التصنيف: نســـويــة جــديـــــــدة

مقالات عن القضايا النسوية من منظور ليبرالي وهولستي

  • ماذا قدم إبن عربي للعالم؟


    سألني الأخ Ahmed Omer ماذا قدم ابن عربي للعالم، وكان ذلك في اطار محاججة زعم فيها هذا الاخ ان ابن عربي قال انه هو الله ( غالباً خلط بين مفاهيمه ومفاهيم الحلاج ).
    في هذا المقال، أُسلط شيئاً من الضوء على أبرز ما قدّمه ابن عربي للعالم، من إسهامات فكرية وروحية وثقافية، مما جعله يستحق لقبي “الشيخ الأكبر” و”الكبريت الأحمر”، كما وصفه بهما كبار الفلاسفة والمتصوفين.

    موقف ابن عربي من فكرة الإتحاد والحلول:

    وفي الحقيقة فقد كان ابن عربي من خصوم فكرة الحلول والاتحاد التي طرحها الحلاج، وقال في ذلك : (العبد عبد، والرب رب، فليعرف العبد قدره، وإياك أن تعتقد الاتحاد، فإنه كفر، وإياك أن تعتقد الحلول، فإنه كفر. وإنما الحق أن تعلم أنك ظاهر بوجود الحق، لا أنك إياه، ولا أنه حل فيك.) الفتوحات المكية، الجزء الثاني، الباب الـ198.
    وفي موضع آخر يقول بوضوح: (من قال بالحلول فقد حد، ومن قال بالاتحاد فقد كفر.) المصدر: الفتوحات المكية، الباب الـ73.
    ويؤكد ابن عربي في “الفتوحات” أن الحلاج أخطأ التعبير عن تجربته العرفانية فقال: “أنا الحق”. في حين أن العارف لا يتكلم إلا عن الله، لا عن نفسه، ولا ينطق بضمير الأنا في هذا المقام.ومن أبلغ ما قاله في ذلك: ( لو أدرك الحلاج ما قلناه لسكت، ولما قال: أنا الحق. بل لقال: هو الحق.) الفتوحات المكية، الباب 73.

    بين إبن عربي وإبن تيمية:

    والشاهد أنه حين يُذكر اسم محيي الدين بن عربي (1165–1240م)، يتبادر إلى الذهن أحد أعظم رموز التصوف والفكر الفلسفي في الحضارة الإسلامية والعالم. وربما يكون هو وابن تيمية – على اختلافهما – من اكثر الشخصيات جدلاً وتأثيراً في العالم الاسلامي، كما أشار الشيخ علي جمعة، ففي حين كان ابن تيمية ملهم السلفية على مر القرون، كان ابن عربي شيخ الصوفية عبر التاريخ، رغم انه لم يُخلِّف وراءه طريقة تُذكر ( الطريقة الأكبرية المنسوبة له لا يكاد يكون لها وجود فعلي) .
    وفي الحقيقة إن ابن تيمية رغم شدة نقده لفكر ابن عربي، خصوصًا فيما يتعلق بفكرة وحدة الوجود، لم يُكفّره كما فعل كثير من تلامذته أو من جاء بعده من فقهاء السلفية، حين قال عنه : ( وابن عربي صاحب فصوص الحكم هو من أئمة أهل التصوف، وله من الكلام الجيد المستقيم كثير، وله من الكلام الباطل كثير، وإنه وإن كان من أعظم من تكلم في الفناء ووحدة الوجود، فإنه لم يكن منكرًا للشرائع ولا مبطلًا لأحكامها كما يقوله الاتحادية الزنادقة.) مجموع الفتاوى، الجزء 2، صفحة 444

    دور إبن عربي في تطوير الفلسفة العربية – الاسلامية:

    لم يكن ابن عربي مجرد متصوف انعزالي يكتب في الخلوات، او قائد صوفي طرائقي يجمع حوله الأتباع، بل كان مفكرًا موسوعيًا، متقدمًا في رؤيته للإنسان والكون والإله، متجاوزًا للحواجز الزمنية والحدود الجغرافية.
    في هذا قدّم ابن عربي مفهومًا فريدًا في الفلسفة العربية – الإسلامية عُرف لاحقًا باسم مفهوم وحدة الوجود، وهو تصور يرى أن الله هو الوجود الحق، وأن كل ما في الكون تجلٍ من تجليات ذاته، دون أن يكون هو عينه.
    هذا المفهوم لم يكن فقط رؤية دينية، بل كان أيضًا رؤية فلسفية عميقة لحقيقة الكون والإنسان والعلاقة بينهما. ألهم هذا الفكر لاحقًا فلاسفة ومتصوفة ومفكرين في الشرق والغرب، وأحدث جدلًا فكريًا عميقًا داخل الفكر والفلسفة الإسلامية وخارجهما.

    كرامة الإنسان ومفهوم الإنسان الكامل عند ابن عربي:

    كان ابن عربي يؤمن بكرامة الإنسان وعظيم قدره، باعتباره خليفة الله في الارض. هذا المفهوم لكرامة الإنسان عند الشيخ الأكبر ، وتميزه حتى على الملائكة، يفتح الباب للترقي و التحول ويشجّع على تنمية الأخلاق والسمو الروحي.
    يقول ابن عربي : (فما في الكون أعظم حرمةً من الإنسان، فإن الله خلق العالم كله من أجله، وخلق الإنسان له، فهو المخلوق على صورته، وهو الخليفة في أرضه، وهو المظهر لأسمائه وصفاته، وهو محل نظره، وهو موضع سره.) الفتوحات المكية، الجزء الثالث، الباب 268
    ومن هنا طرح ابن عربي مفهوم الإنسان الكامل باعتباره تمام التحقق والتكامل الأخلاقي والسمو الروحي للإنسان. وقد وجد هذا المفهوم طريقه إلى مدارس فلسفية وصوفية لاحقة، وكان له أثر كبير في الفكر الإنساني، إذ قرّب بين التصوف والفلسفة واللاهوت.

    التسامح الديني عند ابن عربي:

    من أبرز ما ميّز فكر ابن عربي هو انفتاحه الروحي وتأكيده على وحدة الرسالات السماوية ومقاصدها.
    قال في ذلك : (فلا تعتقد أن ما تعتقده في الله هو الحق دون غيره، بل اعلم أن الله قد تجلى في كل معتقَد، وأن كل من عبد الله على وجهٍ، فإنما عبد صورةً من صور تجليه، وهو في جميعها ظاهر، ولذا قال: ﴿كُلٌّ إلينا راجعون﴾.) فصوص الحكم – فصّ حكمة نورية في كلمة نوحية
    كما قال في واحدة من أشهر أبياته: (أدين بدين الحب أنى توجهت – ركائبه، فالحب ديني وإيماني)
    بهذا المعنى، كان ابن عربي من أوائل من نادوا بـالتعددية الدينية بوصفها تجلٍ من تجليات التجربة الروحية، ورفض الحصرية الدينية والفكرية، وهو موقف سابق لعصره بأشواط طويلة، ويُعتبر اليوم موقفًا متقدمًا في عصر التعددية الثقافية والدينية.

    الانحياز للمرأة ورد اعتبارها:

    كان ابن عربي من أسبق المفكرين المسلمين في الانحياز للمرأة ورد اعتبارها الروحي والإنساني، فقد رفض النظرة الفقهية التقليدية التي تنتقص من كمالها، وأكّد أن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى، وأن الذكورة والأنوثة مجرد أعراض لا تمس جوهر الإنسان. قال في ذلك : (فكلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية) رسالة عقلة المستوفز – باب “الكمال الإنساني”.
    وفي مواجهة التصورات الذكورية السائدة، فتح ابن عربي أمام المرأة باب الولاية الكاملة، بل أقر لها بمقام “الإنسان الكامل” الذي جعله متاحًا للنساء كما الرجال. وقال في ذلك : (كل ما يصحُّ أن يناله الرجل من المقامات والمراتب والصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء) الفتوحات المكية، الجزء الثاني، الباب 178
    ولم يكتف ابن عربي بالتنظير، بل سجّل تجربته الروحية مع شيخاته فاطمة بنت المثنى القرطبية وشمس أم الفقراء المغربية الخ وامتدح علمهما، كما خلد حبه واحترامه للمرأة في ديوان ترجمان الأشواق، الذي جعل فيه محبوبته “النظام” رمزًا للجمال الإلهي والمعرفة. لقد مثّل ابن عربي صوتًا تحرريًا نادرًا في التراث الإسلامي، رأى في المرأة شريكة كاملة في المعرفة والمحبة والقداسة.

    إبن عربي وإعادة تعريف المعرفة:

    قدّم ابن عربي رؤية شاملة للمعرفة تقوم على التذوق والكشف، لا العقل وحده، ولا النقل فقط. فرأى أن هناك معرفة شهودية، لا يدركها إلا من “ذَاق”، أي عاش التجربة الروحية.
    يقول ابن عربي في ذلك : ( فما كل من نقل عرف، ولا كل من عقل وقف، إنما العارف من ذاق، ومن ذاق عرف، ومن عرف وصف، ومن وصف ألحق.) الفتوحات المكية، ج3، الباب 267
    بهذا أسس ابن عربي لمدرسة المعرفة العرفانية، التي تعطي للتجربة الداخلية والحدس دورًا مركزيًا في فهم الحقيقة، وهو ما نراه اليوم في مدارس الفلسفة التأملية، والصوفية المعاصرة، وحتى في بعض اتجاهات علم النفس ، مثل نظريات كارل يونغ في علم النفس التحليلي، الذي ميّز بين المعرفة الواعية والمعرفة الناتجة عن اللاوعي الجمعي والرؤى الداخلية، واعتبر أن الرموز والتجربة الصوفية تعبّر عن مكنونات النفس العميقة، وكذلك مدرسة كين ويلبر (علم النفس الإنساني-الروحي)، التي ترى أن الإنسان لا يبلغ تمامه إلا بالتكامل بين العقل، والمشاعر، والحدس، والتأمل.

    إسهام إبن عربي في الكتابة والعلوم:

    كتب ابن عربي في مجالات مختلفة من بينها اللغة، الفقه، التفسير، الحديث، الفلسفة، والرياضيات الرمزية، بالإضافة إلى التصوف. في المحصلة خلّف ابن عربي ما يتجاوز ال350 عملًا بين كتب مطولة ورسائل قصيرة وشروح وأمالي ودواوين شعرية وكتب رمزية أو كشفية. بعض الباحثين قالوا ان اعماله تجاوزت ال٨٥٠ عملاً بين أعمال محفوظة ومفقودة وأعمال مشكوك نسبها اليه.
    يبقى من ضمن أشهر كتبه كتابان هما “الفتوحات المكية” ، وهو موسوعة كبري فيها أكثر من 560 بابًا في 4 مجلدات ضخمة، و”فصوص الحكم”، وهو عمل فلسفي عرفاني مركّز، عدّه ابن عربي خلاصة فكره ولبّ رسالته. والكتابان موسوعتان تدمجان بين التجربة الروحية والتأمل العقلي العميق، وتتناولان موضوعات تتعلق بالله، والكون، والزمان، والمكان، والنبوة، والولاية، والعلم.
    كما نُسب لإبن عربي تفسير للقرآن، ربما جُمعت مادته من كتابيه السابقين، يفسر فيه القرآن عرفانياً، ويعد من اكثر التفاسير تميزاً وتفرداً في تاريخ علوم القرآن وتفاسيره المتعددة.

    التأثير العالمي واللاحق لإبن عربي:

    لم يتوقف أثر ابن عربي عند حدود العالم الإسلامي. في العصور الحديثة، تُرجمت الكثير من أعماله إلى اللغات الأوروبية، ودرسها مستشرقون كبار مثل هنري كوربان (Henry Corbin) وويليام شيتيك (William Chittick) وميغيل أسين بلاثيوس (Miguel Asín Palacios)، الذين أبرزوا تأثيره على الفكر الأوروبي، وحتى على بعض تيارات الفلسفة الغربية الحديثة.
    كما أثّر الشيخ الأكبر على شعراء وفنانين وفلاسفة مختلفين مثل الادباء والشعراء جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار ومحمد اقبال وجبران خليل جبران الخ ، وفنانين مثل عابد عازرية ولوري اندرسون وفرق موسيقية عديدة من اهمها فرقة Ensemble Ibn Arabi المغربية، وفلاسفة مثل صدر الدين الشيرازي و رينيه جينون وهنري كوربان.
    أيضاً اعتبر بعض الدارسين مفاهيمه وتصوراته المعقدة للزمان والمكان والوجود الذري ووحدة الوجود والتجلي الالهي والخلق المستمر الخ، بمثابة مقدمة واستشراف لنظريات فيزيائية حديثة عن النسبية والزمكان والطاقة الكونية و الحقل الكمومي والنظام المتضمن والأكوان المتعددة الخ ، وإن بلغة رمزية. في هذا ربما، عبر الذوق والكشف، استشرف ابن عربي كثيرًا من القضايا والأسئلة التي لا تزال الفيزياء الحديثة تسعى للإجابة عنها.

