التصنيف: مــقــالات سيــاســيـة

مقالات وكتابات حول السياسة السودانية والعالمية

  • الاستاذ عوض عبد الرازق وضرورة رد الإعتبار

    مقدمة :

    درجت دعاية الحزب الشيوعي السوداني على وصف الاستاذ عوض عبد الرازق، ثاني سكرتير لذلك الحزب بالانتهازية ، والزعم أنه طالب بحل الحزب الشيوعي وان ينضم الشيوعيين للاحزاب الاتحادية. نجد هذا الهجوم موثقا في كتيب ” لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني” لعبد الخالق محجوب عثمان. ثم نجده متكررا في مقالات المسؤول الثقافي للحزب الشيوعي حاليا وعضو اللجنة المركزية لذلك الحزب تاج السر عثمان المشهور بالسر بابو وفي العديد من كتابات وأقوال  الشيوعيين. يقول السر بابو ((أى رفض اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدرسة النظرية اولا، ثم العمل الجماهيري ، علي ان يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية. )) ليس هناك كذب أكبر من هذا.

    لقد تعرض الاستاذ عوض عبد الرازق الى حيف تاريخي كبير. ولا ريب ان تخرصات الحزب الشيوعي ضده ووصفه بالانتهازي امر ليس له سند في التاريخ والوثائق. واذا كان البعض قد طالب بالا نحاسب قيادة الحزب الشيوعي في نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات لوصف الرجل بالانتهازي بسبب مواقف فكرية متقدمة اعلنها، بإعتبار انهم كانوا شبابا متحمسا وقتها، فما بالك برجال هم فوق الستين ولا يزالون يواصلون هذا التحريض  والبهتان على رجل كان من خيرة مثقفي ومناضلي عصره ، لم ينحاز لنظام ولم يخن شعب السودان.

    الاتهامات الكاذبة :

    لقد كان عوض عبد الرازق من مؤسسي الحركة اليسارية في السودان. وعمليا قاد الحركة السودانية للتحرر الوطني ( الاسم الاول للشيوعيين) منذ عام 1947 وحتى عام 1949 حين تم ابعاده من منصبه كسكرتير تنظيمي وابتداع منصب السكرتير العام. رغم ذلك  لم يتراجع الرجل عن انتماءه وواصل عضويته في ذلك التنظيم حتى تم ابعاده في 1952 بشكل فظ.

    ولقد قام الاستاذ مهدي اسماعيل مهدي عثمان عام 2012م بنشر تقرير الاستاذ عوض عبد الرازق المقدم لمؤتمر الحركة السودانية للتحرر  الوطني ( الاسم الأول للحزب الشيوعي السوداني ) في اكتوبر 1952 ، وذلك لاول مرة تقريبا في تاريخ السودان، وهي وثيقة تفضح كذب الاتهامات ضده (ننشرها بذيل هذا المقال). فقد كان الشيوعيون يتهجمون على عوض عبد الرازق ويزورون اقواله  دون ان ينشروا كلامه هو شخصيا ، فكانوا في ذلك الخصم والحكم. واستغل الشيوعيون واقعة انهم حزب منظم وهو رجل فرد فنشروا تخرصاتهم عنه جيلا بعد جيل ومقالا بعد مقال، فكان سلوكهم في مثال ساطع لاغتيال الشخصية التاريخي والمرضي والمهووس.

    فالشاهد ان الرجل لم يدع قط لحل الحركة السودانية للتحرر الوطني وتذويبها في الاحزاب الاتحادية ، بل دعا الى العكس حين طرح ((إبعاد كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لإستقلالية منبر الحركة، أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى. فالطريق هو تأكيد شخصية الحركة المستقلة من خلال المعارك اليومية التي تستطيع أن تثبت من خلالها طليعيتها وقدرتها القيادية للحركة الوطنية وفي سبيل إجلاء الاستعمار والتحرير.))

    والشاهد ان الرجل فعلا كان ضد تحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني في تلك الفترة (1952) الى حزب شيوعي، والبلاد تواجه مهام مواجهة المستعمر ، والطبقة العاملة ضعيفة او منعدمة . فقد طرح : ((تحجيم الخط اليساري المتعجل الداعي للقفز فوق المراحل بتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي (ماركسي لينيني) مستنداً على العمَّال والمزارعين والمثقفين الثوريين)) . وبعد ان يعدد عددا من الاسباب الوجيهة يقول : ((إن طريق التعجل السياسي ينذر بفقدان الحركة السودانية للتحررالوطني مواقعها كطليعة ديمقراطية يلتف حولها أكثر أبناء شعبنا ذكاءاً، إذا تعارضت مع قيم وتراث شعبنا. فإنشاء حزب شيوعي يدعو إلى الاشتراكية لم يحن أوانه بعد، وربما يدفع نحو المغامرة التي لا تراعي المراحل، وقد يحدث شرخاً عظيماً في وجدان المجتمع ويهدم كل البناء، ولعمري إنه طريق الفشل.)) وبالفعل فقد تحقق ما قاله بالضبط.

    والشاهد ايضا انه بعد رفض افكار الرجل فأنه لم ينقسم كما يشيع الشيوعيون، بل تم طرده ورفاقه من الحركة السودانية للتحرر الوطني  التي بناها بالعرق والجهد. يقول عبد الخالق محجوب : ((أنتهي المؤتمر الثاني بانتصار ساحق للأتجاه الثوري داخل الحزب وأنتخبت لجنة مركزية الغلبة فيها للتيار الثوري وللأتجاه القائل بتصعيد حركة الجماهير والأستقلالية ونبذ الجمود وطرد من الحزب كافة العناصر الخائرة والمترددة ودعاة الأنقسامات والنظرات الليبرالية البعيدة عن روح الماركسية وتوجهاتها)) فهل انقسم الرجل فعلا ام تم طرده عن قصد وبسوء نية وترصد ؟

    كما يثمن الكثيرون  ان عوض عبد الرازق لم يجابد الشيوعيين ويشتمهم كما شتموه بل اسس جمعية هي اقرب للندوة الفكرية الاسبوعية اسمها “الجمعية الوطنية” كانت تتداول في القضايا العامة بفكر ثاقب. يؤرخ الاستاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين لذلك فيقول : ((رحم الله عمنا عوض عبدالرازق و قد كان كثير التردد علي دارنا. إذ أن والدي (عليهم الرحمه) كان من ضمن مجموعه عوض عبدالرازق التي إنشقت عن الحزب الشيوعي بدايه الخمسينات.. و كنت بعد أن أن اخدم ضيافه كل المذكورين أجلس معهم رغم صغر سني حينها. كنت أناديه بعم عوض بمبار لمحبته لتلك الاكلة ، و يناديني بماركوني. كان له تاثير قوي علي مستميعه و اذكر أن مشاركيه في المجلس كانو ينصتون له بكل أدب و كان رايه دائما أقوي و تحس فيه عمق التفكير)) ويذكر استاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين أن المجموعة كانت تلتقي في افكارها وانهم كانوا يلتقون في محل عبده دهب حسنين بشارع الحرية . أما الأستاذ محجوب علي فإنه يقول: (( فهنا يحمد للمرحوم عوض عبدالرازق انه لم يجير جهد الجميع لقناعته الفردية ولم يقل انا الوطنية والتقدمية لكنه توقع ان لا تؤول جهود دعاة الحرية الي استعمار بلبوس جديد ، يا اخي هذ سبق غرباتشوف وعيا .))

    والشاهد على كذب وتخرص الدعاية الشيوعية ان عوض عبد الرازق بعد خروجه او اخراجه من الحزب الشيوعي لم ينضم لاي من تلك الاحزاب الاتحادية التي يزعمون انه طالب بالاندماج فيها او الانضمام لها، بل لم ينضم اي من اعضاء مجموعته واصدقائه لتلك الاحزاب على كثرتها وقوتها وكونها وصلت السلطة في فترة قريبة بل بقى الرجل ماركسيا مستقلا ووطنيا ومعارضا طوال فترة عبود وما بعد اكتوبر والنميري حتى وفاته فتأمل. كما ان دعوة الرجل لانشاء الجبهة المعادية للاستعمار قد نفذها الشيوعيين من بعد دون ان ينسبوا الفضل في الفكرة للرجل، فتأمل مرة أخرى.

    ومما يشهد على كذب الوصف بالانتهازية ان الرجل لم يملك بيتا حتى مات ، بينما بنى بعض الشيوعيين ” غير الانتهازيين” عمارات وبيوتا ذات طوابق ، بعضها من قروض ميسرة  من بنوك الاسلامويين.  وقد توفي عوض عبد الرازق في قراش ((جراج)) وليس في بيت ، وكان هذا القراش موهوبا له من احد أقاربه. وكانت ورثته وحيلته من الدنيا شنطة كتب، فيا له من انتهازي كبير!. يؤرخ الاستاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين الأمر فيقول : ((عندما مات عوض ذهب والدي لاحضار إغراضه (من قراش أحد المنازل الحكومية بالخرطوم شرق، كان قد أعطاه له وكيل الاشغال الباشمهندس المرحوم إبراهيم محمد إبراهيم الذي تربطه به قرابة). الاغراض كانت عباره عن شنطه حديد بها كتب و أعتقد أنه تم إعطائها لاخيه الدكتور جعفر عبدالرازق.))

    من هو عوض عبد الرازق وأي رجل كان ؟

    لقد رصد البعض تاريخ الرجل الذي كان مناضلا ومفكرا كبيرا. فقد كان من اهم القيادات الجماهيرية للحركة الشيوعية في النصف الثاني من الاربعينات. وكان الرجل خطيبا مفوها ومفكرا وذو كاريزما، ولم يكن غريبا ان خرج معه اغلب الكادر المثقف من عضوية الحزب في ذلك الوقت، ومنهم الاستاذة حاجة كاشف بدري من مؤسسات الحركة النسوية في السودان، والاساتذة سيد احمد نقد الله، علي التوم، بدرالدين سليمان، حسن أبوجبل، التيجاني الطيب ( ليس التجاني الطيب بابكر وانما مدير سابق لسونا)، محي الدين عووضه المحامي ، أبوبكر عثمان ،  عبده دهب حسنين ( واحد من اقدم الشيوعيين السودانيين)، عبدالرحمن شمس الدين .

    كما يذكر الاستاذ مهدي اسماعيل مهدي عثمان  ان من بين من خرجوا معه كان اللدكتور  عبد الوهاب زين العابدين عبد التام  ( أول سكرتير عام للحزب) ، ود. حسين وني، وتيدي لاركن جيمس الخ . كما تبقى بعض من انصاره في الحزب الشيوعي الا انه تم تصفيتهم من بعد واتهامهم ايضا بالانتهازية لمجر انهم دعوا لتحول الحزب الشيوعي الى حزب يساري ديمقراطي عريض (الأستاذ حسن سلامة). وكان ممن طردوا او خرجوا معه عثمان محجوب عثمان ( الاخ الأكبر لعبد الخالق محجوب) . وتحكي الاستاذة الجليلة خالدة زاهر في ذكرياتها التي نشرتها مجلة “الشيوعي” في الثمانينات كيف انها اُبعدت من الحزب الشيوعي في 1952 لمجرد أنها كانت زوجة لعثمان محجوب عثمان ، ورغم انها لم تكن من مجموعة عوض عبد الرازق، فتأمل.

    ولقد كان الكثير من الشيوعيين يعرفون فضل الرجل ويعلمون ان تخرصات الحزب العجوز عنه كاذبة ، وفي هذا يؤرخ الاستاذ ناظم ابراهيم فيقول : ((سمعت حديثا لعمى يونس الدسوقى وهو من قدامى الشيوعيين وكان لمن يعرفه موسوعة فكرية ولا يتكلم الابالحق. تحدث عن عوض عبد الرازق بكل ود واحترام وقال ان الرجل حتى رحيله ورغم ما تعرض له لم ينطق بكلمه سوء فى حق الحزب الشيوعى.)) وقد اورد الاستاذ شوقي بدري نفس المعلومة نقلا عن العم الدسوقي.

    ويقول الاستاذ محمد عبد الرحمن شمس الدين إن (( أحسن من يكتب أو يسأل عن عوض عبدالرازق و فكره من الاحياء هو العم الاستاذ محي الدين عووضة  و هو محامي و من أوائل الشيوعيين و مفكر نابه و لا أعرف شخص قرأ و فهم الماركسية  مثله، و أختير للتدرٌيس سابقا بجامعه باتريس لومببا و ذهب للتدريس بالبانيا الشيوعيه أيضا. ))

    كما يقول الاستاذ شوقي بدري : ((الاحزاب والتنطيمات ليست دائمة . وهي تتغير وتتحلل وقد تختفي . لكن يبقي الحق والوطن . والحزب الشيوعي ليس بالعجل المقدس . والحزب قد اغتال اعظم الشخصيات لانهم انقسموا او تركوا الحزب . ولقد قال نقد رحمة الله عليه ان من ينصرف بدون ان ينتقد الحزب فسيترك في سلام . ولكن الآخرون سيحرقون. ما كان يذكر اسم الاستاذ عوض محمد عبد الرازق الا ويقول الشيوعيون ، انه انتهازي . وعوض هو اول سكرتير للحزب الشيوعي . ولكنه طرد من الحزب في المؤتمر الثاني في 1951 . لانه كان يقول ان الامر يحتاج لجبهة واسعة معادية للاستعمار . وانه لا وجود للطبقة العاملة في السودان وان المزارعين ينقصهم الوعي السياسي في تلك المرحلة . وكلمة شيوعية بملحقاتها ستنفر الكثيرين . . وكنا نسمع في شرق اوربا ان عوض ومجموعته يريدون ان يذوبوا الحركة في الحزب الاتحادي . والحقيقة ان الحزب الاتحادي تكون في منزل الرئيس المصري محمد نجيب في القاهرة ، اكتوبر 1952 . وهذا بعد طرد عوض ومجموعته . وعوض سجن وحورب في رزقة وانصرف اصدقائه عنه . وعومل كمريض الجذام . وعوض ولد في رفاعة وكان والده مامورا . وهذا كان يجعله من ابناء المصارين البيض . يمكن ان يستمتع بحياة رغدة .عوض عبد الرازق كان يريد ان يكون الحزب يسار الحركة الوطنية . وان يكون حركة تقدمية مفتوحة . ولكن الآ خرون سكروا بالدعاية الشيوعية التي سيطرت علي العالم بعد الحرب العالمية . ولقد كان العقلاء من الحزب يرددون ان عوض كان رجلا شريفا لم يتعرض ابدا للحزب بكلمة واحدة . ولكن وصمة الانتهازية جعلت حياته جحيما ولم يكن يشتكي ابدا .)) – أخطا الاستاذ شوقي بدري فعوض طُرد في عام 1952 والوطني الاتحادي في 1953 ولكن باقي شهادته سليمة تماما، وأنصح بقراءة عموم المقال ففيه معلومات كثيرة عن الاستاذ عوض عبد الرازق.

    حرق عوض عبد الرازق عبر التاريخ:

    ما ذكرناه اعلاه كله يناقض تخرصات الحزب الشيوعي عن الرجل، وهي التخرصات التي شارك فيها ايضا محمد ابراهيم نقد ؛ ونقد مشهور بالاساءة للموتى. فحين سأله الصحفي ضياء الدين بلال عن  أنّ الحزب الشيوعي شرس تجاه مخالفيه من المنشقين أو المعتزلين ويميل لأغتيال شخصياتهم وحرقهم معنويا- اجاب قائلا: ((في مجموعات وأفراد خرجوا من الحزب وصمتوا وديل ما عندنا معاهم مشكلة لكن في ناس حاولوا يقسموا ويشقوا الحزب وديل ما عندنا أي رحمة ليهم, ديل ما بنتعامل معاهم بتهاون)) وحينها سأل  ضياء الدين الدين بلال: (( وهذه هي الطريقة التي تعاملتم بها مع عوض عبد الرازق ومجموعته؟ )) أجاب نقد ((نعم)).

    يقول أحد الكتاب عن هذا التهجم على الاستاذ عوض عبد الرازق من طرف محمد ابراهيم نقد: (( قد يستغرب البعض لهذه الجرأة في الحديث عن القتل المعنوي خصوصا عندما تصدر من الأستاذ نقد. ولكن واقع الامر أنّ سكرتير الحزب الشيوعي أنما يقرّ واقعا معروفا وممارسة مشاهدة أساءت للكثيرين وعلي رأسهم الأستاذ عوض عبد الرازق. وبعيدا عن الحرق والقتل وقريبا من الموضوعية أحاول في هذا المقال ألقاء بعض الضوء علي رؤي الأستاذ عوض عبد الرازق التي كانت وراء خلافه مع الحزب الشيوعي وقيادته التي أطلقت عليه صفة الأنتهازي التي لازمته حتي القبر وكادت أن تصير له أسما أو هكذا أراد مخالفوه.))

    يقول الاستاذ شوقي بدري في مقال آخر : ((في   العاشر من ابريل 1978 قابلت الباقر احمد عبد الله في لندن وكان قد حضر لزيارتي في السويد في يوم 28  ديسمبر 1974 وهو يوم عيد ميلاد عبد الرحمن . واخذني الباقر الي شقة الشريف الهندي . وكان الباقر متمددا في شقة الشريف . ولم يكن الشريف موجودا . واستغربت لوجود المناضل عوض عبد الرازق في تلك الشقة . وعوض عبد الرازق هو  السكرتير الاول للحزب الشيوعي السوداني . والمؤلم ان الاستاذ كان ينام علي اريكة غير مريحة في المطبخ . وكان حاله رقيقا ولا يخرج ابدا من الشقة . وكان يقول ضاحكا عن تلك الاريكة ,, الدقداق ,, ولم يكن هنالك من يأتي لزيارته . ورحلته كانت بسبب العلاج الذي لم يتوفر له في السودان  . وكنت اتساءل اين كل الشيوعيين الذين كان عوض طيب الله ثراه رئيسهم وحادي القافلة . كان للبعض من الشيوعيين  عيادات  حتي في شارع هارلي الشهير في لندن . وسكن البعض منهم في منازل او شقق مريحة . لماذا ينسي الشيوعيون من اختلف مع خط الحزب  ولماذا القطيعة واغتيال الشخصية . اين العشائرية والقيم السودانية التي يدعو لها الحزب في ادبياته . فعوض لم يتنكر للاشتراكية وحاول ان يبعد عن الخط الاستاليني  .  وحاول ان يؤسس ما عرف بالجبهة الوطنية كوعاء كبير يضم كل اهل اليسار والديمقراطيين . وتعرض عوض الرجل المهذب والجنتلمان لعملية شواء كبيرة . والآن قد تأكد ان ما كان يدعو له عوض هو الخط الصحيح لماذا لا ينتقد الحزب الشيوعي نفسه ويرد لعوض احترامه .))

    لقد كان عوض عبد الرازق من الرافضين لاطلاق الاوصاف التشنيعية على الرفاق، وفي اللائحة التي وضعها كان هناك بند يرفض وصف الاخر بالانتهازي او البرجوازي. ومن سخرية الزمن ان اطلق عليه الشيوعيون هذا التشنيع بالانتهازية حتى كاد يطابق اسمه.

    الدعوة لرد الإعتبار :

    وتكاد شهادة الاستاذ مهدي وهو الذي نشر وثيقة عوض عبد الرازق واعاد طباعتها من نسخة مكتوبة بخط اليد أن تكون صرخة في رد الاعتبار للرجل، فقد كتب في تقديمه لتلك الوثيقة التاريخية ((أصبحت هذه الوثيقة الصادرة قبل ستة عقود (أكتوبر 1952) جزءاً من التاريخ السياسي للسودان، ولذا فمن حق كُل الأجيال الإطلاع عليها. اعتقد أن في نشرها والتأمل في ما إحتوته من أفكار ثاقبة رداً لإعتبار المرحوم/ عوض عبدالرازق، ومجموعته النيرة بقيادة، المرحوم/ عبده دهب حسنين، والتي ضمت عبد الوهاب زين العابدين، ود. حسين وني، وتيدي لاركن جيمس، إلخ. لقد أثبتت الأحداث مدى بُعد نظر عوض عبدالرازق ورفاقه، وقد صدع بذات الرؤى والأفكار الأستاذ المرحوم/ الخاتم عدلان في ورقته الموسومة “آن أوان التغيير” – وسوف ننشرها عليكم لاحقاً، إثراءاً للنقاش، (نرمي بحجر غيرنا في البركة الساكنة، عسى ولعل!!!).  لا تزال حملات التشويه تترى على عوض عبدالرازق ورفاقه، وآخر دليل على ذلك مقال الزميل/ تاج السر عثمان (السر بابو) بتاريخ 06 يناير 2012، والمنشور في صحيفة سودانايل بعنوان “كيف ارتبطت الماركسية بالواقع السوداني”. ولعل في نشر هذا التقرير تصحيح وتفنيد للمُغالطات الواردة في مقال تاج السر (وأرجو منه أن يتحرى الصدق والدقة).  يؤكد الواقع الراهن وغياب أي مُبادرات فكرية وحالة الجمود التي تعتري الحزب الشيوعي السوداني منذ غياب الشهيد/ عبد الخالق محجوب قبل أربعين عاماً (26/07/1971)، الحاجة إلى إثارة الحوار من جديد حول كثير من المُسلمات الصمدية. لقد تعرضت الحركة الشيوعية العالمية إلى زلزال البريسترويكا قبل ربع قرن (وقد ذهب البعض إلى إعتباره نهاية التاريخ-فوكاياما)، كما قامت قيامة الحزب الشيوعي السوداني قبل أربعين عاماً (يوليو 1971)، ولا بُد أن يكون لهذه الأحداث آثار عميقة على مسيرة اليسار السوداني. – أتمنى منكم جميعاً الإدلاء بدلوكم بكُل موضوعية وتقدير للرأي الآخر. – ختاماً، حصلت على صورة من هذه الوثيقة المكتوبة بخط اليد من الصديق/ خالد عبده دهب، ولأن عامل الزمن جعلها باهتة فقد رأيت أنه من الافضل طباعتها حتى تسهل قراءتها.))

