يعوَّل عليها.

    كل محبة لا يلتذ صاحبها بموافقة محبوبه فيما تكرهه نفسه طبعا لا يعوَّل عليه.

    كل حب لا ينتج إحسان المحبوب في قلب المحب لا يعوَّل عليه.

    كل حب يعرف سببه فيكون من الأسباب التي تنقطع لا يعوَّل عليه.

    كل حب يكون معه طلب لا يعوَّل عليه.

    كل حب لا يتعلق بنفسه وهو المسمى حب الحب لا يعوَّل عليه.

    كل حب لا يفنيك عنك ولا يتغير بتغير التجلي لا يعوَّل عليه.

    كل حب تبقي في صاحبه فضلة طبيعية لا يعوَّل عليه.

    كل شوق يسكن باللقاء لا يعوَّل عليه.

    كل شهوة غير شهوة الحب لا يعوَّل عليها.

    الحب الذي يعطيك التعلق بوجود المحبوب وهو غير موجود فهو صحيح وإن لم فلا تعول عليه.

    كل وصل لا يظفرك بالفائت لا يعوَّل عليه.

  • رحلت سوزان سونتاغ

    في زحمة الاعياد رحلت بهدوء عن عالمنا الكاتبة والمفكرة والروائية الامريكية سوزان سونتاغ؛ عن عمر يناهز ال71 عاما؛بعد صراع مرير مع مرض سرطان الدم ؛وذلك في مدينتها التي احبتها نيويورك في 25 ديسمبر الماضي.

    تعتبر سونتاغ من اشهر المثقفات الامريكيات في نصف القرن الاخير؛ درست في جامعات بيركلي وشيكاغو واكسفور؛ وكان تخصصها في الادب والنقد الادبي والفلسفة؛ وعملت بالتدريس في عدد من الجامعات الامريكية ومن بينها جامعة هارفارد.

    كتبت سونتاغ 17 كتابا ومئات المقالات توزعت ما بين الرواية التاريخية “عاشقة البراكين” ؛ والرواية “في امريكا” والتي كانت اخر رواياتها وحصلت بسببها علي جائزة الكتاب القومي ؛ والدراسات النقدية ومن بينها “ملاحظات عن معسكر ” والمخصصة لادب المثليين جنسيا والثقافة الجماهيرية؛ و” ضد التفسير” ؛والمقالات النقدية والسياسية والاجتماعية وغيرها؛ كما كانت مهتمة بالتصوير ومصورة جيدة والت عددا من الكتب عن فن التصوير ومعانيه.

    تعالجت سوزان من مرض سرطان الثدي وكتبت مجموعة من الكتب عن الامراض والالام وما تحدثه من تحول؛ وقد عرفت سونتاغ كواحدة من اكثر المناضلات النسويات نشاطا؛ كما كانت معادية للحرب ولها نشاطات واسعة ضد الحروب؛ومنها الحرب في يوغسلافيا؛ وقد انتقدت الحرب الامريكية الاخيرة ضد العراق منذ البداية؛ وكامل سياسة بوش فيها؛ مما جلب لها الكثير من العداء والاهانات من الدوائر المحافظة واليمينية في الولايات المتحدة.

    لسونتاغ ايضا مواقف ايجابية وواضحة من القضية الفلسطينية وضد الارهاب الفكري حيث تضامنت مع الكاتب سلمان رشدي؛ وكالعادة لم تكن محبوبة من قبل اليمينيين في امريكا او في العالم الثالث ومن بينه الدول “الاسلامية” والعربية.

    التحية لروحها ولتسكن في سلام ابدي .

    عادل

  • تشيسواف ميووش 1912-2004

    توفي في يوم السبت 14 اغسطس 2004؛ في مدينة كراكوف البولندية؛ احد اكبر شعراء بولندا واوروبا في القرن العشرين؛ تشيسواف ميووش – عن عمر يناهز ال93 عاما.

    ولد ميووش في مدينة فيلنوس بجمهورية ليتوانيا الحالية؛ ثم هاجر الي بولندا والتي تنتمي اصوله اليها؛ وفي اول الخمسينات حينما كان موظفا بالصفارة البولندية في باريس؛ انقسم عن النظام ولجأ الي بيت مجلة “الثقافة” البولندية هناك؛ وقضي كل السنوات التالية بالخارج؛ ليعود لبولندا في عام 1981 في رحلة قصيرة؛ ثم ليعود لها بصورة نهائية في اواخر التسعينات من القرن الماضي.

    كان ميووش شاعرا ملتزما بحق؛ رغم انه تعرض لهجوم اليسار واليمين الضاري؛ وذلك لمواقفه الحرياتية الاساسية؛ والتي سجلها منذ كان في العشرين من عمره؛ وختمهابمواقف مشرفة في اخر ايام حياته. كانت كتابة ميووش تتوزع ما بين قضايا العقيدة والفلسفة؛ دور الانسان في التاريخ؛ دور الشاعر؛ الوحدة والانتماء؛ الثقافة والتعدد؛ وكان من اعلي الاصوات الشعرية لعصره؛ في بولندا واوروبا والعالم؛ حيث حصل بسبب من كتاباته الشعرية والنثرية؛ علي جائزة نوبل للاداب.

    من اعماله الاساسية “نور الضحي” ؛ ” العقل المستعبد”؛ “اوروبا العائلية”؛ “معاهدة شعرية”؛ “القارات”؛ ” الواجبات الخاصة”؛ ” انسان بين العقارب”؛ ” خيالات علي خليج سان فرانسسكو”؛ و”ارض اولو”.

    ساحاول في الايام القادمة ان اكتب عن هذا الشاعر وغيره؛ في سلسلة مواضيع تحت العنوان الرئيسي” اوراق بولندية”

    عادل عبدالعاطي
    17 اغسطس 2004