    خاتمة:

    لقد قدّم ابن عربي للعالم ما يتجاوز الحدود الدينية والثقافية: قدّم رؤية كونية للإنسان والوجود والدين، تقوم على المحبة والمعرفة والتجربة، وتحترم التعدد، وتساوي بين البشر، وتدعو إلى سلام الإنسان مع نفسه وغيره.
    وبسبب من غزارة انتاجه وغنى فكره وتعدد طبقاته، لا يزال إرث إبن عربي، بعد مرور أكثر من ثمانية قرون، يُلهِم الباحثين والفلاسفة والعلماء والروحانيين، ويُعتبر جسرًا حضاريًا بين الشرق والغرب، وبين الدين والفلسفة، وبين العقل والقلب.
    لهذا كله اعدُ إبن عربي واحدًا من أعظم العقول الإنسانية على مرّ التاريخ، وأحد اكثر الناس الذين قدموا فيوضاً من المعرفة الروحية والعلمية للعالم.

    عادل عبد العاطي
    ٢٤ يوليو ٢٠٢٥م

  • التوب السوداني: بين الهوية والعملية

    مقدمة:

    يُعتبر “التوب” من أبرز رموز الهوية النسائية في السودان. فهو ليس مجرد قطعة قماش تُلف حول الجسد، بل يمثل تاريخًا اجتماعيًا وثقافيًا ممتدًا لقرون، ارتبط بالأنوثة السودانية وبالمكانة الاجتماعية، وأخذ رمزية خاصة في الزواج والحداد والمناسبات. ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا: هل التوب ما يزال عمليًا في حياتنا الحديثة؟ أم أنه عبءٌ ثقيل على المرأة السودانية يستدعي خلعه وتجاوزه؟

    التوب بين التاريخ والأسطورة:

    كثيرون يقعون في مبالغات أو مغالطات حين يتناولون تاريخ التوب. فالرسومات التاريخية تُظهر أن جدّاتنا الأوائل لم يعرفن التوب بشكله الحالي، حيث ارتدت النساء في العصور المروية فساتين طويلة من الكتان، تكون مشدودة أحياناً بحزام عند الخصر. في العصور المسيحية تاثرت الملابس النسوية بالنموذج الكنسي البزنطي والقبطي، ولم يكن للتوب وجود. حتى في سلطنتي دارفور وسنار لم يكن للتوب وجود بالمعنى المعروف اليوم. في بداياته، لم يكن التوب لباسًا ريفيًا، بل كان زياً محصورًا بالمدن والمناطق الحضرية.

    الأرجح أن التوب ظهر في القرن التاسع عشر كتطور ناتج من التفاعل مع أزياء شعوب مجاورة، كالـ”شَمَا” الرجالية الحبشية، أو “الملاية اللف” المصرية، أو “الحايك” المغاربي.

    تطور التوب عبر العقود من “توب الزراق” أحادي اللون إلى التوب المزخرف والملون، وانتقلت خامته من الدمور ثم “السكوبيس” إلى الحرير. وبين توب الزراق القديم والتوب العصري برزت مرحلة انتقالية مهمة هي “الفِرْكَة النقّاديّة”. لذلك لا يمكن القول إن التوب إرث ثابت؛ بل هو زي متحول خضع لتأثيرات جمالية وثقافية عديدة، شبيهة بما جرى للساري الهندي أو الكيمونو الياباني.

    التوب كرمز للهوية:

    رغم حداثة ظهوره، صار التوب علامة فارقة للمرأة السودانية. فهو يرمز إلى الرسمية والإحترام حين يُرتدى باللون الأبيض، حيث كان زي الموظفات او المعلمات، والى الفرح حين يرتدي بألوان جذابة في الأعراس، وإلى الحزن حين يكون أبيض أو أزرق داكن في المآتم. كما يحمل أيضًا قيمة إجتماعية، فالتوب اليومي يعكس ذوق المرأة ومكانتها، حيث هو شبه محصور على المتزوجات، ويُعتبر وسيلة للتمايز الثقافي عن نساء أفريقيا والعالم العربي.

    هناك طبعاً أزياء مشابهة مثل “الساري” الهندي و”الملحفة” الموريتانية، وهنا تُطرح أسئلة لا اعرف اجابتها عن علاقة التوب السوداني بهذه الأزياء، رغم إقرارانا بالتلاقح الثقافي ما بين شعب السودان وهذه الشعوب. والظاهر إن التوب قد نشأ غالباً في بيئة الساحل بين السودان وموريتانيا، لأسباب تتعلق بالبيئة، ويمكن العثور على نماذج مشابهة له في تشاد ومالي والنيجر.

    التحديات العملية:

    لكن مع تحولات الحياة الحديثة، صار التوب يواجه مشاكل عملية واضحة، إذ أنه غير مريح للحركة للمرأة العاملة أو الطالبة، والتي تجد صعوبة في إنجاز أعمالها وهي ترتدي التوب. كما هو عبء في المواصلات العامة حيث يحتاج التوب لمساحة وحركة لا يوفرها الواقع اليومي المزدحم. كما أنه غير ملائم للأنشطة الحديثة من الرياضة إلى العمل المكتبي، وبذلك صار التوب بعيدًا عن المتطلبات العملية.

    أيضاً واجه التوب منافسة من الملابس الأخرى، ففي زمن الإنقاذ مثلاً انتشرت ظاهرة لبس “العباية” بأشكالها المختلفة. قد تكون العباية أرخص وأكثر عملية، لكنها قطعاً لا تصل لجمال وأناقة التوب.

    بين الجمال والانتقاد:

    الجماليات مسألة ذوق، لكن من الإنصاف القول إن التوب، حين يُختار بعناية، يزيد المرأة السودانية ألقًا. بعض الألوان والزخارف تناسب درجات البشرة وتبرز جمالها، لكن أغلب تيبان اليوم تبدو مزدحمة أو باهتة. التحدي إذن ليس في أصل التوب، بل في ذائقته وتطويعه للأزمنة.

    أما ما قيل عن “تكلفة إنتاج التوب العالية وأنها دليل على تخلف الأسلاف”، فهذا غير صحيح. التوب في بداياته كان بسيطًا ورخيصًا لأنه غير مخيط، متعدد الاستعمالات: يُلبس في النهار ويُستخدم غطاء في الليل ضد البرد. بل كان أوفر من الملابس المخيطة ذات الوظيفة الواحدة. ارتفاع سعر التوب اليوم ليس عيبًا فيه، بل انعكاس لأزمات الاقتصاد السوداني وعقلية البذخ والـ”بوبار” المنتشرة في أغلب مناحي الحياة، رغم الفقر المدقع الذي يعيش فيه أغلب السودانيين.

    خاتمة:

    غالباً ما سيقى التوب جزءًا من هوية المرأة السودانية، لكنه لن يعيش ما لم يتحول من فرض اجتماعي إلى اختيار حر. إذن الحل لا يكمن في التخلي عن التوب، بل في إعادة تعريف مكانته، أي الحفاظ عليه كزي رمزي وتراثي في المناسبات والاحتفالات، أو ربما تطوير “نسخ حديثة” أكثر عملية وخفة تلائم المرأة العاملة والفتاة الشابة.

    في كل الأحوال يجب قبول التنوع، وهو أن التوب ليس الزي القومي السوداني الوحيد، وأنه من حق المرأة السودانية أن تختار بين التوب والملابس الأخرى دون ضغط أو وصم.

  • ابن عربي والنظام- قصة حب معلن

    مقدمة:

    قد تكون أكبرَ حالةِ حبٍّ مُعلَن لرجل دينٍ إسلامي (بعد حبِّ الرسول الكريم للسيدة عائشة) هي حالةَ حبِّ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي للفتاة التي سُمّيت بـ”نِظام” أو “النِّظام”، ولقّبت بـ”قُرَّة العين”، وهي التي كتب عنها ديوانَه ترجمان الأشواق، ولا فَتِئ يذكُرُها من حينٍ لآخر، علامةً على الحب الأبدي والمُعلَن.

    قراءة المزيد: ابن عربي والنظام- قصة حب معلن

    قصة اللقاء:

    ويحكي ابن عربي عن أوّل لقائه بنِظام أو قُرّة العين، فيقول في كتابه ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق:

    “كنت أطوف ذات ليلة بالبيت، فطاب وقتي، وهزّني حال كنتُ أعرفه، فخرجتُ من البلاط من أجل الناس، وطفتُ على الرمل، فحضرتني أبياتٌ فأنشدتُها أُسمِع بها نفسي ومن يليني – لو كان هناك أحد – وهي قوله:

    ليت شعري هل دروا ** أيّ قلبٍ ملكوا

    وفؤادي لو درى ** أيّ شُعبٍ سلكوا

    أتراهم سلِموا ** أم تراهم هلكوا

    حار أربابُ الهوى ** في الهوى وارتبكوا

    فلم أشعرْ إلا بضربة بين كتفي بكفٍّ ألينَ من الخزّ، فالتفتُّ فإذا بجاريةٍ من بنات الروم، لم أرَ أحسنَ وجهاً، ولا أعذبَ منطقاً، ولا أرقَّ حاشية، ولا ألطفَ معنى، ولا أدقَّ إشارة، ولا أظرفَ محاورةً منها؛ قد فاقت أهل زمانها ظرفاً وأدباً وجمالاً ومعرفة، فقالت: يا سيدي، كيف قلت؟ فقلت: ليت شعري هل دروا ** أيّ قلبٍ ملكوا.

    فقالت: عجباً منك، وأنت عارفُ زمانك، تقول مثل هذا! أليس كل مملوك معروفاً؟ وهل يصحّ الملك إلا بعد المعرفة؟! وتمنّي الشعور يؤذِن بعدمها، والطريق لسانُ صدق، فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا؟ قل، يا سيدي، ماذا قلتَ بعده؟ فقلت: وفؤادي لو درى ** أيّ شُعبٍ سلكوا.

    فقالت: يا سيدي، الشُّعَبُ التي بين الشغاف والفؤاد هي المانع له من المعرفة؛ فكيف يتمنّى مثلك ما لا يمكن الوصول إليه إلا بعد المعرفة؟! والطريق لسانُ صدق، فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا، يا سيدي؟! فماذا قلتَ بعده؟ فقلت: أتراهم سلِموا ** أم تراهم هلكوا.

    فقالت: أمّا هم فسَلِموا، ولكن أسأل عنك؛ فينبغي أن تسأل نفسك: هل سلِمتَ أم هلَكتَ، يا سيدي؟ فما قلتَ بعده؟ فقلت: حار أربابُ الهوى ** في الهوى وارتبكوا.

    فصاحت وقالت: يا عجباً! كيف يبقى للمشغوف فضلةٌ يُحار بها؟ والهوى شأنه التعميم، يُخدِّر الحواس، ويذهب العقول، ويُدهش الخواطر، ويذهب بصاحبه في الذاهبين؛ فأين الحيرة؟! وما هنا باقٍ فيُحار، والطريق لسانُ صدق، والتجوُّز من مثلك غير لائق.”

    التعارف:

    ويمضي ابن عربي بعد هذا الحوار العجيب الذي أفحمته فيه الفتاة، فيذكر:

    “فقلتُ: يا بنت الخالة، ما اسمك؟ قالت: قُرَّة العين. فقلتُ: لي. ثم سلّمتْ وانصرفتْ. ثم إني عرفتها بعد ذلك وعاشرتُها، فرأيتُ عندها من لطائف المعارف الأربع ما لا يصفه واصف.”

    ومن الواضح أن الفتاة كانت تعرف ابن عربي؛ إذ تسميه بـ”عارف زمانه”، وهو لا يعرفها، مع أنه كان يعرف أباها، وكان صديقاً روحياً له، وقد ذكره في نفس الكتاب وفي مواضع أخرى، وهناك دلائل على تعاونهما العلمي وأخوتهما الروحية، حيث يقول:

    “فإني لما نزلت مكة سنة خمسمائة وثمانٍ وتسعين، ألفيت بها جماعةً من الفضلاء، وعصابةً من الأكابر والأدباء والصلحاء، بين رجال ونساء، ولم أرَ فيهم – مع فضلهم – مشغولاً بنفسه، مشغوفاً فيما بين يومه وأمسه، مثل الشيخ العالم الإمام، بمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، نزيل مكة، البلد الأمين، مكين الدين أبي شجاع زاهر بن رستم بن أبي الرجاء الأصفهاني – رحمه الله.”