    وقد دافع الكثيرون عن عوض عبد الرازق ومن ضمنهم شخصي الضعيف في مخطوطتي المطولة عن الحزب الشيوعي وفي مقالي عن عبد الخالق محجوب وفي مواقع أخرى.  كما كان منهم الاستاذ  طلعت  الطيب الذي كتب: ((فيما يخص الاستاذ عوض عبد الرازق فاتفق مع الرأى القائل بان الحزب الشيوعى لم ينصف تاريخه على الاطلاق ومارس معه كل الموبقات المتعلقة باغتيال الشخصية وتشويه سمعته. ومن الواضح ان الرجل لم يكن يستحق كل ذلك فقد قدم ما استطاع اصاب واخطأ، لكن تظل للرجل رؤية مهمة جدا اثبتت الايام ان وجود تيارات مثله كان شيئاَ فى غاية الاهمية . لكن طبعا هذه اضغاث احلام ففى الاحزاب العقائدية – حيث الايمان ب (الوحدة الفكرية) مقابل الكفر بالتعددية وفى ظل حياة داخلية تحكمها المركزية الديمقراطية حيث تخضع الهيئات الدنيا للهيئات العليا وليس العكس لانعدام التمثيل الديمقراطى الرأسى وانسداد القنوات الافقية -، تصبح مسألة وجود تيارات مسالة مستحيلة او كما قال المرحوم الخاتم ما معناه : ان وجود اقلية فى حزب تحكم حياته الداخلية المركزية الديمقراطية امر مستحيل ، بل ان مجرد التشدق بحفظ رأى الاقلية يعد من اكبر استهبالات الفكر السياسى المعاصر على الاطلاق!)

    ووصف الاستاذ طلعت الطيب التقرير الذي صاغه عوض عبد الرازق بأنه ” مكتوب بماء الذهب” وذهب الى التساؤل : ((الان وبعد كل هذه السنوات هل تستطيع قيادة الحزب ان تقول ان المرحوم عوض عبد الرازق كان محقا؟ هل تستطيع الاعتراف بفشل الاستثمار فى مشروعها الماركسى اللينينى الذى بدأه المرحوم عبد الخالق؟ هل لهم القدرة على احداث انقطاع ثانى مع تاريخهم؟ اسئلة فى غاية الصعوبة ! . الصعوبة تكمن فى أن المرحوم عوض كان نافذ البصيرة حين حاول ان يخلق التوازن بين البرنامج القادر على الاقناع من جهة ، والحفاظ على مشروعية الحركة اى قدرتها على استقطاب القبول والتعاطف من جهة ثانية ، وهى معادلة لم يراها المرحوم عبد الخالق الا بعد ان وقعت الواقعة فى حادثة معهد المعلمين الشهيرة فى منتصف الستينات ))

    ويتعرض الاستاذ محجوب علي لتقرير عوض عبد الرازق المشار اليه والموصوف بالانتهازية ويحلله جيدا ويقول ان فيه ((استقراء لمعطيات اجتماعية ، ومعطيات المجتمع ليست كمعطيات المختبرات التي تتحكم في عناصرها ، بل كلها عناصر متغيرة نتيجة للجهد البشري الذي لايمكن ضبط اتجاهاته في واقع صراع تتباين مقاصد ومصالح قواه السياسية مضاف اليه عامل المؤثر الخارجي ( قوي استعمارية ومصالح قوي تقليدية ) . فقوي الثورة الوطنية الديمقراطية ليس فصيل عسكري او اتجاه واحد متناغم الخطي بل تيار عريض من يسار اليمين الي اقصي اليسار المحتشد حول هدف محدد ( محاربة الاستعمار ) ، لذلك تنتفي حالة اليقين المطلق والتقرير الجازم بالمالآت. فالجامع هنا ليس الايدلوجيا وشعارها بل الهدف وعزيمة الجمع وتنوعها))

    لقد كتب حتى البعض من الشيوعيين مطالبون برد الاعتبار للرجل . فقد كتب الاستاذ علي عوض علي : ((وفي درب المراجعة والتنقية والتصحيح تبرز قضية الزميل المرحوم عوض عبد الرازق السكرتير الأسبق والذي تم وصفه في أدب الحزب بالانتهازي. وبالبحث عن مساهماته النظرية والفكرية في أرشيف الحزب وإصداراته الداخلية لا نجد أي وثيقة تدون مساهمة له مما يعني احد أمرين:  إما الزميل المرحوم عوض عبد الرازق السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي السوداني كان لا يكتب أو إن المنتصرين عليه في الصراع الفكري غيبوا مساهماته السياسية والفكرية.  والمعروف انه تولى المسئولية السياسية للحزب ( حستو ) في عام ١٩٤۷ حتى العام ۱٩٤۸ولقد شهد هذا العام معارك الجمعية التشريعية والتي أسهم فيها الشيوعيين السودانيين بنصيب وافر من النضال والتضحيات وكشفت القدرات القيادية للزميل المرحوم عوض عبد الرازق. ولقد قدم الشهيد عبد الخالق محجوب تقييم لهذه القيادة والتي على رأسها عوض عبد الرازق في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي أكد فيها إن تلك القيادة حررت الحزب من القيود القديمة التقليدية وسلك طريقه المستقل في تنظيم الجماهير وارتباط مباشر بالطبقة العاملة. كما تم وضع دستور للحزب كما قال ان اللجنة المركزية الجديدة وضعت الأساس لقيام حزب ولتطوره. وهذا لايعني أن لا تكون لدى عوض عبد الرازق أفكار ورؤية قد يختلف معه الآخرين ولكن لا اعتقد إن ذلك يستوجب شطب تاريخه ومساهماته من الحزب. لقد آن الأوان وعبر المؤتمر الخامس للحزب برد الاعتبار للزميل المرحوم عوض عبد الرازق السكرتير الأسبق للحزب ولكل من أسهم بقطرة عرق أو دم أو جهد في بناء الحزب والمحافظة عليه وتطويره))

    خاتمة :

    قد يتسائل كثيرون لماذا نعيد هذا الموضوع القديم للاضابير ، ونقول اننا نفعل ذلك اذ لا يزال الشيوعيون يصرون على وصفه بالانتهازية والتصفوية وممارسة الكذب انه دعا الى حل حزبهم وتذويبه في الاحزاب الاتحادية، رغم ان بعضهم – ومن بينهم السر بابو نفسه – قد اعترفوا بخطل ذلك . يقول السر بابو في لحظة صدق مع نفسه ما لبث ان انتكس عنها  ((وخلاصة ما جاء في تقرير عوض عبد الرازق لم يخرج عن دراسة النظرية اولا ثم التوجه لبناء الحزب وسط العمال والمزارعين، وان يعكف الحزب علي التبشير بالماركسية وترجمتها بدلا من الاستعجال في قيام حزب شيوعي لم تتهيأ ظروف البلاد الموضوعية لقيامه)) ثم يرجع للتعريض فيقول: ((اضافة الي فقدان الحزب لاستقلاله ويصبح ذيلا للحزب الوطني الاتحادي، لا التحالف معه من مواقع الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي.)) وهذه فرية لم يقل بها عوض عبد الرازق، ناهيك عن ان يدعو لحل حستو  وان ينضم الشيوعيين للاحزاب الاتحادية كما يزعم التاريخ الرسمي للحزب الشيوعي.

    كما يقول الكاتب الذي استشهدنا به عاليا : ((أنّ أطروحة الأستاذ عوض عبد الرازق قبل نصف قرن من الزمان حول مستقبل الحركة السودانية للتحرر الوطني تبدو هي الأكثر جدوي. وأنّ أمعان النظر في القضايا التي تناولها يفضي الي نتيجة مفادها أنّ أداء الحزب الشيوعي قد تأثر كثيرا بتجاهله لتلك الاراء في خضم الأجواء الثورية المفخخة بالشعارات والمبهورة بتطبيق الأشتراكية في أوروبا والأتحاد السوفيتي.)) ويواصل : ((في أجابته التكميلية لسؤال الأستاذ ضياء الدين بلال عن عوض عبد الرازق قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني  : ” تجربته لم تنجح والدليل علي ذلك أنّ الحزب الذي كوّنه غير موجود الان”. ويعلم المحارب القديم والسياسي الكبير انّ عدم وجود حزب يحمل افكار المرحوم عوض عبد الرازق لا يعني عدم صلاحية اراءه وأفكاره فهذا خلط للأمور لا يجوز في مقام الفكر .والأصلح عندي أن تتنازل قيادة الحزب عن عصبية موروثة ونهج عقيم في الخصومة ( ديل ما عندنا أي رحمة ليهم، ديل نحن ما بنتعامل معاهم بتهاون) وتتواضع علي دراسة اراء المخالفين ورد الأعتبار لمن طالتهم سياط الحرب النفسية والقتل المعنوي وعلي رأسهم المرحوم عوض عبد الرازق.))

    أعتقد انه آن الاوان لاعادة الاعتبار لهذا البطل الوطني والمفكر ذو النظر العبقري والرجل العصامي الشريف، الذي تم ابعاده من التنظيم الذي بناه فعليا بشكل فظ، ورغما عن ذلك عاش حياته بشرف ومات بشرف انسانا مخلصا لافكاره ولشعبه وليس انتهازيا تصفويا كما يقول الشموليون والمرجفون.

    عادل عبد العاطي

    15/7/2016

    ملحق :

    تقرير السكرتير التنظيمي للحركة السودانية للتحرر الوطني عن الفترة من يوليو 1947 – أكتوبر 1952

    • التحية لكفاح الشعب السوداني ضد الاستعمار.
    • التحية للجماهير التي أحبطت مؤامرة الجمعية التشريعية.
    • التحية لحركات التحرر الوطني وهي تحقق الانتصار تلو الانتصار.
    • التحية لثورة مصر.

    الرفاق الأعزاء:-

    من الأهمية بمكان الاعتراف بنمو وتطور المقاومة ضد الاستعمار البريطاني الجاثم على صدر شعبنا، ذلك النمو الذي نشهده في اتساع النشاط الشعبي الناجح في تأسيس هيئة شئون العمال والاتحاد النسائي ومؤتمر الشباب واتحاد الكلية الجامعية. تلك الخطوات الأولى لمقاومةٍ شعبية تراكمت حتى تفجرت تظاهرات رافضة للجمعية التشريعية مما أجبر القيادات التقليدية للتصدي للمهام الوطنية والسير قدماً في إفشال المؤامرة الاستعمارية لتدجين الحركة الوطنية واحتوائها.

    معلوم لدينا أن أهداف الأحزاب قد صيغت بإحكام حتى تحدد مستقبل البلاد السياسي – الاستقلال أو الاتحاد، أي أنها اهتمت بقضية التحرير وأغفلت عن عمد قضية البناء والتعمير التي هي جوهر برنامج الحركة السودانية للتحرر الوطني الداعي للتنمية والتغيير الاجتماعي العميق الذي يفضي إلى طريق وطن ديمقراطي يسير بشعبنا نحو الاشتراكية – الطريق الوحيد للتطور والتقدم في هذا العصر، وقد أثبتت الحركة السودانية للتحرر الوطني أنها بؤرة المقاومة التي التف حولها الشعب منذ مولدها. وقد أسهم الرفيق عبدالوهاب زين العابدين في بناء قواعدها رغم الاخفاقات التي تجلت في تبني حق تقرير المصير تحت التاج المصري، وضُرب حولها سوراً من العزلة حتى تاهت في دهاليز السرية بعيداً عن مهامها في نشر الفكر التقدمي العلمي المناهض حقاً للاستعمار البريطاني مما أفقد الحركة فرصاً عزيزة في الانتشار وتوسيع قواعدها.

    وبمجرد تكليفي من اللجنة المركزية بتحمل مهام السكرتير التنظيمي في يوليو 1947 عملت مع المكتب السياسي على انتهاج خط سياسي جديد يتجه نحو الشعب مباشرة فعمدنا إلى نشر الفكر الماركسي بين عضوية الحركة على أسس منظمة مما أتاح للحركة فرص استقطاب أعضاء جدد من الطلاب والخريجين فتأسست المنظمات الجماهييرية التي أعطت حركتنا المقدرة على التصدي لقضية الجمعية التشريعية ودفع الأحزاب الاتحادية دفعاً لمعركة الشارع التي خضناها بجدارة وكانت تمريناً عملياً أكد قدرة وعمق جذور الحركة في تُربة الواقع السوداني. تلك الانتصارات قد ألقت على عاتق الحركة مهام جديدة نوجزها فيما يلي:

    أولاً، توسيع قاعدة عضوية الحركة كمياً ونوعياَ، وذلك بالغوص في صفوف الشعب على مختلف طبقاته وفئاته مما يجعلنا نطور نهج المواجهة الذي بدأته الحركة في أحداث الجمعية التشريعية إلى تحالف وطني عريض معادٍ للوجود الاستعماري، وعلى هذا الطريق علينا الاهتمام بالقضايا التالية:

    1. a) إبعاد كل خط سياسي يدعو للانغلاق والعزلة ولا يدعو لإستقلالية منبر الحركة، أو يدعو للذوبان في الأحزاب الأخرى. فالطريق هو تأكيد شخصية الحركة المستقلة من خلال المعارك اليومية التي تستطيع أن تثبت من خلالها طليعيتها وقدرتها القيادية للحركة الوطنية وفي سبيل إجلاء الاستعمار والتحرير. لذلك نؤكد أهمية وجود جبهة شعبية واسعة معادية للاستعمار حتى تؤدي تلك المهمة في طريق الكفاح المشترك بين شعبي وادي النيل ضد الاستعمار.
    2. b) تحجيم الخط اليساري المتعجل الداعي للقفز فوق المراحل بتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي (ماركسي لينيني) مستنداً على العمَّال والمزارعين والمثقفين الثوريين وذلك للأسباب الآتية:

    – طبقة العمَّال في بلادنا مازالت طبقة وليدة تنحصر في عمَّال الخدمات (سكة حديد، البريد، موانئ، نقل نهري) وهؤلاء جميعاً دورهم مساعد وثانوي. فالعمَّال طبقة مازالت في طور التكوين ولم يكتمل تطورها ولن يكتمل إلا في ظل الثورة الوطنية الديمقراطية التي من مسئولياتها الرئيسية تحقيق بناء صناعي واسع يجعل من العمَّال طبقة قائدة وقادرة على بناء حزبها الطليعي القوي الذي يسير بها وبالمجتمع نحو الاشتراكية.

    – أما المزارعون فيطابقون في وعيهم مستوى الانتاج الزراعي، فالزراعة في كل السودان ما زالت زراعة اكتفائية (subsistent agriculture) موسمية وحتى أرقى أشكالها (مشروع الجزيرة ومشاريع الإعاشة) ضعيفة وليست ذات أثر. ولم يشكل المزارعون كطبقة اجتماعية ذات هموم ومطالب ووعي يؤهلها لتحقيق تحالف العمال والمزارعين.

    – الفكر الماركسي اللينيني ما زال فكراً منحصراً في أوساط الأفندية الذين يعانون أبلغ معاناة في فهم فلسفته كفكر بعيداً عن الشعارات. فإنشاء حزب شيوعي على تلك الأسس والمعطيات يعد عمل سطحي يساري طفوليَّ لا سند له سوى الجمل الثورية غير المستوعبة للظروف الوطنية وهذا يؤكد تناقض جوهري ينفي العملية ويبرز ممارسة تقليدية تعتمد على التلقين والإشارة. فنقل تجارب الشعوب والأمم من حولنا دون فهم ظروفنا الخاصة مستلهمين في ذلك التجارب يعد عبثاً خطيراً. فالمتتبع لتجارب التاريخ يعرف أن الثورات العظيمة لا تنبثق إلا من استيعاب الشروط الموضوعية والذاتية وعلى رأسها فهم التاريخ والتراث والتقاليد وإخضاعها للنهج الذي استفاد من كل الثقافة الإنسانية الجديدة والظروف الخاصة لكل قطر من الأقطار.

    – إن طريق التعجل السياسي ينذر بفقدان الحركة السودانية للتحررالوطني مواقعها كطليعة ديمقراطية يلتف حولها أكثر أبناء شعبنا ذكاءاً وإذا تعارضت مع قيم وتراث فإنشاء حزب شيوعي يدعو إلى الاشتراكية لم يحن أوانه بعد وربما يدفع نحو المقامرة التي لا تراعي المراحل، وقد يحدث شرخاً عظيماً في وجدان المجتمع ويهدم كل البناء ولعمري إنه طريق الفشل.

    ثأنياً، الحركة السودانية للتحرر الوطني غرست أقدامها عميقاً في أوساط الشعب باجتذابها العناصر المستنيرة والفئات الأكثر وعياً أو مصلحة (طلاب، موظفين، عمَّال.. إلخ) مما يرشحها لأن تلعب دوراً هاماً في البناء الوطني الديمقراطي بالرغم من وجود عقبات أساسية نوجزها في:-

    1. a) نشأة الحركة الوطنية السودانية تحت تأثير الزعماء الدينيين (المهدي والميرغني) وهما يعملان على تأكيد تأثيرهما بشكل طائفي وكلما زاد دورهما ضعف النشاط الديمقراطي. فدورهما علامة ضعف أساسية للديمقراطية. فالحركة السودانية للتحرر الوطني معنية أكثر من غيرها في ترسيخ قيم الديمقراطية بتوجيه نشاط المنابر الديمقراطية بعيداً عن السقوط في أحضان الزعماء الدينيين، فهم دائماً ما يعملون على تغذية البذور الطائفية المهددة للتطور الحُر الديمقراطي.
    2. b) من المهددات للتطور الديمقراطي اليسارية الطفولية التي تتعجل الانجازات وتتجاوز المراحل في التطور الوطني بغرض فرض خيارات تتناسب مع الظروف الموضوعية على نحو الدعوة لتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني لحزب شيوعي مما يؤسس للعزلة والقطيعة بين الشيوعيين والديمقراطيين وينفرط عقد تحالفاتهم ودورها الرائد كمنبر ديمقراطي تأسس من خلال نضال الديمقراطيين والوطنيين بالدرجة الأولى.
    3. c) ومن المخاطر المهددة للتطور الوطني الديمقراطي الوجود الاستعماري الذي أسس نظام حكم على النمط الاستبدادي العسكري. فمنذ اليوم الأول للغزو الاستعماري ترسخت أقدام التسلط المعادية للديمقراطية فالحاكم العام وسكرتيريه هم كل المؤسسات (تشريعية – تنفيذية – قضائية) فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظل هذا الدمج. فهذه التقاليد التي يجب أن يمحوها نشر الوعي الديمقراطي كي لا تظل نقطة ضعف وطريقاً مفتوحاً نحو سيادة التسلط الاستبدادي وبذرة للديكتاتورية. فمن الضروري أن تعمل الحركة السودانية للتحرر الوطني على نشر الوعي الديمقراطي حصاراً لبذرة الاستبداد التي تشيد لنفسها موقعاً في أرضية البناء القائم الآن.

    ثالثاً، منذ تولي المكتب السياسي مهامي كسكرتير تنظيمي وتكليفي سكرتيراً عاماً أخذت الحركة السودانية للتحرر الوطني تسير في علاقاتها الخارجية في طريق الانكفاء على الحزب الشيوعي السوفيتي والبلدان الاشتراكية. ونعتقد أن هذه العلاقة ضرورية وتكتسب أهمية استراتيجية ولكنها لا تتعارض مع العلاقات بحركات التحرر الوطني العربية والأحزاب اليسارية في آسيا وأفريقيا واضعين في الاعتبار أهمية الأحزاب الشيوعية واليسارية والديمقراطية في أوروبا وذلك لكي تكتسب الحركة حلفاء وأصدقاء جدد لقضية الشعب السوداني في طريق الحرية وحق تقرير المصير والاستقلال وتحقيق مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي تحتاج إلى أصدقاء ديمقراطيين عاجلاً أم آجلاً.

    رابعاً، ما زال من واجبات الحركة السودانية للتحرر الوطني المركزية تحقيق تحالف شعبي واسع معاد للاستعمار حتى تتحقق مهمة إجلاء الوجود الأجنبي والسير في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية التي من أسسها الضرورية ذاك التحالف الجبهوي العريض. فعلينا منذ الآن تكثيف الجهود من أجل جبهة معادية للاستعمار كمقدمة لجبهة وطنية ديمقراطية تجعل الاستقلال السياسي يتكامل مع الاستقلال الاقتصادي والسير في طريق التطور اللارأسمالي.

    خامساً، بعد انتقالي إلى مدينة بورتسودان في يناير 1949م انتقل تكليفي كسكرتير تنظيمي إلى المكتب السياسي الذي كلف سكرتيراً عاماً. وما زلت لا أرى ضرورة لتوسيع الهياكل التنظيمية للحركة وأن تطور المهام يجب أن يسير تدريجياً مع نمو الحركة وزيادة عضويتها وقدراتها المادية وهذا لحماية الحركة من الاتجاهات اليسارية المتعجلة واليمينية التي ما زالت لم تستوعب العالم الجديد الآخذ في الظهور فاتحاً الباب واسعاً للاشتراكية وانتصار حركات التحرر الوطني وبناء عالم جديد تسود فيه قيم الديمقراطية والعدالة.

