التصنيف: مــقــالات سيــاســيـة

مقالات وكتابات حول السياسة السودانية والعالمية

  • الشفيع خضر وحاتم قطان وأبكر آدم إسماعيل ومممارسات أحزابنا الشمولية

    نقلت الصحف فيما نقلت خبر قيام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني بإيقاف وتجميد عضوية كل من الدكتور الشفيع خضر سعيد والاستاذ حاتم قطان عضوي اللجنة المركزية. كما سرت تسريبات بإنهاء تفرغ وإيقاف نشاط حوالي 27 من قيادات ذلك الحزب التاريخية والمعروفة. ولم تطرح قيادة الحزب الشيوعي تفسيرا لأهل السودان لخطواتها تلك؛ وإن كانت كل المؤشرات تفيد بأن القرارات كيدية وذلك بسبب اختلافات فكرية وسياسية مع هؤلاء المناضلين وزنتيجة طرحهم اجندة للتغيير السياسي والفكري.[i]
    وكانت الحركة الشعبية شمال من قبل قد اوقفت عضوية الدكتور ابكر آدم إسماعيل مدير معهد التدريب السِياسي فيها والمفكر والكاتب الكبير؛ لأسباب مجهولة ووفق اجراءات فاشلة فندها كلها الدكتور آبكر في مقالين عن الأمر وعما يدور بالحركة الشعبية من غرائب، ثم قامت بطرده من صفوف الحركة بحيثيات أكثر غرابة.[ii]


    أنني برغم إختلافي السياسي والبرامجي والأيدلوحي مع الاستاذين الشفيع خضر وحاتم قطان ورفاقهما، إلا اني اسجل اعتراضي الشديد على قرار تجميد عضويتهما في الحزب الشيوعي السوداني ؛ واعتبره استمرارا للمارسات الاقصائية والمعادية للتغيير من طرف قيادة الحزب الشيوعي اليمينية الديناصورية – كما أني أسجل مجددا عميق تضامني مع الدكتور أبكر آدم اسماعيل ضد قرار تجميد عضويته الإقصائي والطلب منه أن يمثل في كاودا للتحقيق، مما اعتبره الكثيرون دعوة مفتشرة لسجنه أو تصفيته، وكذلك على قرار فصله اللاحق.
    أقول هنا من إن حق الشفيع خضر وغيره ان يدعو لما يشاء ومن خلال الحزب الشيوعي وغيره وهذا حق الناس في الاحزاب ان تدعو لارائها؛ ولو اراد الشفيع خضر ورفاقه أن يتحول الحزب الشيوعي لحزب يساري او وسطي أو ليبرالي، فإن هذا من حقهم؛ كما من حق القيادة اليمينية للحزب الشيوعي ان تطالب أن يبقى شيوعيا . للطرفين نفس الحق والحكم هو الاغلبية. الايقاف وإنهاء التفرغ أي الحرمان من المخصصات والتحقيق بسبب الاختلاف الفكري بل والتشنيع كما عرفنا عشية مؤتمر الحزب الشيوعي المسلفق السابق ليس من السلوك الديمقراطي في شيء وانما هي ممارسات ستالينية بغيضة . ولو كان هؤلاء الستالينيون في السلطة لجمدوا الشفيع وقطان في السجن وليس في الحزب فقط؛ وربما لأعدماهما ؛ وفي التاريخ الشيوعي الاف النماذج عن ذلك.
    كما من حق الدكتور أبكر آدم اسماعيل ان يدعو لما يشاء من خط فكري وسياسي داخل الحركة الشعبية. لقد ناقشت دكتور ابكر مرارا واعلنت رأيي الناقد لبعض اطروحاته؛ ولكن هذا لا يمنعني من أقدم حياتي دفاعا عن حقه في التفكير والتعبير . إن المؤسسة التي تضيق بأفكار المفكرين وتستبعد المناضلين ممن قدموا تضحيات جمة لها، لا يمكن أن يكون لها نفع لشعب السودان.
    إن ما تمارسه الاحزاب من ممارسات اقصائية وعشوائية غير عادلة تجاه عضويتها؛ حسما للصراعات الفكرية والسياسية ؛ وبانتهاك للوائحها نفسها؛ مثل ما مارسته الحركة الشعبية شمال ضد د. ابكر ادم اسماعيل؛ وما يمارسه الحزب الشيوعي ضد د. الشفيع خضر واستاذ حاتم قطان؛ هو انتهاك مباشر لحقوق العضوية ومن ثم حقوق المواطن في المؤسسة السياسية . هذا امر لا يخص هذه التنظيمات وحدها ولا هؤلاء الاساتذة المنتهكة حقوقهم فقط؛ وانما يهم كل ناشط وكل مواطن يبحث عن ممارسة سياسية شريفة وعن المؤسسية وحكم القانون.
    ويتحجج علينا بعض الشيوعيون إن ما طبق تجاه هؤلاء المناضلين إجراء لائحي. أننا نعلم أن اللائحة في الحزب الشيوعي تنفذ انتقائبا؛ ولو كانت هناك لائحة لتم محاسبة من عطل مؤتمر ذلك الحزب اربعين عاما وخرق دستور الحزب عشر مرات بذلك (المؤتمر يجب أن يتم كل اربعة اعوام) .
    إن معرفتي الجيدة بتاراث وتاريخ الحزب الشيوعي توضح لي ان هذين الاستاذين ضحايا جدد للآلة الشيوعية الجهنمية ومفرمة الحزب الشيوعي الوحشية . لا يمكن ان يكون هناك تحقيق عادل ونزيه في الحزب الشيوعي اذا كان الخصم هو الحكم . ليست هناك مؤسسة تحكيمية او عدلية في الحزب الشيوعي خارج اطار الجهاز التنفيذي وتعلو عليه. من يجمد هو من يحاسب وهو من يحقق وهو من يصدر الحكم أي قيادة الحزب المتنفذة. هذه ممارسات لا يمكن ان تتم في حزب ديمقراطي ومن واجبنا كسياسيين وناشطين ان نرفضها بكل قوة.
    وقد عاب علينا بعض الشيوعيون ما اسموه بالتدخل في قضاياهم الداخلية. إن ما لا يفهمه الشيوعيون وغيرهم من نشطاء وقيادات الاحزاب الشمولية والطائفية والتنظيمات العسكرية أن قضايا أي حزب سوداني تهم كل مواطن سوداني؛ ما دام هذا الحزب يطرح نفسه في الساحة ويمكن أن يصل الى السلطة . إن قضايا أي حزب ليست شأنا داخليا يخصه ؛ ألا ان تذهب عضوية هذا الحزب لجزيرة منعزلة ليس فيها انسان ويسكنوا فيها وحدهم فقط؛ عندها ربما لهم الحق حتى أن يسحلوا انفسهم ويقتلوا بعضهم وان يجعلوا من قياداتهم قديسين وآلهة . لكن ما دامت هذه الأحزاب تنشط في السودان و تطمع لحكم السودان فإن أي ممارسة داخلية لها انما توضح طريقة تفكيرها وكيف يمكن أن تمارس السلطة لو ظفرت بها ؛ وهذا الامر ينطبق على كل الاحزاب بما فيها الحزب الديمقراطي الليبرالي .
    يجب وضع كل احزابنا المعارضة تحت المجهر حتى نعرف كيف تفكر وكيف تسلك مع عضويتها والمواطنين قبل ان تصل السلطة ؛ لأننا لا نريد أن نستبدل جحيم الانقاذ بجهنم شموليين آخريين؛ وشعبنا ومواطنينا أعزّ علينا من أن نسلمهم لسفاحين جدد يسحلون ويفصلون عضويتهم لمجرد الاختلاف في الرأي.
    عادل عبد العاطي
    8/11/2015

    إشارات مرجعية :
    [i] صحيفة ” سودان تريبيون” : تفاقم صراع التيارات داخل الحزب الشيوعي السوداني والإطاحة بقيادات مؤثرة – تجدها على الرابط التالي: http://www.sudantribune.net/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9,12504
    [ii] الاستاذ عبد الوهاب الأنصاري : قيادة الحركة المُكلفة تتنكر و تأكل مُفكِريها.. (قرار) فّصل دكتور أبكر آدم إسَّماعِيل..!! – تجده على الرابط التالي: http://www.sudanile.com/index.php?o…

  • عن السياسة والسياسة المضادة في السودان

    حوار مع الاستاذة ندى أمين والأستاذ عثمان عجبين

    مقدمة:

    مقدمة:

    ظهرت في الساحة العامة آخيراً تساؤلات عن جدوى ممارسة العمل السياسي أو محاولات لتفضيل العمل المدني او التنظيمات الجماهيرية ( الشبابية مثلا) على العمل السياسي عموما والحزبي خصوصاً ، في ظل إنهيار السياسة السودانية بمفهومها التقليدي ولاعبيها التاريخيين.
    ويغدو التساؤل أكثر من مشروع إذا لاحظنا إن السياسة السودانية تتحرك دون برامج ودون أفكار كبيرة ومشاريع عظيمة؛ فهمها الأكبر هو الأفراد هو الولاءات المتخلفة من دينية وقبلية وجهوية وكذلك المصالح الممعنة في الذاتية لقادتها. كما تفتقد السياسة السودانية للأصالة الفكرية كما قال الشهيد محمود محمد طه؛ بينما يكمن عقب أخيلها في إفتقاد المصداقية وتناقض المسلك مع المطروح من اهداف أو قل شعارات. وهذه وإن كانت صفة للسياسيين عموماً؛ فأنها في السودان تظهر بشكل أكثر فداحة. حتى صدق فيهم قول المعري : يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال ساسة.
    ويأخذ التساؤل مشروعية أكبر كونه يأتي من قوى وشخصيات كان من المفترض أن تقود العمل العام. فأغلب نشطاء الحركات الشبابية يهربون من الأحزاب كما يهرب السليم من الأجرب، وكذلك ناشطات الحركة النسوية الجديدة، ناهيك عن العاملين بالمنظمات غير الحكومية. وقد إسترعي انتباهي آخيرا مقال الأستاذة الصحفية ذي العنوان المعبر: “من يكسب رهان التنمية: الأحزاب السياسية أم المبادرات المجتمعية؟”[i] ودعوة الاستاذ الفنان عثمان عجبين لمجموعة من الساسة – وضعني من بينهم – لترك السياسة باعتبارها بنية معادية للإنسان؛ ولما يلتمسه من خير فينا. [ii] وهما صديقة وصديق وإنسانان قريبان الى قلبي.