    قصة حبٍّ مُعلَن:

    ويمضي ابن عربي أكثر ليصف “النظام” أو “قُرَّة العين”، في كلمات تنضح بالحب، فيقول:

    “وكان لهذا الشيخ – رضي الله عنه – بنتٌ عذراء، طفيلةٌ هيفاء، تقيّد النظر، وتُزيِّن المحاضر، وتحيّر المناظر، تُسمّى بالنظام، وتلقّب بعين الشمس، وإليها من العابدات العالمات السابحات الزاهدات، شيخة الحرمين، وتربية البلد الأمين الأعظم بلامين، ساحرة الطرف، عراقية الظرف، إن أسهبتْ أتعبتْ، وإن أوجزتْ أعجزتْ، وإن أفصحتْ أوضحتْ، إن نطقتْ خَرِسَ قُسُّ بن ساعدة، وإن كرُمتْ خَنِسَ معنُ بن زائدة، وإن وَفَتْ قصّر السموأل خُطاه، وأغرى ورأى بظهر الغُرر وامتطاه.”

    ويمضي أكثر ليقول:

    “ولولا النفوسُ الضعيفة، السريعةُ الأمراض، السيئةُ الأغراض، لأخذتُ في شرح ما أودع الله تعالى في خلقها من الحُسن، وفي خُلُقها الذي هو روضةُ المزن، شمسٌ بين العلماء، بُستانٌ بين الأدباء، حُقَّةٌ مختومة، واسطة عقدٍ منظومة، يتيمةُ دهرها، كريمةُ عصرها، مسكنُها جياد، وبيتها من العين السواد، ومن الصدر الفؤاد، أشرقتْ بها تهامة، وفتح الروضُ لمجاورتها أكمامه… عليها مسحةُ مَلَك، وهمّةُ مَلِك… فقلّدناها من نَظْمنا في هذا الكتاب ترجمان الأشواق أحسن القلائد بلسان النسيب الرائق، وعبارات الغزل اللائق، ولم أبلغْ في ذلك بعضَ ما تجده النفس من كريم ودّها وقديم عهدها، إذ هي السُؤْلُ والمأمول، والعذراء البتول، ولكن نظّمنا فيها بعضَ خاطر الاشتياق من تلك الذخائر والأعلاق… فكلُّ اسمٍ أذكره في هذا الجزء فعنها أُكنّي، وكلُّ دارٍ أندبها فدارها أعني.”

    زواج الشيخ من النظام:

    ورغم أن حبّ ابن عربي للنظام أمرٌ مُعلَن، فقد حاول السلفيون – ولا يزالون – أن يجعلوا منه منقصةً في حق الشيخ؛ والذي تشير كل الدلائل إلى أنه تزوّج بالنظام؛ ومن ذلك قوله:

    “فقلت: يا بنت الخالة، ما اسمك؟ قالت: قُرَّة العين. فقلت: لي.”مما يعني عزمه على زواجها؛ وخصوصاً لما اتّضح أنها بنت صديقه، ولِما رأى فيها من علمٍ وملاحةٍ وذكاء، مما أسرف في وصفه. ثم إن ابن عربي يقول:

    “ثم إني عرفتها بعد ذلك وعاشرتُها، فرأيتُ عندها من لطائف المعارف الأربع ما لا يصفه واصف.”

    ولا يُعقَل لمن كانت بنتَ زعيمٍ ورجلِ دينٍ أن تكون معرفتها ومعاشرتها لابن عربي حتى يجد منها “ما لا يصفه واصف” إلا في سياق الزواج.

    على أن ابن عربي يذهب أبعد من ذلك؛ حين يقول في كتابه محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار – والذي ينقل فيه الكثير من قصائده عن النظام – بعد أن يحكي قصة لقائه معها:

    “وكان لنا أهلٌ تُقرّ العين بها، ففرّق الدهر بيني وبينها، فتذكّرتُها ومنزلها بالحلة من بغداد.”

    وكلمة “أهل” في اللغة التراثية تعني الزوجة، أما قوله “تقر العين بها”، فهو قطعاً إشارة للقبها “قُرَّة العين”، وهو من أساليب ابن عربي البلاغية في المجاز والإشارة، إلا أن الإشارة واضحة هنا بأنها كانت زوجته. ولا نعلم سرّ افتراق ابن عربي عنها، أو افتراقها عنه، ولكننا نعلم قطعاً أنها سكنت بغداد بعد ذلك؛ وفي ذلك يقول ابن عربي:

    أحبُّ بلادَ الله لي بعد طيبةٍ ** ومكةَ والأقصى مدينةُ بغدان

    ومالي لا أهوى السلامَ ولي بها ** إمامُ هُدى ديني وعقدي وإيماني

    وقد سكنتها من بَناتِ فارسٍ ** لطيفةُ إيماءٍ مريضةُ أجفان

    تُحيِّي فتُحيِي من أماتتْ بلحظها ** فجاءتْ بحُسنى بعد حُسنٍ وإحسان

    ترجمان الأشواق – أثر الحب الباقي:

    إلا أن الأثر الباقي من قصة الحب المُعلَن يظل كتاب ترجمان الأشواق، والذي من الواضح أن قصائده قد كُتبت في فترات مختلفة؛ بدءاً من سنة 598 هـ، وهي السنة التي تعرّف فيها على النظام، ثم جمعها في كتاب واحد في تلك السنة. وربما أضاف ابن عربي للكتاب بعد ذلك قصائد جديدة، وأصدر الكتاب بنسخته النهائية بعد ذلك بسنين، ذلك أن ابن عربي حين يذكر أبا النظام في مقدمة الكتاب، فإنه يترحّم عليه، وتقول المراجع إن الرجل قد مات عام 609 هـ، فوق إشارة الديوان إلى أماكن عديدة في بغداد والبصرة، والتي لم يزرها ابن عربي إلا في سنتي 601 ثم 608 هـ.

    ولما كان كتاب ترجمان الأشواق قد أثار الكثير من الضجّة، وجعل بعض فقهاء الشام يشنّعون على ابن عربي، فقد تقدم صاحباه بدر الحبشي وإسماعيل بن سودقين يطلبان إليه شرح هذا الديوان، رغم أن ابن عربي قد كتب في مقدمة الديوان أن كلَّ ما يذكره من أسماء ومديح وغزل في هذا الكتاب إنما هو إشارة إلى معانٍ إلهيةٍ رفيعة. وقد أضاف ابن عربي في الباب 98 من كتابه الموسوعي الفتوحات المكية أن ما يذكره في أشعاره – فيما يخص ترجمان الأشواق وغيره – “أنها كلّها معارفُ إلهيةٌ في صورٍ مختلفة من تشبيبٍ ومديحٍ وأسماء نساءٍ وصفاتهنّ وأنهارٍ وأماكن ونجوم”.

    خاتمة:

    لكن لم يكن كلُّ هذا مُقنِعاً للفقهاء الغلاظ؛ لهذا السبب اضطر ابن عربي لكتابة كتابٍ آخر، شرحاً للديوان، وهو كتاب ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق، كتبه عام 611 هـ في حلب، وقال فيه تبريراً:

    “ولم أزل فيما نظمته في هذا الجزء على الإيماء إلى الواردات الإلهية، والتنزلات الروحانية، والمناسبات العلوية، ولعلمها – رضي الله عنها – بما إليه أُشير، ولا يُنبّئك مثل خبير، والله يعصم قارئ هذا الديوان من سبقِ خاطره إلى ما لا يليق بالنفوس الأبية، والهمم العليّة المتعلقة بالأمور السماوية، آمين بعزّة من لا ربّ غيره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.”

    وقد يكون في الحب من مثل ذلك كلّه، إذا كان – كما يقول ابن عربي – ديناً وإيماناً.

    عادل عبد العاطي

    23–9–2008

  • الأحزاب السياسية السودانية والقيادة النسوية

    مقدمة:
    طرح الاستاذ عثمان عجبين تساؤلات حول ضرورة تقديم القيادات النسوية للقيادة العليا في الاحزاب السودانية ؛ وزعم ان تولي النساء لقيادة الاحزاب او السياسة لم يأت بعد في السودان . وقال أنه يجب التخلص اولا من ترسانة القيود المجتمعية وهذا لن يتم داخل حزب مهما بلغت درجة استنارته. ذلك لأن الحزب السياسي نتيجة للواقع المجتمعي وليس مقدمة .وقال انه يجب صياغة المقدمات اولا . وانه لا يتوقع من قيادات نسوية غير ان يكن موتورات والسبب يكمن في ان المقدمة غير صحيحة.[i]
    وقال الاستاذ عجبين ضمن ما قال ((ياخ ما في اي ديموقراطية ولا عدل في تولي النساء قيادة الاحزاب . صدعتونا بالموضوع دا . تولي النساء القيادة لمجرد انهم نساء دي متاجرة باينة مهما حاولتم تزيينها . من يقود هو من يجب ان يكون مؤهل . لكم في تجربة حزب المؤتمر السوداني في مؤتمره الاخير اسوة حسنة . مسالة التمييز الايجابي والكوتة وتهاويم الامم المتحدة دي مصممة لاقعاد من يفكر في الوقوف.))[ii]
     
    تجربة الحزب الديمقراطي الليبرالي :
    اختلفت جذريا مع الاستاذ عثمان عجبين ورددت له بالنفى من خلال تجربتنا البسيطة. قلت ان الحزب الديمقراطي الليبرالي قد حرص منذ بداية تأسيسه على تقديم النساء للقيادة ؛ وفي الحقيقة لقد اكتسبت النساء داخل حزبنا هذا الحق بعملهن ونضالاتهن. فكانت اول رئيسة للحزب هي الاستاذة نور تاور كافي واول امينة عامة هي الاستاذة زهرة حيدر ادريس. ايضا كانت اول ناطقة رسمية هي الاستاذة نسرين عمر والآن فإن الناطقة الرسمية هي الاستاذة ميسون مساعد. كما كانت هناك رفيقات احتللن مواقع قيادية مثل الدكتورة ولاء حسين اول امينة للتنظيم والاستاذة اميمة الفرجوني التي قامت بمهام الامين العام لفترة والدكتورة اريج النعمة التي شغلت منصب نائبة رئيس المجلس السياسي والاستاذة ريهان الشاذلي التي كانت مقررة المجلس السياسي الخ. كل الرفيقات المذكورات لعبن دورهن بكفاءة واقتدار.
    اليوم في اللجنة التنفيذية للحزب هناك خمسة عضوات يقمن بدورهن بجدارة. للاسف في وسط هذه الباقة كانت ميادة سوار الدهب والتي ايضا دعمها الحزب وقدمها ولكنها رفضت تطوير نفسها والاستفادة من امكانيات الحزب وجعلت همها المجد االشخصي دون صقل تجاربها ومعارفها وفي النهاية تحولت الى الانتهازية السياسية الصارخة . اقول هنا انه بقدر ما نصر – كعضوية للحزب – على تقديم المرأة والشباب بقدر ما لا نتحكم في عملهم/ن ولا في تطورهم/ن فهذا يرجع لهم/ن ولاخلاصهم/ن ورغبتهم/ن في التعلم والتطور.
    في ظني المتواضع ان اغلب النساء الذين دخلن مضمار السياسة – على اختلاف مدارسهن- حققن نجاحات كبيرة رغم تخلف المجتع وابوية الاحزاب السياسية السودانية وذكوريتها . هنا يمكن ان اذكر رائدات ومناضلات مثل الاستاذات والدكتورات خالدة زاهر وفاطمة احمد إبراهيم وسعاد ابراهيم احمد وسعاد الفاتح وسارة الفاضل وامال عباس العجب وفاطمة عبد المحمود وربيكا قرنق وهالة عبد الحليم ونور تاور كافي وآمنة ضرار. الا ان الانجاز الاكبر للنساء السودانيات يظل في حيز العلوم والعمل المدني والاهلي حيث حققن نتائجا اكبر وافضل. ربما يرجع ذلك لتخلف الاحزاب السودانية نفسها وذكوريتها الشديدة .
     
    ذكورية الاحزاب السياسية السودانية:
    الذكورية التي اقصدها ليست امتلاء الحزب بالذكور – والتي هي ايضا عرض للذكورية – وانما هي العقلية الذكورية التي تتلبس اغلب احزابنا وتشمل العديد من النساء ايضا. ذلك إن الذكورية هي ايدلوجية وليست نوع – فيمكن ان تجد امراة ذات عقلية ذكورية ورجلا ذو عقلية غير ذكورية. مقابل الذكورية ليس الانوثية وان كانت الانوثية اعلى كعبا من الذكورية ولسبب ما قال الكبريت الاحمر ابن عربي: (( المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه)) . مقابل الذكورية والانوثية هي الانسانية وهي التساوي في الحقوق والواجبات ثم التمييز لصالح من اضطهد قرونا ليلحق بالسبق. هنا ايضا استذكر مقولة ابن عربي الأخرى : ((كلامنا إذًا في صورة الكامل من الرجال والنساء. فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى؛ والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية)).
    من دلائل الذكورية في احزابنا انهم لا يستصحبون قضايا النوع في برامجهم ابدا – فهم لما يتحدثون عن الشعب فانما يتحدثون عن الرجال وعندما يتحدثون عن المواطن فانما يتحدثون عن الرجل. ليست لاحزابنا حساسية تجاه قضايا النساء ابدا. من دليل ذلك رفضهم على اطلاقهم – عدا الحزب الليبرالي – لاتفاقية سيداو . من اعراض ذكوريتهم ايضاً أن قضايا الامومة والصحة الانجابية وامن النساء -وهن الاكثر تضررا من الحروب- وتقويتهن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تغيب تماما عن اجندتهم ونشاطهم. هذا كله يتجلى في خطاب محتقر للمراة ومقيد لها بآلاف الشروط الاجتماعية والدينية . وقد وثقت جانبا من هذا في مناقشتي لموقف التجمع المقبور والمبعوث من جديد كبعاتي في صورة ما يسمى بقوى الاجماع من قضية النساء عموما وسيداو في مقالي التوثيقي الموسوم: << تجمع الميرغني وقرنق والتجاني الطيب أعدى اعداء المراة السودانية>> .
     