    المجد والنصر لكفاح الشعب السوداني

    المجد والنصر والخلود للحركة السودانية للتحرر الوطني طليعة الديمقراطية

    النصر حليف حركات التحرر الوطني في العالم أجمع

    أكتوبر 1952

    عوض عبد الرازق

    السكرتير التنظيمي للحركة السودانية للتحرر الوطني

     

     

  • حرامية الانقاذ وحرامية ”المعارضة“ : ميادة سوار الدهب نموذجاً

    أتت الإنقاذ الى السلطة قسرا وعنفا وسرقة وخداعا ؛ بليل ؛ وما فتئت منذ مجيئها تسرق حقوق وممتلكات الشعب السوداني وتسرق اسم السودان وتسرق اسم الحكومة في وصف نفسها؛ وهي ليست الا ثلة من الحرامية الأشقياء ممن لا خلق لهم ولا اخلاق ؛ تسلطوا على شعبنا في حين من الزمن واظهروا في السرقة والكذب فنونا؛ وتمثلوا قول المثل السوداني القبيح ” الفيك بدربو والعيب اقدلبو” .
    وكان من اوائل سرقات حرامية الانقاذ هي سرقة اسماء الاخرين؛ فقد ادعى ضباطهم وهم ينفذون الانقلاب انهم يعملون تحت اوامر القائد العام فتحي محمد علي . ثم لما قرروا ان يحتالوا على الناس ويكونوا حزبا يغطوا به على حركتهم الاسلامية السرية ؛ سرقوا اسم حزب المؤتمر الوطني ؛ والذي كان رئيسه المرحوم عبد المجيد امام؛ وهو الحزب الذي كونه المناضلون المستقلون بعد الانتفاضة. وقد خاض المستقلون معارك ضد الانقاذ لاسترجاع اسمهم ؛ الا انها كانت معركة غير متكافئة ؛ ذلك أن الحرامية كانوا يتحكمون في كل البلاد؛ بينما كان شرفاء المستقلين في السجون والمعتقلات والمنافي .
    اليوم نجد ان سرطان الانقاذ قد امتد وانتشر حتى بين من يزعمون انهم معارضة ؛ والحقيقة انهم بنات وابناء الانقاذ لحما ودما ؛ خلقة واخلاقا ؛ لا يتميزون عنها بشيء في طريق الخــساسة والنذالة ؛ ويكادون يبزونها في درب السرقة والاكاذيب؛ ومن هؤلاء اليوم نكشف المدعوة ميادة سوار الدهب.
    فهذه الانسانة التي لا موهبة لها سوى التسلق والانتهازية ؛ انضمت عن طريق احد اقربائها لحزبنا في لحظة مظلمة من الزمن. ولأننا حزب يقوم على افتراض النية الحسنة فقد احتضنناها ودربناها وقدمناها قياديا؛ ذلك اننا نؤمن بتقديم النساء والشباب. وكان ان اصبحت في غفلة من الزمن قيادية وسطنا؛ ولكن لانها لم تبن الحزب وما ساهمت في تطويره فهو لم يكن يعني عندها شيئا ؛ فانقسمت عليه في سابقة عجيبة ؛ ان ينقسم رئيس على حزبه؛ ثم كونت حزبا اخر في نهاية عام 2014 تحت اسم الاتحاد او الاتحادي الديمقراطي الليبرالي ؛ بشعار جديد وسياسة جديدة تقوم اساسا على التمسح بالطائفية والاسلاميين؛ فقلنا لهم : عليهم يمهل وعلينا نسهل ؛ واستمررنا في النشاط تحت رايات حزبنا الشريف : الحزب الديمقراطي الليبرالي
    بالامس وعن طريق النخاسة السياسية وعبر مسرحية مخزية تم فيها تجميع اناس لا علاقة لهم كبيرة بالسياسة ؛ ناهيك عن الليبرالية؛ عقدت مجموعة ميادة سوار الدهب مؤتمرها؛ والذي دعت له تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي الليبرالي وشعاره؛ وكانوا قد سرقوا برنامجنا ونظامنا الاساسي ؛ كما سرق بعض الانتهازيين ممتلكات لنا نقلوها لميادة في شهر يناير الماضي؛ ولم نصعد الامر وقتها حرصا على عدم تشويه صورة المعارضة ؛ فكان ان اغتر الكذبة والحرامية ؛ فاعلنوا من داخل مؤتمرهم البائس تغيير اسمهم الى الحزب الديمقراطي الليبرالي ؛ وهو اسم حزبنا؛ والتخلى عن شعارهم وتبني شعارنا؛ في سرقة وانتهازية لم يعرفها اهل السودان من قبل ولا من اظنهم سيعرفونها من بعد.
    اننا لا نستبعد ابدا وقوف جهاز الأمن وراء هذه المجموعة التي تسعى لتخريب العمل المعارض ؛ فما معنى ان يقوم حزب له اسم وشعار بالتخلي عنهما لتبني اسم وشعار وبرامج ووثائق حزب اخر سوى التخريب؟ جدير بالذكر ان الانتهازية والحرامية ميادة سوار الدهب قد كانت وهي تنشط خلال حوالي العامين في السودان تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي الليبرالي؛ كانت تعرف نفسها خارجيا انها رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي؛ في وقاحة عجيبة واستغلال بشع لاسم وسمعة الحزب المشرقة في الخارج؛ وهي السمعة التي بنتها تضحيات عضويته وكوادره؛ ولم تلعب فيها الحرباءة ميادة سوار الدهب اي دور .

    عادل عبد العاطي
    6/6/2016

  • الأحزاب السودانية : جزء من الأزمة أم جزء من الحل ؟

    يطرح بعض الناشطين اسئلة عن دور الاحزاب السياسية في الازمة السودانية ، وهل هي طريق لحل الازمة ام جزء منها ؟

    من هذه الاسئلة ما طرحه الاستاذ الرفاعي عبد العاطي حجر حين كتب : ((هل  وجود الأحزاب السياسية بهذا العدد الكبير في السودان ، ونعلم ان اغلبها حديث التكوين وآخر منسلخ من آخرين ، هل ذلك يصب في صالح الثورة المبتغاة والمنشودة ام يعيق ذلك ؟))
    في تقديري ان الاجابة ان ذلك يعيق بكل تاكيد . فحال احزابنا لا يسر لا صليحا ولا قادحا . بعض هذه الاحزاب السياسية نشأت لمجد شخصي وبعضها واجهات قبلية او اسرية. بعض الاحزاب انتهازية تماما تسرق جهد غيرها واسمهم ونضالاتهم. بعض احزابنا هي مجرد واجهات او امتدادات لاحزاب خارجية قومية او اممية. بعضها يرى حل المشكلة السودانية في الخارج وباريس او لندن او برلين اقرب له من الضعين او طوكر او سنار.
    بعض هذه الاحزاب متمترس ايدلوجيا بحيث لا يقبل اي تنازل للالتقاء والتوحد مع من هم اقرب اليه برامجيا . بعض الاحزاب مصنوع من طرف السلطة واجهزتها واموالها. بعضها الاخر مصنوع من احزاب اخرى تريد ان تكبر كومها باضافة احزاب هزيلة ومصنوعة لتحالفاتها ومرات تصنع احزاب على شخصية واحدة وتركب لها . كما ان بعض الاحزاب تعيش خارج التاريخ وتدير امورها بديكتاتورية منقطعة النظير لذلك حق التمرد عليها والخروج عنها كجزء من الواجب الاخلاقي والديمقراطي .
    وفي الحقيقة ان الازمة ليست في كثرة الاحزاب وتشرذمها فقط ، وانما انها في غالبيتها العظمى تفتقد للمؤسسية والادارة الحكيمة وتفتقد الديمقراطية الداخلية وليست لها نظم حاكمة واضحة او برامج. وحتى تلك التي لها نظم او برامج لا تتقيد بها في عملها اليومي وتعيش وفقا لمبدأ رزق اليوم باليوم ووفق قواعد الانتهازية السياسية وتقلب المواقف والتحالفات. فالتشرذم عرض للمرض وليس سببا له.
    ما هو الحل اذن ؟ الحل هو اجراء اصلاح ديمقراطي عميق في بنية الاحزاب السودانية وبناء ميثاق شرف لها وان تتوحد الاحزاب الاقرب برامجيا مع بعضها. الحل هو محاربة الانتهازية السياسية وعدم الكفاءة والتسلق السياسي وتسمية الاشياء باسمائها . الحل هو سيادة الشفافية في عمل الاحزاب وصدور تقارير دورية عن نشاطاتها بما فيها تقارير عن اموالها مصدرها وصرفها.
    الحل يكمن في تحري المؤسسية وان يكون لنا رأي واضح كناشطين ومثقفين في الاحزاب المصنوعة او احزاب الرجل الواحد ( والمرأة الواحدة) واحزاب الطائفة والقبيلة والاسرة وان نعلنه بوضوح، ذلك حتى لا تختلط العملة الرديئة بالعملة الجيدة وحتى لا “تطم” بطن شعبنا من هذا العبث السياسي.
    اخيرا فلنعلم انه لا نظام ديمقراطي مستقر دون احزاب سياسية ، ولكن الوصول لهذا النظام لن يتم وفق احزابنا الحالية . فلنقم بالاصلاح في داخلنا اولا لنقنع الجماهير اننا البديل الافضل. ففاقد الشيء لا يعطيه.

    عادل عبد العاطي
    امين امانة الاعلام المكلف
    الحزب الديمقراطي الليبرالي
    ٢٩/٦/٢٠١٦

  • الحزب الشيوعي السوداني والذهول عن واقع العصر (العلاقات الخارجية نموذجا)

    بمبادرة حوارية كريمة من الأخ قصي مجدي سليم دخلت الموقع الجديد للحزب الشيوعي السوداني لأتعرف على ما يريد قوله الحزب العجوز. فوجدت عجبا واشتعل رأسي من جراء ذلك شيبا.
     
    وقد دخلت أول ما دخلت على قسم الموقع تحت عنوان ” مواقع صديقة” – وهذه عادة للأحزاب والمنظمات المختلفة ان ترفق روابطاً لمواقع حلفائها واصدقائها في العالم ومن يدعمون قضاياها؛ فلم أجد ذكرا إلا لأحزاب شيوعية من الزمن الغابر؛ فلما دخلتها بالتفصيل اكتشفت العجب العجاب.
    كانت أول الروابط التي اهتمت بها رابط زعم مشرفو الموقع أنه للحزب الشيوعي المغربي. وقد اندهشت اذ أني اعلم أنه لا يوجد حزب كهذا؛ ولكن قلت ان فوق كل ذي علم عليم. دخلت فوجدت الموقع يشير لمقالة تتحدث عن تاريخ ذلك الحزب المحلول في زمن غابر. فالحزب الشيوعي المغربي قد حل من قبل عضويته عام 1974 اي قبل 42 سنة . وريثه حاليا هو حزب التقدم والاشتراكية الصغير.
     
    ثاني الروابط التي اهتممت بها كانت لموقع الحزب الشيوعي السويدي (Sveriges Kommunistiska Parti) وهو حزب ميكرسكوبي ستاليني على هامش الحياة السياسية في السويد – اخر انتخابات في 2014 حصل فيها هذا الحزب على 558 صوتا. الغريبة ان الحزب الشيوعي السوداني يتعامل مع حزب اليسار (Vänsterpartiet) والذي يعتبر اكبر حزب شيوعي في السويد وهو الحزب الشيوعي التاريخي في السويد وهو ممثل في البرلمان ويدخل الحكومات ويستفيد الحزب الشيوعي السوداني من دعمه ومع ذلك لا يذكر ويذكر حزباً آخرا لا وزن له ولا علاقات عالمية فقط لان أسمه يحمل كلمة الشيوعي قتأمل.
     
    أما ثالثة الاثافي فهي في الاتيان بموقع فرعي من مواقع شبكة “الحوار المتمدن” تحت زعم انه للحزب الشيوعي التونسي . والحقيقة انه لا يوجد في تونس اليوم حزب بهذا الإسم . فمنذ 1993 الغي ذلك الحزب الماركسية والشيوعية وسمى نفسه حركة التجديد. أما الصفحة التي يحيل عليها رابط الموقع فهي ل”حزب العمال” الذي كان يسمى حتى عام 2012 بحزب العمال الشيوعي التونسي الذي يقوده حمة الهمامي – وهو حزب ماوي خوجي ( نسبة لأنور خوجة ) لا تعرف له علاقة البتة بالحزب الشيوعي السوداني او التنظيمات التي ينتمي لها شيوعيون السودان افريقيا وعالميا ؛ فحزب العمال عضو في فيدرالية ماوية – خوجية بإسم المؤتمر العالمي للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية – فهل تحول الحزب العجوز الى تنظيم ماوي خوجي ؛ ام هو لا يعرف تاريخ وعلاقاتالاحزاب التي يقول انها صديقة ؛ وعلى اي اساس يخدع الناس بوجود احزاب حُلت من قبل اعضائها واندثرت قبل عشرات السنين ؟
     
    أما الرابط الذي يشير للحزب الشيوعي السوري فهو رابط للحزب الشيوعي السوري الموحد وهو أحد احزاب ما يسمي بالجبهة الوطنية التقدمية وهو حزب يدعم نظام الاسد القمعي في سوريا – في حين هناك تنظيمات يسارية قوية ومعارضة في سوريا مثل حزب الشعب الديمقراطي السوري – فهل الحزب الشيوعي السوداني يدعم نظام الأسد الدموي والاحزاب الطفيلية المتحالفة معه والمتعيشة عليه ؟
    اما الرابط الذي يشير للحزب الشيوعي البريطاني (Communist Party of Britain) فهو يشير لحزب متناهي الصغر في بريطانيا من احد الاحزاب الشيوعية السبعة الميكرسكوبية العاملة بها – وذلك بعد حل الحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى (Communist Party of Great Britai) – سيد الأسم – في عام 1990 وتحوله الى تنظيم اشتراكي تحت إسم ” اليسار الديمقراطي ” . الجدير بالذكر ان الحزب الميكرسكوبي “الصديق ” للحزب الشيوعي السوداني لا يملك مقعدا واحدا في مجلس العموم ولا نصف مقعد في مجلس اللوردات ولا ثلث مقعد في البرلمان الاوروبي ولا ربع مقعد في المجالس المحلية التي يبلغ عددها في بريطانيا 21,871 – وهذا يوضح حجمه الميكرسكوبي.
     
    الشاهد ان الحزبين الوحيدين الذين ليس عليهما اعتراض معلوماتي أو معرفي في تلك القائمة الهزيلة هما الحزبان الشيوعيان العراقي والاردني. وهما أيضا حزبان صغيران ستالينينن متناهيان في الصغر – ونفس الكلام يقال عن الحزب الشيوعي للولايات المتحدة.
     
    وقد يتسائل متسائل وما دخلنا ب”أصدقاء” الحزب الشيوعي عالميا وما أهمية الأمر. وأقول ان الأمر جد مهم لأن هذا حزب سوداني يجب أن يعمل لمصلحة أهل السودان ويبني من العلاقات الخارحية ما ينفع أهل السودان في نضالهم من أجل حياة أفضل. ويطرح السؤال نفسه ماذا يستفيد الشعب السوداني من صداقة الحزب الشيوعي السوداني لأحزاب غير موجودة كالحزب الشيوعي المغربي المزعوم أو الحزب الشيوعي التونسي غير الموجود. وإذا اقتنعنا بالخطأ وقلنا انهم يقصدون حزب العمال التونسي فما هي استفادة شعب السودان من حزب ماوي – خوجي ؟ وما هي استفادته من الاحزاب الستالينية البريطاني والسويدي التي ليس لها اي تمثيل في المؤسسات التشريعية او التنفيذية او المحلية في بلادها ؟ وماذا نستفيد كسودانيين او قل ماذا يستفيد الحزب الشيوعي نفسه من هذا الخداع ومن هذا الجهل ومن هذه التنظيمات الميكرسكوبية ونحن نواجه خصما عنيدا هو حزب المؤتمر الوطني ونظامه الذي تمتد علاقاته الخارجية شرقا وغربا ويتحالف مع احزاب وحكومات فاعلة من الصين للولايات المتحدة ومن اوروبا الى جنوب افريقيا.
     
    والشاهد إن للحزب الشيوعي السوداني تحالفات وعلاقات وثيقة بأحزاب شيوعية ويسارية وحكومات أكبر وأهم من تلك التي نشرت روابطها في موقعه؛ ومن بينها الحزب الشيوعي الكوبي والحزب الشيوعي لجنوب افريقيا ومن بينها النظام في روسيا البيضاء. ولكن ربما يخجل الشيوعيون السودانيون من إعلان تلك الحقائق وذلك لما يعرفه العالم من تسلط نظامي كوبا وروسيا البيضاء ودعمهما الدائم للطاغية البشير ؛ أو ربما كان مسؤولي الإعلام في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (التي تشرف على الموقع) جاهلون بما يقوم به رفاقهم في لجنة العلاقات الخارجية في الحزب العجوز.
     
    عموما اذا كان الأمر جهلا او تجهيلا؛ لؤما أو تدجيلا؛ فإن معلما صغيرا كهذا يوضح كيف تدهور هذا الحزب الذي كان ثوريا ذات يوم؛ وكيف ذهل عن قضايا العصر في سبيل التمسك بإسم شيوعي عقيم وبكلمة الشيوعية الكريهة ؛ حتى أصبح عاجزا عن تطوير نفسه أو خدمة أهل السودان.
     
    عادل عبد العاطي
    1/4/2016
     
     
     
    اشارات مرجعية :
     
  •  إستقلال دارفور  بين الحقيقة والخيال

    صرخة :

    إذا لم يتوقف القتل والعذاب المسلط من المركز على أهل دارفور ، واذا لم يتحد اهل السودان كلهم واحزابهم ونخبهم في اعتبار قضية دارفور قضية قومية وهي القضية الاولى قبل قضايا الخبز والسكر والبنزين، واذا لم تتوقف العنصرية النيلية على اهل الغرب ، واذا لم يكف التدخل العربي والاقليمي المستمر منذ 2003 لدعم دولة المركز على حساب دارفور واهلها، فمن الأفضل لأهل دارفور ان يجمعوا صفوفهم ويعملوا من أجل استقلالهم، عن هذه الدولة الظالمة لهم .

    مقدمة :

    بلغ الحال في اقليم دارفور المنكوب حدا لا يمكن احتماله، بعد 11 عاما من اندلاع الحرب هناك. يتمثل هذا الحال في اكثر من 100 الف  من القتلى وضعفهم من الجرحى والمفقودين وتشرد عدة ملايين في نزوح داخلي وخارجي في الاقليم والاقاليم المجاورة ودول الجوار، حتى وصفت الامم المتحدة الوضع في دارفور بانه اكبر كارثة انسانية على وجه البسيطة.

    لقد بذلت مساع كثيرة وعقدت جولات كثيرة للحوار، ووقعت العديد من الاتفاقات تحطمت كلها على صخرة الدولة المركزية السودانية وتعنت النظام الحاكم وتنصله من اتفاقاته وتعهداته. كما ان قيادات الحركات الناشطة في الاقليم لم تصل نضجا سياسيا كافيا حيث تمزقت الحركات المسلحة التي بدأت بحركتين لتتناسل منها عشرات الحركات، كما ان الاحزاب السياسية في الاقليم وعلى مستوى المركز تعاني من عجزا مقيما عن تقديم ابسط المساعدات والخدمات لاهل الاقليم، ناهيك عن ان تقدم حلا سياسيا وافقا تنمويا لسكانه، وتفتقد في اغلبيتها العظمى اي رؤي استراتيجية للمستقبل الاقليم والسودان، فهل  يكون طرح استقلال دارفور هو الطرح القادم لمعالجة تعنت الدولة المركزية وانهاء عذابات سكان الاقليم ؟

    هل تملك دارفور مقومات الدولة المستقلة :

    في اعتقادي إن دارفور تملك مقومات ان تكون دولة مستقلة ، فهي تمتلك مساحة ضخمة من الاراضي بلغ 510 الف كيلومتر، وهي اكبر بذلك من فرنسا واغلب الدول الاوربية ، وتأتي في مرتبة المساحات المتوسطة في افريقيا . كذلك تمتلك دارفور العديد من الموارد المادية الرعوية والزراعية والمعدنية والمائية . فدارفور تحتوى على ثروة حيوانية ضخمة تتراوح ما بين الابل في الشمال والغنم في الوسط والابقار في الجنوب ، كما تتميز بثروة زراعية كبيرة من الصمغ العربي والحبوب مثل الدخن والذرة والقمح ، كما تنتج الفواكة والتبغ والخضر وخصوصا في جبل مرة . وتتمتع دارفور بثروات كامنة تحت الارض من اهمها الذهب والنحاس والحديد واليورانيوم والبترول ، كما تتمتع بثروة مائية ضخمة عبر الانهار في جنوبها والخيران ومياه الامطار والمساقط المائية في وسطها وشمالها وثروة ضخمة من المياه الجوفية في بحيرة تعتبر الاكبر من ضمن تجمعات المياه الحوفية في افريقيا .

    كذلك تعتمد دارفور على ثروة سكانية كبيرة ، فعدد سكانها يقارب ال8 مليون حسب اخر احصاء سكاني في 2008، وهو ما يتجاوز عدد سكان العديد من دول العالم وافريقيا، ويعتقد ان العدد الحقيقي للسكان يتجاوز ال10 مليون في دارفور نفسها، ناهيك عن ابنائها المهاجرين للاقاليم الاخرى ودول الجوار. وسكان دارفور معروف عنهم حب العمل والانتاج ، وهم مهرة في الصناعات اليدوية وفي الزراعة والرعي، كما بهم مجموعات تخصصت في التجارة ، وقد اثبت تجار دارفور نجاحا سواء داخل السودان او خارجه في الدول المجاورة ، رغم عدم دعم الدولة لهم بل ومضايقتها اياهم . وفي العقود الاخيرة ورغم التهميش فقد تعلم الكثير من ابناء دارفور بالداخل والخارج وعملوا في المنظمات العالمية واغتربوا مما يؤهل دارفور لامتلاك جهاز اداري ونخبة من المثقفين والاداريين بإفضل مما هو متوفر لكثير من دول الساحل والقرن الافريقي التي تمتلك دولها المستقلة.