    السياسة كموقف شخصي :

    أقول في البداية إني استجابة لاستدعاء الأستاذ عجبين والاستاذة ندى لنا أمام السبورة وإشارتهم لنا بالمسطرة؛ إني جد سعيد بهذه التساؤلات الناضجة والقلقة في آن. وأؤكد هنا أن السياسة ليست مصيري ولا هويتي ولا مهنتي وانما احدى مجالات نشاطي كإنسان له موقف. فأنا في المقام الاول أب ثم اخ وصديق وانسان. اعمل لكسب عيشي في مجال خارج السياسة واقرأ واكتب واضحك وابكي واحب وأكره واسمع الموسيقى واشاهد الافلام والتقي اصدقائي ؛ ثم بعد هذا وذاك انشط وامارس السياسة فيما تبقى من وقت من أجل كل هؤلاء وكل هذا كموقف شخصي: من أجل حياة أكثر حرية وأكثر سلمية وأكثر انسانية؛ لي وللآخرين.
    وكما هناك نشاط اسمه الثقافة وهناك اناس مثقفين وكما هناك نشاط اسمه الفن وهناك اناس اسمهم فنانين؛ بينما في الحقيقة كل انسان يتعاطي الثقافة والفن ويمارسهما وان بشكل غير تخصصي. فكلنا نقرأ او نتأثر بمذاهب وكلنا نسمع الغناء وقد نغني وقد نرقص. اذن كلنا فنانين ومثقفين. لكن تطور المجتمعات فرض نوعا من التخصص وذلك بأن يسلك البعض منا في طريق محدد من اوجه النشاط الانساني بشكل اكثر تخصصا وحرفية. لذلك هناك فن وثقافة ونشاط آخر أسمه السياسة. وفي المعني العريض كلنا سياسون كما كلنا مثقفون . واذا كانت هناك حاجة لسياسة وسياسيين كنشاط مستقل ومتخصص في الوقت الراهن فيجب أن تكون سياسة مضادة للسائد وأن يقودها حزب مضاد.

    السياسة كنشاط انساني :

    السياسة عندي هي احدى النشاطات الاجتماعية وتتم في بنية اجتماعية شاملة فيها علاقات مختلفة للسيطرة والهيمنة سواء كانت السيطرة الابوية والسيطرة الذكورية والسيطرة الدينية والسيطرة الاقتصادية والسيطرة العسكرية والسيطرة السياسية الخ . كما فيها جهد لإنهاء تلك العلاقات والهيمنات والسيطرات المختلفة . ضمن ذلك أنا منحاز لمعسكر التغيير وأعمل على تغيير البنية الاجتماعية كلها وتخفيف علاقات السيطرة والهيمنة تلك وعقلنتها وانسنتها تمهيدا لالغائها وبناء الانسان الحر . خلال هذا الوقت اتعامل بكل الادوات المتوفرة لي بما فيها السياسة.
    السلطة هي احدى تجليات السياسة لكنها ايضا احدى تجليات الثقافة . وفي علاقات السلطة والهيمنة فإن عامل الهيمنة الايدلوجية أو الثقافية اهم من عامل السيطرة السياسية واحتكار القوة . ليست هناك سلطة بلا ايدلوجيا. اذن السياسة مهمة كما الثقافة للسيطرة على السلطة . السلطة نفسها يمكن ان نسيطر عليها لصالح المجتمع ونحاول أن نقلم مخالبها أو نستسلم لمنطقها وفسادها. لأن السلطة كما هو معروف مفسدة وتسلط في العموم ؛ والسلطة المطلقة فساد مطلق وتسلط مطلق. السؤال هو عن اي سلطة نتحدث ؟ الحزب الجديد والامير الجديد يتحدث عن سلطة محدودة جدا؛ حيث يصبح الفرد ثم المجتمع سيد نفسه . حينها تتفتت السلطة وتصغر وتقل مساحات سيطرتها على حياة الافراد الى الحد الادنى ؛ بينما تتفتح الطرق لهم لممارسة نشاطهم العام في اشكال اخرى ثقافية ووروحية واجتماعية عدة .

    من اين تأتي السياسة ؟

    السياسة هي الأيدولوجيا والإقتصاد في الممارسة. فإذا كان الإقتصاد هو سعى الناس من اجل اشباع حاجاتهم الاساسية والفرعية؛ واذا كانت الايدلوجيا هي تصورات الناس لأنفسهم وموقعهم في المجتمع والكون وعلاقاتهم مع بعضهم البعض؛ فإن السياسة هي الوسيط بين هذين العاملين وهي آداتهم الرئيسية. انها الجزء التنفيذي لممارسة الاشياء المهمة من نشاطنا الانساني والاحتياجات السبعة الاساسية للفرد ( الأمن والمأكل والمشرب والمأوي والصحة والتعليم والعمل ) وللتعبير عن أفكارنا أو مذاهبنا.
    جدير بالذكر إن حياة الناس ليست كلها سياسة الا في المجتمعات المتخلفة حيث تقل الفردية وحيث تهيمن الايدلوجيا على حياة الناس ومن ثم تهيمن بنتها السياسة وحفيدتها القبيحة (السلطة) على حياة الناس. كلما تقدم المجتمع كلما انحصر مجال الايدلوجيا وبذلك ضعف تأثير السياسة وتقلصت السلطة و تفتحت إمكانيات الانسان الحر نحو ممارسات لا سياسية . في مجتمعاتنا للاسف لا تسيطر السياسة لأننا لا نزال خارج مجال نشاط الايدلوجيات او الثقافة العلمانية والانسانية ( ومكوناتها السياسبة ) وانما يشتغل علينا الدين والعرف والجماعية كايدلوجيات تقليدية تكاد تغمر الاقتصاد والسياسة وكامل النشاط الانساني تحت كلكلها الثقيل.
    بكلمات أخرى؛ فإني أتفق مع الأستاذ مامون التلب حين يقول أن الثقافة هي أُم السياسة.[iii] فإن السياسة تتبدى في الحقيقة كالجزء التنفيذي او العملي من الثقافة . او قل هي الايدلوجيا/ الثقافة في الممارسة ؛ او ما دعاه غرامشي بال(براكسيس) . عموما الاقتصاد (كبنية اساسية او تحتية ) والايدلوجيا ( كبنية فوقية ) والسياسة ( كواصل بينهما) يعملون كلهم على الوصول للسلطة او تغييرها ، وذلك لتثبيت العلاقات الإقتصادية والايدلوجية والانتفاع منها أو تغييرها.

    السياسة والعمل المدني:

    في تفاعلي مع الاستاذة ندى أمين أقول إن حالة الأحزاب السياسية هي كما وصفتها في مقالتها وأكثر؛ وهي احزاب لا تفتقد فقط للمبادرات المجتمعية؛ وإنما تفتقد حتى الرؤية لأهمية تلك المبادرات. في هذا الطريق ولكي لا نكون سلبيين ولا نكتفي بالنقد فقد دعونا لسياسة جديدة ولأمير جديد ولحزب مضاد. وبنينا حزبا سياسيا وعدة مبادرات مدنية والكثير من الانشطة المجتمعية (بقدر حجمنا وامكانياتنا) . كان هذا نصيبنا المتواضع من السياسة الجديدة والتي نمارسها من موقع المسؤولية عن الموقف والكلمة عندما احبطنا في كل السياسيين القدامى.
    وقد يتسائل متسائل ولم السياسة ؟ ألم يكن من الأفضل والأسهل الاكتفاء بتلك المبادرات المدنية و الانشطة المجتمعية؟ وأقول أن لا ؛ لأن السياسة كانت ستعطلها عن الوصول لإهدافها المنشودة ؛ ولن تترك لها البراح اللازم لإنجاز التغيير. فالسياسة هي المسيطرة وإذا اردت تغيير الواقع السياسي فلا بد لك من شكل من أشكال الممارسة السياسية.
    وفي الحقيقة فإن أي نشاط في الفضاء العام خارج حياتنا الخاصة كأفراد ذو علاقة بالسياسة بشكل أو بآخر؛ سواء كان خدمي أو تعاوني أو خيري. حتى ما يسمى بالقطاع الثالث اي المنظمات غير الحكومية تمارس السياسة بشكل بديل او مختلف . ذلك أن السياسة لا يشترط ان تمارس حزبيا؛ وان كانت الاحزاب احدى اهم الادوات السياسية حتى الآن.
    أنا أتفق إن السياسة السودانية بشكلها الحالي مقرفة ومضرة. تماما كما تكون الثقافة الهابطة مقرفة ومضرة وكما تكون الرياضة الفاسدة الخ . لهذا نبحث عن سياسة بديلة وجديدة وندعو الناس لذلك وخصوصا ممن امتلكوا حساسية عالية تجاه ما يجري من هبوط.

    السياسة المضادة أو ما بين سياسة وسياسة:

    كنت من قبل قد كتبت في مقال بعنوان ” أحلام ببداية العام – في البحث عن سياسة جديدة وأمير جديد”[iv] عن تصوراتي لسياسة بديلة في السودان. اليوم أكرر إن السياسة كما الثقافة كما الرياضة كما الاقتصاد ليست خللا كما يقول الاستاذ عثمان عجبين– وإنما هي تجليات مختلفة للنشاط الانساني. الخلل يكمن في الممارسىة ما بين سياسة وثقافة واقتصاد انساني وبين سياسة وثقافة واقتصاد معاد للانسان .
    وكما نجد فنانين يبيعون فنهم بثمن بخس دراهم معدودات ؛ وبعضهم يجعل نفسه مطية للطغاة ورياضيين حولوا الرياضة الى سلعة وتجارة؛ فهناك سياسيون حولوا السياسة الى نخاسة ولعبة قذرة. هل وجود فنانين مبتذلين سبب يجعلني أطلب من الفنانين الجادين والمبدعين ان يتركوا طريق الفن ؟ نحن نعرف ان الرياضة في اغلبها تحولت الى سلعة والى تصعب اعمى للمشجعين؛ فهل لو وجدنا رياضيا جادا ومختلفا نطلب منه ان يترك الرياضة لأن اغلبها تجارة ؟ معظم مشاكل العالم ولفترات طويلة كانت بسبب الحروب الدينية ورجال الدين؛ فهل لو وجدنا انسانا متدينا شريفا ومعتدل او رجل دين شريف نطلب منه ترك الدين الذي شوهوه كثيرا ؟ وهكذا الأمر مع السياسة.
    لذلك أقول يجب ألا نهرب من السياسة ككل ؛ وإنما من السياسة القديمة المبنية على علاقات الهيمنة والتسلط والكذب. ويجب ان نبحث عن سياسة جديدة. لا يجب ان نحاسب السياسيين وندينهم لمجرد أنهم سياسيين؛ فكل انسان سياسي ولو لم يدرك ذلك؛ والدعوة لترك السياسة نفسها سياسة وان كانت سياسة سلبية ؛ بل يجب أن نحاسبهم على أي سياسة يطرحون ويمارسون وأي نوع من السياسيين هم في الممارسة العملية وفي تحقيق حرية وكرامة الإنسان.
    واذا كانت السياسة تتعلق بكل ما يهمنا من معاش ورأي في الحياة فكلنا ذوي صلة تضيق او تتسع مع السياسة. أنا من هنا أدعو الناس لتعاطي السياسة كما ادعوهم لتعاطي الثقافة والرياضة. طبعا لكل منا الخيار ان يكون متعاطياً سلبياً بحيث يهرب من هذه القضايا ومن العاملين عليها؛ او ان يكون متعاطياُ ايجابياً بحيث يصوت في الإنتخابات على الأقل او ينضم لحزب سياسي او أن يكون سياسيا محترفا. وان كنت انا شخصيا ضد تحويل السياسة الى نشاط حرفي ؛ وكذلك أنا ضد احتراف الثقافة والرياضة.