    شروط القيادة :
    أقول ان شروط القيادة يدخل فيها شرط الاستعداد الذاتي دورا كبيرا ، كما يلعب فيها شرط مؤسسية المؤسسة المعنية ( الحزب هنا ) وتوزيع الادوار فيها دورا كبيرا . كما يدخل فيها شرط التدريب والصقل والتجربة شرطا ثالثا. في ظني ان هناك ناس عديدون بما فيهم اعداد ضخمة من النساء لديهم استعداد فطري للقيادة. ربما يرجع هذا الاستعداد للتربية المبكرة او تجارب الطفولة او ظروف الاسرة الخ. ولكن العامل الحاسم هو الظروف الاجتماعية بما فيها اتاحة الفرصة والصقل والتدريب.
    للأسف فإن الاحزاب السودانية تقفل الباب امام النساء والشباب بدعوى انعدام الخبرة او الكاريزما – كيف اذن تُكتسب الخبرة اذا لم يتم تقديمهم للقيادة في مستوياتها الوسيطة ثم الاولى ؟ كيف تكتسب الكاريزما وجزء كبير منها هو اجتماعي يتم اكتسابه ايضا من الموقع والنشاط ؟
     
    التغيير في الاحزاب قبل المجتمع :
    خلافا لرأي الأستاذ عثمان عجبين ارى ان تقديم المرأة للقيادة وتمكينها يجب ان يتم داخل الاحزاب نفسها ولا ينتظر التغيير المجتمعي الشامل . لماذا ؟ ذلك ان الحزب نفسه اذا لم يكن انسانيا او مؤنثا فهو لن يقود اي تغيير مجتمعي. حال الحزب في الحكم كحاله في المعارضة واولوياته في الحكم كاولوياته في المعارضة. فاذا كان الحزب المعني لا يهتم بقضايا النوع في برامجه ولا يقوي النساء داخله ولا يعطيهن الفرص للترقي والقيادة والاسهام ولا يشكل لهن بيئة صالحة وآمنة للعمل ؛ فكيف له ان يقوم بذلك عندو وصوله للحكم ؟ المثل البسيط يقول ان فاقد الشيء لا يعطيه. وهكذا فان الحزب الذكوري في المعارضة لن يتحول بين ليلة وعشاها الى حزب انساني او انثوي عندما يصل للحكم لينجز برامج التغيير ويغير المجتمع هيكليا كما نطلب ؛ وانما سيكون كل همه تأبيد القائم مع اجراء بعض الاصلاحات الخفيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع .
    السبب الثاني ان التغيير داخل الحزب نفسه اسهل من التغيير داخل المجتمع ؛ ففي الحزب المعني هناك اناس متفقون على الرؤي والاهداف ؛ ولهم وحدة الفكر والارادة . الاحزاب كمؤسسات يفترض فيها ان تكون اكثر تنظيما ومؤسسية وحساسية بالقضايا المجتمعية ؛ لذلك فإن اجراء التغيير داخلها وانسنتها وبناء المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات هي عملية اسهل في الحزب منها في المجتمع العريض. هذا فقط اذا توفرت ارادة التغيير. من ناحية اخرى فإن اجراء التغيير في الحزب او مجموعة من الاحزاب سوف يقدم نموذجا ايجابيا وسوف يشكل جزرا انسانية وصديقة للنساء في وسط محيط ذكوري هادر – ونحن نعلم انه اذا كان لك جزيرة كان من السهل التعامل مع المحيط.
     
    السلطة والتنوير والعلاقة المستحيلة :
    طرح الاستاذ عجبين ان الاحزاب السياسية تسعى للسلطة وهي بهذا ليست معنية بالتنوير وضرب المثال الرشيد في المجتمع . وقال إن الحزب السياسي ليس مؤسسة دعوية ولا اصلاحية وفكرية . وانما هو جسم سياسي يلعب للمكسب واضاف ان كل حزب يسعي للسلطة ولهذا سوف يلعب بالكروت الرابحة و والنساء لسن كرتا رابحا حاليا. إن هذا المفهوم للحزب السياسي مرفوض عندنا تماما.
    حزبنا الديمقراطي الليبرالي مثلا يسعى للسلطة لكن لتحقيق برنامجه. يعني إن البرنامج هو الاصل وليس السلطة . اذا لم يكن هناك برنامج للتغيير والنهضة بالبلاد وتمكين المواطن/ة فلتذهب السلطة ( والحزب معها) الى الجحيم. إن الاحزاب في المجتمعات المتخلفة يجب ان تلعب دورا تنويريا واصلاحيا ودعويا بل وتثويريا – ذلك بما تمتلكه من افكار جديدة ومن رؤى ومن اساليب حديثة في التنظيم الخ . مهمة الحزب السياسي في العالم الثالث مهمة فكرية واجتماعية وليست سياسية فقط. الحزب الذي يسعى للكسب السياسي فقط ولا يسعى للتغيير هو حزب انتهازي لن ينجز شيئا ولو كان له مليون عضو. والدليل امامنا تجربة الانقاذ الفاشلة وقبلها تجربة حزب الأمة الفاشلة هي الأخرى.
    اذن المهمة التنويرية مقدمة عننا على السلطة؛ كما ان مفهوم السلطة نفسه جدلي. نحن مثلا نؤمن بسلطة تضع نفسها في خدمة الناس ولا تعتقل تطورهم وانما تفتح امامهم آفاق التطور . هل هكذا سلطة ممكنة ؟ هذا ما نؤمن به ونسعى له؛ وهذا هو سعى البشرية منذ بدايتها للخروج من سلطة العنف والقهر المادي والمعنوي للسلطة الرشيدة المحكومة بقيم الخدمة العامة والانسانية الرحبة.
     
    عادل عبد العاطي
     
    3/7/2016
     
    اشارات مرجعية:
    [i] بوست للاستاذ عثمان عجبين في موقع (فيسبوك) للتواصل الإجتماعي – 24 يونيو 2016 – منشور على صفحة الاستاذ عجبين بذلك الموقع
    [ii] المرجع السابق

     

  • الحزب الليبرالي والقضية النسوية (نحو احتفال عملي بيوم المرأة العالمي)

    مقدمة:

    إهتم الحزب الليبرالي والليبراليات والليبراليون  بالقضية النسوية في السودان وواجهوها من ثلاثة محاور:

    المحور الاول وهو المحور الفكري أي أي مدرسة  وفكرة يجب ان تتبعها الحركة النسوية السودانية؟. ذلك ان الحركة النسوية كانت غارقة إما في الفكر الاصلاحي لناشطات حزب الامة مثلا او الفكر العقائدي للشيوعيين والاسلاميين.

    المحور الثاني وهو المحور التنظيمي  الناتج عن  سيطرة الاحزاب العقائدية على هذه الحركة النسوية وعدم وجود تنظيم او تيار نسوي مستقل بعيد عن سيطرة الاحزاب وفاعل مثل التنظيمات النسوية الامريكية او التنظيمات النسوية المصرية في نهاية الاربعينات او حتى حركة راوا الافغانية التي عملت في الثمانينات والتسعينات من القرن الفائت ولا تزال فاعلة. للأسف حتى ما يسمى بالحركات الثورية بدءا من الحركة الشعبية وانتهاءا باخر حركة مسلحة لم تولي قضية المرأة اهتماما بل زادت معاناة المرأة سواء بشكل غير مباشر اي بواقع الحرب او بشكل مباشر بمشاركتها في اضطهاد النساء.

    المحور الثالث هو المحور المجتمعي ودور الحركة النسوية في ( أو عجزها عن)  تغيير المجتمع نحو افاق اكثر تطورا وانسانية كما فعلت في المغرب مثلا. والشاهد انه رغما عن الحقوق الايجابية التي حصلت عليها وإنتزعتها المرأة السودانية مثل حقوق التعليم والعمل والإبداع وزياة مساهمتها المجتمعية، ورغما عن الليبرالية العفوية للمجتمع السوداني في الريف والحضر في التعامل مع المرأة الا اننا نلاحظ اتجاها انحداريا في وضع النساء السودانيات منذ منتصف السبعينات وحتى الآن. هذا الانحدار نلحظه في الوضع القانوني والاجتماعي للمرأة وهو مربوط  من جهة بالتدهور الاقتصادي ومن جهة ثانية بواقع الحروب الاهلية ومن جهة ثالثة بتزايد دور التيارات السلفية والاسلاموية في المجتمع ، وهذه كلها عوامل تضرب وضع وحقوق المرأة في الصميم.

    الحزب الليبرالي والنسوية الليبرالية :

    في مثل هذه الظروف ظهرت في مطلع الألفية الجديدة  الفكرة الليبرالية ونشأ الحزب الليبرالي في 2003-2004 ليربط بشكل وثيق ما بين تحرر المرأة والتحرر المجتمعي العام ، وباعتبار ان القضيتين مرتبطتين ومتكاملتين.

    في الجانب الفكري رأت الليبراليات والليبراليون إن أفضل طرح يمكن ان يُقدم لقيادة الحركة النسوية الجديدة في السودان هو الفكر النسوي الليبرالي باعتبار انه فكر الحرية والتحرر للافراد والمجتمعات. لعبت هنا مقالات وكتابات وسجالات المؤسسين  دورا محوريا في تأطير آراء الحزب حتى عده  أحد الإسلاميين  في وقتها حركة نسوية حين قال : ((ومن المجموعات التى ظهرت مؤخراً ولها مواقع على شبكة الويب مجموعة “نساء ليبراليات”، و “الحزب الليبرالي السوداني” وهو حزب يضم الجنسيين بل يتزعمه رجل ولكنه يتبنى القضايا النسوية.)) [1]

    وقد لعبت الاستاذة نور تاور دورا كبيرا في تأطير ونشر أفكار النسوية الليبرالية في السودان عبر مقالاتها الراتبة في الصحف وتقاريرها عن حال النساء السودانيات بل وكتاباتها الادبية ورواياتها مثل رواية ” بين اليأس والرجاء” وهي  قصة مبنية على أحداث واقعية عن حياة شابات وافدات إلى الخرطوم من الهامش؛ وكذلك رواية ” الطرف الآخر من خط الاستواء” وهي  قصة تتناول العلاقة بين المرأة والرجل وتحديدا الرجل الشمالي والمرأة الجنوبية؛ وقد كتبتها نور تاور في فترة تدريسها في ثانوية جوبا للبنات . كما في تأسيسها للاتحاد النسائي لجبال النوبة (1969) ودورها في تأسيس التجمع النسوي السوداني في القاهرة في القاهرة حيث شغلت فيه منصب سكرتيرة العلاقات الخارجية ثم تكللت بقيادتها للحزب الليبرالي في السودان في الأعوام  2006-2011 والذي تشغل الآن منصب رئيسته الشرفية.

    كما ساهمت زهرة حيدر في تطوير الطرح النسوي للحزب عندما  عندما كانت عضوة فيه. كذلك طورت الاستاذة ميسون النجومي بمساهماتها الراتبة كعضوة سابقة وكمثقفة مستقلة الآن إطروحات الحزب. كما لعب كاتب هذا المقال دورا متواضعا في هذا التأطير والمنافحة عن النسوية الليبرالية في السودان. كما غرف الحزب من مساهمات مختلف الناشطات والمفكرات النسويات السودانيات والمنظمات مثل فاطمة بابكر وبلقيس بدري وناهد طوبيا ولاورا بيني وندى مصطفى علي وغيرههن كُثر.

    عموما يمكن أن نعد تبني فكرة إنصاف المرأة ضمن إنصاف المجموعات المهمشة والمغيبة والمصمتة من اهم اقتراحات الحزب . ويجب أن نلاحظ أن هناك فرق بين المساواة والإنصاف كما هناك فرق بين القانون والعدالة. فقد انتقل الحزب من الحديث عن المساواة ( equality) الى المطالبة بالإنصاف (equity) . باعتبار ان الإنصاف يحقق حاجتين : المساواة والعدالة . فالإنصاف يتجاوز مفهوم المساواة التقليدي ويمكن ان يشمل سياسات تمييز ايجابي لصالح المرأة حتى تعوض قهر السنين وحتى نتجاوز المساواة الشكلية الى العدالة الحقيقية.  وانطلق الحزب أيضا من فكرة إن  إنصاف المرأة يؤدي لتطوير المجتمع ككل، فالمجتمع القائم على العدل وروح الإنصاف وتحريك كل طاقاته أفضل من المجتمع القائم على التراتبيات والهرميات والغبن الاجتماعي . كما لم يقتصر برنامج الحزب الجندري على قضية المرأة بمعزل عن المجتمع. فهدف الحزب هو تحرير وتغيير المجتمع كله . ولو راجعنا برنامج الحزب الجندري نجده يركز كثيراَ على وضع الاسرة وحقوق الاطفال وهذه  كلها قضايا جندرية.