    فضلا عن ذلك فإن دولة دارفور تملك مشروعيتها التاريخية في كون دارفور كانت دولة مستقلة – تحت اسم سلطنة دارفور – لمدة اربع قرون وذلك منذ القرن الخامس العشر وحتى بداية القرن العشرين، حيث احتلت وضمت للسودان في عام 1916 ، وبذلك فإن نوعا من الوعى القومي والاحساس بالدولة يوجد في دارفور اكثر مما يوجد في دولة ارتريا او جنوب السودان مثلا .

    معوقات قيام الدولة في دارفور :

    رغما عن وجود مقومات كثيرة لقيام دولة مستقلة في دارفور ، فإن هناك الكثير من المعوقات التي يمكن ان تعوق قيام الدولة في دارفور ، اذكر منها:

    1-             انغلاق الاقليم كمنطقة داخلية لا منفذ لها الى البحر ، مما يمكن ان يعطل نموها الاقتصادي في حالة قامت كدولة مستقلة ويعرضها للابتزاز من الدول التي يمكن ان تتجار عبرها – مثل السودان او تشاد – ليبيا – . هذا الامر تعاني منه العديد من الدول في افريقيا والعالم وبعضها استطاع حله عبر سياسات متوازنة مع الجيران وبعضها فشل في ذلك .

    2-             قضية الخلافات على الحدود وما يمكن ان تشكله من عقبات في طريق قيام الدولة او استقرارها فيما بعد .  ومن اهم هذه الخلافات الخلاف المحتمل على الحدود مع دولة السودان عبر الحدود مع الاقليم الشمالي حاليا، حيث يزعم العديد من الدارفوريين ان دارفور كان لها حدود مشتركة مع مصر ، وان اراضي ما بين دارفور ومصر تم ابتلاعها من قبل الاقليم الشمالي.  هناك ايضا الخلافات الحدودية القائمة حاليا بين السودان وجمهورية جنوب السودان ، والتي ستورثها دارفور لا محالة في حالة قررت الاستقلال، وهي خلافات على مناطق مثل كافي كنجي-حفرة النحاس وخلافات حول الحدود على نهر بحر العرب الخ ، وكذلك خلافات حدودية مع افريقيا الوسطى .

    3-             التمزق القبلي والجهوي في دارفور . ذلك ان دارفور تسكنها اثنيات مختلفة تختلف في انماط معيشتها وفي اصولها العرقية وامتداداتها الخارجية الخ ، وقد ادت سنوات من الصراع اضافة للحساسيات التاريخية الى وجود شروخات في التكوين الاجتماعي لاهل دارفور ، وفي ضعف الشعور القةومي الواحد ، وهذا امر تعاني منه اغلب دول افريقيا ، ولكنه في دارفور قد يكون ابلغ اثرا في ظل حالة التوتر والصدامات القبلية والحشودات الحالية .

    4-             ضعف البني التحتية والاقتصاد الحديث – وذلك ان دارفور لم تشهد اي تطور  اقتصادي في عهدها الحديث .

    5-             الاستقطاب من طرف دول الجوار . حاليا لن تشكل ليبيا خطورة على دارفور  ولن تحاول استقطابها كما كانت تفعل على عهد العقيد القذافي، بعد ان غرقت في مشاكلها الداخلية.  لكن الاستقطاب الخارجي يمكن ان يتم من طرف ثلاثة دول هي السودان وجنوب السودان وتشاد ، فوقا عن الصراع على النفوذ ما بين الفرانكفون والانجلوفون في افريقيا والنفوذان الامريكي والفرنسي من جهة ، واحتمال دخول لاعبين جدد مثل روسيا والصين من الجهة الاخرى.

    6-             عدم الاستقرار الامني نسبة لانتشار السلاح وسيادة ثقافة العنف ، سواء الثقافة الراجعة لاصول تقليدية قديمة وكما تتبدى في الصراعات القبلية، او التي تراكمت خلال العقدين الاخيرين ونتجت عن الحرب التشادية اولا ثم الحرب الاهلية الدائرة منذ 2003 في الاقليم .

    7-             ضعف القيادة السياسية وعدم وجود حركة غالبة وسط الدارفوريين يمكن ان تقود معركة الاستقلال كالجبهة الشعبية في ارتريا سابقا او الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب السودان .

    8-             امكانية الخلاف حول تقسيم ممتلكات الدولة السودانية المشتركة (assets) والتزاماتها العالمية ( الديون مثلا).

    تأريخ المطالبة بإلتحرر السياسي لدارفور :

    لم تكن المطالبة باستقلال دارفور عالية وواضحة، كما كان عليه الحال في التجربة الارترية منذ البدء او تجربة جنوب السودان على عهد الانيانيا . مع ذلك نجد ان بعض الاصوات الخافتة كانت تدعو لذلك من حين لآخر. من ذلك حركة سوني او اللهيب الاحمر في الستينات وهي حركة غامضة تم القضاء عليها في مهدها ووصفت بالعنصرية من قبل المركز، وتوجد معلومات قليلة عنها.

    بعد ذلك تم تكوين تنظيم سياسي- مطلبي في الستينات تحت اسم جبهة نهضة دارفور.  وقد كان تحالفا سياسيا ضم الكثيرين من ابناء دارفور على مختلف اتجاهاتهم ، فقد كان فيه مؤيدون لحزب الامة واخوان مسلمون ويساريون، وعمل تحت قيادة أحمد ابراهيم دريج، والذي ما لبث ان انضم لحزب الامة وترك التنظيم أو اهمله. وقد قامت محاولات من بعد لبعث التنظيم في الثمانيانات والتسعينات ولكنها لم توفق . وعموما لم يطرح ذلك التنظيم قضية استقلال دارفور بل كان اقصى ما يطمح فيه هو تطوير دارفور وتنميتها وربما حكمها ذاتيا، ولكن تميزه يأتي في انه اول تنظيم حديث يجمع الدارفوريين على اسس انتمائهم لدارفور وليس انتمائهم السياسي او القبلي او المناطقي .

    من جهة اخرى كانت انتفاضة دارفور في 1981 وانضمام دريج حاكم الاقليم لها ملمحا باروا في تكوين الوعي الدارفوري وفي لعب الدارفوريين دورا اكبر في الصراع السياسي في السودان . بينما عادت دارفور تقريبا للخضوع السياسي للمركز في فترة الثمانينات ، حيث فاز حزب الامة ب35 دائرة فيها والجبهة الاسلامية بثلاثاة دوائر – بالخديعة – بينما حقق مرشح الحزب الشيوعي في جبل مرة نتيجة جيدة سيكون لها اثرها في الدفاع اليساري فيما بعد .

    بعد انقلاب الانقاذ انضمت كثير من كوادر الحركة الاسلامية الدارفورية للنظام ، الا ان ان فترة التسعينات قد شهدت نشاطا كبيرا لقيادات دارفورية معارضة، كان من بينها انضمام الشهيد بولاد للحركة الشعبية لتحرير السودان ومحاولته فتح جبهة دارفورية ، وهي المحاولة التي بائت بالفشل وادت لتصفية الشهيد بولاد. اعقبها قيام كل من احمد ابراهيم دريج وشريف حرير بتكوين التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني في عامي 1993-1994 ، والذي انضم للتجمع فيما بعد وكانت له قوة عسكرية صغيرة ، الا انه فضل ان يعمل بالجبهة الشرقية بدلا من النشاط في دارفور . كما رفض دريج ان يحول تنظيمه الى تنظيم لابناء غرب السودان ، حينما دعاه لذلك شباب دارفوريون في المهجر في التسعينات .

    بنهاية التسعينات كانت هناك مجهودات لفتح جبهة معارضة في دارفور ، كان يقودها الاستاذ صلاح ابو السرة واخرون ، لم تكلل بالنجاح . كما صدر في نفس الفترة “الكتاب الاسود “، والذي من الواضح انه تمت كتابته من قبل كوادر دارفورية انقسمت عن النظام. وقد اُتهم علي الحاج محمد بالوقوف وراءه، بينما ادعت حركة العدل والمساواة فيما بعد انه كتابها. وربما كان الكتاب الاسود اقوى وثيقة سياسية عبرت عن هموم غرب السودان وحضرت للثورة في دارفور.

    العمل المسلح ومرحلة جديدة من النضال الدارفوري:

    في عام 2002 تكونت في سرية تامة جبهة تحرير دارفور والتي وزعت منشورات وكاسيتات في اواخر ذلك العام وبدايات عام 2003 ، وقد كونها بعض اليساريون وبعض العائدون من ليبيا وبعض الكوادر العسكرية ، ويعتقد انها الحاضنة لحركة تحرير السودان الحالية . وقد قامت الجبهة باولى العمليات في قولو في مطلع عام 2003 ، ورفعت علمها – علم دارفور – على الحامية ، كما اخرجت بيانا لها بنفس الاسم، الا انها سرعان ما غيرت اسمها وتحولت الى حركة تحرير السودان، تحت قيادة الثلاثي عبد الواحد نور ومني اركو مناوي وعبد الله ابكر ، ويبدو ان تغيير الاسم والهدف جاء نتيجة لضغط من الحركة الشعبية لتحرير السودان وضغوط من بعض ناشطي دارفور وكذلك تخوف ان تكون الدعوة الانفصالية مدعاة لانصراف المؤيدين من السودانيين والخارج عن الحركة الوليدة .

    فيما بعد طرح احد قادة العدل والمساواة المنشقين عنها، وهو ادريس ابراهيم ازرق شعار استقلال دارفور. وكان ازرق قد اعلن بعد فترة من تكوينه جناحا منشقا من العدل والمساواة ، عن تكوين جبهة استقلال دارفور/ جيش استقلال دارفور وذلك في اغسطس 2007 ، وهي جبهة لم تجد حظها لأن تصبح مؤثرة في الحراك الدارفوري . كما تأسس في نفس العام منبر دارفور الديمقراطي، وهو تنظيم صغير اسسه عدد من الديمقراطيين والليبراليين واليساريين الدارفوريين، بقيادة عبد المجيد صالح هرون ، دعا الى تقرير المصير لدارفور، وكان في الحقيقة تنفيذا لفكرة الشهيد محمد عبد الله ادم ، خريج جامعة جوبا والذي دعا الى تكوين تنظيم يساري علماني لغرب السودان ، بالضد من هيمنة الكيزان وتعالى الشيوعيين على طلاب دارفور حينها. كما طرحت الفكرة من قبل شخصيات وناشطين وتنظيمات صغيرة في الفضاء الدارفوري.

    دور الحرب والثقافة في تكون الشعور القومي الدارفوري:

    لعبت الحرب الدائرة منذ عشرة سنوات ونيف دورا كبيرا في تكون الشعور القومي الدارفوري. فعند بداية الحرب قامت مجموعات شبابية من عرب دارفور بمحاولة الانضمام لحركة تحرير السودان، والتي كانت في بدايتها تجمع قيادات تنتمي للفور والزغاوة والمساليت الخ .. كان من بين هذه المجموعات الشبابية مجموعة بقيادة انور خاطر وهو من شباب المحاميد ، كما كان حاضرا هناك المخضرم صلاح ابو السرة . لم تنجح تلك المحاولات واستطاع النظام سريعا شق الثورة بكسبه لمجموعة مقاتلة من شباب العناصر العربية كانت النواة لقيام مليشيات الجنجويد، وقد اطلق النظام سراح محكوم جنائي هو موسى هلال وساعد في تنصيبه زعيما قبليا كي يقود ويدعم مليشيات الجنجويد . كما قامت مخابرات النظام بدور كبير في شق حركة تحرير السودان، وخصوصا بعد استشهاد القائد عبد الله ابكر في 2004 ، والذي كان يدعو لاندماج عرب دارفور في الثورة .

    وقد ادى تكوين الحركات المسلحة ، حركة تحرير السودان اولا ثم العدل والمساواة ثانيا، الى انسحاب كثير من الكوادر الدارفورية من تنظيماتها السياسية ، يمينا ويسارا، وقد كان اول ضحية لهذا التحول هو تنظيم التحالف الفيدرالي الذي رفض رئيسه ان يكون تنظيما لغرب السودان ، رغم ان قاعدته كلها كانت من دارفور وكردفان، ولعبت كوداره دورا كبيرا – سياسيا وعسكريا- في مسيرة حركة تحرير السودان . من جهتها انضمت اغلب كوادر المؤتمر الشعبي لحركة العدل والمساواة ، ولا يعلم ان كان هذا بموافقة تنظيمهم الام ام تمردا عليه.  كما انضم كثير من الشيوعيين والبعثيين واعضاء اللجان الثورية للحركات الدارفورية ، واحتفظ فقط حزب المؤتمر السوداني بأغلب عضويته الدارفورية، فيما حقق الحزب اللليبرالي السوداني (لاحقا الحزب الديمقراطي الليبرالي) اختراقات مهمة وسط المثقفين الدارفوريين، وخصوصا من كان لهم رأي سلبي في الحركات المسلحة او ادائها.

    عموما مع اشتداد وتائر الصراع وتزايد القمع من قبل النظام للدارفوريين، وخصوصا بعد عملية الذراع الطويلة في 2008 ، فقد اعاد الكثير من الناشطين الدارفوريين تقييم انتمائهم وهويتهم ، وشهدنا حتى وسط عرب دارفور المتهمين بالولاء للمركز تحولات في اتجاه هويتهم الدارفورية . على قاعدة هذا الوعي الجديد وقد تكونت جبهة القوى الشعبية الثورية بقيادة الزبيدي وابو السرة واخرون، كتعبير معارض عن ابناء القبائل العربية بدارفور. كانت علاقة هذه الجبهة جيدة عموما مع الحركات الاخرى المتهمة بأنها تعبر عن الكيانات الافريقية في دارفور ، ولم تشهد الساحة اي صراع بينهما، بل كانت لهم عمليات مشتركة.  وقد انتهى الحال بتلك الجبهة بعد استشهاد الزبيدي لدخول الجبهة الثورية وبصلاح ابو السرة للانضمام لحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد .

    من ناحية اخرى فقد تكون جيل كبير من متعلمي دارفور غير المنتمين حزبيا، ولكنهم مع ذلك تفاعلوا مع معاناة اهلهم، فكونوا عشرات المنظمات المدنية والحقوقية لدعم مواطني دارفور ، كان من اهمها بالخرطوم هيئة محامي دارفور ، والتي تخصصت في الدفاع عن المتهمين والمطاردين من ابناء دارفور ، وكان من بينها بالخارج انخراط ناشطين في اكبر حملة دولية للتضامن مع دارفور ، وهي حملة Save Darfur ، وكذلك روابط دارفور بالجامعات ويالخارج، وتنظيمات مثل الجبهة الشعبية المتحدة التي اريد لها في البدء ان تكون معبرة عن كل طلاب دارفور، وانتهت لان تكون الجناح الطلابي لحركة عبد الواحد، وعشرات من المنظمات الشبيهة . كل هذه المنظمات زادت في بلورة الشعور القومي الدارفوري.

    كما لا ننسى الدور الذي لعبته الثقافة في صياغة هوية دارفورية تعي نفسها، ومن بين ذلك نشير الى الدور الكبير الذي لعبته اذاعة راديو دبنقا ، ثم راديو عافية دارفور . وقد يكون الفنان عمر احساس لعب دورا كبيرا في بلورة الشعور الدارفوري، رغم انه لم ينخرط في نشاط سياسي فاعل ، ولكنه لقي القبول من الكثير من ابناء دارفور ، كما كان لليوتوب ونشر تراث الحكامات فيه، دور في تحول النظرة عند الكثير من الشباب الدارفوري تجاه تراثهم، فما عاد تراث الحكامات تراثا سلبيا، وانما واحد من مكونات تراث وثقافة دارفور ، يمكن الاحتفاء به والاعجاب به.

    امكانية استقلال دارفور في ظل الظروف العالمية:

    لفترة طويلة كان هناك اتفاق غير مكتوب في افريقيا بقدسية الحدود الموروثة منذ العهد الاستعماري ، وقد ساهم هذا في تصفية حركات انفصالية في كل من بيافرا وكاتانغا وغيرها ، وحافظ على دول ليس لها امكانية وجود مستقل مثل ليسوتو وسوازيلاند.  ولكن بعد انهيار الانحاد السوفيتي والتغييرات الجيوسياسية فقد انكسرت هذه القاعدة ، حيث شهدت التسعينات قيام دولة ارتريا خصما على اثيوبيا ، وشهدت الالفية الجديدة قيام دولة جنوب السودان خصما على السودان ، وقد تم قبول الدولتين افريقيا ودوليا . اذن ليس هناك ما يمنع قيام دولة مستقلة في دارفور حسب القانون والعرف الدولي .

    هذا من جهة ، من جهة اخرى فان العذابات التي تعرضت لها دارفور قد ساهمت في قيام لوبي موالي لدارفور وخصوصا في،الولايات المتحدة .  هذا اللوبي في جزء منه هو استمرار للوبي الموالي للجنوبيين هناك والذي ساهم في قيام دولة الجنوب . كما ان هناك لوبيات اصغر موالية لدارفور ويمكن ان تدعم استقلالها في اوروبا وافريقيا ، كما ان عددا من الدول المجاورة يمكن ان تدعم استقلال دارفور ، وخصوصا دولة تشاد وجمهورية جنوب السودان.

    الا انه من الجهة الاخرى لا تزال هناك تخوفات وممانعات من جهات عالمية كثيرة تجاه انفصال اقاليم جديدة في افريقيا عن دولها المركزية، يتبدي ذلك في حالة كل من الصحراء الغربية ، وجمهورية ارض الصومال. كما ان استمرار عدم الاستقرار في دول الساحل وزيادة النشاطات الاصولية فيها ، والمشاكل التي تعاني منها دولة جنوب السودان الوليدة ، قد تشكل عواملا معاكسة تقف ضد دعم استقلال دارفور او الاعتراف بها في حالة اعلنت استقلالها من طرف واحد. ولنتذكر ان استقلال ارتريا وجنوب السودان قد تما بسلاسة فقط لموافقة كل من اديس اببا والخرطوم عليهما.

    سيناريوهات محتملة:

    في ظل الوضع الجاري حاليا ، والتفتت التدريجي للدولة السودانية من اطرافها، وسيطرة نظام لا توجد به اي درجة من العقلانية ، يجعل استمراره في الحكم فوق مصالح الوطن ، ومعارضة رثة في غالبها الاعظم ، تعاني من عيوبات تكوينية جمة ، ومن ضعف بنيوي عن مواجهة استحقاقات بناء الدولة الوطنية الحديثة ، يبدو خيار استقلال دارفور واقعيا، فيما اذا وجدت القيادة التي تستطيع توحيد الدارفوريين حول هذا الهدف، او كنتيجة  للتفككك غير المنظم للدولة ، كما تم في الصومال مثلا .

    ان اشتداد وتيرة العنف في دارفور، وفقدان سيطرة الدولة على الوضع تدريجيا، وتعبئة مليشيات محلية واجنبية كي تحارب معركة النظام هناك، انما هو اللعبة الخطرة نفسها، اذا استعرنا تعبير الروائي ابكر ادم اسماعيل. ولسخرية القدر فان المليشيات التي ينشئها النظام ويسلحها، قد تلعب دورا محوريا في محاولة الانفكاك بدارفور، ومحاولة حكمها بالأصالة لا بالوكالة ، كما تنبأ بذلك الاستاذ النور حمد في مقاله الاخير ” دارفور في نزعها الأخير”.

    ان تفسخ النظام من جهة ، في نفس الوقت الذي تعحز فيه المعارضة التقليدية والعسكرية عن اسقاطه، وغياب وجود القيادة السياسية الملهمة والقادرة على توحيد الدارفوريين، من الجهة الاخرى، تجعل السيناريوهات مفتوحة في كل الاتجاهات. ويبدو من بين السيناريوهات الاكثر احتمالا هو سيناريو انهيار النظام نتيجة تناقضاته الداخلية في سقوط غير منظم ، قد تنتج عنه حالة اقرب للحالة الليبية . السيناريو الثاني هو استمرار النظام وتداعي الاقاليم في ظل حالة توازن الضعف الحالية ، وتفسخح الدولة والمجتمع تدريجيا. كما هناك سيناريو  بروز قيادة جديدة في دارفور تستطيع انتزاعها من طريق التداعي الحالي. كما لا يزال مطلوبا وممكنا سيناريو قيام  حلف تاريخي بين قوى التغيير في المركز والهامش، يعيد تكوين الدولة السودانية على اسس جديدة تماما، تضمن ليس فقط بقاء دارفور كجزء من جسد السودان، وانما استمرار الاقاليم الاخرى داخل ما تبقي من دولة السودان .

    ان هذا السيناريو الاخير يبدو الاقرب الى قلبي ووجداني، ووجدان اغلب القوى الديمقراطية والمدنية والاهلية في دارفور وعموم السودان، الا انه يبدو بعيدا عن التحقق في ظل التشظى القائم حاليا لقوى البديل، وغياب التنسيق بين القوى الثورية في دارفور وقوى التغيير الجذري في الوسط وبقية الاقاليم، بل وغياب الرؤية الوطنية الاستراتيجية في هموم اغلبها، وبعدها وانفصالها عن هموم المواطن . ان حديث القلب ينحو نحو الوحدة وبناء سودان العدل والمساواة ، ولكن حديث الواقع يقول ان السودان ماض في طريق سلبي، لم يكن انفصال الجنوب باسؤا واخر احتمالاته.

    ان تشظى الدولة السودانية وتفككها من اطرافها يبدو احتمالا كبيرا متوقعا، ولكن حجم المشاكل التي تكمن في كل اقليم، والتي تناولناها في باب المعوقات والمخاطر التي تعترض طريق وامكانية قيام دولة مستقلة في دارفور ، تجعل هذا الاحتمال خطرا ومليئا بالتشاؤم، الامر الذي يدعو لتوحيد الجهود في خلال الساعة الاخيرة للبحث عن طريق جديد لحل الازمة السودانية ككل، وفي داخلها ازمة دارفور .