    مهمة الحزب المضاد :

    السياسة المضادة تلد مؤسسات مضادة من أهمها الحزب المضاد. قاعدة الحزب المضاد الأولى ورسالته أن تكون اهدافه وبرامجه مبنية على ايدلوجية انسانية قائمة على الحرية والسلمية والعدالة؛ وان تعبر عن فئات وطبقات وقيم ناهضة في التاريخ لا عن القديم. وقتها تكون السياسة ممارسة تنويرية وانسانية؛ وتكون السلطة الناتجة عن هكذا ايدلوجية وهكذا فعل انساني محدودة وانسانية.
    تحقيق حرية الانسان وكرامته هي هدف السياسة المضادة ومهمة الحزب المضاد الأولى . وغني عن الذكر ان تحقيق حرية وفردية الانسان أمر يتحقق بتحرير الانسان من الحاجة والجهل والخوف. فالانسان يتطور وتتفتح مواهبه وامكانياته وفرديته بقدر ما يتحصل من اشباع لحاجياته الاساسية والفرعية وبقدر ما يتحقق له من وعي وتنوير وعلم وبقدر ما يمتلكه من شروط اجتماعية مؤاتية للتطور. وتحقيق هذه الشروط والاحتياجات هي مجالات للإبداع والنشاط للحزب المضاد.
    وفي النهاية أقول أنه اذا كانت السياسة هي الحرية الانسانية وهي إعلان موقف منحاز للإنسان فنحن سياسيون ونفخر بذلك. أما إذا كانت من باب ساس يسوس يراوغ ويعوس وبحث عن مناصب وكذب وممغامرات ولعبات قذرة فنحن ضدها وهي ضدنا.

    عادل عبد العاطي
    23/11/2015


    إشارات مرجعية:

    [i] الاستاذة ندى أمين – “من يكسب رهان التنمية: الأحزاب السياسية أم المبادرات المجتمعية؟- مقال نشر بصحيفة السوداني عدد العاشر من نوفمبر 2015. يمكن أن تجدي نسخة منه هنا : https://www.facebook.com/nada.khalil.313/posts/10153208257463263
    [ii] الاستاذ عثمان عجبين – حوار مع عدد من السياسيين السودانيين – تجديه منشورا بتعليقاتي التي شكلت مادة هذا المقال هنا : https://www.facebook.com/osmanajabain.osman/posts/771337799645140
    [iii] مامون التلب – محبة الأعداء بالثقافة – مداخلة قدمت في الملتقى التفاكري الثاني حول الأزمة الوطنية في السودان- الدوحة، قطر، من السبت 22 إلى الاثنين 24 سبتمبر 2012 – يمكن أن تجدي نسخة منها هنا : http://teenia.blogspot.ca/2012/10/blog-post_7709.html
    [iv] عادل عبد العاطي – أحلام ببداية العام أو في البحث عن سياسة جديدة وأمير جديد ! – مقال كتب في يناير – فبراير 2007 – يمكن أن تجدي نسخة منه هنا :

  • حول “الإنقلاب” الديمقراطي في الحزب الاتحادي الديمقراطي

    نقلت الأنباء قيام قيادات من الحزب الاتحادي الديمقراطي وعناصر شبابية بعقد مؤتمر في ضاحية “أم دوم” وإتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل الحزب من أهمها تكوين مكتب سياسي انتقالي وهيئة رئاسية من أربعة قياديين وعزل رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني نتيجة لل”عجز” وحسب منطوق دستور الحزب.

    وكان من اهم مخرجات المؤتمر هو العمل لتفعيل الحزب خلال الفترة المقبلة الى حين انعقاد المؤتمر العام قبيل انتهاء فترة السماح لتجديد تسجيل الحزب التي حددها مسجل عام الاحزاب السياسية في 31 من ديسمبر الجاري، كما اشار المؤتمرون الى شروعهم في اتصالات مكثفة لتوحيد الحركة الاتحادية. كما صرحوا بأنضمام الحزب للمعارضة الداعية لاسقاط أو تغيير النظام.

    الشاهد انه من بين جميع “التمردات” الاتحادية داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد كانت هذه الخطوة الأكثر راديكالية. حيث كانت كل التيارات داخل الحزب تتهيب المواجهة مع محمد عثمان الميرغني؛ الذي ليس هو رمزا للعجز السياسي فحسب، وانما للتسلط وضرب المؤسسية وتحويل الحزب الاتحادي الديمقراطي الى مزرعة خاصة به وولده الأكثر عجزا ، وتهميش المناضلين في الحزب وخصوصا القطاع الشبابي وجماهير النساء .

    الخلافات والانشقاقات في البيت الاتحادي هي انعكاس لأزمة الاحزاب السياسية البنيوية ؛ من ضعف التأسيس الفكري وضعف او انعدام المؤسسية والعمل تحت انظمة ديكتاتورية وغيرها من الاسباب. ولكن أزمة هذا الحزب تدعمها اسباب اضافية تتمثل في السيطرة الطائفية التي تحولت من رعاية الى تسلط؛ كما تخلقها شخصية الميرغني التي لا تحتوى على كاريزما واسلوب التوريث الذي يصر عليه الطائفيون ومعلوم ان النار تلدا الرماد؛ إذا كانت هناك نار اصلاً في الزعماء الطائفيين.

    ورغم المعطي الجيد في عزل الميرغني كأول محاولة لعزل زعيم طائفي من قيادة حزب سوداني؛ إلا ان مخرجات الاجتماع لم تكن ايجابية كلها. فقد أتت هيئة الرئاسة الجديدة خالية من عنصري الشباب والنساء؛ وبذلك أستمر التهميش. وقد قيل ان الشباب حموا وأمنوا مؤتمر “ام دوم” ؛ فهل يكون مصيرهم في الحزب المتجدد او الجديد هو دور اللحم البشري؛ دون ان يجدوا طريقا للقيادة ؟

    ان الميرغني ومحازبيه لن يرضوا بمحاولة التمرد هذه؛ وقد بدأؤا الهجوم المضاد؛ والذي يعاونهم فيه جناح امبدة الأقل تمردا بقيادة علي السيد المحامي. وسوف نشهد في الايام القادمة الكثير من التصريحات والبيانات والنزاعات الدستورية والقانونية؛ وسوف يحاول الميرغني وانصاره وحليفه المؤتمر الوطني افساد هذه الخطوة على القائمين عليها؛ ولن يتورعوا عن استخدام اسؤا الاساليب؛ فلا شيء اسؤا في عالم الطبيعة من ضبع جريح؛ وفي عالم السياسة من زعيم طائفي معزول.

    اننا بقدر ما ندعم كل تحول ديمقراطي في احزابنا القادمة؛ بقدر ما نتوقع اكثر من شباب الحزب الاتحادي الديمقراطي وعموم الحركة الاتحادية؛ وهو تصديهم لدور القيادة؛ وتحديد الهوية الفكرية للحزب في اتجاه ليبرالي اجتماعي واضح؛ وتجديد بنيته بالانحياز اكثر للمواطنين والابتعاد عن سياسة الصالونات والأسر ؛ والنظر في تجديد اسم الحزب؛ فمن يهمه اليوم اسم الاتحادي الديمقراطي اصلا كان ام فصلا؛ ولم التمسك بإسم يرجع للخمسينات او الستينات من القرن الماضي ؟

    لقد وقف الحزب الاتحادي الديمقراطي خلال العقدين الاخيرين مواقفا يمينية واضحة ؛ وتحالف مع حزب الامة وتنظيمات الاسلام السياسي؛ ودعا في برنامجه بعد انتفاضة مارس – ابريل 1985 الى برنامج الجمهورية الاسلامية. ان التحالف مع الحركة الشعبية ودعوة سلام السودان لم تكن تغييرا في الخط الفكري بقدر ما كانت مناورات سياسية. ان هذا الخط اليميني الاسلاموي يجب ان ينتهي ونتوقع ان يصاغ برنامج ودستور الحزب في اتجاه ديمقراطي ليبرالي واضح؛ اذا اراد الحزب ان يكون فعلا من احزاب الوسط العريض وان يعبر عن قطاع من الطبقة الوسطى السودانية.

    أما في مجال العلاقات الخارجية فيجب ان يتخذ الحزب موقفا واضحا نقديا تجاه العلاقة مع مصر. ان مصر دولة جارة ويجب ان تكون العلاقات معها قائمة على مباديء الندية والمصالح المشتركة؛ ولكن لا يجب ان يكون هناك اي موقف تبعي تجاهها من أي حزب سوداني. كما ان دعوات الوحدة او الاتحاد مع مصر قد عفى عليها الزمن وهي تهدد استكمال الوحدة الوطنية.

    ويسترعى اهتمامنا ان الاتحادي الديمقراطي هو عضو في مجموعة الاحزاب الاشتراكية الافريقية وذو علاقات مع الاشتراكية الدولية. وهذا ايضا يرجع للخلط الفكري حيث يدعو نفس برنامج الحزب الشمار اليه لتطبيق الاشتراكية الديمقراطية. ان الحزب الاتحادي الديمقراطي اذا كان يريد ان يطرح نفسه حزبا ليبراليا اجتماعيا فإن شركائه يجب ان يكونوا في الاسرة الليبرالية العالمية وليس في الدولية الاشتراكية. إننا من طرفنا كحزب ديمقراطي ليبرالي سندعم اي تحول من هذا القبيل وسنساند انضمام اي حزب سوداني يرغب في الانضمام للشبكة الليبرالية الافريقية او غيرها من المنظمات الليبرالية الاقليمية والعالمية.

    في النهاية وكما اعلن قطاع الشباب في الحزب الديمقراطي الليبرالي:

    ” إن اصلاح الاحزاب السياسية هو الخطوة الاهم نحو اصلاح اي مستقبل نتخيله و نناضل لاجله. وان الليبراليين السودانيين يباركون هذه الخطوة الجسورة و يمدون ايديهم بيضاء لاشقائهم الاتحاديين لبلورة مشاريع فكرية حداثية تحدث التقارب المطلوب خصوصا و ان كلا المنظومتين بينهما من المشتركات الشئ الكبير.”

    ونؤكد هنا دعمنا لشباب الاتحاديين في نضالهم من اجل حزب أكثر مؤسسية وديمقراطية؛ ومن أجل بديل ليبرالي حقيقي في السودان. ونوضح إنه اذا ضاقت مواعين الحركة الاتحادية عن التغيير؛ فإن في صفوف الحركة الليبرالية السودانية متسع للجميع.

    عادل عبد العاطي
    8/12/2015
    S

  • في حال الليبرالية السودانية ونقادها

    لم تكن الليبرالية السودانية المعاصرة انفعالا بالآخر سواء كان هذا الآخر شرقا أو غربا وأنما كانت تأملاً في حال الذات والمجتمع السوداني وانفعالا بمشاكله وتحدياته المصيرية ومن بينها أول وأكبر تحدى : الحرية .