    لم يخل هذا الجهد من الأخطاء وذلك لأنه كان جهدا في إرض بكر بسبب من سيطرة الافكار العقائدية على الساحة النسوية . حيث نجد مرات  اختلاف في المصطلحات بالقول مرة بتحرر المرأة ومرة بتحرير المرأة . كما نجد خطابنا يتحدث مرة عن المساواة ومرات  عن الإنصاف الخ. كما لم يحسم الحزب موقفه من قضايا هامة مثل تعدد الزوجات الخ. عموما هذا أمر طبيعي  حيث إن الحزب مثل الانسان يتطور  وعيه مع الوقت وزيادة المعارف والتجارب.

    وقد تسائل البعض هل نحن نريد أدلجة الحركة النسوية من جديد بطرح مدرسة النسوية الليبرالية كإطار فكري لها ؟  وكان ردنا إن الليبرالية عامة والليبرالية النسوية مدرسة وفكرة وليست ايدلوجيا. وكمدرسة إنتجت النسوية الليبرالية كثيراَ من التنظير والحلول المجربة والتي تحولت إلى قوانين ومعاهدات.  لذلك يجب  بناء التحرر النسوى في السودان على منجزات هذه المدرسة وتطويرها وذلك أفضل من اعادة اختراع العجلة من جديد.

    في هذا الإطار كان تأكيد الحزب ومنذ لحظة التأسيس على ضرورة تبني السودان واجازته وتصديقه على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) ؛ وأن تصبح جزءا من القانون الوطني. جدير بالذكر أن  السودان ضمن اربع دول فقط  في العالم  لم يوقع على سيداو ( الثلاثة الأخرى هي ايران و والصومال والفاتيكان). لقد كان أعضاء الحزب المؤسسون والمؤسسات حتى قبل تأسيس  الحزب من أكبر مناصري سيداو. يمكن ان يظهر هذا الأمر في مقال ( التجمع أعدى اعداء المرأة السودانية)[2].

    الحزب الليبرالي والبحث عن الشكل التنظيمي المناسب:

    دعا الحزب من جهة لقيام حركة نسوية جديدة جامعة؛ وفي نفس الوقت رفض ان يكون هناك جسم خاص او قطاع خاص بالمرأة داخله؛ وذلك لأن الحزب منذ تأسيسه قام بمساهمة واسعة من النساء وتحت قيادتهن وعلى أساس انه حزب جندري منحاز للنساء. الا انه قامت محاولة قبل عدة سنوات لانشاء منظمة باسم “نساء ليبراليات” من عضوات في الحزب وليبراليات مستقلات  لتعمل على هامش الحزب وتقوم بدور التنظير والتشبيك والقيام بمهام المناصرة والمدافعة في مجال الحركة النسوية الليبرالية. لم تنجح هذه التجربة لأن عدد العضوات المنخرطات فيها كان ضعيفا ولأن ارتباطهن بالحزب كان شخصيا في علاقتهن مع الاستاذة نور اكثر منه  علاقة بالحزب نفسه. كان افضل عمل لهذه المجموعة هو وضع الاطر العامة لنشاط المجموعة واشكال العمل مما يمكن ان نستفيد منه حاليا في عملنا النسوي. كما ان اثنتان من هذه المجموعة  أعددن تقريرا ممتازا عن وضع النساء في دارفور في حينه استفاد منه الحزب.

    لاحقا طرحت الرفيقة ميسون النجومي في عام 2009 تقريبا  فكرة مكتب الجندر وهو مكتب  لم يكن موجودا في هيكلية الحزب السابقة باعتبار إن الحزب كله جندري . تم تبني الفكرة ودخل المكتب من حينها في هيكلية الحزب وفقا لورقة الاستاذة ميسون ؛ وباعتبار ان قضايا الجندر تتجاوز الاهتمام بقضية المرأة بالشكل التقليدي للاهتمام بالعلاقات الجندرية عموما أي قضايا النوع.

    عملت دكتورة ولاء حسين في هذا المكتب  وفي تطوير افكار الحزب الجندرية سواء من خلال مكتب الجندر او من خلال اطروحاتها الاكاديمية . ثم امسكت به عواطف عبده وغيرها وطورن من معارف الحزب وتجربته  وذلك عن طريق مشاركتهن في ورش داخلية وخارجية . آخيرا ومنذ عام 2014 تحول مكتب الجندر الى أمانة الجندر التي تؤدي دورها حاليا بشكل معقول.

    عموما تمتعت اغلب عضوية الحزب بوعي جندري عالي الامر الذي لم يحوجنا لابتداع تنظيم نسوي خاص او قطاع مرأة كما تفعل  أغلب الاحزاب.  فقد كانت النساء عندنا قائدات كما أسلفنا  كما كان الرجال مجندرين[3]. هذا الوعي الجندري يرجع  لوضوح طرح الحزب فيما يتعلق بتحرر المرأة . وان كان البعض قد عاب علينا ان مكتبنا التنفيذي الحالي ليس جندريا بما فيه الكفاية ووفقا لتراث الحزب.

    إهتم الحزب بقضايا المرأة المهمشة وقضايا الطفل والفتيات فكان نشاط اعضاءه في جمعية “شباب للأطفال” بجنوب وغرب كردفان بقيادة الاستاذة نهلة بشير آدم. كذلك نشطت بعض عضوية الحزب في منظمات المجتمع المدني النسوية وخصوصا المهتمة بتقوية المرأة وتمكينها. آخيرا دعم الحزب نشاط النساء العاملات في المهن المهمشة وكذلك دعم الرياضة النسوية وخصوصا في مجال كرة القدم النسوية.

    طرفة هنا يجب أن نحكيها وذات علاقة : في عام ١٩٦٨ حين كانت استاذة نور تاور طالبة في الثانوي وعمرها 18 سنة التقت بفاطمة احمد ابراهيم في ندوة بالابيض. بعدها ذهبت للاجازة لكادقلي وهناك كونت برفقة أربعة من زميلاتها وهن الأستاذات فاطمة تية و عزيزة محمد وزهرة على و نفيسة الحاج الاتحاد النسائي لجبال النوبة واخطرن قيادة الاتحاد المركزية لكنها  لم تهتم بالأمر. واصلت استاذة نور الدراسة بالابيض  ثم الجامعة وكن ينشطن في الإجازات مع الاتحاد. بعد التخرج والعمل خارج المنطقة ثم خارج البلاد إنقطعت صلتها بالاتحاد.  لما عادت استاذة نور للمنطقة عام ٢٠٠٧ وجدت مخضرمات ذلك الاتحاد لا زلن متمسكات بذكرياته وساعدتها بعضهن في حملتها الانتخابية في كادقلي عام ٢٠١٠.

    الحزب الليبرالي والحركة النسوية الجامعة:

    كانت آفة الحركة النسوية السودانية  أنها كانت دائما مرتبطة بالاحزاب او مستغلة منها. وقد بدأت تلك الحركة في الاربعينات والخمسينات مستقلة أو شبه مستقلة ثم ما لبثت ان تكالبت عليها الاحزاب. فأول تنظيم نسوي كان هو رابطة الفتيات أو رابطة الفتيات المتعلمات  والتي انشأتها خالدة زاهر وفاطمة طالب في حوالي 1947  وكانت تنظيما صغيراً واندثر، وإن كان قد ضم نخبة ممن سيكونن الاتحاد النسائي فيما بعد (زكية مكى عثمان ، عزيزة مكى عثمان، أم سلمة سعيد، سعاد على بدر الدين، آمنة على بدر الدين، زينب الفاتح البدوى، آسيا عباس، زروى سركسيان، آمنه حمزة.)

     بينما قامت جمعية ترقية المرأة بأم درمان في أعوام 1947-1949 كأول تنظيم اصلاحي نسوي قامت به نساء من حزب الامة / الانصار ومن بيت عبد الرحمن المهدي تحديدا (ترأستها السيدة رحمة عبد الله جاد الله أبنة أخت عبد الرحمن المهدي أم سلمة المهدي).  كما تذكر الاستاذة أماني عبد الجليل تأسيس الحزب الشيوعي لتنظيم بإسم ( رابطة المرأة السودانية ) في عام 1946[4] وربما هو نفسه تنظيم رابطة الفتيات بقيادة خالدة زاهر فقد كانت خالدة زاهر هي اول سودانية تنضم للحزب الشيوعي.

    أما الاتحاد النسائي الذي تأسس في 1952 فقد أسسته نساء مختلفات و شخصيات متعددة المشارب من مستقلات وحزب أمة وإتحاديات وشيوعيات وليبراليات وإسلاميات الخ ؛ مثل خالدة زاهر، نفيسة المليك، فاطمة طالب، عزيزة مكى عثمان أزرق، سعاد الفاتح، ثريا أمبابى، نفيسة أحمد الأمين، حاجة كاشف، عمايم آدم، بتول آدهم، محاسن جيلانى، أم سلمة سعيد، فاطمة عبدالرحمن، خديجة مصطفى، مدينة بابكر الغالى و ثريا الدرديرى. وكانت أول رئيسة له هي فاطمة طالب وأول سكرتيرة هي نفيسة أحمد الأمين.

    ورغم مشاركة كل هذا الطيف الواسع في تأسيس الإتحاد لكن سرعان ما مزقته الخلافات الحزبية والتغول الحزبي. فنساء حزب الامة سرعان ما تركنه حوالي عام  ١٩٥٧ أما المستقلات فقد  تمت محاولة اقصائهن والصراع معهن  حتى عام  ١٩٥٨ .  وبعد انقلاب عبود سيطر الحزب الشيوعي تماما على الاتحاد عبر فاطمة أحمد إبراهيم ومجلة صوت المرأة التي كان يطبعها الحزب الشيوعي. بعد ١٩٦٤ اكتملت السيطرة الشيوعية على الاتحاد وخرجت الاخوات المسلمات عنه وتكوينهن  الجبهة النسائية الوطنية التي تإسست في عام 1964-1965 وكانت الجناح النسوي لجبهة الميثاق الاسلامي. مع الزمن استولت  فاطمة احمد  أبراهيم على الاتحاد النسائي وأخضعته لافكارها المتخلفة وسلطتها الشخصية حتى هجرته الشيوعيات الجندريات او التقدميات نفسهن مثل  سعاد ابراهيم احمد وفاطمة بابكر وامال جبر الله.

    منذ الستينات لم تتكون حركة نسوية جامعة وفشلت محاولات متعددة لتوحيد الحركة النسوية. وظل الاتحاد النسائي رديفا للحزب الشيوعي حتى مجيء نظام الانقاذ كما ظلت الأحزاب تفرخ تنظيماتها النسوية. هذا التغول الحزبي أدى لاضعاف صوت المرأة وموقفها المتحد، حيث حيث إن النساء كن مشغولات بصراعاتهن الايدلوجية اكثر من التوحد على برنامج نسوي موحد.

    بعد مجيء الانقاذ وتفكك الاتحاد النسائي قامت عدة محاولات لتوحيد الحركة النسوية من بينها التجمع النسوي في التسعينات من القرن الماضي. الا انها لم تصب بالنجاح. عموما وفي الألفية الجديدة ومع ظهور احزاب ومنظمات ورؤي جديدة في الحركة النسوية أصبحت امكانية توحيد الحركة النسوية ابعد من قبل ولكن الحاجة للتنسيق والتضامن كانت كبيرة. على هذا الاساس قامت مجموعة ” تحالف النساء السياسيات ” قبل انتخابات 2010 لمناقشة التمثيل النسوي ثم مجموعة ” لا لقهر النساء” لمواجهة اضطهاد السلطة للنساء. وقد شارك الحزب الليبرالي عبر ممثلاته في المجموعتين بأشكال مختلفة.

    عموما يرى الليبراليون ضرورة قيام حركة نسوية جامعة أو تحالف نسوي عريض يرفع قضايا النساء ويشبك بينهن ويقوم بمهام المناصرة لقضايا النساء على المستوى القانوني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. إن شرط دخول الليبراليات لذلك الحلف مع ذلك مربوط بإنفتاحه على القطاعات الشعبية وتبنيه لبرنامج نسوي تحرري واضح وفي أوله تبني اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) والمطالبة بأن تكون جزءا من القانون الوطني.