    هذا لن يتحقق الا بجهد مشترك من قبل الشرفاء والحادبين، وفق منهج جذ ري يعالج اسباب المشاكل ويسعى لحلها كليا، سواء على مستوى بنية الدولة او هياكلها او رمزياتها ، حتى لا يجرفنا الطوفان . هذا لن يتم الا بتقكيك واعادة هيكلة الدولة السودانية على اسس جديدة، تجعل لمن همشوا طويلا، وعانوا من ويلات الحروب والتدمير ، دورا مركزيا في قيادة سودان المستقبل. هذا لن يتم الا بتقديم تنازلات جمة من قبل النخبة المهيمنة وتكويناتها السياسية وقياداتها، وكذلك اجراء مصالحة تاريخية تزيل غبن العقود.

    خاتمة :

    في النهاية اكرر ما قلته في صرخة البداية: إذا لم يتوقف القتل والعذاب المسلط من المركز على أهل دارفور ، واذا لم يتحد اهل السودان كلهم واحزابهم ونخبهم في اعتبار قضية دارفور قضية قومية وهي القضية الاولى قبل قضايا الخبز والسكر والبنزين، واذا لم تتوقف العنصرية النيلية على اهل الغرب ، واذا لم يكف التدخل العربي والاقليمي المستمر منذ 2003 لدعم دولة المركز على حساب دارفور واهلها، فمن الأفضل لأهل دارفور ان يجمعوا صفوفهم ويعملوا من أجل استقلالهم، عن هذه الدولة الظالمة لهم .

    الا هل بلغت ؟؟ اللهم شعبي فأشهد .

    4/4/2014

    *ملحوظة : هذا المقال والاراء المطروحة فيه يُعبر عن رايي الشخصي وليس عن رأي الحزب الديمقراطي الليبرالي.

     

  • لغة (( الليبرالي)) و(( خطاب السودان الليبرالي )) *

    مقدمة :

    إن اللغة كما يذهب معظم الباحثين اللغويين والاجتماعيين، هي مخلوق اجتماعي، تتطور بتطور المجتمع، تزدهر وتتقهقر، تنحط وتتطور، تحيا وتموت، في ارتباط وثيق بمجتمعها، بنمط الثقافة السائد، بطبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسية المهيمنة، وبتطور العلوم والمفاهيم والعلاقات التي تعبر عنها هذه اللغة.

    إن اللغة التي سادت طويلا في السودان هي لغة مثقلة بإسقاطات الواقع الاجتماعي المهيمن، وبذلك فان فيها الكثير من معاني التمييز العرقي، التمييز ضد المرأة، سيادة روح الاستسلام والتواكل، التمييز الطبقي والهرمية الاجتماعية. إنها إذن بحق لغة علاقات ومفاهيم «السودان القديم»، سواء في حقبته الاستعمارية، أو في الدولة ما بعد الاستعمارية.

    (المزيد…)
  • الديانة الشيوعية …

    يظن كثير من الناس ان الشيوعية تقف في تضاد مع الاديان. وهذا حق . فالشيوعية ترفض الاديان ولكنها ترفضها من منطلقها بالذات؛ وترفضها لتحل محلها. فالشيوعية في حقيقة الأمر ما هي إلا دين جديد وعقيدة جديدة . واذا كان ماركس قد قال ان الدين افيون الشعوب؛ فان الشيوعية عموما؛ والماركسية تحديدا؛ هي افيون  المتثاقفين المؤمنين بها؛ الجاهلين في معظمهم بتفاصيلها .

    أما كون الشيوعية والماركسية عقيدة فهذا واضح من بدايتها ؛ ولعلم القاريء فأن  اول وثيقة شيوعية – ماركسية لم تكن البيان الشيوعي وانما ( اعتراف الايمان الشيوعي ) وهو كتيب كتبه انجلز في عام 1847 على نمط (اعتراف الايمان ) في العقيدة الكاثوليكية وغيرها – وقد أشار باكونين وغيره الى الطابع الايماني والجبري لمذهبية ماركس وانجلز – وقد قر قرار ماركس وانجلز فيما بعد ان يكتبان اعلانهما الشيوعي في صورة بيان وليس اعتراف إيمان، ولكن الطابع الديني لمذهبهما لم يتغير.

    ما هي الصفات المشتركة بين الأديان المختلفة والشيوعية ؛ والتي تجعلنا نتعامل مع الشيوعية كدين آخر ؟؟ هناك عدة مشتركات نجملها في التالي :

    • الايمان بعقيدة او مجموعة عقائد لا تتزعزع مهما جرى – الشيوعيون مثلا  يؤمنون بجبرية التاريخ وبرسالة الطبقة العاملة وحتمية انهيار الراسمالية ؛ رغم ان الواقع ينفي كل هذا الهراء .  الشيوعيون كما المتدينون ليسوا مستعدون للتنازل عن ايمانهم البسيط والبليد حتى لو تركوا الحزب الشيوعي؛ كما المتدين لا يغير ايمانه حتى لو ترك الكنيسة.
    • الدين يطرح للمؤمنين جنة تجرى من تحتها الانهار – الشيوعيون يطرحون للناس مجتمعا لا طبقيا تسوده السعادة الكاملة بل لقد استخدم انجلز التعبير المسيحي حول الحكم الالفي للمسيح وقال انهم سيبنون دولة ألفية ( تدوم ألف سنة.
    • الاديان تملك عددا من الكتب المقدسة “تتنزل” من السماء او يكتبها الانبياء : من بينها كتاب رئيسي ثم كتب شرح فرعية يقرأها المؤمنون وتستخدم كمرجعية للعقيدة – الشيوعيون لهم البيان الشيوعي ككتاب مقدس اول ثم الكتب الاخرى لماركس وانجلز ولينين ككتب شارحة للعقيدة وكمرجعية عقيدية
    • الاديان والشيوعية تقدمان تفسيرات بسيطة لمشاكل معقدة – كما ان كلاهما يحاولان تقديم اجابات على جميع الاسئلة الكونية وتاريخ البشرية : ما كان وما هو كائن وما سيكون – الشيوعية تقدم هذا في اسلوب فج ومبسط تسميه الحتمية التاريخية ( الحتمها منو ؟) والاديان تنسبها للمشيئة الالهية والخطة الالهية الكبرى
    • الشيوعية والاديان لهم شيوخ وشراح يبجلون ولا يقبل نقدهم اطلاقا وتصمم لهم الايقونات بل يتم نصب ضرائح لهم ؛ كضريح لينين وضريح هوشي منه وضريح ديمتروف وضريح كيم ايل سونغ الخ – كما هناك ميل عند المؤمنين الدينيين والمؤمنين الشيوعيين لفرض عقائدهم على الآخرين. وكلنا نعرف تاريخ الدولة الدينية في اوروبا وفرضها لديانتها على الاخرين كما نعرف محاولات فرض الاسلام ديانة للدولة في العديد من البلدان ذات الاغلبية المسلمة ؛ كما كانت هناك دولة هندوسية بنص الدستور ( نيبال) بينما فرضت كوبا والبانيا وروسيا والصين الخ الشيوعية كايدلوجية للدولة والحزب الشيوعي كالحزب الوحيد الحاكم ودرست الماركسية في المدارس والجامعات وربت الناس عليها وحاربت غيرها من العقائد والافكار والفلسفات
    • الشيوعية والأديان كلاهما له شيطان وكلاهما له ملائكة وأخيار : الشيطان في الاديان يسمى لوسفير او ابليس او الشيطان وله اعوان وسيطرة الخ ؛ الشيطان في الشيوعية يسمى بالطبقة البرجوازية التي لها سيطرة وأعوان الخ – الاخيار في الاديان هم الملائكة و/أو مجتمع المؤمنين ؛ وفي الشيوعية هو الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي اللذان يصبحان مادة للعبادة والتبجيل وكتابة القصائد للكورالات وخداع الناس وكسب انصار جدد كما في اغاني الكنيسة او جلسات المديح او التلاوة
    • المؤمنون الدينيون والمؤمنون الشيوعيون مستعدون لتبرير اكبر الجرائم والمجازر والسلوكيات اللا اخلاقية وأفظعها اذا ما قام بها زعمائهم ورسلهم ويجدون لها تبريرات غاية في الفجاجة والسخافة بل تجدهم يمجدونها ومستعدون لتكرارها – وفظائع الحروب الدينية لا تفوقها إلا فظائع الحروب الشيوعية والأنظمة الشيوعية.
    • الطرفان ليس لهما تقبل للأخر المختلف – فالآخر المختلف هو عند المؤمنون الدينيون كافر ومنافق وزنديق وتابع للشيطان الخ – اما عند المؤمنون الشيوعيون فهو عدو طبقي وانتهازي وتحريفي وعميل للامبريالية الخ – وكلاهما مستعد لقتل هذا الاخر وسجنه وشنقه والتبشيع به وتشويه صورته الخ – ولك في محاكم التفتيش في اوروبا نموذجا وفي محاكمات ستالين نموذجا مقابلا
    • الطرفان ليس لهما اي تقبل لتفسير جديد للعقيدة ويعتبران أي تفسير جديد أو أي مفسر جديد خارجا عن العقيدة يجب هزيمته بل سحقه – والحروب العقيدية بين اتباع الدين الواحد مشهورة ومشهودة.  اما الحروب العقائدية بين الماركسيين فقد كانت ممعنة في العنف وقتل الشيوعيون بعضهم بعضا كما الوحوش في روسيا وفي الصين وفي اليمن الجنوبي وفي اثيوبيا وفي كل مكان – وحينما لا يكون القتل المادي متوفرا للشيوعيين يعملون على القتل المعنوي والتشنيع – تماما كما عند اتباع الديان تجاه الخارجين عنهم او المصلحين منهم او المخالفين في التفسير.

    جدير بالذكر ان بعض الماركسيين قد حاولوا جديا وعلنيا تحويل الماركسية الى دين وبناء “رب” جديد . هكذا فعل القائد الشيوعي وأول وزير للتعليم والثقافة في روسيا البلشفية  اناتولي لوناتشارسكي متأثرا بأفكار لودفيغ فيورباخ – وهو فيلسوف هولندي اراد بناء دين الإنسانية – وكان ممن تأثر به كثيرا ماركس وانجلز واعتبراه من معلميهما – . وقد قال لونشارسكي (( الاشتراكية العلمية هي الأكثر دينية من جميع الاديان ؛ والشيوعي ( الاشتراكي الديمقراطي كما كان الشيوعيون يسمون انفسهم وقتها ) هو الأعمق تدينا من جميع البشر )) – وقد حاول لوناتشارسكي بناء دين جديد اعتمادا على الشيوعية وقد عارضه لينين لأغراض تكتيكية بحتة حيث زعم ان هذا النهج سيقلل من صدامية الشيوعية ويحولها الى اصلاحية كما ظنها محاولة للتصالح مع العناصر الرجعية. عموما تم اقتباس افكار لونتشارسكي في ادلجة الشعب السوفيتي واستخدمت الرموز الدينية لنشر الشيوعية كما اقتبست مراسم دينية مختلفة تم تطويعها لخدمة اغراض شيوعية – وهذا يذكرنا باقتباس المسيحية والإسلام لعناصر وثنية وادخالها في منظومتها العقائدية او الطقسية ( الحج للكعبة؛ الاحتفال بميلاد المسيح الخ)**

    لا انسى أيضا بعض المؤثرات الفكرية الاخرى التي لعبت دورا كبيرا في قيام الديانة الشيوعية . من بين ذلك تحتل اهمية كبيرة وثيقة ” اسس العقيدة الثورية” التي كتبها في عام 1869 سيرغي نيشايف***؛ وهو ممن اثر على لينين اكثر من ماركس نفسه ربما ؛ اذ يقول لينين عن نيشايف ” هذا الثوري الجبار الذي صاغ صياغات مذهلة ستظل محفورة في الذاكرة الى الأبد”،  – وقال ان اعمال نيشايف كلها ” يجب ان تطبع؛ ويجب ان نتعلم البحث عنها وان نجدها جميعا” . ان “اسس العقيدة” الثورية عند نيشايف هي اسس عقيدة دينية تصل اقصى درجات التطرف والتعصب ولا تماثلها ربما الا تطرفات الاديان في مراحلها الاولى. من الجدير بالإشارة ان نيشايف كان من اوائل اللاسلطويين وكان ماركس وانجلز يكرهان اللاسلطويين لكن العقيدة الدينية لنيشايف وتطرفه الثوري لقت هوى في نفس لينين الذي ادخلها في العقيدة الشيوعية وخصوصا في كتاب: “ما العمل؟” – رغم جهل اغلب الماركسيين والشيوعيين الحاليين بدور نيشايف.****

    عموما يمكن ان نقول ان الشيوعية هي نظام عقيدي مغلق ومطلق ؛ له ايمانياته التي لا علاقة لها بالعلم؛ والتي لا تتغير حتى لو اثبت العلم خطئها؛ فكما هناك متدينون يؤمنون ان الارض هي الثابتة والشمس هي التي تدور حولها؛ لأن الانجيل او القرآن او مفسريهما قد قالوا بذلك؛ تجد الشيوعيون يؤمنون بأقوال ماركس التي نفاها التاريخ؛ من نوع اضمحلال الطبقات الاخرى وانقسام المجتمع الى طبقة عاملة تتزايد باستمرار وقلة برجوازية ؛ فقط لأن ماركس قال بها.  فالشاهد ان الطبقة العاملة تتناقص باستمرار وان الطبقة الوسطى هي التي تنمو الى اخره .. كما لهم نفس التعصب المذهبي ونفس التقديس لزعمائهم وطائفتهم الدينية المتجلية في شكل حزب ولهم رموزهم وأعلامهم وأناشيدهم والتي تشكل الرمزية الانتمائية لكيان عقيدي واحد بل لهم اعيادهم وطقوسهم (اول مايو) وشهدائهم وجنتهم الارضية الموعودة.*****


    مراجع :

    *لقراءة اعلان الايمان الشيوعي لانجلز  راجع:https://www.marxists.org/archive/marx/works/1847/06/09.htm

    ** للتعرف على فكرة لوناتشارسكي حول بناء الدين الشيوعي الجديد وتطبيقاتها في الاتحاد السوفيتي راجع المقال التالي : http://en.wikipedia.org/wiki/God-Building

    *** لقراءة نص ” اسس العقيدة الثورية” لنيشايف راجع :HTtps://www.marxists.org/subject/anarchism/nechayev/catechism.htm

    ****لقراءة اعمق حول تأثير كتيب نيشايف على ايدلوجية لينين راجع المقال التالي :http://theartofpolemics.com/2014/03/06/the-influences-of-the-catechism-of-the-revolutionary-on-lenin/

    ***** لقراءة اوسع حول الماركسية كدين راجع هذا المقال المكتوب من وجهة نظر علمانية :http://infidels.org/kiosk/article/communism-is-religion-238.html

  • ماركس وإنجلز : ممثلان للمركزية الاوروبية ام الشوفينية الألمانية ؟

     مقدمة:

    كتب الاستاذ عماد عيدروس مقالا قصيرا بعنوان ((ماركس ومركزية العقل الأوروبي)) نشره في صفحته بالفيسبوك وقد دار حوله نقاش واسع ساهمت فيه بقسط قليل، زعمت فيه ان ماركس (وانجلز) لم يكونا فقط يمثلان المركزية الاوروبية في طرحهما الفكري والسياسي؛  وانما كانا ينطلقان من مواقع التعصب القومي الالماني (الشوفينية) في تعاملهما مع كثير من شعوب العالم وخصوصا السلاف ؛ وانهما قد دافعا عن الاستعمار وزعما بوجود دور ثوري له؛ في مواجهة ما اسمياه بالاستبداد الشرقي . بل  مارس ماركس الدفاع عن العبودية والاسترقاق بدعوى اهميتهما الاقتصادية.

    اليوم اضيف ان ماركس وانجلز كانا ينطلقان ايضا من نظرة عنصرية مبطنة تجاه الاثنيات السوداء وان عنصريتهما تجاه اليهود والسود قد طفحت في الكثير من مواقفهما وخصوصا في رسائلهما ولم ينج منها  حتى اقرب الناس لهما . واعتبر انهما  في المحصلة كانا يعبران ليس فقط عن العقل المركزي الاووربي؛ وانما عن التعصب القومي الألماني  في ابشع تجلياته .

    للأسف راجعت اليوم صفحة الاستاذ عيدروس فلم اجدها ولم اجد المقال المذكور ؛ فقررت فتح هذا البوست والاتيان بمقاطع مطولة من ماركس وانجلز تثبت وجهة نظري؛ وهي نفس وجهة النظر التي أشار اليها المفكر ادوارد سعيد في كتابه عن “الاستشراق”؛ رغم انه اعتمد على مقاطع قليلة جدا من ماركس في نقده للعقلية الاستشراقية للرجل، و خصوصا دفاعه  (أي ماركس) عن الاستعمار ؛ وان لم بتعرض سعيد لشوفينية وعنصرية ماركس لأنها كانت خارج مجال بحثه .

    ماركس وانجلز والمركزية الغربية :

    انطلق ماركس وانجلز من مركزية غربية ترى ان اوروبا هي مركز الكون وان عصر التنوير هو بداية التاريخ وان الراسمالية هي النظام الاكثر تطورا ولن يعقبه نظام اكثر تطورا منه الا الشيوعية. وبما ان الراسمالية قد تطورت في الغرب فالشيوعية ستتم أيضا ً في الغرب ولذلك فإن الغرب هو مركز الكون ومحور مستقبله. ان القارئ للبيان الشيوعي ولكتاب رأس المال يجد هذا المفهوم منثورا على كل صفحاتهما. ورغم ان الرجلان ينطلقان من نقد عنيف للراسمالية الا انه لا يمكن تجاهل وجود اعجاب مضمر لهما بها ؛ وبما أسمياه بدورها الثوري والتدميري للبنى القديمة. وقد سألني الصديق قصي مجدي سليم هل كان ماركس يقف مع البرجوازية  أم مع البروليتاريا؛ فقلت له ان ماركس وفقا لكلماته نفسها  يناصر البرجوازية ضد الاقطاع وضد ما يسميه الاستبداد الشرقي ثم يناصر ما يسميه بالبروليتاريا ضد البرجوازية ، انظر لقوله في البيان الشيوعي الفصل الاخير (وفي ألمانيا يُناضل الحزب الشيوعي مع البرجوازية كلما قاومت البرجوازية مقاومة ثورية، النظام الملكي المطلق، والملكية العقارية الإقطاعية، والبرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق.)

    https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1848-cm/04.htm

    واذا كان ماركس وانجلز وفقا لنظريتهما الجبرية عن التاريخ ووفقا لتحليلهما عن المراحل الخمسة لتطور البشرية ( المشاعية ؛ الرق؛ الاقطاع؛ الراسمالية ؛ الشيوعية) قد اعلنا نهاية التاريخ؛ وبما ان الراسمالية تطورت في الغرب وبذلك ستقوم الشيوعية فيه؛ فما من العالم الباقي الا الاتباع والخضوع.  وحقيقة لم يجهد ماركس وانجاز نفسهما ببناء اي علاقات سياسية او تنظيمية مع عالم الجنوب ؛ حيث انهما اكتفيا هناك بدعم ومدح الاستعمار الذي يحطم البنى القديمة والاستبداد الشرقي لصالح الراسمالية ؛ حيث سيتم دمج الشرق المٌستعمر كله في الغرب الراسمالي ثم الشيوعي الذي ستقوده الطبقة العاملة التي يقودها الحزب الشيوعي الذي يقوده ماركس؛ فما حاجة ماركس اذن بقضايا ونضالات الشرق وهو يملك مستقبل الغرب؟

    في هذا يقول الأستاذ عيدروس:

    (( ماركس ، ورغم إجلالي له ولمنهجه الماركسي والذي إتخذه كوسيلة أساسية لتحليل الظواهر الإجتماعية الإقتصادية،إلا أن وعيه كان للأسف ممركزاً حول الوعي الأوروبي وعقلية الرجل الأبيض، فلم ير من الإحتلال الأوروبي لشعوب العالم المضطهدة ، لم ير من الإستعمار بكل بشاعته وقمعه إلا رؤية الرجل الأبيض البرجوازي الفائق القوة والحضارة وهو ينشر التمدن وعلاقات الإنتاج الرأسمالية.في إعتقادي هذه الرؤية وهذا التحليل خاطئ تماماً، الإستعمار لا ينشر التنوير، ولا ينشر علاقات الإنتاج الرأسمالية في البلد المحتل، بل يركب هذه العلاقات الرأسمالية (كأداة نهب) في قمة العلاقات القديمة، علاقات ما قبل الرأسمال الإقطاعية القبلية.وبهذا لا تنشر البرجوازية الأوروبية المستعمرة التحضر والتنوير، ولا تنشر علاقات الإنتاج الرأسمالية،بل تزرع في المجتمعات المحتلة ما يعوقها عن التقدم والتطور حتى بعد ذهاب المستعمر (كما حصل عندنا في السودان).))

    https://www.facebook.com/notes/imadeldin-ahmed-aidaroos/ماركس-ومركزية-العقل-الأوروبي/10155187224035274?comment_id=10155224238525274&notif_t=like

    متلازمة البربرية والحضارة وتبرير الاستعمار :

    هناك كلمتان تتكرران في كتابات ماركس وانجلز  اكثر من كلمة الشيوعية او الطبقة العاملة نفسها؛ وهي كلمة البربرية ؛ والتي يلصقها كل من ماركس وانجلز بالشعوب الشرقية وحكوماتها ؛ ثم كلمة الحضارة التي يلصقاها  عموما بالغرب وخصوصا بالمانيا ؛ رغم ان المانيا القرن التاسع عشر لم تكن الدولة الاكثر تطورا بل كانت كل من انجلترا وفرنسا تسبقاها حضاريا. ان ماركس وانجلز كما نزعم لم يكونا مجرد منفعلين بمنطق عصرهما كما يقال . فقد تجاوز كل من هاينة وشيلر وهما سابقان على ماركس وانجلز  الشوفينية الالمانية ولم يتجاوزها  القائدان الشيوعيان. كما ان جوته وهو ايضا سابق لماركس قد رفض تماما متلازمة ربط البربرية بالشرق؛ بل رأي التاريخ المشرق للشرق وحاول مزاوجة تراث الشرق والغرب كما تبدى في عمله “الديوان الغربي والشرقي” – اذن لا يصح القول ان ماركس وانجلز كانا يعبران عن عصرهما اذ استمرآ المنهج الاستشرافي المتعالي، بل كانا يعبران عن مركزيتهما الاوروبية وشوفينتهما الالمانية .