    كان تأسيس التيار الليبرالي السوداني المعاصر نتيجة حتمية لسقوط أغلب المشاريع المطروحة على الساحة السودانية ومن اهمها المشروع اليميني الاسلاموي والمشروع اليساري الشيوعي. أكبر سقوط لهذين المشروعين تبدى في ساحة الحرية : الحرية بمفهومها الشامل والعميق كحرية اجتماعية وسياسية وإقتصادية . نقص الحرية وأزمتها في بلادنا ومجتمعنا هي مفتاح كل الأزمات؛ ودون معالجة أزمة الحرية لا حل لأي أزمة اخرى في السودان.

    (المزيد…)
  • حسن ورجب أو عن بعض جذور العنصرية في السودان

    في نقاش عن قضايا السودان والهوية حكي لي صديقي الاستاذ الفاتح الطاهر دليل عن قرائته لقصة حسن البطل ( ولد العرب) وقتله لرجب في الابتدائي. حكى لي الفاتح بكثير من الألم عن الجرعة العنصرية في تلك القصة. لم أكن اعرف ذلك الكتاب وتلك القصة فبحثت عنها قليلا وروعت بما وجدت.

    وفقا للإستاذ الصادق عبد الله عبد الله فإن القصة في الكتاب الثاني للمطالعة مباشرة بعد تعلم القراءة. يقول الاستاذ :

    (( أما قصة حسن البطل فكنّا نحفظها عن ظهر قلب. لأنها هي الأولى، وهي قصيرة ثم لأنها تشبهنا وتشبه حياتنا، بل كل المنهج كان ريفياَ قصصه عن الزرع وعن المطر والناس. وقد ذكر أخونا الدكتور حسن التوم أنه كان يتحرج من هذا الدرس، لأنه يحس بأنه كان يعنيه. تقول القصة: حسن ولد العرب. رحل حسن مع العرب ورحل العرب مع البقر. رجب سرق البقر. أحد العرب صرخ: رجب سرق البقر. حسن ركب الفرس وطرد رجب. حسن البطل أسر رجب. ورجع حسن مع البقر. ))[i]

    أما الكاتب سيد بشير فيقول تعليقا على مقال عن تعذيب وقتل الشهيد رمضان وبما يقدم اضاءات اضافية حول هذه “القصة”:

    ((هذه الاحداث ليست وليدة اللحظة ، إنما هي نتاج لسياسات ومناهج دراسية وخطط مبرجمة لقهر ومحو الآخر. هل هنالك من يتذكر كتاب المطالعة الذي كنا نسميه كتاب ( حسن البطل ) نسبة لان أهم ما في قصص الكتاب قصة حسن البطل والتي تقول .. = حسن البطل = حسن ولد العرب ( وأظهرت الرسمة حسن البطل يلبس جلباب وعمامة وبجانبه حصان ) = وحضر رجب ( مفتول العضلات ومن غير ملابس ، فقط ما يستر عورته . ورجب شديد الشبه برمضان فتي الفيديو ) = وسرق البقر ( رجب سرق البقر ولا اتذكر بقية القصة لربما انتهت بحشر الشطة ) اتذكر ان سألنا استاذنا عن الرسومات لماذا يشبهنا رجب ؟ فكانت الاجابة الجلد. ألم يكن حسن البطل هو أحد قادة الجنجويد ؟ ألم يكن حسن البطل أحد الذين حشروا الشطة ؟ كثيرون سيقولون لي عنصري !))[ii]

    والشاهد ان المعلق ليس بعنصري وانما العنصري هو واضع تلك القصة والمنهج من خلفها؛ والتي تحمل حمولات عنصرية قوية. كيف لا وقد كان شعار مؤتمر الخريجين الذي خرجت منه النخبة السياسية والفكرية لسودان ما بعد الاستقلال يقول ” أمة أصلها للعرب – دينها خير دين يحب” . ومثل هذه القصة كثير في المناهج السودانية القديمة والحديثة وفي عموم نهج الدولة السودانية منذ الاستقلال بل وفي ممارسات بعض النخب السودانية قبلها.

    لقد اطلعت مؤخرا على مناظرة حول موضوع الهوية السودانية بين الدكتور الباقر العفيف وصديقي الاستاذ حاتم الياس. تحدث د. الباقر فيها عن الهويات وان هناك ثلاثة دوائر للهوية اهمها واعلاها الهوية الوطنية ثم الهوية الثقافية ثم الهوية الاثنية – العرقية. وقال ان الهوية الوطنية هي الاكبر والاهم لانها تضم في داخلها كل الهويات الصغرى. الأخرى من ثقافية وإثنية. وقال ان الدولة السودانية بدلا من ان تتبنى الهوية السودانية الوطنية تبنت احدى الهويات الثقافية ( العربية الاسلامية ) وحاولت فرضها على الدولة والآخرين. [iii] في هذه القصة عن حسن ورجب اعلاه نجد تمثلا واضحا لمحاولات هذا الفرض وتصوير (ولد العرب) بصورة ايجابية وتشويه صورة الآخر (رجب).

    لا حل لنا غير تبني الهوية السودانية هوية جامعة والتخلى عن اوهام عربنة السودان او أسلمته وغيرها من مظاهر الهوية الاحادية او الايدلوجية . ولا بد لنا من تخليص تاريخنا ومناهجنا وثقافتنا السودانية من كل الحمولات العنصرية إذا ما أردنا سودانا موحدا متصالحا مع نفسه ومع محيطه والعالم.

    عادل عبد العاطي

    8/12/2015

    إشارات مرجعية:

    [i] الصادق عبد الله عبد الله – مقال بعنوان: مدرسة المسبعات الصغري (مدرسة دريبو) 1965- 1968 – تجده منشورا هنا : https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=528497040565434&id=528483693900102

    [ii] سيد بشير – تعليق على مقال : تلك القرية الظالم اَهلها للكاتب امير (نالينقي) تركي جلدة اسيد – تجده منشورا هنا : http://www.nubatimes.com/articles-695.html

    [iii] الدكتور باقر العفيف والأستاذ حاتم الياس المحامي – حوارحول الهوية السودانية – برنامج مناظرات – تجده منشورا هنا : https://youtu.be/Il5o2QwXDgs

  • حول التهميش وقضايا التمثيل ومن وكيف يحكم السودان؟

    (رد على تساؤلات ناشط حول اطروحات الحزب الديمقراطي الليبرالي)