    المهام التي تقف امام الحزب الليبرالي:

    في ظل ما ذكرناه أعلاه تظهر لنا عدة مهام وتحديات تقف أمام الحزب الليبرالي وهو يتعامل مع القضية النسوية . يمكن إجمالها في التالي:

    • ضرورة تاطير الفكر النسوي الليبرالي ونشره وتطوير برنامج الحزب على اساسه اي جندرة البرنامج كله. هذا يعني طبعا اعادة صياغة برامجنا وفقا لمفاهيم الجندر والإنصاف والنسوية الليبرالية لان  جزءا كبيرا من تلك البرامج قد  تمت صياغتها قبل فترة طويلة ولم يتم فيها الضبط الكامل للمصطلحات او غابت عنها النظرة الجندرية الشاملة.
    • ضرورة تجميع العناصر النسوية الليبرالية المستقلة وربطها مع الحزب في شكل منظمة نسوية مختلفة او منظمة مجتمع مدني.  هنا من المهم التشبيك مع نساء الهامش سواء في الاقاليم او هوامش المدن والخرطوم وضمهن للتيار النسوي الليبرالي سواء بضمهن للحزب مباشرة او للمنظمة النسوية المقترحة.
    • عمل مشاريع تقوية وتمكين للنساء وخصوصا الفقيرات منهن باعتبار ان تحرر المرأة الاقتصادي واستقلاليتها هو المدخل لتحررها الاجتماعي.
    • جندرة بنية الحزب كله بدءا من القيادة وانتهاء بالفروع ومحاربة ظلال الفكر الذكوري فيه حتى يكون مثالا يحتذي في المجتمع.

    اعتقد حاليا إن الجو مؤاتي للحزب الليبرالي لتحقيق اختراق جيد في هذه الجبهة وخصوصا بعد انهيار الاحزاب الايدولوجية ووجود قطاع عريض من الناشطات الليبراليات المستقلات ووجود كادر نسوي معقول في الحزب للنهوض بهذه المهام. ورغم ان قضية الإنصاف والتحرر النسوي قضية الحزب كله والمجتمع كله الا ان وجود نساء عديدات فاعلات وقياديات في الحزب يعزز من مصداقيتنا ويسهل من الوصول للنصف النسوي من المجتمع.

    19/3/2016

    إشارات مرجعية:

    [1]  احمد اسماعيل : النسوية الجديدة في السودان – شبكة المشكاة الاسلامية – http://www.meshkat.net/node/11491

    [2]  عادل عبد العاطي – تجمع الميرغني وقرنق والتجاني الطيب أعدى أعداء المرأة السودانية – تم نشره في كتاب : الليبرالية والقضية النسوية في السودان. طبعة الكترونية-  مارس  2016

    [3]  راجع ورقة – الحزب الديمقراطي الليبرالي وقضايا التمثيل الجندري – متوفرة باللغتين الانجليزية والعربية

    [4]  اماني عبد الجليل ( الجندرية) – الحركة النسوية في السودان –دراسة  نشرت بموقع سودانيز أونلاين.

  • النسوية الليبرالية

    مقدمة:

    يعتبر تيار النسوية الليبرالية أحد أهم  وأقوى تيارات النسوية الحديثة . في ها المقال القصير  وغير المكتمل أحب أن أشارك بهذه المساهمة عن هذه المدرسة المهمة والتي ليس هناك عنها مساهمات كثيرة باللغة العربية ، رغم انها تعتبر من اهم المدارس في المنطقة العربية وافريقيا والعالم.

     النسوية الليبرالية: تعريفات مختلفة: 

     هناك مجموعة من التعاريف للنسوية الليبرالية ، من بينها هذا التعريف من مقال للباحثة سامية البدري:

    (النسوية الليبرالية : تستند إلى مبادئها التي أعلنت عنها: المساواة والحرية، والمطالبة بحقوق نسائية مساوية لحقوق الرجل. الأسس الفلسفية لتي تنطلق منها الحركة النسوية الليبرالية في فهمها لطبيعة المرأة ، هي : مبدأ الفردية ومبدأ الحرية ومبدأ العقلانية . وغالباً ما يطلق على أية حركة نسوية تسعى من أجل تحسين وضع المرأة في أي مجال من منطلق تحرري غير متطرف ، بأنها : حركة نسوية ليبرالية !)

    أما الكاتبة نادية عيسوي فتكتب تعريفا بهذا التيار :

    (ينتسب هذا التيار الى خط الثورة الفرنسية وامتداداته الفكرية، ويستد الى مبادئ المساواة والحرية للمطالبة بحقوق للمرأة مساوية لحقوق الرجل في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية. ويتميز هذا التيار بإيمانه بقدرة النظام الرأسمالي على ملامسة الكمال والتكيف مع المتغيرات. ويعمل المنتمون إليه من أجل أن يوفر النظام القائم نفس الفرص والحقوق للنساء والرجال، من خلال التركيز على التربية وتغيير القوانين المميزة بين الجنسين وتكوين لوبيات الضغط وتغيير الذهنيات على المدى البعيد. )

    أما الدكتورة رانيا كمال فتكتب عن تيار النسوية الليبرالية :

    (يقوم هذه الاتجاه في النظرية النسوية على الفرضية البسيطة بأن جميع الناس قد خلقوا متساويين، ولا ينبغي حرمانهم من المساواة بسبب نوع الجنس، والمذهب النسائى الليبرالى يرتكز على المعتقدات التى جاء بها عصر التنوير والتى تنادى بالإيمان بالعقلانية والإيمان بأن المرأة والرجل يتمتعان بنفس الملكات العقلية الرشيدة، والإيمان بأن التعليم كوسيلة لتغيير وتحويل المجتمع، والإيمان بمبدأ الحقوق الطبيعية. وبناء على هذا، فما دام الرجال والنساء متماثلان من حيث طبيعة الوجود، إذن فإن حقوق الرجال ينبغى أن تمتد لتشمل النساء أيضاً

    وتعد النسوية الليبرالية مصطلحاً غير طيع لأنه يشمل مجموعة كبيرة من الآراء ليست جميعها متوافقة، لكن بصفة عامة يمكن القول إن النسويات الليبراليات يسعين لتحقيق مجتمع يقوم على المساواة ويحترم حق كل فرد في توظيف إمكانياته وطاقاته. وتدلنا القراءة المتأنية للاتجاه النسوي الفردي أو الليبرالي إلى أنه أقدم الاتجاهات النسوية تاريخياً. وقد تضمن مساحة كبيرة لمناقشة جدية المرأة سواء في ارتباطها بالأسرة أو في تحررها من الأسرة تماماً .

    وقد تمثل الاتجاه النسوي الفردي في المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية في إطار مجتمع ينهض بناؤه على منح الذكور مزيداً من الحرية والديمقراطية. وحقق هذا الاتجاه تقدماً ملموساً خلال القرن التاسع عشر في هذا النطاق، وخاصة في المسائل المتعلقة بحق التعليم وقوانين الطلاق وحق رعاية الأطفال في العديد من مجتمعات أوروبا وأميركا.

    وتمتد جذور المبادئ الليبرالية إلى الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر والتي عرفت بحركة التنوير، فقد ظهرت من خلال تعاون ستيوارت مل وهربرت تايلور. لذلك أصبحت المبادئ الليبرالية سلاحاً هاماً في المطالبة بحق الإناث في الانتخاب.

    الهدف الأساسي في الاتجاه النسوي الليبرالي هو المناداة بالحقوق المدنية والسياسية للمرأة في إطار مجتمعات تقوم على منح الذكور جميع الحقوق وحرمان الإناث من كثير من تلك الحقوق.)

    ونجد في الويكبيديا وتحت مادة (نصرة المرأة) هذا التعريف لتيار النسوية الليبرالية :

    (لاتجاه النسوي الليبرالي يرى أن حل مشكلة المرأة يكمن في تغيير القوانين والسياسات بصورة إصلاحية. لذلك فمن الممكن حل مشكلة المرأة بدون أحداث أي تغيير جذري في المجتمع، فكل ما نحتاجه هو تغييرات إصلاحية. ينظر الانثويون والانثويات ذوي الاتجاه اليبرالي لقضية المرأة من منظور فردي، كل أمرأة كفرد قادرة على تحقيق ذاتها والمساوة مع الرجل حتى في ظل المجتمع الذكوري. في الانثوية اليبرالية لا ينظر للطبقة أو الأثنية أو الجنسية الخاصة بالمرأة كعامل ذو أهمية كبيرة، فكل أمرأة قادرة على الاختيار والتغيير حتى تصبح مساوية للرجل.)

    أما الباحث كرم عباس فينقل عن ريتشار بيت هذا التعريف عن النسوية الليبرالية:

    (هي مستمدة من مجموعة أفكار الليبرالية الكلاسيكية. وتؤكد النظرية الليبرالية بشكل عام أن البشر متساوون ولديهم قيم أصيلة باعتبارهم كيانات عاقلة. واستنادًا على أساس التساوي العقلي بين الرجل والمرأة فإن الليبرالية النسوية تسعي للحصول على حقوق للنساء، باعتبار الأنثى إنسان مثلها مثل الرجل، لابد أن تحصل على الكرامة والحرية والعدالة وتحقيق الذات وغيرها من حقوق الإنسان.ولا تسعى الليبرالية النسوية للحصول على امتيازات خاصة للنساء بل تطلب العدالة والمساواة للجميع.)

    ويعد كتاب  رجا بهلول  (المرأة واسس الديمقراطية في الفكر النسوي الليبرالي) من أهم الكتب التي عالجت قضية تيار النسوية الليبرالية ، ولكنه للأسف غير متوفر بشكل كبير. ويمكن الاطلاع على مقدمة الكتاب المنشورة تحت عنوان “الفكر النسوي الليبرالي” في موقع الحوار المتمدن.  أما في اللغة الانجليزية فهناك مساهمات اكبر لقائدات مؤثرات في الحركة النسوية العالمية من الاجيال الثلاثة للحركة النسوية مثل ماري وولستونكرافت ( ج1 ) وبيتي فريدان ( ج2) وريبيكا ووكر (ج3) .

     النسوية الليبرالية : تاريخها وحركاتها في العالم :

     يمكن القول ان النسوية الليبرالية هي أم الحركة النسوية عموما وخصوصا في الغرب ، وفي ذلك تقول الكاتبة طاهرة عامر: (رغم أنه من الصعوبة بمكان بعد مطالعة كتب النظريات الموضوعة عن فلسفة النسوية وثقافتها أن تقرأ تعريف النسوية الليبرالية، لكن في واقع الحال فإن النسوية الليبرالية هي التعبير الحقيقي عن أكثر مطالب وإنجازات النسوية المعاصرة.

    ورغم أن مصطلح “ليبرالي” يشير إلى التقدميين والديمقراطيين، وأن من مطالب الفِكر الليبرالي الممتد منذ 300 عام هو البحث عن حرية “الإنسان” وحقوقه السياسية والاجتماعية -فإن الليبرالية النسوية تُعنى بتخصيص مثل تلك الحقوق كلها إلى “المرأة”. وأبرز ما تنعكس فيه النسوية الليبرالية الكم الذي لا نهاية له من القوانين والتشريعات واللوائح ومشروعات القوانين، التي تُطالب بعدم الاعتداد بعامل النوع في التعليم والتوظيف والعمل والإسكان، وما إلى غير ذلك من المجالات، وتناضل في سبيل هذا.)

    يُشار إلى أن أهم ما حققته النسوية الليبرالية في الولايات المتحدة هو صياغة مشروع قرار عن الحقوق المتساوية عام 1923م، ينص على عدم مساس أي جهة في الولايات المتحدة بمبدأ الحقوق المتساوية، وصاغته أليس بول عام 1923م بالتعاون مع الحزب الوطني للمرأة، وظل هذا النص خاضعًا للنقاش في الكونجرس الأمريكي، لكنه خضع للإقرار والتصديق عام 1972م، وكل هذا بفضل ضغوط الموجة الثانية من النسوية.

    ونجحت النسوية الليبرالية عام 1966م في تأسيس المنظمة الوطنية للمرأة على يد بتي فريدمان، وسعت هذه المنظمة إلى إدخال نصوص تشريعية تطالب بالمشاركة الكاملة للمرأة مساواة بالرجل في الولايات المتحدة الأمريكية.

    وتعددت حركات النسوية الليبرالية في العالم ، ففي الولايات المتحدة فضلا عن  المنظمة الوطنية للنساء (National Organization for Women) المشار اليها أعلاه ، فقد قامت منظمات متخصصة اخرى مثل رابطة العمل من أجل انصاف النساء (Women’s Equity Action League) والتي تأسست عام 1968 والفراكشن السياسي الوطني للنساء ( National Women’s Political Caucus) والتي تأسست عام 1971 ومؤسسة الأغلبية النسوية ( Feminist Majority Foundation) والتي تأسست عام 1987 وبدأت منذ عام 2001 االعمل كناشر لمجلة (Ms.) غيرها من المنظمات المشابهة – على مستوى العالم هناك حركات كثيرة ولكن من اهمها “الشبكة الدولية للنساء الليبراليات”.