    ادت هذه النظرة الخاطئة والتقسيم الاعتباطي للشعوب لبريرية وحضارية الى تبرير وحشية الاستعمار والى تبرير الممارسة الاستعمارية نفسها؛ فقد كتب ماركس مثلا  في خاتمة مقاله عن ” الحكم البريطاني في الهند” يبرر ليس فقط الاستعمار بل الفظائع والجرائم البريطانية في الهند قائلا :

    (( انجلترا، هذا صحيح، قد تسببت في ثورة اجتماعية في هندوستان، وقد دفعتها في ذلك فقط  مصالح شنيعة ؛ وكان تنفيذها (لهذه الثورة ) غبيا . ولكن ليس هذا هو السؤال. السؤال هو: هل يمكن للبشرية الوفاء بمصيرها بدون ثورة أساسية في الوضع  الاجتماعي لآسيا؟ إن كانت الاجابة بلا ؛ فأنه ، مهما كانت جرائم انجلترا  فقد كانت هي  الأداة اللاواعية للتاريخ  في إحداث تلك الثورة.))

    ويمضي قائلا :

    (( لذا، مهما كانت مرارة مشهد انهيار للعالم القديم لمشاعرنا الشخصية، لدينا الحق في هذه النقطة من التاريخ، لنهتف مع غوته: ” هل يجب ان يعذبنا هذا العذاب ؛ اذ هو يجلب كل هذه المتعة الضخمة ؟ ألم يكن خلال حكم تيمور ؛ أن الارواح افترست دون حساب ؟ )) 

    https://www.marxists.org/archive/marx/works/1853/06/25.htm

    ان اللغة الادبية لا تخفي هنا تبرير جرائم الاستعمار؛ ودموع التماسيح لا تخفي المركزية الاوربية ولا الزعم بالدور الحضاري للاستعمار. ولكن فلنذهب اكثر ؛ فانجلز يدافع ايضا عن احتلال الجزائر ويعتبر ذلك من التقدم أيضا. في مقاله لصحيفة ” مورننغ استار” والتي تحولت فيما بعد الى صحيفة الحزب الشيوعي البريطاني ؛ يكتب التالي :

    (( على العموم فأنه في رأينا ؛  انه من الجيد جدا ان الزعيم العربي قد اُسر . لقد كان نضال البدو ميئوسا منه. ورغما عن عن ان الطريقة التي أدار بها الجنود العنيفون مثل بيغو   الحرب ملومة جدا ؛ الا ان احتلال الجزائر هو حقيقة مهمة وجيدة جدا لتقدم الحضارة )) .

    ان الزعيم العربي المقصود هو الأمير عبد القادر الجزائري! .  وفي نفس المقال يمضي ليقول إن قرصنة الدول “البربرية” ما كانت لتنتهي الا بالاحتلال ؛ وان احتلال الجزائر قد ارغم بيهات تونس وليبيا والمغرب على سلوك الحضارة ؛ ويقول انه مع ابداء الاسف على فقدان حرية البدو ؛ الا انهم كانوا مجرد لصوص مغتصبين بربريين. ويخلص انجلز  الى أنه:

    ((بعد كل حساب ؛ فإن  البرجوازي المعاصر ؛ مع الحضارة والصناعة والنظام والانوار التي يحملها على كل حال؛ هو أفضل من الوالي الاقطاعي واللص قاطع الطريق؛ ومن الطور الهمجي في المجتمع الذي ينتميان اليه ))

    . اي بصريح العبارة : أهل الجزائر والدول البربرية ؛  يستحقون ان يتم احتلالهم؛ حتى لو تم قتلهم ؛ لكيما تتقدم الحضارة.

    https://www.marxists.org/archive/marx/410.htm

    ماركس وانجلز واضحان جدا : هما يعترفان بالجرائم والانتهاكات الفظيعة للاستعمار؛ بل يمكن ان ينتقداها ويلوماها؛  كما ينتقدان الجلادين الاستعماريين على عنفهم المفرط وعلى اخطاء التطبيق؛ ولكنهم واضحان تماما انهم يقفان مع احتلال شعوب الشرق “البربرية” من طرف الدول الاستعمارية “المتحضرة” البيضاء . وفي كل ذلك يزعمان ان هذا هو منطق التاريخ؛ وتقدم الحضارة؛ وانها الثورة الاجتماعية في آسيا؛ وغيرها من الترهات. 

    أما عن احتلال ولايات واسعة من المكسيك من طرف الولايات المتحدة ؛ بما فيها كاليفورنيا؛ فإن انجلز يبتهج لذلك –  كيف لا والمكسيك بلد خلاسي “بربري” والولايات المتحدة حضارية بيضاء ؟ انظر اليه يقول في مقال لصحيفة “Deutsche-Bruesseler-Zeitung” عن الامر :

    (( في امريكا شهدنا احتلال المكسيك ولقد  ابتهجنا لذلك. بل انه تقدم حين نرى بلدا كان مشغولا حصرا بقضاياه الخاصة ؛ مجمد على الدوام بالحرب الاهلية ؛ ومعاق جدا في تطوره؛ البلد الذي كانت افضل احتمالاته ان يخضع صناعيا لبريطانيا ؛ عندما يوجه قسريا الى العملية التاريخية. انه من مصلحة تطور المكسيك ان  يتم وضعه في المستقبل تحت وصاية الولايات المتحدة. ان تطور كل امريكا سيستفيد من حقيقة ان امتلاك الولايات المتحدة لكاليفورنيا؛ سيعطيها القيادة في المحيط الهادي)) 

    https://www.marxists.org/archive/marx/410.htm

    ان ماركس وانجلز هنا يدافعان عن احتلال الامم المتحضرة في ذهنهما؛ والبيضاء ؛ للامم الشرقية والجنوبية. ففي الهند يدافع ماركس عن احتلال بريطانيا لها باعتبارها ثورة اجتماعية ؛ وفي الجزائر يدافع انجلز عن احتلالها باعتبار ان هذا يخدم تقدم الحضارة ؛ وفي المكسيك بدافعان عن احتلال امريكا لنصف البلاد ويقترحان وضع ذلك البلد  تحت الوصاية لمصلحته الخاصة . ويمكنني هنا ان اأتي بالامثلة بدون حساب.

    ماركس وانجلز والعداء للسلافية والسلافيين : 

    لقد خاضت المانيا معارك تاريخية في عدة اتجاهات : كان الاتجاه الشرقي واحدا منها وكان ضد الشعوب السلافية ؛ وكانت لالمانيا حروب تاريخية مع السلافيين – البولون اولا ثم الروس الخ – وفي حربين عالميتين حاربت المانيا ضد السلاف في الجبهة الشرقية. كما ان الامبراطورية النمساوية – المجرية كانت دولة خليطة يسكن فيها الناطقون بالالمانية مع المجريين مع السلافيين الخ؛ وكانت ممزقة بين ولائاتها المختلفة ؛ وكان تطور المانيا وتوسعها  مرهونا بهزيمتها للسلاف او انسحابها لصالحهم .

    ورغم ان المانيا قد حاربت ضد خصمها التاريخي ؛ فرنسا؛ ورغم انها خاضت حروبا توسعية واستعمارية وتنافسية ضد الدول الاسكندنافية ؛ الا انه لم يبرز في ادبها السياسي كره عنصري تجاه تلك الشعوب؛ بينما ظهر في ادبها احتقار عنصري وتحريض عنصري تجاه الشعوب السلافية التي اعتبرها العنصريون الالمان اقل حضارة من الالمان وشعوبا بربرية ؛ بل وصل الحال الى ان يسميهم هتلر رسميا في ايدلوجيته ( التي يقول الكثيرون ان الماركسية هي احد جذورها) بانهم عرقيا دون البشر “Untermensch” .

    في هذا الصراع التاريخي اندرج ماركس وانجلز؛ وخصوصا ان المانيا على عهد صباهما وشبابهما وكهولتهما ؛ وحتى عام 1870 ؛ كانت مقسمة الى امارات متعددة ولم تكمل توحدها القومي؛ الامر الذي كان مستفزا وجارحا للكثير من المفكرين والناشطين الالمان. كما كانت بعض اجزائها محتلة او متنازع عليها مع فرنسا؛ مثل اقليم الالزاس واللورين. وكان هناك العديد من الناطقين بالالمانية موزعين في عدد من دول اوروبا الاخرى ( خارج الامارات الالمانية وخارج الامبراطورية النمساوية المجرية والتي كانت دولة يسيطر عليها الناطقون بالالمانية ) . وكان كثير من المان الدياسبورا هؤلاء يقيمون في وسط دول او مجتمعات سلافية ؛ كالمان مدينة  غدانسك او المان منطقة فارميا ومازوي في بولندا (بروسيا الشرقية ) او المان مناطق ليفونيا كورلنديا وسيميغاليا (في دول البلطيق الحالية ) او المان نهر الدون في روسيا. 

    ورغم ان ماركس وانجلز يكرهان السلاف عموما والروس خصوصا ويعتبراهما برابرة – مثلا في مقاله عن جيوش اوروبا يتحدث انجلز هكذا عن الروس:

    (( ولكن حتى الوقت الحالي ؛ فان الروس من جميع الطبقات؛ هم في الاصل برابرة جدا ليجدوا اي متعة في المساهمة العلمية أو الفكرية من أي نوع ؛ عدا المؤامرات)) 

    http://ciml.250x.com/archive/marx_engels/english/engels_1855_the_armies_of_europe.html 

     فإن هذا لم يمنعهما من رؤية رسالة حضارية للروس في تمدين اسيا – عبر الاحتلال والاخضاع – . فالروس البرابرة  السلاف الأقل من الالمان؛ يظلون أفضل وأرقى من الاسيويين؛ وانجلز يضع لهم وظيفة جديدة هي تنفيذ مهمة حضارية في آسيا ولكن بالتعاون والتبادل مع الغرب. في ذلك يقول انجلز بعد سنوات وبعد صعود نجم روسيا في رسالة الى Nadejde في عام 1888 :

    ((وأخيرا، فإن الأمة النبيلة لروسيا العظمى، اذ لم تعد تشارك في متابعة الفتح الوهمي لصالح القيصرية، سوف تكون حرة في تنفيذ المهمة الحضارية الحقيقية في آسيا : وتطوير مواردها الفكرية الواسعة في التبادل مع الغرب، بدلا من اهدار أفضل دمائها على منصات الاعدام أو في سراديب التعذيب “كاتورغا”)) 

    هذا التغير في التكتيك تجاه روسيا ؛ بل وفي الموقف من القوميات السلافية الجنوبية؛ فرضته ظروف النهضة السياسية في تلك البلاد وبداية بروز تيار تابع لماركس وانجلز هناك. ولكن الموقف الرئيسي في صراع البربرية والحضارة لم يتغير : فروسيا التي وصفت من قبل بأنها بربرية اصبحت لها مهمة تحضير اسيا ( الأكثر بريرية) بالتعاون مع الغرب؛ أو قل تحديدا مع المانيا. فماركس وانجلز عندما يتحدثون عن الغرب يقصدون وطنهم القومي المانيا – كما سنوضح لاحقا. 

    انجلز وماركس والرغبة في تصفية الشعوب “المتأخرة”:

     في ضمن متلازمة البربرية والحضارة؛ يصف ماركس وانجلز عدد من الشعوب انها بربرية او رجعية او متأخرة. ما مصير هذه الشعوب في فلسفة الرجلين ؟؟

    ان الشعوب المتأخرة والرجعية (وقد نسى الرجلان تماما الصراع الطبقي الذي يقسم البشر الى طبقات وليس شعوبا) لا تستحق الحياة بالنسبة لانجلز. ففي مقال بعدد يناير – فبراير 1848 من صحيفة ‘Neue Rheinische Zeitung التي كان ماركس يرأس تحريرها كتب انجلز التالي:

    (( بين جميع القوميات والشعوب التابعة للنمسا ( يقصد الامبراطورية النمساوية المجرية) فقط ثلاثة من الشعوب هم حاملي لواء التقدم ولهم القدرة على الحياة : الالمان والبولون والمجريون . وبالتالي هم الان ثوريون. جميع القوميات والشعوب الاخرى مصيرها ان تُمحي في المحرقة الثورية العالمية))

     . ويمضي انجلز ليصف هذه الشعوب بأنها قمامة انسانية ؛ حيث يقول في نفس المقال:

    (( إن بقايا الشعوب والذين كما قال هيجل  ؛ قمعوا وسجنوا  على مدار التاريخ؛ هذه القمامة الانسانية ؛ يصبحون في كل مرة؛ ناقلون متعصبون للثورة المضادة . وسيظلون هكذا حتى يتم طمس كامل او فقدان لهويتهم القومية . ان وجودهم كله ؛ هو في حد ذاته؛ احتجاج على ثورة تاريخية كبيرة )) . 

    ولكي لا يترك انجلز مجالا للشكوك عمن يتحدث؛  يشرح إن المقصودين هم السلاف الجنوبيين ويصفهم مرة اخرى بالقمامة ؛ فيقول:

    (( مثل هؤلاء في النمسا هم عموم السلافيين من  السلاف الجنوبييين؛ والذين لا يعدون شيئا غير انهم قمامة بشرية للشعوب؛  ؛ ناتجين عن الف سنة من التطور المشوه بتطرف)) –

    ما العمل اذن مع هذه القمامة الانسانية والتي مجرد واقع وجودها يعطل الثورة؛ والمشوهة عبر الف سنة من التطور ؛ والذين لم تطمس هويتهم القومية بالكامل ؟؟ ان مصيرهم هو التصفية والاختفاء من وجه الأرض. يقول انجلز:

    (( إن الحرب العالمية القادمة ستؤدي إلى الاختفاء من على وجه الأرض ليس فقط  للطبقات الرجعية والعوائل الحاكمة، ولكن أيضا للشعوب الرجعية بأكملها. وهذا، أيضا، هو تقدم.))

    هذه دعاية كاملة للمحرقة او الهولوكاست الذي مارسه هتلر من بعد؛ ونحن نعرف ان هتلر كان يكره السلاف واليهود والزنوج . وسنجد ان ماركس وانجلز كانا يكرهان اغلب السلاف واليهود والزنوج . كما ان هتلر اسمى حزبه ( حزب العمال الاشتراكي القومي الالماني) وكان الحزب الذي رعاه ماركس وانجلز هو (حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الالماني) .هذا  غير اوجه الشبه الاخرى العديدة .

    ولكي يكون انجلز واضحا في طرحه عمن سيقوم بعملية التصفية والاخفاء عن وجه الارض ؛ فهو يجدد القائمين على هذه العملية أي الألمان . في مقام اخر يتحدث عن مواجهة هذه الشعوب بالارهاب ويضيف اليها روسيا.

    أن روسيا فقد كانت دائما عدوا لماركس وانجلز ؛ وكانا يحرضان عليهما البولون والمجريون – وكان موقفهما من روسيا دائما منطلقا من الصراع التاريخي البروسي (الالماني) – الروسي. عموما يشرح انجلز كيف يمكن تصفية هذه  ” الشعوب المضادة للثورة ”  كالتالي:

    (( في مواجهة العبارات العاطفية عن الأخوة التي يجري تقديمها  هنا نيابة عن الشعوب  المضادة للثورة من أوروبا، نقوم بالرد أن كراهية الروس كانت وما زالت هي  العاطفة الثورية الأولية بين الألمان.  وبعد الثورة (يقصد ثورة 1848)  تمت إضافة الكراهية للتشيك والكروات، وأنه فقط من خلال الاستخدام الأكثر تصميما للإرهاب ضد هذه الشعوب السلافية يمكننا، بالاشتراك مع البولنديين والمجريين، حماية الثورة. ثم سيكون هناك صراع، وهو “بلا هوادة صراع حياة أو موت” ضد أولئك السلاف الذين يخونون الثورة. معركة ماحقة وبارهاب اكثر عزما – ليس في مصلحة ألمانيا، ولكن في مصلحة  الثورة!))

    انجلز ينتبه في الجملة الاخيرة لنفسه ويحاول ان يبرر ؛ وكما يقال الحرامي في راسو ريشة.

    ماركس وانجلز والتبرير للعبودية والاسترقاق:

    ان ماركس ؛ في نظرته الجبرية الميكانيكية لتطور المجتمعات والشعوب ؛ وهي النظرة التي اثبتت فشلها تماما؛ فالشيوعية لم تقم في اكثر الدول الراسمالية تقدما؛ بل قامت في اكثرها تخلفا؛ والشعوب السلافية الصغيرة لم تنقرض؛ رغم محاولات مواطنهما هتلر في ذلك؛ والطبقة العاملة او البروليتاريا لم تصبح اغلبية المجتمع ؛ بل الطبقة الوسطى هي التي سادت في الغرب؛ الخ الخ ؛ نقول انه في نظرته الجبرية مستعد لتبرير اكبر الجرائم في التاريخ؛ ومن ذلك الرق والعبودية.

    وحتى نكون واضحين فان ماركس وانجلز معه  لا يتحدثان عن ذلك الطور العبودي الاول في ماضي البشرية ؛ والذين صنفه الرجلان بعد المشاعية الاولى . لا .. الرجلان يتحدثان عن العبودية والاسترقاق المعاصران لهما ؛ وماركس يبدو واضحا وصارما في هذا ؛ فهو يقول في رسالة الى بافل انينكوف:

    ((أما بالنسبة العبودية، فليست هناك حاجة لي أن أتكلم من جوانبها السيئة. الشيء الوحيد الذي يتطلب التفسير هو الجانب الجيد من العبودية. وأنا لا أقصد العبودية غير المباشرة ، عبودية البروليتاريا. أعني العبودية المباشرة :  عبودية السود في سورينام، في البرازيل، في المناطق الجنوبية من أمريكا الشمالية. الاستعباد المباشر هو  المحور الذي تدور حوله الصناعة المعاصرة وكذلك الآلات والائتمان، الخ الرق بالتالي هو  وضع (تصنيف) اقتصادي ذو  أهمية قصوى))

    https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1847/poverty-philosophy/ch02.htm#s4

    ان ماركس هنا يرى جانيا “جيدا” من العبودية ؛ وهو يراه “ذو اهمية قصوى ” ؛ كما يرى ان العبودية هي محور الصناعة الحديثة . قد يزعم زاعم من اتباع ماركس الجهلة والعمى والصم عن الحقيقة  ان الرجل يقول هنا حكما مجردا علميا لا حكم قيمة ؛ والحق انه بهذا الحكم “المجرد” فقد برر ماركس تاريخا طويلا من الدم والألم والدموع وانتزاع الناس من ثقافاتهم واوطانهم لتحويلهم عبيدا يسترقون ويباعون كما تباع الاشياء. وفقا لاطروحة ماركس هذه؛ كانت ثورة سبارتاكوس ثورة رجعية ؛ اذ كيف يتمرد على وضع هو محور الاقتصاد وذو اهمية اقتصادية قصوى ؟ ولنتذكر دائما إن ماركس يرى الاقتصاد كالقوة المحركة للتاريخ. فليذبح الناس اذن وليتحولوا الى عبيد من اجل دوران الصناعة في الولايات الجنوبية وفي البرازيل وسورينام.

    ان ماركس لا يكتفي بهذا ؛ حيث نجده يتحدث بنفس العبارات في رده على كتاب برودون ” فلسفة البؤس” ؛ حيث رد عليه ماركس بكتاب اسماه ” بؤس الفلسفة ” وفيه يرد على دعوات برودون الحارة بتحرير العبيد في الولايات المتحدة بالتالي :

    ((دون العبودية، فإن أمريكا الشمالية، الدولة الأكثر تقدمية من البلدان، من شأنها أن تتحول إلى بلد بطريركي (أبوي) . أمحو أمريكا الشمالية من خريطة العالم، وسيكون لديك الفوضى :  الاضمحلال الكامل للتجارة الحديثة  والحضارة. إلغي  الرق وسيكون لديك محو لأمريكا من على خارطة الدول.))