    يطرح البعض أن السؤال الحقيقي هو كيف يُحكم السودان وليس من يحكم السودان. نحن كحزب ديمقراطي ليبرالي نقول أن المسألة ليست تضادية؛ وأن السؤال هو كيف يحكم السودان ولكن ايضا من يحكمه؟ نحن نرى أنه لضمان وحدة ما تبقي من السودان يجب ان يحكمه اناس اكفاء ممن همشوا تاريخيا وفق برنامج علمي واضح يُطرح من اليوم ويحظي بالتأييد الشعبي. هؤلاء الناس موجودون بيننا ولكنهم مهمشون حاليا؛ وهذا البرنامج موجود ويملكه الحزب الديمقراطي الليبرالي.
    يقول المثل السوداني : الجمرة بتحرق الواطيها. والشاهد أنه رغم الإنهيار الشامل والتهميش الكامل للمواطن السوداني الا ان هناك اقاليم لقت قسطاً أكبر من التهميش وأخرى وجدت حظاً اكبر من التمثيل. تسود في المركز ووسط النخبة السياسية ثقافة سياسية عروبية اسلاموية استغلت الاقاليم وهمشتها واساءت اليها. يمكن هنا الرجوع لخاطرتي القصيرة “حسن ورجب وبعض جذور العنصرية في السودان” لنعرف كيف عملت بعض آليات التهميش الثقافي هذه .
    عمل المركز على تهميش التعليم مثلا في الشرق والجنوب وجبال النوبة ودارفور الخ ، ثم يأتي ويقول: ليس هناك متعلمون مؤهلون من بنات وأبناء تلك المناطق لقيادة البلاد. يفعل ذلك لتبربر سيطرته. حق عليه إذن وعلى أبناء الهامش قول الشاعر: القاه في اليم مكتوفاً وقال له … اياك اياك ان تبتل بالماء.
    الكل يعرف الآن قصة سيطرة النخبة النيلية الشمالية على ما سُمى بالسودنة وإبعاد الجنوبيين منها والثمن الباهظ لقصر النظر ذاك. نعرف أيضاً ما حكاه الكتاب الاسود عن أختلال معايير السلطة في السودان. وبغض النظر عن كاتبه وما كان يرمي اليه إلا ان الحقائق التي اتى بها دامغة.
    رغما عن محاولات التهميش ظهرت قيادات مؤهلة من أبناء الهامش ونشطت في العمل العام ولكنها كانت مهمشة من احزاب المركز الأنانية. اول سكرتير عام للحزب الشيوعي وهو د. عبد الوهاب زين العابدين عبد التام اُبعد من القيادة باعتبار انه “عب” والناس لن تتبع له؛ وأتوا للقيادة بعوض عبد الرازق وعبد الخالق محجوب الخ . نفس الشيء جرى للرشيد الطاهر بكر في الحركة الاسلامية حيث جرى أبعاده عنها بلؤم. لن أتكلم هنا عن الاحزاب الطائفية الخربة لان هؤلاء مسكونون بوهم أنهم اسياد وكل الآخرين عبيد وتبع لهم ، او عن البعثيين و الناصريين وعموم القوميين العرب لانهم كانوا ولا يزالون مجرد وكلاء للامبريالية العربية في السودان.
    اذكر في فترة التجمع حيث كنت عضواً في تنظيم “قوات التحالف السودانية”؛ أني دعوت لان يصبح رئيس التجمع د. جون قرنق او عمنا الأستاذ احمد ابراهيم دريج، والاثنان مؤهلان تاهيلأ عالياً. وقد تم رفض المقترح وأستمر الميرغني رئيسا رغم ضعف تاهيله. أيضا اقترحت ان يعلن التجمع ان الرئيس القادم للسودان سيكون جنوبياً.[i] تم رفض المقترح حتى من داخل حزبي وقتها لأن عبد العزيز خالد كان يريد أن يكون هو الرئيس القادم للسودان. قوات التحالف نفسها كان الضباط فيها كان بينما الجنود غرابة ومن النيل الازرق ومن ابناء جبال النوبة، وهذه قسمة ضيزى.
    قبل انتخابات عام ٢٠١٠ اقترح حزبنا أن يكون هناك مرشح موحد للمعارضة واقترحنا أن يكون هذا المرشح هو المرحوم الدكتور توبي مادوت. لم يقبل أحد الاقتراح ورشح كل حزب رئيسه ورشحت الحركة الشعبية ياسر عرمان. طلبنا من د. مادوت ان يكون مرشحا للقوى الديمقراطية حين لم تتفق الاحزاب على مرشح واحد فرفض للاسف، وأعلن أنه لن يترشح ضد مرشح الحركة الشعبية . نفس الحركة اتهمته من بعد بالخيانة وأسائت اليه حين دعا قبل الاستفتاء في جنوب السودان للتصويت للوحدة فتأمل.
    لماذ دعوت وقتها لأن يكون المرشح لقيادة السودان جنوبيا بالتحديد ؟ ذلك لأن الجنوب وقتها كان مظلوماً ويقاتل من اجل حريته أو حرية السودان. دعوتي جائت بعد مؤتمر توريت والذي لطرح حق تقرير المصير. انتخاب جنوبي رئيسا كان سيعني أننا شارعين في طريق الاصلاح والتغيير؛ طبعا شرط أن يكون مؤهل. وقتها لم يكن هناك سياسي مؤهل اكتر من د. جون قرنق ود. سلفاتور دينق. هل كان أياً من الصادق أو نقد أو عبد العزيز خالد أو مرشح الميرغني يحمل شهادة دكتوراة ؟
    حتى ياسر عرمان بكل سلبياته لو لم ينسحب وتم انتخابه لما انفصل الجنوب. لو كان رئيس السودان جنوبياً لما انفصل الجنوب، ولو كانت النخبة السودانية جادة لما إنفصل الجنوب. كانت تلك خطوة رمزية وتمثيلية صغيرة؛ ولكنها كانت مهمة وأي اهمية. كان ذلك سيكون بداية للسودان الجديد.[ii]
    لذلك فأنه في اي حكومة مقبلة انتقالية كانت ام منتخبة اتوقع أن يكون اقتراح الحزب الليبرالي اختيار رئيس الجمهورية من دارفور أو من الشرق أو جبال النوبة. كما يجب ان يكون هناك تمثيل قوي وليس رمزي لكل إقاليم السودان وولاياته الخ في قمة السلطة. اذا رفضت الاحزاب المركزية مطالبنا (وسترفض غالبا) فأنه لا حل لنا سوى مواجهتها جميعا والاحتكام للناخب ببرنامجنا ومرشحينا وتصورنا للتغيير، وسنلتزم ببناء سودان جديد متصالح مع ذاته يعطي الفرصة لجميع بناته وابنائه عبر عقد اجتماعي ودستور جديد يحصل على تفويض شعبي قوي.
    من وجهة نظري الشخصية أقترح أن يكون الرئيس القادم من دارفور تحديدا. وأقول ذلك لأن دارفور تعاني اكتر من كل أقاليم السودان حالياً، ولأن هناك جهود لرميها والتخلص منها ومن ذلك الاستفتاء المقترح الذي لو قام حاليا لن يؤدي إلا الى فصلها؛ ولانها صاحبة أكبر كثافة سكانية ضمن أقاليم السودان.
    هذا التمثيل للإقاليم المهمشة لا ينبغي أن يكون تمثيلا رمزيا اطلاقا، كما تم في ظل نظام نميري أو تحت نظام الإنقاذ. كما أنه لا يجب أن يتم على اسس المحسوبية أو الحزبية. فالتمثيل يجب أن ينطلق من المؤهلات والقدرات. وأقاليم السودان المختلفة تحفل بالكفاءات لشغل مختلف المناصب من رئيس الحمهورية لمختلف المستويات، هذا اذا تحرر المركز من مركزيته وتحررت الأحزاب من جهويتها. نحن كحزب ديمقراطي ليبرالي رغما عن سعينا للعدالة فلو ظفرنا بالأغلبية لن يتم قط تمثيل شخص غير مؤهل من أقليم او قبيلة أو ولاية للارضاء أو الخداع . هذا فساد سياسي يجب ان ينتهي.
    أيضا لا يشترط أن يكون الشخص المرشح من طرفنا لمنصب ما عضواً في الحزب الديمقراطي الليبرالي. لأن الكفاءة عندنا أهم من الإلتزام الحزبي. هناك حاليا كوادر كفؤة لا تقدمها الأحزاب. في نهجنا سيكون أهم شيء هو إبعاد الجهلة والعقائديين مثل البشير والترابي والميرغني والصادق ومن لف لفهم من سدة الحكم وتقديم الكفاءات.
    قد يقول البعض أننا حزب صغير ونتحدث عن تغيير كبير. هذا صحيح ولكن كل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر. نحن الآن في مرحلة البناء التاسيسي الأولي وبناء المؤسسة الحزبية الراسخة. ولكن هذا لا يعني أن لا نطرح أنفسنا للناس منذ اليوم. غالبا بعد عام سننتقل لمرحلة الانتشار الجماهيري وذلك بعد ان نفرغ من وضع كل برامجنا ودستورنا المقترح لحكم البلاد ونثبت مؤسساتنا. يهمنا ان يكون أساسنا متين وأن نقدم لشعب السودان برنامجا جيدا وعمليا وتفصيليا قبل أن ندعوهم لتأييده.
    من هنا ندعو كل الخبراء والناشطين والمخلصين للانضمام لصفوفنا والمشاركة معنا في التأسيس وبناء المؤسسة الحزبية الديمقراطية التي طالما أنتظرها السودان؛ ويمكننا أن نعدهم بشيئين فقط: العمل الشاق والمصداقية. نقدمهما منّا ونطلبهما منهم. ذلك أنه لا تهمنا الطرق الملتوية وحرق المسافات والتحالفات الهشة والشعارات الزائفة والحوارات الكذابة والركض وراء فتات السلطة والمناصب . بل يهمنا تغيير السودان جذريا ؛ ولن يتم ذلك دون جهد كبير من العمل المؤسسي الشاق .
     
     
    عادل عبد العاطي
    20/12/2015
     
     
    اشارات مرجعية :
    i عادل عبد العاطي : من أجل رئيس جنوبي لجمهورية السودان .
    [ii] عادل عبد العاطي : إستقلال الجنوب وموقف القوى والنخب السياسية الشمالية : هذا أو الطوفان !!!
  • محمد ابراهيم نقد :صفحات من سيرة الشمولية السودانية

    (1)

    في ذكرى رحيل القيادي الستاليني محمد ابراهيم نقد يحاول البعض ان يجعل من فسيخ سيرة الرجل شربات، ونسوا ان نقد كان من مؤسسي الشمولية السودانية ، كلس ودمر الحزب الشيوعي وذهب به في طريق اليمين الرجعي ، شارك بالتواطؤ في اغلب انقلابات السودان وخصوصا انقلابي مايو 1969 ويوليو 1971 وغض النظر عن انقلاب الانقاذ وهو يعلم به ..مارس التسلط حين بقى في قيادة حزبه حتى بلغ ارذل العمر، ولم يسن سنة حسنة بالتنحي حتى حينما اصيب بالمرض، فكان احد ديناصورات السياسة السودانية وانانييها.كان الرجل لطيفا مع اعداء الشعب جلفا مع من هم اضعف منه، اساء للأموات ممن قدموا لحزبه ولشعب السودان، مثل شيبون وخضر نصر ووصفهم بالجنون .لم يكن الرجل امينا حتى مع سلفه حين اخفي اوراق عبد الخالق محجوب الاخيرة فتآمر بذلك على التاريخ وحق الناس في المعرفة .كان الرجل مستهزئا متعاملا بخفة مع القضايا الوطنية ويتضح ذلك في حديثه القبيح عن قضية حلايب المحتلة وعن الجنوب الذي تحدث باحتقار عنه وعن طموحاته . كان الرجل ممثلا للثقافة العروبية – الاسلاموية بلا منازع رغم شيوعيته المزعومة . (المزيد…)

  • الحزب الليبرالي وقضية المثلية الجنسية

    تطرح علينا مرات كثيرة من مواقع سلفية محافظة او من مواقع تدعي التحررية اسئلة حول موقف الحزب الديمقراطي الليبرالي من قضية المثلية الجنسية والمثليين في السودان .

    وفي الحقيقة فرغم إن الحزب لم يدرس هذه القضية ولم يصدر رأيا موحدا حولها الا إن الاستاذة نور تاور رئيسة الحركة الليبرالية السودانية (التي تضم عدة مجموعات وشخصيات ليبرالية من بينها حزبنا) والرئيسة الفخرية للحزب الديمقراطي الليبرالي قد تطرقت لها في مقال بعنوان ” مشكلة المثلية والمثليين من منظور ليبرالى سودانى” نشرته في 1 اكتوبر 2014 تناولت فيه هذه القضية تاريخيا وقانونيا وفي الواقع السوداني بمنهج وصفي ووضعت بعض الأطر العامة لتعامل الحركة الليبرالية السودانية مع هذه القضية.

    وفي مقال نور تاور الآنف الذكر والذي أعتقد أنه اول مقال لقيادي سياسي سوداني يتناول فيه هذه القضية الحرجة، نجد انها تطلق وصفا محايدا تجاه هذه الفئة وتصفهم بالمثليين ولا تنعتهم بالشواذ مثلا كما يجرى وصفهم بالسودان. كما هي تسرد سردا وصفيا وضعهم في تعاليم الاديان السماوية وفي المجتمعات المختلفة وفي القانون السوداني ؛ ثم تعرج للبحث عن جذور المشكلة فترجعها إما الى شعورهم العاطفي المختلف او الى التعقيدات الجينية التي ولدوا بها أو للظروف الاجتماعية. كما هي عمليا ترفض تغيير واقع المثلي بالقوة (مثلا بالعلاج بعقارات هرمونية كما تطبق بعض الدول).

    واشارت الاستاذة نور تاور الى قضية مهمة وهي ضروة عزل المثلية الجنسيىة عن الانتهاكات الجنسية فلا يمكن ان يرتكب احداً جريمة تحت ذريعة انه مثلي مثل اغتصاب الاطفال او اغوائهم الخ – وفي ذلك قالت ( وفى كل الاحوال أن ما يهمنا فى الحركة الليبرالية السودانية هو احترام آدمية المثليين وعدم التدخل فى شئونهم الخاصة مثلما نحجم عن التدخل فى شئون العامة الخاصة. ويعنينا ألا يكونوا مجرمين وإلا يكونوا مصابين بأمراض معدية فتاكة وأن لا يؤذوا الغير بسلوكهم الشخصى وإلا يرتكبوا جرائم مثل الاغتصاب وممارسة الجنس مع الاطفال أو القصر أو الاقارب من الدرجة الاولى الخ . فإن فعلوا وجب عقابهم على هذه الجرائم.)

    فيما عدا ذلك تقترح استاذة نور تاور تعاملا عقلانيا مع المثليين وعادلا ومنطلقا مع حقوق الانسان يقوم على عدم عقابهم على ميولهم طالما لم ترتبط بجريمة ما وفي ذلك تقول ( هنا نتطرق الى حقوق الانسان المضمنة فى قوانين الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية التى تتناول الميول الجنسية ضمن منظومة حقوق الانسان وتحدد الخيارات الجنسية بأنها حق شخصى.) الا ان استاذة نور تقف ضد اعطاء المثليين حقوقا اضافية كتكوين اسر مثلية او تبني الاطفال حيث تقول (ولكننا بالمقابل سوف لن نكون طرفا فى سن أى قوانين أو تشريعات لتقنين زواج المثليين السودانيين أو تكوينهم الأسر احتراما لكريم المعتقدات وقيم المجتمع السوداني)

    هذا هو موقفنا كما اعلنته الاستاذة نور تاور وكما يمكن ان نعلنه في أي مكان . وأقول بصورة عامة إني اتفق مع اطروحات استاذة نور مع بعض الاختلاف في الصياغات او المنطلقات. وقد جرت نقاشات مختلفة في الحزب حول هذه القضية عبرت عن آراء مختلفة ولكن لم يتم صياغة موقف محدد وملزم للحزب من هذه المشكلة .