    اليوم تخوض أحدى ممثلات النسوية الليبرالية وهي هيلاري كلينتون معركة الرئاسة الامريكية. وهناك اشارات قوية أنها يمكن أن تكسب تأييد حزبها الديمقراطي في منتصف هذا العام والانتخابات الرئاسية الأمريكية في نهاية هذا العام اعتمادا على الصوت النسائي، وكأول أمرأة تتقلد هذا المنصب الهام في الولايات المتحدة.

     النسوية الليبرالية في السودان:

     في السودان كان “التحالف النسوي السوداني” الذي نشط في الجزء الثاني من التسعينات بقيادة سارة كليتو ريال وندى مصطفى علي يعبر لدرجة كبيرة عن افكار النسوية الليبرالية. كما إن اغلب قيادات المنظمات النسوية المدنية في الألفية الجديدة قد كانت تتبنى أفكار النسوية الليبرالية، وإن لم تعلن هذا. يمكن أن نذكر هنا الاستاذة عائشة الكارب أو الدكتورة ناهد طوبيا. كما لعبت الاستاذة نور تاور كافي دورا كبيرا في تأسيس هذا التيار سواء عبر قيادتها للحزب الليبرالي أو عبر مقالاتها الراتبة حول قضايا المرأة السودانية.  اليوم فإن هناك مجموعات ومنظمات وشخصيات عدة تعمل في السودان يمكن ان ندرج اطروحاتها تحت بند النسوية الليبرالية. 

    التقاطعات بين النسوية الليبرالية والمدارس النسوية الاخرى:

     عموما هناك حوالي 4 او 5 مدارس نسوية رئيسية فاعلة حاليا :

    1. النسوية الليبرالية
    2. النسوية اليسارية / الاشتراكية / الماركسية
    3. النسوية الراديكالية
    4. النسوية الفردية
    5. النسوية المحافظة.

    هذه هي التيارات الأساسية للنسوية،   اضافة الى تيارات اخرى اصغر  يمكن ان تضاف للمدارس اعلاه مثل مدارس النسوية البيئية ونسوية المتحولين والنسوية السوداء والنسوية اللاسلطوية الخ -. إن هذه المدارس تحتاج الى دراسات معمقة يمكن أن يجدها الباحث أو المهتم، ولكن عموما يمكن ان نقول ان النسوية الليبرالية تتوافق وتتقاطع وتكمل نفسها مع النسوية الراديكالية التي تبحث عن تغيير جذري في المجتمع والنسوية الفردية التي تسعى الى رفع قدرات النساء حتى لو لم يكن منظمات ويعملن على تطوير مقدراتهن الخاصة.

     

    فبراير 2016

  • ابن عربي والنساء

    مقدمة:

    كان الشيخ محيي الدين ابن عربي مُحبًّا للنساء، ضمن حبّه لكلّ البشر. ومن منطلق نظريته أن الدين الحقيقي هو المحبة، وبتأثيرٍ من تجربته الشخصية وعلاقاته بالنساء، فقد كان يحبهنّ ويحترمهنّ. ولا غرو، فهو القائل:

    أُدينُ بدينِ الحبِّ أنّى توجّهتْ ** رَكائبهُ، فالحبُّ ديني وإيماني.

    نساء حول إبن عربي:

    ورغم أن كتابات ابن عربي تكاد تخلو من ذكر النساء تفصيليًّا أو التطرّق إلى حياته الشخصية والعائلية، إلا أنّ كلّ من ذكرهنّ – بابتسار – في كتاباته من النساء، كان ينطلق تجاههنّ من حبٍّ عظيم واحترامٍ أعظم. وذلك سواء تعلّق الأمر بأستاذاته (شيخاته) العجائز، مثل فاطمة القُرطُبيّة التي كان يقوم بخدمتها سنوات، والتي كانت بمثابة أُمّه الروحية، أو شمس “أم الفقراء” التي عرّج عليها بالمغرب، وقال إنها من الأولياء الأواهين، وهنّ الشيخات اللاتي تحدّث عن فضلهنّ وولايتهنّ.

    ونرصد نفس الأمر في علاقته تجاه زوجاته، واللاتي ذكر منهنّ في كتبه فاطمة بنت يونس بن يوسف (أمير الحرمين)، ومريم بنت محمد بن عبدون، التي وصفها بالمرأة الصالحة، وتحدّث عن علمها ورؤيا لها. وكذلك تجاه أُختَيه، واللاتي رأى في رؤيا أنه سُمح له بالشفاعة يوم القيامة، فشفَع في عدد من الناس، منهم أختاه: “أم علاء” و”أم سعد”.

    دور الانثى في الكون:

    ولابن عربي احتفاءٌ خاصٌّ بالأنثى، ضمن نظريته عن الكون، وعلاقة الذكورة والأنوثة فيه. فنَجده في الفتوحات المكية، في معرض حديثه عن مشاهدته القلبية للأنبياء، وذكره لعيسى، يقول:

    “قد جثا يُخبره بحديث الأنثى.”

    بل إنّ ابن عربي يذهب أبعد من ذلك، ليقول إنّ كلّ الكون، ليس فيه رجلٌ واحدٌ، بل الرجال هم إناثٌ حقًّا؛ حين يتحدّث عن إحدى مراتب الوجود، أي مرتبة القابلية والانفعال والتأثّر، وذلك في قوله:

    إنّا إناثٌ لما فينا يُولّدُهُ ** فالحمدُ للهِ ما في الكونِ من رجلِ

    إن الرجالَ الذين العرفُ عينّهمُ ** هُمُ الإناثُ، وهم نفسي، وهم أملي.

    إبن عربي وولاية النساء:

    ورغم أن بعض الفقهاء حاولوا أن يقفوا ضد أهلية المرأة لتولّي القضاء أو الولاية العامة (الحكم)، استنادًا إلى أقوال نُسبت إلى ابن عربي، إلا أنه لا ريب عندي أنّ ابن عربي كان يقف مع ولاية المرأة السياسية، إذا كان يعترف لها بحقّ الولاية الصوفية، بل حقّ أن تكون قُطبَ الزمان والإنسان الكامل. يكتب ابن عربي في رسالته عقلة المستوفز، باب “الكمال الإنساني”، التالي:

    “كلامُنا إذن في صورة الكامل من الرجال والنساء، فإنّ الإنسانية تجمع الذكر والأنثى، والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية.”

    فلا يُعقَل أن يرفض ابن عربي للمرأة الولاية السياسية أو ولاية القضاء، وهو قد اعترف لها بما هو أكثر من ذلك: القطبية، وتصريف شؤون الكون.

    خاتمة:

    هذا ما كان من موقف إبن عربي من النساء، بإختصار وابتسار. وسنرجع لعلاقته مع النظام وحبه المُعلن لها، في مقامٍ آخر. إلا أنه حتى ذلك الوقت، يمكن الرجوع إلى الدراسة القيّمة للدكتورة سعاد الحكيم بعنوان:

    “المرأة وليّة.. وأنثى.. قراءة في نص ابن عربي”،

    فهي دراسة شيّقة لمن أراد الاستزادة.

    عادل عبد العاطي

    23–9–2008


  • عن البغاء والجنس والإغتصاب في المجتمعات الشيوعية

    مقدمة:

    في حوارات مع بعض الشيوعيين الشباب في الانترنت اتضح لي حجم التخريب الايدلوجي وغسيل المخ الذي تعرض له هؤلاء من قبل الدعاية الشيوعية؛ واستغربت كيف انه بعد ربع قرن من السقوط الداوي للنظام الشيوعي الشمولي المتوحش لا يزال البعض يصدق بعض ما انتحته ماكينة الدعاية السوفيتية وما ظلت تجتره الاحزاب الشيوعية التابعة لها في الجنوب والشرق. في هذه السلسلة اجمع بعض المعلومات والحقائق والملاحظات عن واقع النظام الشيوعي آملاً في تجميعها في المستقبل بصورة أكثر تفصيلا وعلمية .

    عن البغاء والجنس والإغتصاب في المجتمعات الشيوعية

    لم تحقق الشيوعية اي وفرة او رخاء ولا بنى تحتية عملاقة . ما بنته الشيوعية بتكاليف اجتماعية باهظة كان على مستوى ما بنته الراسمالية الاولى في القرن التاسع عشر : تصنيع ثقيل يعتمد على استخدام مفرط للموارد وعلى حساب البيئة : زراعة جماعية تمت بالعنف والقوة وسببت مجاعات خطيرة ة كالمجاعة في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات والمجاعة في الصين في السبعينات بل والقتل بالجوع ( Holodomor ) كما تم لحوالي 7 مليون اوكراني في 1931-1932. الشيوعية كانت في الاساس نظام فاشل اقتصاديا ولذلك سقطت ؛ فضلا عن جرائمها السياسة واضرارها الاجتماعية الأخرى .

    الدعارة والبغاء في الاتحاد السوفيتي :

    يزعم الشيوعيون ان البغاء والدعارة قد اختفت من الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية التي سقطت وهذا هراء . فكل من عاش في دول المعسكر الشيوعي يعرف ان البغاء كان موجودا فيها وكانت بائعات الهوى يحتللن الفنادق تحت بصر وتعاون رجال الامن وكن احد مصادر العملة الصعبة. في بولندا حكى لنا من عاشر تلك الفترة انهن كن يعسكرن في فنادق مثل بريستول ومتروبول وايروبيسكي وفارشافا. في موسكو كن يعسكرن في فندق موسكفا قرب الكرملين ( تم هدمه الان) .. وهكذا دواليك في كل عواصم ومدن المعسكر الشيوعي.
    اعتمادي على مجموعة كبيرة من الدراسات التاريخية والمقارنة للجنس في روسيا والاتحاد السوفيتي وحوارات مطولة مع سودانيين ومواطنين من بلاد الكتلة الشيوعية عاصروا تلك الفترات الكالحة والمظلمة في تاريخ تلك الشعوبو احصاءات رسمية. بالمقابل االشيوعيون في خرافاتهم يعتمدون على ا الايدولوجيا فقط. الاتجاه الليبرالي الاجتماعي لا يحبذ تجارة الجنس لانها في الاغلب تتم دون حرية ولانها تتعارض مع كرامة الانسان( المراة تحديدا) ، ولا يطرح اهدافا يوتوبية مثل مجتمع لا طبقي واختفاء الدعارة كليا وغيرها من الترهات. الماركسية كنظرية شمولية عقائدية والشيوعية كنظام قمعي تسلطي تنتهك فيه حرية الفرد وكرامته هي بيئة سيئة جدا لنمو علاقات انسانية بين البشر،لذلك يتحول الجنس الى نزوة وتنمو مختلف الامراض الاجتماعية مثل الادمان والجنس الفوضوي والاغتصاب وجنس المحارم والدعارة غير المعلنة وهذه كلها ظواهر كانت تنخر الدول الشيوعية مع بقية امراضها حتى انهارت غير مأسوف عليها .
    عموما تجارة الجنس كانت رائجة في الاتحاد السوفيتي وان لم تكن علنية. لو كان الاتحاد السوفيتي بمثل ما تحكون عنه لما انهار بهذا الدوي. للاسف ان الشيوعيين السودانيين يصدقون خرافات ويروجون لخرافات كما يروج السلفيون خرافات عن مجتمع السلف الاسلامي الاول .

    الجنس في الاتحاد السوفيتي:

    الانظمة الشيوعية ابتذلت الجنس والاسرة عندما نا حولت كل شيء الى تفسير مادي جلف. نزعت عن الجنس والاسرة الغلالة الرومانسية وحولتهما الى رياضة ونزوة ، لذلك كان الطلاق اسهل شيء وكان الاجهاض يستخدم كوسيلة لمنع الحمل، وكان يمكن ان تجد فتاة او امراة اجهضت اكثر من 20 مرة في حياتها. كانت الدعارة موجودة ولكن الاقبال عليها كان ضعيفا لانه كما شبهه احد الكتاب كانك تشتري ماء بينما صنابير المياه حولك مليئة. كان ثمن الجنس هو زجاجة فودكا او نصف زجاجة. كان هذا مجتمعا متوحشا متخلفا دمر ارواح الناس وحولهم الى زومبي .
    لا اخلاقية الشيوعيين وعدميتهم واستغلالهم للنساء في التعامل مع الجنس ما عايزة يضوي ليها نار وقد ورثوها من كبارهم بدءا من ماركس الذي كان يغتصب خادمته ( نعم كان لماركس خادمة وكان له ابن غير شرعي منها ) ولينين الذي عاش كل حياته في ثلاثي مكون منه وزوجته كروبسكايا وعشيقته انيسا ارماند ، وماو تسي تونغ الذي كان زير نساء وسادي تخطف له الفتيات، ولن اتكلم عن كاسترو طبعا ففضائحه رفضتها حتى ابنته. الوحيد منهم الذدي لم يكن منهم زير نساءهو ستالين ولكن بجلافته تسبب في انتحار زوجته.
    اشارتي لهؤلاء تنبع من اثبات لا واقعية اليوتوبيا الشيوعية وتناقضها مع الواقع الكالح. قال عبد الخالق محجوب في كتيب ” اصلاح الخطأ في العمل وسط الجماهير” ان الفكرة لا تنفصل عن حاملها. حالة الاذدواجية الاخلاقية والتناقض ما بين المطروح رسميا والمطبق عمليا هي ظاهرة معروفة في كل الانظمة الشمولية القهرية وفي كل الفلسفات الرسالية العقائدية. كان ذلك في روسيا السوفيتية وفي المانيا النازية وهو موجود في دولة المشروع الحضاري المزعوم الذي يزعم شيئا ويطبق النقيض.
    عموما كل الدراسات الجادة تثبت وجود كل من الحنس الفوضوي والدعارة في الاتحاد السوفيتي. ذلك إن المجتمع السوفيتي كان مجتمعا مسترقا وكان المجالان الوحيدان اللذان تتوفر فيهما درجة من الحرية الشخصية هي شرب الفودكا وممارسة الجنس، وكان اغلب الناس يمارسانهما معا لذلك كان هناك حالات الحمل غير المرغوب ثم وباء الاجهاض وكان ايضا بسبب ذلك ميكانيكية الجنس بعد ان حرر من كل رومانسية واصبح بديلا زائفا عن الحرية لشعب مسترق.