    ماركس هنا يقول انه بدون رق ليس هناك امريكا وبدون امريكا ليس هناك حضارة وانما فوضى .. الغي الرق وستحصل على الفوضى والاضمحلال الكامل للحضارة !!! 

    https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1847-pv/03-1.htm#4

    ولقد توقعت ان يأتي أحد اتباع ماركس ليزعم ان الكلام ليس كلام ماركس وانما كلام برودون – للاسف هذه حجة ضعيفة – رغم الصيغة السيئة جدا لكتابة الكتاب . لأن انجلز قد علق على مقولة ماركس الأخيرة عن ان امريكا لا تكون بدون عبودية و العالم لا يكون دون عبودية بالقول:

    ((هذا كان صحيحا بشكل كامل لعام 1847 . في ذلك الوقت فان تجارة الولايات المتحدة العالمية قد كانت مقتصرة بصورة رئيسية على استيراد المهاجرين والمواد الصناعية ؛ وعلى تصدير القطن والتبغ ؛ اي بمعنى آخر ؛ منتجات قوة عمل العبيد الجنوبية . الولايات الشمالية كانت تنتج رئيسيا الذرة الشامية واللحوم لولايات الاسترقاق . انه فقط حينما بدأ الشمال في انتاج الذرة الشامية واللحوم للتصدير وعندما اصبح ايضا بلدا صناعيا؛ وعندما اصبح على احتكار القطن الامريكي ان يواجه منافسة قوية ؛ في الهند وومصر والبرازيل الخ ؛ فان الغاء العبودية أصبح ممكنا. وحتى وقتها فإن هذا قد قاد لتهدم الجنوب ؛ الذي لم يفلح في استبدال العبودية المفتوحة (المعلنة ) للزنوج بالعبودية المُقنّعة للحمالين الهود والصينيين . ف. أ))

    المرجع: https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1847/poverty-philosophy/ch02.htm#1

    https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1847-pv/03-1.htm#01

    تعليق انجلز كتبه للطبعة الالمانية لكتاب  “فلسفة الؤس ” لماركس لعام 1885 ؛ اي بعد حوالي 40 عاما من كتابة   لماركس ل”بؤس الفلسفة” ؛ وهو يشير فيه الى مقولة ماركس التالية تحديدا :

    ((دون العبودية، فإن أمريكا الشمالية، الدولة الأكثر تقدمية من البلدان، من شأنها أن تتحول إلى بلد بطريركي (أبوي) . أمحو أمريكا الشمالية من خريطة العالم، وسيكون لديك الفوضى :  الاضمحلال الكامل للتجارة الحديثة  والحضارة. إلغي  الرق وسيكون لديك محو لأمريكا من على خارطة الدول.)) 

    ارجو مراجعة علامة الاشارة * في المرجع المرفق؛ فعلام يدل هذا ؟

    يدل هذا على ان تلك المقولات المؤيدة للعبودية هي لماركس وليست لبرودون . لأن  انجلز يقول إن هذا التحليل  كان صحيحا عام 1847 . فهل يقصد تثبيت صحة مقولة برودون ام مقولة ماركس ؟ما مصلحة انجلز في تثبيت صحة مقولة برودون اذا كانا هو وماركس يعتبرانها خاطئة ؟؟

    إن انجلز كان شارح ماركس وكان كثيرا ما يأتي بتعليقات تشرح ما يقصده ماركس او يوسعه او يطوره ؛ بل لقد كتب عدداً من الكتب في شرح افكار ماركس وفي التعليق علىها الخ بل كانت لهما كتب عديدة مشتركة من بينها الايدلوجية الالمانية والبيان الشيوعي الخ ويكاد كتاب راس المال ان يكون كتابا مشتركا لهما ..

    انجلز لم ينف صحة المقولة وانما قال انها كانت صحيحة بشكل كامل ( perfectly correct ) فهل كان يؤكد كلام ماركس ام كلام برودون ؟ وهل انجلز معاصر ماركس وصديقه ورفيقه لم يكن يعرف ان الكلام كلام برودون حتى يصححه ويؤكده في زمنه ؟؟ ام هو يعلم تماما انها كلمات ماركس واقواله؟

    تعليق انجلز نفسه يوضح موافقته هو نفسه على العبودية ؛ باعتبارها ضرورة اقتصادية . إذ يقول انه فقط عندما انتفت ظروف العبودية اصبح الغائها ممكنا – اي أنه لم يكن ممكنا إلفائها في عام 1847 حين كان كلام ماركس (صحيحا بصورة كاملة) . مع ذلك وحتى بعد 40 عاما فان انجلز يقول ان الغاء العبودية قد ادى لتهدم الجنوب . ان انجلز في تحسره على “تهدم” او انهيار الجنوب العبودي انما يسير في نفس خط ماركس الذي يرفض الغاء العبودية حتى لا تُمحي امريكا من خارطة العالم.

    ان ملاحظة انجلز الواضحة والصريحة والعارية توضح ليس فقط موافقته على كلام ماركس وتأكيد صحته؛ وانما توضح اتفاقه التام مع ماركس وتبنيه لاقواله بعد حوالي 40 عاما؛ مما يوضح ان موقفهما في تبرير العبودية كضرورة اقتصادية هو موقف ثابت لهما لم يتغير حتى بعد ان اصبح انجلز هرما وبعد وفاة ماركس نفسه.

    ماركس وانجلز : العنصرية وعلاقات العرق:

    ازعم ان ماركس وانجاز وفقا لمنهجهما المركزي الغربي والالماني الشوفيني قد كانا عنصريان ايضا . والنهج العنصري والذي يركز على علاقات العنصر والدم تيار قديم في الثقافة الالمانية وقد وصل اوجه على يد هتلر وغوبلز اللذان اعتبرا ان الجنس الاري هو الجنس الافضل وان السلاف هم تحت – بشر وان المانيا يجب ان تكون فوق الجميع .

    ماركس وانجلز معروفان بأنهما كانا يريان ان الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية هي محركة التاريخ؛ ولكن القليل من الناس يعرف انهما كانا يريان اهمية كبيرة لعلاقات العرق والعنصر في منهج انثربيولوجي فج. لقد كان الرجلان تلميذان للامارك وقد احتفيا بداروين ونظريته في الانتقاء الطبيعي؛ وكانوا يؤمنان ان الانتقاء الطبيعي يتم ضمن البشر ايضا؛ وان البشر لا ينقسمون الى طبقات متناحرة فقط؛ وانما الى اعراق بعضها متقدم وبعضها متأخر؛ وان المتقدم منها بينه الألمان؛ وقد استخدما كلمة متفوق اي (superior) في وصفهما لما اسمياه بالعنصر او العرق او الجنس الآري اى الألماني- الجرماني .

    يقول ماركس وانجلز في كتاب “الايدلوجية الألمانية ” وهو واحد من كتبهما الاولى وهما  يتحدثان ليس عن الانتخاب الطبيعي وانما عن الانتخاب الصناعي بين الحيوانات والانواع البدائية وكيف يمكن نقله لعالم البشر:

     (( وأن سانشو يمكن أن يلقي في هذا الصدد نظرة سريعة   في علم الحيوان ليكتشف  أن “محدودات الذكاء الفطرية” تشكل الطبقة الأكثر عددا ليس فقط بين الغنم والبقر، ولكن أيضا بين السليلات المخاطية  والنقاعيات، التي ليس لها رؤوس على الإطلاق. وقد  سمع ربما أنه من الممكن تحسين أجناس الحيوانات وخلق انواع جديدة تماما   وأصناف أكثر كمالا على حد سواء للتمتع البشري او للتمتع الذاتي الخاص بينهم –  “لماذا لا” يكون  سانشو قادرا  على رسم الاستنتاج نفسه  فيما يتعلق بالناس كذلك؟ ))

     ويولي انجلز اهتماما كبيرا بقضايا العرق في كتابه ” اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” والذي اجازه ماركس؛ حيث يقول فيه ان الجنس الارياني “متفوق” كما اليهود بسبب من اكلهم للحم واللبن . 

    ويمضي في كتاب “انتي دوهرنج” ليقول انه كما تورث الصفات الفردية فالصفات العرقية الجماعية ايضا تورث ؛ ويقول ان طفل (الماني ؟) في الثامنة يفهم بديهيا في الرياضيات ما لا يمكن ان يفهمه بوشمان او زنجي استرالي بالمثال؛ حيث يكتب:

    (( من ناحية أخرى، فإن العلوم الطبيعية الحديثة وسعت مبدأ أن أصل كل محتوى فكري ينتج من الخبرة – الى الدرجة التي تنهار فيها الحدود والصياغات الميتافيزيقية القديمة . من خلال التعرف على توريث الصفات المكتسبة، نمد هذا الموضوع من خبرة الفرد إلى الجنس.  أن يكون  الفرد الواحد من ذوي الخبرة لم يعد ضروريا، بل يمكن استبدال خبرته الفردية إلى حد معين من نتائج تجارب عدد من أسلافه. إذن، على سبيل المثال، اذ كانت البديهيات الرياضية تبدو  لنا بديهية لكل طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات، وليست  في حاجة إلى دليل من التجربة، فإن هذا هو  فقط نتيجة “الإرث المتراكم.” وسيكون من الصعب أن نعلمها حتى بدليل لرجل الغابة ( البوشمان)  أو الزنجي الاسترالي ))

    ان هذا الرأي حول العوامل العرقية ثابت عند ماركس وانجلز ؛ وهو ممتد في كل كتاباتهما في جميع مراحلها التاريخية .. ففي كتاب “راس المال ” وهو من الكتب الناضجة لماركس الشيخ ( توفي قبل أن يكمله ) يقول ماركس:

    (( ان الامكانية معروضة هنا لتطور اقتصادي ياخد موقعه؛ وفقا ؛ بطبيعة الحال؛ على ظروف مواتية ؛ وكذلك على الصفات العرقية الموروثة الخ ))

    كمان انجلز يؤيده في مقال نشر بالاعمال المختارة لهما حيث يقول:

    (( نحن نعتبر الظروف الاقتصادية هي العامل الذي يحدد في نهاية المطاف التطور التاريخي. ولكن العرق  هو في حد ذاته عاملا اقتصاديا )).

    هذا هو الاطار النظري؛ فما هو المنظور العملي لماركس وانجلز من قضايا العرق ؟؟ انهما ؛ مثل استاذهما هيجل؛ يؤمنان بتفوق اعراق على اخرى ؛ وان صفات الاعراق  تتنتقل بالوراثة ؛ وان هناك اعراق متفوقة على اخرى؛ بسبب من محتويات غذائها؛ وان هناك اعراق وشعوب رجعية ؛ واخرى بربرية ؛ وثالثة هي قمامة بشرية ؛ ورابعة ليس لها مستقبل وليس لها تاريخ ؛ الخ الخ

    الشوفينية الالمانية والتوسعية البروسية :

    لقد تحدثنا عن الظروف التي كانت فيها المانيا في فترة صبا وشباب وكهولة ماركس وانجلز ؛ اي حتى العام 1870 حين اكملت المانيا وحدتها تحت زعامة بروسيا وعلى يد بسمارك. في كل هذا الوقت حاول ماركس وانجلز خلق تنظيم اوربي – وربما عالمي – يخدم خطط اعادة توحيد المانيا وقيادتها لاوروبا وربما العالم.

    ان عصبة الشيوعيين كانت تنظيم الماني في المقام الاول ؛ وكانت فروعها الاجنبية تتكون في الغالب من عمال المان ؛ كما كانت قيادتها في اغلبيتها العظمى من الالمان. اما حينما تكونت جمعية الشغيلة العالمية كتنظيم شيوعي “اممي” فقد سعى ماركس وانجلز دائما لوضعه تحت السيطرة الالمانية ؛ وكانا يمارسان هجوما منقطع النظير على الثوري الفرنسي برودون ؛ كما على الروسي باكونين؛ ومن يدعمها من فروع الاممية وخصوصا اللاتينية والسلافية منها.

    بل لقد اعترف الرجلان ان الصراع مع برودون هو صراع لتخليص منظمة الشغيلة العالمية (ما تسمى بالأممية الأولى ) من القيادة الفرنسية لصالح القيادة الالمانية ومن مفاهيم الشيوعية الفرنسية لمفاهيم الشيوعية الالمانية (سأتي بالنص لاحقا)- اما حينما اكتملت وحدة المانيا وتفكيك الاممية الاولى من طرف ماركس وانجلز حتى لا يسيطر عليها اتباع باكونين وهم الاغلبية ؛ فقد جعل ماركس وانجلز كل همهما لبناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني والذ1ي بدأ العمل تحت تأثيرهما الفكري والسياسي الكاسح .

    اننا نجد في كل كتابات ماركس وانجلز وخصوصا انجلز ؛ رغم الجارغون الشيوعي والثوري والاممي؛ إحتفاء بالجنس الالماني او الجرماني أو الأري ؛ في مقابل تشنيع وحط من شأن الشعوب الأخرى الموصوفة بالبربرية . بما فيهم من افارقة واسيويين ولاتينين؛ ولن نذكر السلاف ولكن ايضا الايرلنديين وأهل اسكندنافيا- فقد كتب انجلز مثلا عن الاسكدنافيين في مقال لصحيفة(Neue Rheinische Zeitung) عدد سبتمبر 1848 :

    (( أن الاسكندنافية هي  الحماس لوحشية ودناءة وقرصنة  الصفات الوطنية للنورس (الشمالي ) القديم؛ وللحياة الداخلية  الموروثة والتي لا يستطيع ان يعبر عن الافكار والمشاعر المندفعة فيها في كلمات؛  ولكن يمكن التعبير عنها  في الأفعال، وتحديدا في الوقاحة تجاه المرأة، والسكر  الدائم والهيجان البري للمقاتلين المهووسين  المتناوب مع العاطفية الدامعة))

    واذا كان هناك احد سيزعم ان هذا نص لانجلز الشاب ؛ فلننظر لهذا النص الذي كتبه عن شعوب جنوب اوروبا بما فيها من سلاف واغريق في شيخوخته اي في عام 1885:

    ((هذه  الشظايا البائسة الخربة  لشعوب المرة – الواحدة : الصرب، البلغار واليونانيين، والعصابات الناهبة الاخرى ؛ الذين  يشعل لهم الليبراليون المتحمسون  شموع متحمسة في مصلحة روسيا، هم غير مستعدين لمنح بعضهم البعض الهواء الذي يتنفسوه، ويشعرون  بالالزام لقطع حلاقيم بعضهم البعض . شعوب البلقان الردئية ))

    لقد تحدثنا اعلاه عن كراهية ماركس وانجلز للسلاف وتوعد الشعوب السلافية بمحرقة حرب عالمية يتم فيهم تدميرهم وتغيبب حتى اسم تلك الشعوب ؛ وان الالمان سوف يقودون تلك الحرب (مع البولنديين والمجريين) ؛ كما تابعنا حديثهم عن المسخ الثقافي الكامل للشعوب السلافية في الامبراطورية النمساوية المجرية ( التي كان  يقودها الناطقون بالالمانية من الاسرة المالكة النمساوية) – ونعرف ان كل هذا مرتبط بالعداء لروسيا؛ عدوة المانيا التقليدية وقتها  – انظر الي انجلز (او ماركس) يقول في العدد 42 من صحيفة “Neue Rheinische Zeitung” التالي :

    (( فقط حرب ضد روسيا ستكون حربا من أجل  ألمانيا الثورية، حرب يمكن ان تطهر بها (المانيا)  نفسها من خطاياها الماضية، حرب تاخذ فيها شجاعتها لهزيمة مستبديها ونشر الحضارة بتضحيات ابنائها الذين سيبصحون شعبا  ينفض عن نفسه سلاسل العبودية  المتبلدة   الطويلة )) 

    هذا كله مرتبط بنزعة توسعية المانية تتحدث عن استرداد الالزاس واللورين (اقليم يتبع لفرنسا كان يسكنه المان) مرة وعن احتلال مناطق نهر الراين حيث يقيم المان خارج حدود الدولة الالمانية. بل وصل الأمر لأن يدعو انجلز لجرمنة بعض الشعوب عقابا لها على عدم الولاء لالمانيا. انظر قوله في مقال عن ارنست ارندت نشر في صحيفة “تلغراف المانيا ”  في مطلع عام 1841 وهو شاب غض :  

    ((صحيح، أنها فكرة ثابتة لدي الفرنسيين أن الراين هو ممتلكاتهم، ولكن تجاه  هذا الطلب المتغطرس فإن  الرد الوحيد الذي يُستحق من الأمة الألمانية هو لأرندت: “اعيدوا الألزاس واللورين”. لأنني أرى، وربما على النقيض من العديد الذين أشاركهم الرأي في قضايا اخرى ، أن إعادة احتلال  الضفة اليسرى الناطقة بالألمانية من نهر الراين هي مسألة شرف وطني، وأن جرمنة  هولندا وبلجيكا الخائنات هي ضرورة سياسية بالنسبة لنا. هل يجب ان نترك الوطنية  الألمانية لتقمع تماما في هذه البلدان، في حين أن السلاف ينهضون  بقوة أكثر  في الشرق؟))

    https://www.marxists.org/archive/marx/works/1841/01/arndt.htm

    أن البعض قد يزعمون ان هذه مواقف غير ناضجة لانجلز ؛ تعود لفترة شبابه. وهذه هراء فقد ابتدأ الرجل شوفينيا المانيا وانتهى شوفينيا المانيا.  فقد كتب انجلز التالي في رسالة لأوغست بيبل أحد زعماء  الحزب الاشتراكي الديمقراطي  الالماني (الشيوعي حينها) والذي كان انجلز بمثابة الراعي له وهو كهل عجوز اي في  في عام 1891 التالي فيما يعتبر وصية سياسية :

    ((على أي حال يجب أن نعلن أنه منذ 1871 لقد كنا دائما على استعداد للتفاهم  السلمي مع فرنسا، أنه حالما يأتي حزبنا الى السلطة فإنه لن يكون قادرا على ممارسة تلك السلطة إلا إذا  حددت الألزاس واللورين  مستقبلهما بطريقة حرة. ، ولكن  إذا فرضت الحرب علينا، وعلاوة على ذلك كانت تلك  حرب في تحالف مع روسيا، يجب علينا أن نعتبر هذا بمثابة هجوم على وجودنا والدفاع عن أنفسنا بكل طريقة، وذلك بالتحلص من (استخدم تعبير “فرم”) جميع المواقع على طريقنا وبالتالي متز وستراسبورغ أيضا (مدن فرنسية) – حتى يمكن لجيشنا قيادة ومواصلة الهجوم الرئيسي .  . ان المؤكد جدا بالنسبة لي :  إذا كنا سننهزم سيتم سيتم طرح كل حاجز للشوفينية وحروب الانتقام في أوروبا لسنوات.  إذا انتضرنا  فسوف يأتي حزبنا  إلى السلطة. وبالتالي فإن فوز ألمانيا هو انتصار للثورة، واذا وصل الامر الى الحرب يجب علينا ليس فقط ان نرغب في الانتصار ولكن الوصول اليه بكل وسيلة ))

    ونحن نعرف كيف خاضت من بعد المانيا حروبها التوسعية في الحروب العالمية التي توعد بها انجلز السلاف والفرنسيين والهولنديين والبلجيك الخ من الشعوب “البربرية” و”الخائنة”.

    https://www.marxists.org/archive/marx/works/1891/letters/91_09_29.htm

    ان كل هذا النهج الاستعماري التوسعي والعدائي يتم التبرير له مرة بإسم الثورة ومرة بإسم الحضارة – فحين تقوم المانيا باحتلال اراضي الغير يقوم انجلز ومن ورائه ماركس بتبرير ذلك . انظر لقول انجلز عن احتلال المانيا لاراضي (امارة شيلزفيغ الدنماركية):

    انه نفس الحق الذي اتاح لالمانيا أخذ شيلزفيغ – أنه حق الحضارة مقابل البريرية ؛ حق التقدم ضد الجمود )  

    رغم ان انجلز يعترف ان الاتفاقيات  القانونية  هذه المرة كانت تقف  مع الدنمارك – ولكنه اعتبر ان هذا امر يقتضيه التطور التاريخي ؛ باعتباره نزعا لاراضي برابرة وضمها للمتحضرين  – حتى الدنماركيين الاوربيين  اعتبرهم انجلز برابرة وذلك لمصلحة المانيا؛ بعد ان كانت البربرية صفة تطلق فقط على العرب والزنوج والهنود من من غير اوروبا البيضاء الغربية.و

    وأواصل


    مقاطع مرجعية :

    انجلز يتحدث عن تفوق الجنس الالماني على الشعوب الاخرى في العلوم  

    Karl Marx, “A Contribution to the Critique of Political economy” (Review by Frederick Engels), Das Volk, 30 No. 14, August 6, 1859: “The Germans have long since shown that in all spheres of science they are equal, and in most of them

    superior

    , to other civilised nations. Only one branch of science, political economy, had no German name among its foremost scholars.”

    in : https://www.marxists.org/archive/marx/works/1859/critique-pol-economy/appx2.htm

    انجلز يتحدث عن تفوق الأريين واليهود بسبب أكلهم للحم واللبن  

    “The plentiful meat and milk diet among the Aryans and the Semites, and particularly the beneficial effects of these foods on the development of children, may, perhaps, explain

    the superior development

    of these two races.”

    The quotation is from Engels, “Origin of the Family, Private Property and the State”, Fourth revised edition, 1891, in Marx & Engels, Selected Works In One Volume, Lawrence & Wishart: London, 1980, p 464.

    انجلز يدعم جرمنة الشعوب الاخرى ( هولندا وبلجيكا) واحتلال اراضيها من قبل الالمان ( البروسيين )  بدعوى انتصار الحضارة على البربرية وانها شرف وطني وضرورة سياسية الخ  ويتسائل هل يمكن السماح للقومية الالمانية ان يتم اضطهادها في تلك البلدان ( خارج المانيا) بينما ينهض السلاف أكثر قوة  في الشرق؟

    “True, it is a fixed idea with the French that the Rhine is their property, but to this arrogant demand the only reply worthy of the German nation is Arndt’s: “Give back Alsace and Lorraine”. For I am of the opinion, perhaps in contrast to many whose standpoint I share in other respects,

    that the reconquest of the German-speaking left bank of the Rhine is a matter of national honour

    , and that the

    Germanisation of a disloyal Holland and of Belgium is a political necessity

    for us. Shall we let the

    German nationality be completely suppressed in these countries, while the Slavs are rising ever more powerfully in the East

    ?”

    in : https://www.marxists.org/archive/marx/works/1841/01/arndt.htm

    انجلز مرة اخرى يتحدث عن احتلال المانيا لاراضي الغير  (امارة شيلزفيغ الدنماركية) ويقره رغم ان الحق هذه المرة كان مع الدنمارك بسبب زعمه ان هذه نقلة من البربرية للحضارة واقتضاها التطور الحضاري – حتى الدنماركيين اعتبرهم برابرة 

    “By the same right under which France took Flanders, Lorraine and Alsace, and will sooner or later take Belgium — by that same right Germany takes over Schleswig; it is the right of civilization as against barbarism, of progress as against stability. Even if the agreements were in Denmark’s favor — which is very doubtful-this right carries more weight than all the agreements, for it is the right of historical evolution”

    انجلز يعتبر بعض الشعوب السلافية متاخرة ويسميها بالقمامة  الانسانية  ويتحدث عن تصفيتها المقبلة في حرب ثورية عالمية  

    “Among all the nations and sub-nations of Austria, only three standard-bearers of progress took an active part in history, and are still capable of life — the Germans, the Poles and the Magyars. Hence they are now revolutionary.