    واذا كان يمكن تلخيص موقف الحزب الديمقراطي الليبرالي العام من هذه القضية – كما افهمه وكما ظهر في النقاشات – أنه لن يطارد المثليين ولن يعمل على قمعهم وتجريمهم ولا على اجازة قوانين ضدهم ولن يوافق عليها – إن وجدت – . من ناحية أخرى لن يعمل على اعطاء أي امتيازات للمثليين ولن يسمح بارتكاب جرائم من طرفهم أو جرائم ضدهم ولن يكون راس الرمح في الدفاع عن مطالبهم اذا كان لهم مطالب ؛ بل هم من يجب ان يقوموا بهذا الدور إن ارادوا. فواجب الحزب الآنى واولويته هي الدفاع عن وتمثيل مصالح اغلب السودانيين وهم يواجهون قضايا الحرب والفقر والمرض والجهل – وهذه هي اولوياتنا واولويات الوطن .

    ومن ضمن تمثيل مصالح المواطنين السودانيين نرى في المقدمة حماية الاطفال والقصر وهم أجيال المستقبل من جميع انواع الانتهاكات الجنسية مثل الاغواء والتحرش والاغتصاب الخ ؛ مما يمكن ان يقوم بها الراشدون مثليون كانوا او غير مثليين. هذه قضية اساسية للحزب الليبرالي ولن يتهاون معها ابداً وسيعمل على سن قوانين رادعة تجاه مثل هذا النوع من الجرائم بما فيها الاخصاء الكيميائي للجناة. وهناك اشارات كثيرة وشواهد لقيام بعض المثليين في السودان باغواء او اغتصاب الاطفال والقصر . كما نرى ان الدفاع عن الاسرة السودانية وضمان تطورها السليم واستقراراها واحدة من اولويات حمايتنا لمصالح المواطنين؛ ذلك ان الأسرة هي النواة الاساسية للمجتمع.

    والحقيقة إن لمجتمع السوداني في حالة أزمة والدولة السودانية في حالة انهيار. ونحن في الحزب الليبرالي قد حددنا هدفنا في اعادة بناء الدولة السودانية كي تكون صديقة للمواطن وفي بناء مجتمع حر وحديث. الفرد مهم في منظومتنا ولكن ايضا الأسرة والمجتمع مهمان. ومن دراستنا لواقع الفرد والمجتمع خرجنا باولويات وببرنامج سياسي وبرنامج للعمل هو ما يلزمنا وما يجب ان يحاسبنا الناس عليه.

    تصورنا لليبرالية محدود بواقعنا واولوياتنا وبما هي برنامج سياسي – اجتماعي. لا نحجر على الاخرين ليبراليتهم ولا ليبرتارييتهم ولا نفرض عليهم تصوراتنا. لن نقوم كحزب بعمل مجموعات الضغط كلها ولا منظمات المجتمع المدني ولا المفكرين ولا المصلحين الاجتماعيين فلكل مجاله. من اراد أن يضع يده في يدنا من اجل بناء مجتمع ديمقراطي ليبرالي وفق برنامجنا النهضوي التنموي نصل له بالتفاكر والتوافق ومع الجماهير لا بدونها فألف مرحب به ومن يريد فرض تصوراته وتصورات مجتمعات أخرى علينا فلن نقبل ذلك منه.

    في هذا نسجل موقفنا ضد زواج المثليين او تكوينهم لأسر أو تبنيهم لإطفال في السودان ( كان أول زواج مثلي في السودان في عهد التركية السابقة في الأبيض في عام 1883) لمخالفتها للقانون الطبيعي ولدورها في تهديم الاسرة الطبيعية ولتأثيرها المدمر على الأطفال ولعدم تحقيقها لأي مصلحة اجتماعية أو نتائج قانونية.

    هذا الرأي ناتج مما اوصل اليه علماء الاجتماع إن اي طفل يتربى في اسرة يأخذ وعيه الاجتماعي بالدرجة الاولى من هذه الاسرة – ومن المعروف ان الاسرة الطبيعية تتكون من أب واُم واطفال ويمكن ان يكون لها امتداداتها في اسرة كبيرة (اجداد وخالات واعمام واقارب) -. كل من الاب والام يلعب دورا اجتماعيا يساعد في صياغة الوعي الجنسي والاجتماعي أو قل الجندري للاطفال . إن ما يسمى بالاسرة المثلية نشاز هنا وهي تهدم النمذجة الاجتماعية الطبيعية التي تتم في الاسرة الطبيعية والتي تصوغ نفسيات الاطفال ووعيهم بادوارهم الاجتماعية والجنسية والجندرية . يقول علماء الاجتماع ان الطفل المتربي دون ابيه او امه يعاني من مشاكل في معرفة النماذج الاجتماعية فما بالك بالطفل المتربى في اسرة مثلية كل الاشياء فيها مقلوبة راساً على عقب . لذلك لا يجب أن يقبل الحزب الليبرالي اي شكل من اشكال تقنين الاسرة المثلية او تبني مثل هذه الاسرة – ان وجدت – للأطفال، حرصا على الاطفال في المقام الاول.

    واحب ان اشير الى أمر الاسرة أمر خطير وهي في السودان وهي تعاني من ازمات خطيرة حقيقية يجب علاجها – واحدة من هذه الازمات هي عدم توفر شروط تكوين اسر للشباب في عمر الزواج (18-30) – لذلك فإن الحزب الليبرالي عبر السياسة السكنية والتشغيل التام وضمان الدخل الثابت سيساعد الشباب على تكوين اسرهم الخاصة وسيدعم الاسرة الطبيعية وهذا برنامج للعمل لمدة 10 سنوات على الاقل بعد وصولنا للسلطة .

    من ازمات الاسرة في السودان ايضا واقع الفقر الحاصل على الاسر القائمة وما يسببه من تفكك اجتماعي وقيمي – كذلك تاثير الحروبات وعدم الاستقرار والازمات الامنية على الاسر – ايضا من ازمات الاسرة عدم المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات ووجود امراض اجتماعية وتجاوزات دستورية وقانونية مثل تعدد الزوجات وزواج القصر والزواج القسري والعنف الاسري تجاه المراة والاطفال الخ – كل هذه الأزمات سنقوم بعلاجها وفق قانون علماني للاسرة يحوّل المساواة الدستورية الى مساواة قانونية ويضمن حقوق المراة والرجل والاطفال في الاسرة ويضمن تطور الاسرة الطبيعي والسلمي في اطار مجتمع حديث وديمقراطي.

    وفي مواجهة من يقول ان منهجنا غير ليبرالي في التعامل مع قضية المثليين او غيرها نقول اننا نعرف تماما قيم الليبرالية وتاريخها وملتزمين بها ؛ ونعرف مآلات اللببرالية الحالية والمستقبلية في السودان وافريقيا . فقيم الليبرالية عالمية بينما الاولويات محلية. ونحن عكس ما يقول البعض ندعو لقانون جديد تماما لتنظيم الاسرة اعلنا عن خطوطة العامة قبل عدة سنوات والان نعمل على صياغته التفصيلية.

    أما في قضية المثليين فنحن نهتم بواقع هذه القضية في السودان واسبابها وامكانية علاجها ؛ وليس لنا علاقة مع ما هو منتشر في العالم عنها – قضيتنا هي مع المشاكل الموجودة في السودان واولوياتها وامكانيات واولويات الحزب الليبرالي. في الوقت الحالي برنامجنا يطرح انهاء التمييز والتجريم تجاه هذه الفئة الاجتماعية ونعتبر هذا واجبا ضمن واجبات انهاء التمييز المختلفة في المجتمع – لكننا لا نطرح ولا نؤيد ولن نشارك في تقنين قوانين تمييزية لصالح هذه الفئة هي اصلا لم تطرحها ولم يطرحها التطور الاجتماعي السوداني – ما يتم في امريكا واوروبا لا يهمنا الا بمقدار ما تهمنا الهموم الانسانية الكونية – بالنسبة لاطروحاتنا وبرنامجنا واولوياتنا نصوغها وفق واقعنا ومشكلاتنا الملحة والتطور الاجتماعي الموجود .

    الخلاصة المفيدة : الحزب الليبرالي يقف ضد مختلف انواع التمييز بما فيها التمييز على اسس جنسية ويدعو لمساواة جميع المواطنين امام القانون والغاء تجريم المثليين ومطاردتهم والغاء كل العقوبات المتعلقة بحرية الانسان الشخصية، ولا نتدخل فيما يفعله الفرد في بيته الخاص وسريره ما دام راشدا ولا يرتكب جريمة مثل اغتصاب القصر او اغوائهم الخ. الحزب الليبرالي مع ذلك ليس معنيا باعطاء اي امتيازات للمثليين من نوع تقنين زواجهم او اعطائهم حق التبني ولن يكون طرفاً في هذا لأنهم اولا لم يظهروا ولم يطرحوا مثل هذه المطالب وثانيا لانها تتناقض مع فلسفة الحزب الاجتماعية ودوره في علاج ازمة الاسر والمجتمع السوداني وثالثا لأنها ليست من اولوياته ولا من اولويات الجماهير العريضة صاحبة المصلحة في الخيار الليبرالي.

    عادل عبد العاطي

    عضو الحزب الديمقراطي الليبرالي

    28/1/2016

    المراجع:

    · نور تاور كافي ابو رأس : ” مشكلة المثلية والمثليين من منظور ليبرالى سودانى”.

    · شوقي بدري : “المسكوت عنه – الشذوذ الجنسي في السودان”.

    · شوقي بدري : “الشذوذ الجنسي واغتصاب الأطفال” مقال من جزئين. الجزء الاول الجزء الثاني

  • مرة أخرى حول البرنامج الإقتصادي للحزب الديمقراطي الليبرالي

    أعقاب نشري للمقالة القصيرة (عرض مختصر لبعض الأطروحات الإقتصادية للحزب الديمقراطي الليبرالي) قُدمت الينا عدد من الاسئلة المهمة فيما يتعلق ببرنامج الحزب الليبرالي الاقتصادي . ونسبة لأننا ننهج منهج الحوار والتفاعل مع المهتمين والمختصين وفقا لمبدأ “الديمقراطية التشاركية” فقد رددت عليها بما أدناه.