    الاغتصاب من طرف الجنود السوفيت :

    جلافة ولا انسانية الشيوعية ونظامها القميء المعادي للانسانية والحضارة تمثلت في كمية الاغتصابات بما فيها الاغتصابات داخل الاسرة وجنس المحارم والجنس المغصوب عليه التي كانت تمارس في روسيا الشيوعية، كما تمثلت في حجم الاغتصابات الهائلة التي تمت من ظرف الجنود السوفيت اثناء الحرب العالمية الثانية ، حيث تم تقدير حوالي 2 مليون اماغتصاب في الجزء الشرقي من المانيا اغلبه كان اغتصاب جماعي ( بعض النساء تم اغتصابهن 60-70 مرة وتوفيت حوالي 10 الف امراة جراء ذلك بينما توفيت 240 الف امراة من مضاعفات ذلك الاغتصاب ) لاحظ ان الجزء الذي احتله السوفيت من المانيا كان جزءا صغيرا بعدد سكان بسيط مقارنة مع بقية الاجزاء التي احتلها الحلفاء

    ظاهرة الاغتصاب الخرافي من طرف الجنود السوفيت تمت في كل دول اورربا الشرقية والوسطى ولكنها كانت بشعة وغير معقولة في الاراضي التي كان يقطنها المان او ناظقين بالالمانية. في بروسيا الشرقية وبوميرنيا وسليزيا ( التي تتبع الان لبولندا) تمت حوالي مليون واربعمئة الف حالة اغتصاب. في فيينا وبرلين كان نصيب،كل مدينة حوالي 100 الف حالة اغتصاب. اسمت النساء الالمانيات نصب الجندي السوفيتي المجهول الذي نصب في برلين ب” نصب المغتصب المجهول”

    إشارات مرجعية :
    معلومات عن القتل بالجوع او جريمة ال Holodomor :
    https://en.wikipedia.org/wiki/Holod…
    معلومات عن الجنس في الاتحاد السوفيتي :
    http://rbth.co.uk/society/2013/09/3…
    مقال عن الإجهاض في الاتحاد السوفيتي وكيف تحول الى ظاهرة مرضية بدلا من أن يكون علاجا لمشكلة :
    http://www.nytimes.com/1989/02/28/w…

    هنا شهادات لنساء في صحيفة روسية اجرين عمليات اجهاض 12 و18 مرة في روسيا السوفيتية. المقال يقدم معلومات عن الاجهاض في روسيا السوفيتية والآ ن :
    http://themoscownews.com/russia/20130813/191845415/Abortion:%20A-matter-of-life-and-death.html
    احصائيات عن الحجم الهائل للاجهاض في الاتحاد السوفيتي :
    http://www.johnstonsarchive.net/policy/abortion/ab-ussr.html
    معلومات عن حالات الاغتصاتب الهائلة التي تمت في المانيا من طرف الجنود السوفيت :
    https://en.wikipedia.org/wiki/Rape_during_the_occupation_of_Germa

  • رحلت سوزان سونتاغ

    في زحمة الاعياد رحلت بهدوء عن عالمنا الكاتبة والمفكرة والروائية الامريكية سوزان سونتاغ؛ عن عمر يناهز ال71 عاما؛بعد صراع مرير مع مرض سرطان الدم ؛وذلك في مدينتها التي احبتها نيويورك في 25 ديسمبر الماضي.

    تعتبر سونتاغ من اشهر المثقفات الامريكيات في نصف القرن الاخير؛ درست في جامعات بيركلي وشيكاغو واكسفور؛ وكان تخصصها في الادب والنقد الادبي والفلسفة؛ وعملت بالتدريس في عدد من الجامعات الامريكية ومن بينها جامعة هارفارد.

    كتبت سونتاغ 17 كتابا ومئات المقالات توزعت ما بين الرواية التاريخية “عاشقة البراكين” ؛ والرواية “في امريكا” والتي كانت اخر رواياتها وحصلت بسببها علي جائزة الكتاب القومي ؛ والدراسات النقدية ومن بينها “ملاحظات عن معسكر ” والمخصصة لادب المثليين جنسيا والثقافة الجماهيرية؛ و” ضد التفسير” ؛والمقالات النقدية والسياسية والاجتماعية وغيرها؛ كما كانت مهتمة بالتصوير ومصورة جيدة والت عددا من الكتب عن فن التصوير ومعانيه.

    تعالجت سوزان من مرض سرطان الثدي وكتبت مجموعة من الكتب عن الامراض والالام وما تحدثه من تحول؛ وقد عرفت سونتاغ كواحدة من اكثر المناضلات النسويات نشاطا؛ كما كانت معادية للحرب ولها نشاطات واسعة ضد الحروب؛ومنها الحرب في يوغسلافيا؛ وقد انتقدت الحرب الامريكية الاخيرة ضد العراق منذ البداية؛ وكامل سياسة بوش فيها؛ مما جلب لها الكثير من العداء والاهانات من الدوائر المحافظة واليمينية في الولايات المتحدة.

    لسونتاغ ايضا مواقف ايجابية وواضحة من القضية الفلسطينية وضد الارهاب الفكري حيث تضامنت مع الكاتب سلمان رشدي؛ وكالعادة لم تكن محبوبة من قبل اليمينيين في امريكا او في العالم الثالث ومن بينه الدول “الاسلامية” والعربية.

    التحية لروحها ولتسكن في سلام ابدي .

    عادل

  • مفهوم الزواج في القرآن

    في كتابه مدارات صوفية وفي الفصل بعنوان ” مشروع حب زوجي“ يكتب الكاتب الماركسي الصوفي الراحل هادي العلوي ان تعريف الزواج في القرآن هو أدق وأفضل تعريف للزواج ورد في أي نص أدبي أو قانوني. وهو يذكر الآية ((وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )) الروم – 21

    والحقيقة ان تعريف الزواج الوارد في هذه الآية ؛ والبعيد كل البعد عن تخريجات الفقهاء المتخلفة ؛ التي تركز على الجنس بصورة بهيمية ؛ انما هو تعريف ممعن في الجمال والانسانية بل والرومانسية . فالزوج و الزوجة هنا ليسا كائنان منفصلان عن بعضهما؛ وانما هما مخلوقان من نفس واحدة. هما مكملان لبعضهما؛ وهما خارجان من تلك النفس؛ وراجعان اليها . ومعنى كلمة زوج هنا لا تعني فقط الرفيق او الشريك؛ وانما تعني الانسان المكمل لنا؛ نصفنا الآخر. والزوج في اللغة هو أيضا القرينُ والنظيرُ والمثيلُ.

    ويأتي هدف الزواج في القرآن للسكون الى الزوج؛ اي الاطمئنان به وله واللواذ به وحصول السكينة بينهما – وأداته أنه يجعل بينهم المودة والرحمة. ربما تأتي المودة والرحمة بفعل هذه السكينة وربما تأتي السكينة من المودة والرحمة. مَنْ دريه . والمودة احساس في الحب لطيف؛ والرحمة تكون في الاشفاق على الزوج/ة والسعي لراحته/ا . وفي هذا لي طرفة فقد حكيت لصديقي المبدع محسن خالد؛ اني كنت اعاني من الارق ولا انوم الليل؛ فلما تزوجت حبيبتي كنت القي برأسي على السرير قرب رأسها او بين ذراعيها فأخلد للنوم في ثوان ؛ وأنها كانت لا تصدقني حين أقول لها اني كنت أعاني من الأرق. فقال لي : تلك هي السكينة!.

    ولا يأت مفهوم القرآن عن خلق الازواج من نفس واحدة مفردا في هذه الآية ؛ وانما هو مبثوث في كل القرآن؛ مما يوضح أنه حقيقة أزلية؛ متجاوزة لمختلف التشريعات الظرفية والأوضاع الإجتماعية التي تعامل معها القرآن وأجاز بعضها وحجّم بعضها الآخر. فنجد القرآن يقول في سورة النساء الاية الأولى (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا ) وتجده يقول في سورة الاعراف الآية 189 ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها ) وكذلك في سورة الزمر الآية السادسة ( خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ) .

    الشاهد ان مفهوم القرآن لعلاقة الزوجين البشريين يأتي من مبدأ كوني ؛ أن كل الاشياء تخلق زوجين. فنجده يقول في سورة الرعد الآية الثالثة ( هو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) وفي سورة الحج الآية الخامسة (وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج) وفي سورة الشعراء الآية الثالثة ( اولم يروا الى الارض كم انبتنا فيها من كل زوج كريم) وفي سورة الذاريات الآية 49 ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) وكذلك في سورة ق والرحمن الخ. ليس غروا من بعد أن يكون خلق أو جعل الزوجين من البشر ذكرا وانثى كما جاء في في سورة النجم الاية 45 ( وانه خلق الزوجين الذكر والانثى) وفي سورة القيامة الآية 39 ( فجعل منه الزوجين الذكر والانثى).

    هذا ما يدحض بشكل قاطع فرية قبول القرآن لتعدد الزوجات. فلكل ذكر في الدنيا او انثى زوجته او زوجها الواحد. يسكنان الى بعضهما البعض وبينهما المودة والرحمة. وشتان ان تجتمع الرحمة والمودة مع جحيم التعدد. والتعدد نفسه لم يسمح به الا للمطلقات والارامل من امهات اليتامى . والآيات في سورة النساء واضحة في ذلك وأن التعدد جواب شرط للخوف من عدم القسط في اليتامى . وقد التزم الرسول الكريم بموجهات القرآن حيث تزوج زوجته الوحيدة المنفردة بكرا (عائشة) بينما كانت زوجاته الباقيات مطلقات وارامل. ولا غرو فقد قيل ان الرسول كان يتخلق بإخلاق القرآن وهو أعرف الناس به وبمراميه. وعموما سنكتب عن هذا فيما قريب.

    نرجع الى هادي العلوي والأية التي اوردناها في بداية كتابنا هذا ؛ حيث يقول فيما إعدنا ترتيبه : (( هذه الأية هي آية الزواج والحب الزوجي ؛ المتماهي بالسكينة والمودة والرحمة. فالزواج ليس مجرد علاقة جسدية مشبوبة بالحب المتوقد بل هو علاقة روحية : علاقة سكينة ولياذ : يتآلف فيه رجل وأمراة يلوذ بها وتلوذ به من مصاعب ومتاعب الحياة ويكون كلاهما عونا على الغير من ناس وأشياء. على أنها لا تتجاهل الحاجة الجسدية لكليهما وقد جعلها العرب من شروط بقاء العاطفة الزوجية واستمرارها داخل العائلة)) *

    أما صديقي محسن خالد ؛ فهو يقول في هرطقاته الجميلة العبقرية ان كل شخص له زوجه زوجها له الله عند الأزل ؛ ويعتمد في ذلك على الآية ( واذا النفوس زوجت) ؛ وأن توثيق ذلك الزواج مسطر في كتاب الرحمن . وانه كان هناك زمان يعرف فيه الناس زوجاتهم الحقيقيات عن طريق القلم؛ وكانت هناك شبكة او موقع ( كان أيام يحيى (بن زكريا) مزودا ببرامج تقود الناس وترشدهم لكيفية العثور على أزواجهم الحقيقيين) **- ويعزو فشل الزيجات في وقتنا هذا ان الناس لا تتزوج ازواجها الحقيقية التي زوجت لها منذ الأزل؛ فيدخلون في الحيرة والمشاكل ولا يجدون السكينة. اعجبني طرح محسن الذي لا يخلو من طرافة – وهرطقة – ولكنه يظل اقرب لمفهوم القرآن عن الزواج من مفاهيم الفقهاء المتخلفين.

    عادل عبد العاطي

    3 فيراير 2016

    اشارات مرجعية :

    *هادي العلوي : مدارات صوفية – الطبعة الأولى – 1997- ص 54.

    ** محسن خالد : يحي بين زكريا هو المهدي المنتظر – جدول قيام الساعة .