    All the other large and small nationalities and peoples are destined to perish before long in the revolutionary world HOLOCAST.

    (…) 

    This remnant of a nation that was, as Hegel says, suppressed and held in bondage in the course of history, this

    human trash

    , becomes every time — and remains so until their complete obliteration or loss of national identity — the fanatical carriers of counter-revolution,

    just as their whole existence in general is itself a protest against a great historical revolution

    . (…) 

    Such, in Austria, are the pan-Slavist Southern Slavs,

    who are nothing but the human trash of people

    s, resulting from an extremely confused thousand years of development. (…) 

    The next world war will result in the disappearance from the face of the earth not only of reactionary classes and dynasties, but also of entire reactionary peoples. And that, too, is progress.

    انجلز مرة اخرى يهاجم بعض الشعوب السلافية ويعتبر ان لا مستقبل لها لأنه ليس لها ماض 

    “We repeat: apart from the Poles, the Russians, and at most the Turkish Slavs,

    no Slav people has a future, for the simple reason that all the other Slavs lack the primary historical, geographical, political and industrial conditions for independence and viability

    . Peoples which have never had a history of their own, which from the time when they achieved the first, most elementary stage of civilization already came under foreign sway, or which were forced to attain the first stage of civilization only by means of a foreign yoke, are not viable and

    will never be able to achieve any kind of independence.

    And that has been the fate of the Austrian Slavs. The Czechs, among whom we would include the Moravians and Slovaks, although they differ in respect of language and history, have never had a history of their own”

    انجلز يحتفل باحتلال الجزائر ويعتبرة نقلة مهمة في انتصار الحضارة 

    Engels in The Northern Star January 22, 1848: “

    Upon the whole it is, in our opinion, very fortunate that the Arabian chief has been taken. The struggle of the Bedouins was a hopeless one, and though the manner in which brutal soldiers, like Bugeaud, have carried on the war is highly blamable, the conquest of Algeria is an important and fortunate fact for the progress of civilisation

    . The piracies of the Barbaresque states, never interfered with by the English government as long as they did not disturb their ships, could not be put down but by the conquest of one of these states.

    And the conquest of Algeria has already forced the Beys of Tunis and Tripoli, and even the Emperor of Morocco, to enter upon the road of civilisation

    . They were obliged to find other employment for their people than piracy, and other means of filling their exchequer than tributes paid to them by the smaller states of Europe.

    And if we may regret that the liberty of the Bedouins of the desert has been destroyed, we must not forget that these same Bedouins were a nation of robbers, – whose principal means of living consisted of making excursions either upon each other, or upon the settled villagers, taking what they found, slaughtering all those who resisted, and selling the remaining prisoners as slaves. All these nations of free barbarians look very proud, noble and glorious at a distance, but only come near them and you will find that they, as well as the more civilised nations, are ruled by the lust of gain

    كتابات ماركس انجلز الكاملة – الطبعة الانجليزية – المجلد الخامس – – هنا تجدها في صفحتي 471 – 472 من هذا الملف http://ciml.250x.com/…/english/mecwsh/mecwsh-6_401.p

    انجلز يحتفي ويسعد باحتلال الولايات المتحدة للمكسيك ويطالب بوضع المكسيم تحت وصابة الولايات المتحدة ؛ من اجل مصلحتها طبعا 

    Engels in Deutsche-Bruesseler-Zeitung 1848: “

    In America we have witnessed the conquest of Mexico and have rejoiced at it

    . It is also an advance when a country which has hitherto been exclusively wrapped up in its own affairs, perpetually rent with civil wars, and completely hindered in its development, a country whose best prospect had been to become industrially subject to Britain – when such a country is forcibly drawn into the historical process.

    It is to the interest of its own development that Mexico will in future be placed under the tutelage of the United States.

    The evolution of the whole of America will profit by the fact that the United States, by the possession of California, obtains command of the Pacific”

    https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1848/01/23.htm

    انجلز يدعو روسيا لمباشرة مهمتها الحضارية الحقيقية في آسيا بالتعاون مع الغرب :

    ” Finally, the noble nation of Great Russia, no longer engaged in pursuing chimerical conquest for the benefit of Tsarism,

    will be free to carry out its true civilising mission in Asia

    and to develop its vast intellectual resources in exchanges with the West, instead of squandering the best of its blood on the scaffold or in the katorga.”

    ماركس يتحدث عن”الإهمية  الاقتصادية” للعبودية والرق 

    “As for slavery, there is no need for me to speak of its bad aspects. The only thing requiring explanation is the good side of slavery. I do not mean indirect slavery, the slavery of proletariat; I mean direct slavery, the slavery of the Blacks in Surinam, in Brazil, in the southern regions of North America. Direct slavery is as much the pivot upon which our present-day industrialism turns as are machinery, credit, etc. Slavery is therefore an economic category of paramount importance.”

    – Karl Marx to Pavel Vasilyevich Annenkov, (Letter, 28 December 1846)

    ماركس يقول ان امريكا بدون العبودية ستصبح بلدا بطريركيا ويكون هذا نهايو الحضارة والتجارة ؛ وان العالم شسينتهي بدون امري وان امريما ستنتهي بدون العبودية 

    “Without slavery North America, the most progressive of countries, would be transformed into a patriarchal country. Wipe North America off the map of the world, and you will have anarchy – the complete decay of modern commerce and civilization. Cause slavery to disappear and you will have wiped America off the map of nations”

    انجلز يؤكد “صحة” مقولة ماركس ان امريكا بدوزن عبودية ستدمر وان العالم سينتهى دون امريكا العبودية 

    “This was perfectly correct for the year 1847. At that time the world trade of the United States was limited mainly to import of immigrants and industrial products, and export of cotton and tobacco, i.e., of the products of southern slave labour. The Northern States produced mainly corn and meat for the slave states. It was only when the North produced corn and meat for export and also became an industrial country, and when the American cotton monopoly had to face powerful competition, in India, Egypt, Brazil, etc., that the abolition of slavery became possible. And even then this led to the ruin of the South, which did not succeed in replacing the open Negro slavery by the disguised slavery of Indian and Chinese coolies, F.E.”

    Note by Frederick Engels, to the 1885 German Edition. For more information

    ماركس وانجلز عن قضايا العرق والاعراق :الانتخاب الصناعي يمكن ان يتم بين البشر 

     “He has not the slightest idea that the ability of children to develop depends on the development of their parents and that all this crippling under existing social relations has arisen historically, and in the same way can be abolished again in the course of historical development. Even naturally evolved differences within the species, such as racial differences, etc., which Sancho does not mention at all, can and must be abolished in the course of historical development. Sancho — who in this connection casts a stealthy glance at zoology and so makes the discovery that “innate limited intellects” form the most numerous class not only among sheep and oxen, but also among polyps and infusoria, which have no heads at all — has perhaps heard that it is possible to improve races of animals and by cross-breeding to create entirely new, more perfect varieties both for human enjoyment and for their own self-enjoyment.. “Why should not” Sancho be able to draw a conclusion from this in relation to people as well?”

    Marx & Engels, “The German Ideology”, Chap. 3

     الآريون شعب متفوق بسبب اكل اللحم واللبن 

    “The plentiful meat and milk diet among the Aryans and the Semites, and particularly the beneficial effects of these foods on the development of children, may, perhaps, explain the superior development of these two races.”

     Engels, “Origin of the Family, Private Property and the State”, Fourth revised edition, 1891, in Marx & Engels, Selected Works In One Volume, Lawrence & Wishart: London, 1980, p 464.)

     طفل الثامنة يفهم الرياضيات بديهيا والتي لا يمكن تعليمها للزنجي الاسترالي  

      “On the other hand, modern natural science has extended the principle of the origin of all thought content from experience in a way that breaks down its old metaphysical limitation and formulation. By recognising the inheritance of acquired characters, it extends the subject of experience from the individual to the genus; the single individual that must have experienced is no longer necessary, its individual experience can be replaced to a certain extent by the results of the experiences of a number of its ancestors. If, for instance, among us the mathematical axioms seem self-evident to every eight-year-old child, and in no need of proof from experience, this is solely the result of “accumulated inheritance.” It would be difficult to teach them by a proof to a bushman or Australian negro”.

     Engels. “Notes to Anti-Duehring”

     الصفات العرقية تحدد التطور الاقتصادي

     “The possibility is here presented for definite economic development taking place, depending, of course, upon favourable circumstances, inborn racial characteristics, etc.”

    Marx , Capital, vol. 3, chapter 47:

     العرق هو أيضا عامل اقتصادي 

      “We regard economic conditions as the factor which ultimately determines historical development. But race is itself an economic factor”.

    Engels: (Marx and Engels, Selected Works, Vol. 3, p. 502.(

    للمقاطع المرجعية بقية 

  • العوض المسلمي : سفير الأخلاق السودانية الآخير

    صدمني نبأ رحيل الأخ والصديق المرحوم العوض المسلمي وهزني ؛ وكنت قد التقيت بالرجل اول مرة قبل عدة سنوات في حفل شاي اقامه لي بورداب سودانيز اونلاينبالقرب من النادي الالماني ؛ ولاقيته اخر مرة في نهاية ديسمبر الماضي هو والاخ محمد المسلمي من جهة وانا والرفاق محمد مدثر فرح ومدثر خميس ومهند الكارب من جهة اخرى .

    كان العوض المسلمي في كل الحوارات التي دخلناها وفي كل اللقاءات وفي كل التواصلات نموذجا للرجل السوداني الاصيل : اخو اخوان – سريع عند الواجب ؛ محترما لنفسه وللغير. رجل تشعر في حضرته بالانشراح وبأن السودان لا يزال بخير. كان الرجل مثقفا موسوعيا في تواضع ؛ متدينا من دون تعصب؛ كريما من دون من. كان خير سفير للاخلاق السودانية في زمن عزت فيه الاخلاق وتدهور فيه السودان.

    لم تكن الاختلافات السياسية والعقائدية تؤثر مطلقا في العوض المسلمي. اذكر انه قد تواصل معي وتواصلت معه مرات عندما كانت وتيرة النقاش تلتهب مع بعض معارفه وكان دائما يسعى في الخير والصلح بين الناس. كان الرجل وطنيا قحا وكان له موقف مشرف من نظام الانقاذ ؛ رغم ان الكثيرون كانوا يقروون مواقفه بصورة خاطئة. لن انسى له دعمه الكامل لي عندما اعلنت نيتي للترشح في الانتخابات الرئاسية ؛ ولما انسحبت من الفكرة لم اجد الوقت الكافي لشكره وها قد حان وقت شكره للأسف الشديد.

    لتبقى ذكراك يا العوض المسلمي حيَة في قلوب الناس بقدر ما قدمت لهم ؛ ولتبق سيرتك العطرة نبراسا لكل من يبحث عن نموذج انساني يحتذي ؛ ولروحك شآبيب الرحمة ولنا ولأهلك ومعارفك واصدقائك وكل من أحبوك الصبر والسلوان .

    اخوك وصديقك:عادل عبد العاطي
    7 ابريل 2015

  • عن البغاء والجنس والإغتصاب في المجتمعات الشيوعية

    مقدمة:

    في حوارات مع بعض الشيوعيين الشباب في الانترنت اتضح لي حجم التخريب الايدلوجي وغسيل المخ الذي تعرض له هؤلاء من قبل الدعاية الشيوعية؛ واستغربت كيف انه بعد ربع قرن من السقوط الداوي للنظام الشيوعي الشمولي المتوحش لا يزال البعض يصدق بعض ما انتحته ماكينة الدعاية السوفيتية وما ظلت تجتره الاحزاب الشيوعية التابعة لها في الجنوب والشرق. في هذه السلسلة اجمع بعض المعلومات والحقائق والملاحظات عن واقع النظام الشيوعي آملاً في تجميعها في المستقبل بصورة أكثر تفصيلا وعلمية .

    عن البغاء والجنس والإغتصاب في المجتمعات الشيوعية

    لم تحقق الشيوعية اي وفرة او رخاء ولا بنى تحتية عملاقة . ما بنته الشيوعية بتكاليف اجتماعية باهظة كان على مستوى ما بنته الراسمالية الاولى في القرن التاسع عشر : تصنيع ثقيل يعتمد على استخدام مفرط للموارد وعلى حساب البيئة : زراعة جماعية تمت بالعنف والقوة وسببت مجاعات خطيرة ة كالمجاعة في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات والمجاعة في الصين في السبعينات بل والقتل بالجوع ( Holodomor ) كما تم لحوالي 7 مليون اوكراني في 1931-1932. الشيوعية كانت في الاساس نظام فاشل اقتصاديا ولذلك سقطت ؛ فضلا عن جرائمها السياسة واضرارها الاجتماعية الأخرى .

    الدعارة والبغاء في الاتحاد السوفيتي :

    يزعم الشيوعيون ان البغاء والدعارة قد اختفت من الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية التي سقطت وهذا هراء . فكل من عاش في دول المعسكر الشيوعي يعرف ان البغاء كان موجودا فيها وكانت بائعات الهوى يحتللن الفنادق تحت بصر وتعاون رجال الامن وكن احد مصادر العملة الصعبة. في بولندا حكى لنا من عاشر تلك الفترة انهن كن يعسكرن في فنادق مثل بريستول ومتروبول وايروبيسكي وفارشافا. في موسكو كن يعسكرن في فندق موسكفا قرب الكرملين ( تم هدمه الان) .. وهكذا دواليك في كل عواصم ومدن المعسكر الشيوعي.
    اعتمادي على مجموعة كبيرة من الدراسات التاريخية والمقارنة للجنس في روسيا والاتحاد السوفيتي وحوارات مطولة مع سودانيين ومواطنين من بلاد الكتلة الشيوعية عاصروا تلك الفترات الكالحة والمظلمة في تاريخ تلك الشعوبو احصاءات رسمية. بالمقابل االشيوعيون في خرافاتهم يعتمدون على ا الايدولوجيا فقط. الاتجاه الليبرالي الاجتماعي لا يحبذ تجارة الجنس لانها في الاغلب تتم دون حرية ولانها تتعارض مع كرامة الانسان( المراة تحديدا) ، ولا يطرح اهدافا يوتوبية مثل مجتمع لا طبقي واختفاء الدعارة كليا وغيرها من الترهات. الماركسية كنظرية شمولية عقائدية والشيوعية كنظام قمعي تسلطي تنتهك فيه حرية الفرد وكرامته هي بيئة سيئة جدا لنمو علاقات انسانية بين البشر،لذلك يتحول الجنس الى نزوة وتنمو مختلف الامراض الاجتماعية مثل الادمان والجنس الفوضوي والاغتصاب وجنس المحارم والدعارة غير المعلنة وهذه كلها ظواهر كانت تنخر الدول الشيوعية مع بقية امراضها حتى انهارت غير مأسوف عليها .
    عموما تجارة الجنس كانت رائجة في الاتحاد السوفيتي وان لم تكن علنية. لو كان الاتحاد السوفيتي بمثل ما تحكون عنه لما انهار بهذا الدوي. للاسف ان الشيوعيين السودانيين يصدقون خرافات ويروجون لخرافات كما يروج السلفيون خرافات عن مجتمع السلف الاسلامي الاول .

    الجنس في الاتحاد السوفيتي:

    الانظمة الشيوعية ابتذلت الجنس والاسرة عندما نا حولت كل شيء الى تفسير مادي جلف. نزعت عن الجنس والاسرة الغلالة الرومانسية وحولتهما الى رياضة ونزوة ، لذلك كان الطلاق اسهل شيء وكان الاجهاض يستخدم كوسيلة لمنع الحمل، وكان يمكن ان تجد فتاة او امراة اجهضت اكثر من 20 مرة في حياتها. كانت الدعارة موجودة ولكن الاقبال عليها كان ضعيفا لانه كما شبهه احد الكتاب كانك تشتري ماء بينما صنابير المياه حولك مليئة. كان ثمن الجنس هو زجاجة فودكا او نصف زجاجة. كان هذا مجتمعا متوحشا متخلفا دمر ارواح الناس وحولهم الى زومبي .
    لا اخلاقية الشيوعيين وعدميتهم واستغلالهم للنساء في التعامل مع الجنس ما عايزة يضوي ليها نار وقد ورثوها من كبارهم بدءا من ماركس الذي كان يغتصب خادمته ( نعم كان لماركس خادمة وكان له ابن غير شرعي منها ) ولينين الذي عاش كل حياته في ثلاثي مكون منه وزوجته كروبسكايا وعشيقته انيسا ارماند ، وماو تسي تونغ الذي كان زير نساء وسادي تخطف له الفتيات، ولن اتكلم عن كاسترو طبعا ففضائحه رفضتها حتى ابنته. الوحيد منهم الذدي لم يكن منهم زير نساءهو ستالين ولكن بجلافته تسبب في انتحار زوجته.
    اشارتي لهؤلاء تنبع من اثبات لا واقعية اليوتوبيا الشيوعية وتناقضها مع الواقع الكالح. قال عبد الخالق محجوب في كتيب ” اصلاح الخطأ في العمل وسط الجماهير” ان الفكرة لا تنفصل عن حاملها. حالة الاذدواجية الاخلاقية والتناقض ما بين المطروح رسميا والمطبق عمليا هي ظاهرة معروفة في كل الانظمة الشمولية القهرية وفي كل الفلسفات الرسالية العقائدية. كان ذلك في روسيا السوفيتية وفي المانيا النازية وهو موجود في دولة المشروع الحضاري المزعوم الذي يزعم شيئا ويطبق النقيض.
    عموما كل الدراسات الجادة تثبت وجود كل من الحنس الفوضوي والدعارة في الاتحاد السوفيتي. ذلك إن المجتمع السوفيتي كان مجتمعا مسترقا وكان المجالان الوحيدان اللذان تتوفر فيهما درجة من الحرية الشخصية هي شرب الفودكا وممارسة الجنس، وكان اغلب الناس يمارسانهما معا لذلك كان هناك حالات الحمل غير المرغوب ثم وباء الاجهاض وكان ايضا بسبب ذلك ميكانيكية الجنس بعد ان حرر من كل رومانسية واصبح بديلا زائفا عن الحرية لشعب مسترق.

    الاغتصاب من طرف الجنود السوفيت :

    جلافة ولا انسانية الشيوعية ونظامها القميء المعادي للانسانية والحضارة تمثلت في كمية الاغتصابات بما فيها الاغتصابات داخل الاسرة وجنس المحارم والجنس المغصوب عليه التي كانت تمارس في روسيا الشيوعية، كما تمثلت في حجم الاغتصابات الهائلة التي تمت من ظرف الجنود السوفيت اثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث تم تقدير حوالي 2 مليون اماغتصاب في الجزء الشرقي من المانيا اغلبه كان اغتصاب جماعي ( بعض النساء تم اغتصابهن 60-70 مرة وتوفيت حوالي 10 الف امراة جراء ذلك بينما توفيت 240 الف امراة من مضاعفات ذلك الاغتصاب ) لاحظ ان الجزء الذي احتله السوفيت من المانيا كان جزءا صغيرا بعدد سكان بسيط مقارنة مع بقية الاجزاء التي احتلها الحلفاء

    ظاهرة الاغتصاب الخرافي من طرف الجنود السوفيت تمت في كل دول اورربا الشرقية والوسطى ولكنها كانت بشعة وغير معقولة في الاراضي التي كان يقطنها المان او ناظقين بالالمانية. في بروسيا الشرقية وبوميرنيا وسليزيا ( التي تتبع الان لبولندا) تمت حوالي مليون واربعمئة الف حالة اغتصاب. في فيينا وبرلين كان نصيب،كل مدينة حوالي 100 الف حالة اغتصاب. اسمت النساء الالمانيات نصب الجندي السوفيتي المجهول الذي نصب في برلين ب” نصب المغتصب المجهول”

    إشارات مرجعية :
    معلومات عن القتل بالجوع او جريمة ال Holodomor :
    https://en.wikipedia.org/wiki/Holod…
    معلومات عن الجنس في الاتحاد السوفيتي :
    http://rbth.co.uk/society/2013/09/3…
    مقال عن الإجهاض في الاتحاد السوفيتي وكيف تحول الى ظاهرة مرضية بدلا من أن يكون علاجا لمشكلة :
    http://www.nytimes.com/1989/02/28/w…

    هنا شهادات لنساء في صحيفة روسية اجرين عمليات اجهاض 12 و18 مرة في روسيا السوفيتية. المقال يقدم معلومات عن الاجهاض في روسيا السوفيتية والآ ن :
    http://themoscownews.com/russia/20130813/191845415/Abortion:%20A-matter-of-life-and-death.html
    احصائيات عن الحجم الهائل للاجهاض في الاتحاد السوفيتي :
    http://www.johnstonsarchive.net/policy/abortion/ab-ussr.html
    معلومات عن حالات الاغتصاتب الهائلة التي تمت في المانيا من طرف الجنود السوفيت :
    https://en.wikipedia.org/wiki/Rape_during_the_occupation_of_Germa