    الرد هو أننا لا ننوى الوثوب على السلطة ولا الاستفراد بها، وهذا محال في واقع السودان. ولكننا نسعى لنفوز بأكثر من 50% من الاصوات وتحقيق أغلبية لحزبنا تتيح لنا تحقيق برنامجنا وهذا أمر طبيعي . وهذا هو الحد الأعلى لطموحنا. بحد ادنى نسعى للحصول على 20-30% تتيح لنا الدخول كطرف قوي في ائتلاف يتيح لنا تحقيق جزء من البرنامج. الحديث كله يدور عن فوز بالانتخابات والوصول للسلطة ديمقراطيا وليس بالانقلاب او الثورة او الخداع . هذا يفرض على الحزب دورا كبيرا أن يؤهل نفسه ويقنع الشعب السوداني باطروحاته وبرامجه .

    الإجابة أننا ليبراليون و برنامجنا قطعا لن يكون اشتراكيا، ولكن نزعم ايضا انه ليس راسمالياً وانما هو برنامج نهضوي تطبيقي يعتمد على اقتصاد السوق الاجتماعي. أما الجماهير فسنقنعها بمخاطبة احتياجاتها الملحة وتحويل البرنامج الى شعارات مبسطة ووعود حقيقية. الناس تعرف مصلحتها فإذا كانت حساباتنا صحيحة واطروحاتنا علمية ووعودنا ممكنة التحقق فستقف معنا فكل يعرف مصلحته.

    أما أمر تعدد البرامج في الفترة الانتقالية وبعدها فهو أمر بديهي ولكن اغلب البرامج القديمة القائمة على الجباية والاستهلاك قد طبقت وفشلت والان الدور على البرنامج الليبرالي. من جانبنا سنسعى لاقناع القوى السياسية والمدنية بهذا البرنامح وافضليته بالنسبة للاقتصاد السوداني. فاذا اقتنعت به وطبقناه معا كان ذلك جيدا لشعب السودان واذا اختارت برنامجا هجينا دعمنا ما نراه سليما فيه ونقدنا غير السليم اما اذا رات القوى الغالبة السير في الطريق القديم وتطبيق حلول فاشلة فلن يكون موقفنا منهم الا موقف المعارضة الشاملة والواضحة .

    إجابتنا أن موقف الليبرالي هو مراجعة كل الخصخصة السياسية او قل النهب الذي تم في عهد الانقاذ. عموما الاقتصاد السوداني في فترة ما بعد الانقاذ لا يوجد ما يمكن تحريره وانما يحتاج الى اعادة بناء شاملة تلعب فيها السياسات المالية والضريبية للدولة وكذلك بناء البنى التحتية دورا مقدما. بالنسبة للسياسات المقترحة من المؤسسات الدولية فليست كلها خيرا ولا كلها شرا وانما يجب اخضاعها جميعا لمقتضيات إنعاش الاقتصاد وهيكلته الداخلية التي تقوم على استنهاض الانتاج وتحريك السوق المحلي في المقام الاول . عموما اغلب السياسات المقترحة والتي تم تنفيذها – بخرجمجة – خلال ال15 عاما اخيرة لم تحقق النتائج المرجوة.

    الجواب يدعو الليبرالي الى مراجعة الخصخصة السياسية واسترداد او التعويض عن اي مؤسسات اقتصادية تم بيعها بأقل من قيمتها او بمخالفة للقانون. راجع الفقرة عن الخصخصة السياسية في البرنامج العام للحزب. أي إن أي مؤسسة تم تخصيصها في عهد الإنقاذ سيتم مراجعة عملية تخصيصها بدقة فإذا كانت قيمة التخصيص اقل من القيمة الفعلية للمؤسسة أو كان التخصيص تم عن طريق محسوبية وفساد او تم بخرق للقانون يطالب المالك اما بتعويض الدولة السودانية فيما يوازي قيمة هذه المؤسسة او يتم استردادها منه وفي حالة رفض التعويض وكانت قيمتها اقل من قيمتها الفعلية ابان الخصخصة (مع حساب قيمة التضخم والنمو الراسمالي الخ) يتم مطالبته بدفع التعويض من املاكه الاخرى

    الخصخصة في الأساس اداة لتطوير الاقتنصاد ومحاربة الفساد والبيروقراطية وزيادة العمالة ، اذا لم تحقق هذه الشروط لا تكون في مصلحة المجتمع. نحن بصورة عامة مع ترشيد دور الدولة في الاقتصاد وتقليله بحيث يكون دور الدولة صغيرا ولكن فعالا – لا نريد للدولة ان تصبح منتجا او تاجرا فهذا ليس دورها ولكن دورها ان تساعد المنتجين وتتيح الشروط الحرة العادلة للتجارة.

    من هذا المنطلق تركيزنا سيكون على بناء البنية التحتية لا الامساك بشركة الجزيرة للتجارة والخدمات مثلا. في البرنامج العام طرحنا الآليات المناسبة لتدخل الدولة في الاقتصاد، وندعو لأن تمسك الدولة بالمؤسسات الاستراتيجية فقط وخصخصة جميع الشركات التابعة للدولة و العاملة في التجارة لأن هذه ليست مهمة الدولة . مهمتها ( أن تبني التحتية القومية ومن بينها الطرق والكباري والمؤائي والمطارات وخطوط السكك الحديدية ومواعين النقل النهري والخزانات وقنوات الري العملاقة ومحطات توليد الكهرباء من مختلف الانواع) كما جاء في البرنامج العام للحزب.

    اجابتنا فيما يتعلق بسياسات صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات النقدية أنه من المعروف ان التدخل الاجنبي – سياسيا كان او اقتصاديا – مرتبط طرديا مع ضعف الدولة او قوتها ، وقد أشارت الاستاذة نور تاور لهذا في كتابها عن “أزمة الدولة والبرنامج الليبرالي في السودان” – وقوة الدولة اليوم تحسب اقتصاديا. علاجات الصندوق تنطلق من موقف ايدلوجي غالبا وهي عبارة عن وصفات جاهزة ولا تعير اهتماما للاختلافات بين الدول واقتصاداتها المختلفة. ولك ان تلاحظ انها دائما تطبق من قبل الدول العاجزة او الفاشلة وتطبق بطريقة مدغمسة فقط للحصول على قروض اضافية ولذلك لا يمكن ان تؤتي اكلها. نحن لن نرفض الدعم الفني للصندوق والبنك الدولي ولكن قطعا لن تكون هذه المؤسسات هي التي تقرر في قضايا الاقتصاد السوداني. هناك مؤسسات اخرى يمكن التعاون معها مثل البنك الافريقي للتنمية والبنك الاوروبي للتنمية والبنك الاوروبي للبناء والتعمير وبنك التنمية لدول البريكس الخ . الحزب الليبرالي يحمل مشروعا نهضويا استقلاليا يحقق لنا الاستقلالين الاقتصادي والسياسي وتحقيق الأمن الوطني الشامل وفي اوله الأمن الاقتصادي لذلك فإن تعاملنا مع الخارج سيكون محكوما فقط بتحقيق الاهداف الوطنية كما ان التعويل الاول في التنشيط الاقتصادي سيعتمد على المكون المحلي لا الاجنبي في عمليات التمويل .

    أجبنا عليه إن موقف الحزب الاساسي بالنسبة لدعم السلع الغذائية هو مساعدة المنتجين واعادتهم لدورة الانتاج مرة اخرى وتقديم القروض والدعم اللوجستي الذي ينعش انتاج الغذاء محليا وليس استيراده . في اللحظة الحالية عموما ليس هناك دعم حقيقي للمواطن والليبرالي يقف ضد الدعم المباشر للسلع من طرف الدولة وانما هو مع دعم المنتجين للدخول في حلبة الانتاج والاقتصاد النقدي . عللنا عدم وقوفنا مع الدعم المباشر بواقعة ان وجود الفقر في السودان ناتج عن ضعف الانتاج المحلي والاعتماد على السلع المستوردة بما فيها السلع الغذائية وارتفاع اسعار السكن وضعف التشغيل (العطالة) . أي محاولات لضخ الموارد الضعيفة للدولة في برامج دعم مباشر للوقود او السلع الغذائية هو استمرار في الطريق الخاطئ وليس حلا لجذور الازمة . توجيه تلك الموارد لانعاش الاقتصاد المحلي وتنشيطه بما فيه انتاج السلع الغذائية يساعد كل من المنتجين والمستهلكين .

    من ناحية اخرى يستهلك السكن قسطا كبيرا من دخل المواطن وخصوصا العاملين بالدولة – بدلا من تقديم الدعم المباشر للسلع ستقوم سياسة الحزب على توفير السكن الرخيص سواء عن طريق تشجيع تقديم القروض السكنية او بناء السكن الشعبي من طرف مؤسسات الدولة . هذا سيحقق فائضا كبيرا للاسر التي يذهب جزء كبير من دخلها للايجار. تخفيض تكلفة الطاقة عبر الحل الجذري لأزمتها كفيل ايضا بتخفيض تكلفة الطاقة وبالتالي تحقيق وفر اساسي في الاقتصاد المنزلي. الليبرالي لن يعالج الازمة بمسكنات مثل الدعم المباشر للسلع وانما عبر حلول صحيحة تعتمد على تنشيط الانتاج المحلي وحل الازمات البنيوية في البنية التحتية (طاقة ، طرق، مياه، مواصلات، الخ) وذلك لاحداث التشغيل الكامل للاقتصاد ومضااعفة الدخل القومي وما ينتج عن ذلك من ارتفاع دخل الفرد وانخفاض الاسعار نتيجة لاختفاء الندرة وبذلك نقلل من مستويات الفقر بطريق غير مباشر

    عمليا لا يوجد دعم مباشر للفقراء وما يتم توزيعه من “دعم عبر” صندوق الشهيد وديوان الزكاة وصندوق دعم الطلاب وغيرها هي نقاط في بحر الاحتياجات واغلبها تتم تحت فساد بالغ . هذه معالجات غير مجدية وانما المجدي هو اعادة عجلة الاقتصاد للانتاج والتشغيل الكامل للمجتمع وفي المقام الاول الشباب بما يؤدي لارتفاع دخل الاسرة وتخفيف الاعباء الضريبية والجبايات المباشرة وغير المباشرة ثم اتاحة الفرصة للانتاج والدخول في سوق العمل بتشجيع وتسهيل الحصول على قروض ميسرة للشروع في المشروعات الصغيرة.

    اما بالنسبة للوقود فالملاحظ هو انخفاض كبير في اسعار المحروقات عالميا وحقيقة تمارس الدولة حاليا جباية وارباحا ضخمة من المحروقات ولا تدعمها اطلاقا – نعتقد ان فتح الباب لاستيراد الوقود من طرف القطاع الخاص فضلا عن مؤسسات الدولة وتوجيه المنتج المحلي من البترول للاستهلاك المحلي وادخال مشاريع الطاقة البديلة بشكل واسع للسودان ( شمسية – ريح – تدوير المخلفات الحيوية الخ ) كله كفيل بتخفيف ازمة الوقود تمهيدا لحلها الامر الذي سيؤدي تدريجيا لخفض أسعار المحروقات بما فيها الغاز المنزلي .

    رأينا انه بالنسبة لمعالجة الأزمة المالية الناتجة في الأساس عن انهيار الانتاج الصناعي والزراعي في السودان واختلال الميزان التجاري فهناك عدة خطوات في ضبط الانفاق العام وتوفيق السياسات المصرفية وجذب الأستثمار الخارجي كفيلة بأعادة التوازن المالي تجدها في ” البرنامج العام ” للحزب . من ناحية عامة فإن وجود اسعار مختلفة للدولار وشح وجود العملة الصعبة هو عرض من اعراض الازمة المالية والاقتصادية وتحكم الدولة في الدولار اصلا مرفوض من طرفنا . فتح ابواب الاستثمار الخارجي وفي المقدمة منه استثمارات السودانيين بالخارج وتحسين علاقاتنا الدولية مرتبطا مع تحريك الانتاج المحلي كفيل بتوفير كتلة نقدية من العملات الصعبة كافية لتوفير مدخلات الانتاج الضرورية فقط وليس استيراد القمح والدقيق والسكر الخ.

    عموما في سياساتنا الاقتصادية والمالية ستكون الموازنة العامة مرنة ومتطورة حسب الاحتياجات والمهام العاجلة (task oriented budget) كما سيتم الاهتمام بالمنهج التحليلي وادماج المرأة وقضايا النوع عند صياغة الموازنات (Gender budgeting) بل ومشاركة المجتمعات المحلية والمنظمات المدنية في صياغة موازناتها المحلية او حتى الميزانية العامة (participatory approach).

    وهناك في البرنامج العام للحزب خطوط عامة لمعالجة الفقر تحتاج الى التفصيل ، وفي ورقة “التنمية الريفية ومعالجة الفقر” التي اعدها المهندس قصي همرور للحزب والقوى الديمقراطية نجد هناك تشديدا كبيرا على بناء القاعدة التحتية للانتاج باعتبارها المدخل السليم لتنمية الريف ومعالجة الفقر – يقول :

    (( هنالك أيضا جوانب البنية التحتية المادية الضرورية لزيادة الإنتاجية الريفية وتوصيل منتجاته بالأسواق الخارجية (المحلية والمناطقية والدولية) – مثل توفير المياه النظيفة، والتقسيم الهندسي للأراضي وشبكات الري، والتوزيع العادل والمستدام لها، وبناء الطرق وشبكات السكك الحديدية، وتوفير الطاقة الكهربائية بكميات مناسبة ومصادر مستدامة، الخ – وهي جوانب تحتاج لرعاية القطاع العام، ولا يمكن للقطاع الخاص، في أي مستوى، أن يتكفل بها، لأنها لا تدر أرباحا مباشرة.. إضافة لذلك تحتاج المشاريع الزراعية والحيوانية والتعدينية لتمويلات مصرفية، معقولة ومقبولة ومسؤولة، كرؤوس أموال مطلوبة لتحريك أي نشاط اقتصادي منتج. ))

    ايضا ينظر الليبرالي بعين الدراسة لفكرة دفع “دخل اساسي ثابت ” لكل مواطن راشد وهي فكرة تم تطبيقها في بعض البلدان وستتم دراسات حول امكانية تطبيقها في السودان واحلالها بديلا عن نظام الدعم الاجتماعي والصحي والمعاشي.

    عادل عبد العاطي

    8 يناير 2016

  • عرض مختصر لبعض الأطروحات الإقتصادية للحزبالليبرالي

    هدف البرنامج الاقتصادي الإنعاشي والطويل المدى للحزب الديمقراطي الليبرالي = ((مضاعفة الدخل القومي السوداني خمس مرات في خلال عشرة أعوام من بدء تنفيذ البرنامج))

    بعد إصدار الحزب الديمقراطي الليبرالي لبيانه الأخير عن تصريحات وزير المالية المسيئة للشعب السوداني، وتوضيح الحزب أسباب الأزمة الإقتصادية المتمثلة في الحرب والتسلط والمحسوبية وسوء التخطيط والفساد، سألني أحد المتابعين عن تصورات الحزب الديمقرلطي الليبرالي للحلول المثلى إقتصادياً ، فأجبته في إختصار بالتالي :

    للحزب الديمقراطي اللليبرالي برنامج عاجل للانعاش الاقتصادي يتكون من عدة محاور:

    أولاً: ايقاف الحرب فوراً وايقاف النزف الاقتصادي المرتبط بها،

    ثانياً: اجراء اصلاح اداري بالعودة للاقاليم الخمسة والغاء كل الولايات الحالية وخفض المصاريف السيادية والادارية بنسبة الثلثين،

    ثالثاً: تخفيض نفقات الامن والدفاع ( تصل حاليا ل٧٠٪ ) لدرجة 10% وإعادة تخطيط الميزانية بحيث يذهب القسط الاكبر لتوفير مدخلات الانتاج وخصوصا الزراعي والحبواني والجزء الباقي لتوفير السلع الاساسية والخدمات الاساسية،

    رابعاً: اصلاح العلاقات الخارجية وتحسين تعامل السودان بالخارج بحيث نحصل على الغاء للديون المتراكة وكذلك الحصول على منح وهبات تذهب لتوفير مدخلات الانتاج وتحريك عجلة الاقتصاد،

    خامساً: فتح مجال النشاط للقطاع الخاص وتشجيع المستثمرين السودانيين والاجانب والمغتربين للاستثمار في السودان وتخفيف الجبايات المفروضة عليهم،

    سادساً: وقف التعدين العشوائي واهدار الموارد واعادة تتظيم قطاع التعدين تماماً وبحيث ترتفع كفائته وانهاء اهداره وسرقته،

    سابعاً: حل مشكلة الطاقة بشكل جذري وذلك بعمل عشرات ثم مئات مشاريع الطاقة البديلة وهناك مصادر تمويل جاهزة لهذه المشاريع متوفر في حالة كانت هناك حكومة جادة نظيفة في السودان،

    ثامناً: عمل صناديق ومشاريع لاعادة تعمير المناطق المدمرة بالحرب تحت اشراف اعلى الخبراء السودانيين والدوليين وان تكون مستقلة عن الحكومة،

    تاسعاً: إعادة تاهيل البنى الاساسية والمشروعات التي كان يقوم عليها الاقتصاد وعصرنتها وتطويرها مثل المشاريع المروية والسكة حديد والنقل النهري والصناعات الغذائية والتحويلية الخ،

    عاشراً: ضمان حكم القانون واستعادة الاموال المنهوبة والضرب بيد من حديد على مواقع الفساد،

    حادي عشر : تشغيل الشباب وذلك عن طريق بنك الشباب وتمويل المشاريع الصغيرة وخصوصا في مجالات الانتاج الزراعي والصناعي والحرفي،

    ثاني عشر: استعادة القدرة التنافسية للبضائع السودانية وارجاعها للسوق الاقليمي والعالمي مثل القطن والسمسم والجلود ومشتقاتها.

    تنفيذ هذا البرنامج الذي نملك تفصيلا لكل جوانبه وحسابات دقيقة له وخبراء لتنفيذه وعلاقات اقليمية وعالمية تسنده لمدة ثلاثة سنوات كفيل بانعاش الاقتصاد السوداني ورفع الانتاج واحداث التوازن المالي وحل ازمات السلع والخدمات الاساسية. بعدها يكون الاقتصاد قد تهيأ لمرحلة الانطلاق وحينها يمكن تحقيق برنامج النهضة الاقتصادية المتوسطة لمدة ثلاثة سنوات اخرى وهو برنامج جاهز ايضا للنهوض بالانتاج وفتح قطاعات انتاجية وخدمية جديدة ( كالسياحة) وجذب الاستثمارات الضخمة والبدء في اعادة تخطيط المدن وتحقيق التوازن بين المدينة والريف وحل مشكلة السكن واعادة بناء البني التحتية الخ . بتحقيق البرنامج الانعاشي والمتوسط يمكن لنا مضاعفة الدخل القومي الاجمالي مرتين في خلال 6 سنوات.

    المرحلة الثالثة وهي تمتد لاربع سنوات ومهمتها الانتقال لاقتصاد صناعي تقني خدماتي متقدم مع تحقيق الامن الاقتصادي الشامل للبلاد وخلاصتها أن تصبح خمسة قطاعات أو مكونات للاقتصاد السوداني الافضل في افريقيا. ويشمل برنامج النمو في خلال هذه ال4 سنوات فيها تحريك كل الموارد الكامنة من طبيعية ومادية وبشرية في السودان وًبناء الاقتصاد المتكامل الشامل. المعيار للتنفيذ والنجاح بعد نهاية الفترة الثالثة هو أن يكون الدخل القومي السوداني خمسة مرات عما هو عليه الآن.

    نحن على استعداد لتوفير البرنامج الانعاشي وتنفيذه مع اخرين في خلال ال٣ سنوات الاولى كفترة انتقالية اما البرنامج المتوسط والبعيد المدى فلا يمكن تحقيقهما الا اذا فاز الحزب الديمقراطي الليبرالي بالانتخابات او كان شريكا قويا في الحكومة لان تنفيذ تلك البرامج يحتاج الى اصلاحات سياسية وقانونية وادارية عميقة لن تستطيع الحكومة الانقالية تحقيقها ولا يمكن ان تتم دون تفويض شعبي قوي.

    وقد يتهمنا البعض أن برنامجنا مركزي – ونحن نقول أننا قد وصلنا مرحلة الانهيار الاقتصادي وتوقف الانتاج. لذلك هناك حاجة ماسة لبرنامج اقتصادي قوي يوقف هذا الانهيار ويعيد عجلة الانتاج للعمل. اننا كليبراليين لا نحبذ المركزية ومع اعطاء سلطات واسعة للاقاليم، ولكن هذا لا يمكن ان يتحقق في ظل الانهيار الشامل الجاري حاليا لذلك لا بد من وجود برنامج أقتصادي شامل ومترابط تسنده قوة سياسية محترمة وشابة تستطيع النهوض به وقدرات تنفيذية عالية.

    وقد قال لنا البعض إن المؤتمر الوطني قد يكون الأكثر تأهيلا لتنفيذ مثل هذا البرنامج الانعاشي ثم النهضوي لأنه الحزب الأكثر تأهيلا في السودان لذلك. ونحن نرد أن المؤتمر الوطني قد يكون مؤهل تنظيميا لكنه غير مؤهل بنيويا ولا فكريا ولا اخلاقيا لتنفيذ مثل هذا البرنامج.

    من ناحية أخرى نطمئن الجميع ان هذا البرنامج لن ينفذه اعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي الا في حدود الطرح السياسي، وانما سينهض به الخبراء السودانيون المؤهلون في كل المجالات والقادرين على تنفيذه لو وجدوا الغطاء السياسي من الدولة.

    عادل عبد العاطي

    18-12-2015

    المراجع:

    1. الأطر السياسية والإقتصادية والإجتماعية لبرنامج الحزب الديمقراطي الليبرالي.

    2. البرنامج العام للحزب الديمقراطي الليبرالي .

    3. كتاب : ” رؤى إقتصادية” الصادر عن الحزب الديمقراطي الليبرالي.

    4. بيانات الحزب الديمقراطي الليبرالي عن القضايا الإقتصادية.