التصنيف: شخصيــات ومــواقف

كتابات عن شخصيات سودانية وعالمية

  • عبد الله علي إبراهيم ورد الإعتبار للأستاذ عوض عبد الرازق ( 1 من 3)

    مقدمة:

    كتبت مقالا قبل أيام عن ضرورة رد الإعتبار للاستاذ عوض عبد الرازق بعد تشنيع الشيوعيين عليه الذي استمر ويستمر فوق النصف قرن، فرد عبد الله علي ابراهيم بكتابة يطلب فيها رد الإعتبار لميادة سوار الدهب من تشنيع عادل عبد العاطي؛ فيا لمهزلة الرجل ويا لبون الإختلاف.
    ويعلم الخاصة والعامة ان الخطأ لا يبرر الخطأ ؛ فإذا أفترضنا جدلا أني قد شنعت على ميادة سوار الدهب؛ فهل يبرر هذا تشنيع الشيوعيين على الاستاذ عوض عبد الرازق لمدة 55 عاما أو نيف ؟ وأين موقف عبد الله علي ابراهيم نفسه من تشنيع الشيوعيين المتواصل والمقيم؛ وهو الذي يدعي أنه شيوعي من منازلهم وأنه الأعرف بتاريخ ذلك الحزب العجوز ؟ بل اين طالب ع ع ابراهيم برد الاعتبار لذلك الرجل وغيره من ابطال الحركة الوطنية والعمالية ؛ مثل محمد السيد سلام او الحاج عبد الرحمن؛ وهل تدخل ع ع ابراهيم لأن طرف السوط قد وصله؛ بإعتباره من المساهمين في التشنيع على الرجل؛ ففضل ان يختبيء خلف اسكيرت ميادة سوار الدهب ليطلق قنابل دخان تخفي سوءة الشيوعيين وسوئته وتجهض دعوة رد الاعتبار للاستاذ عوض عبد الرازق؛ بإعتبار ان عادل عبد العاطي ذات نفسه يشنع؟.

    عبد الله علي ابراهيم وتاريخ طويل من التشنيع:

    والشاهد ان ع ع ابراهيم كان من جوقة المشنعين على الاستاذ عوض عبد الرازق؛ وقد وقع في يدنا مقال طويل عريض لم نستطع الوصول الى كاتبه؛ وقد نشره الاخ غاندي في موقع سودانيات بعنوان : (( هل عوض عبد الرازق انتهازي أم منشق؟ )) هو رد مطول على تخرصات الحزب الشيوعي و ع ع ابراهيم ؛ وهو بمثابة شهادة فكرية وسياسية وانسانية ضد اللؤم الحيواني للمشنعين على استاذنا عوض عبد الرازق؛ فليرجع اليه من اراد في هذا الرابط: http://sudanyat.net/vb/showthread.p…
    ولا استغرب موقف ع ع ابراهيم ابدا في التشنيع على عوض عبد الرازق والدفاع عن ميادة سوار الدهب. فالرجل معروف انه يقدح في الاموات ولا يتورع ؛ بينما يتدجن ويتصاغر امام الاحياء ان كانوا اصحاب سلطة. لقد تجرأ الرجل على البروفيسور محمد عمر بشير وحاول حرق شخصيته بعد موته؛ ولم يتصد للخاتم عدلان الذي فضح تهافته في مقالات نجلاء ؛ الا بعد موت الخاتم عدلان، فبدأ يدبج فيه الوريقات ويشتمه في متهافت الحوارات. كما زعم المسكين أنه كان يُعِلم الشهيد عبد الخالق محجوب ؛ وحاول ضمن محاولاته الخاسرة ان يقول ان الرجل كان من مؤيدي المشروع الاسلامي فتأمل. تلك جرأته وقوة عينه ولوية سِنه امام الموتى .
    كما افرد ع ع ابراهيم كتابا كاملا عن الشاعر الفقيد ضحية الحزب الشيوعي محمد عبد الرحمن شيبون؛ مارس فيه التدجيل والتسويف والتطويل والتزييف والاملال والتحريف ليبريء الحزب الفاشي والفاشل من جريمة قتل شيبون وليدين الضحية؛ فرد عليه أهل شيبون واصدقائه وشرفاء الصحفيين بما القمه احجارا فلم يرد عليهم. وفعل الرجل نفس الفعل القبيح مع صلاح أحمد ابراهيم؛ الذي هاجمه مع سلطة الحزب حيا وحاول التنكيل بجثته ميتا؛ فتصدى له استاذنا خالد احمد بابكر (خالد كتمور) فالقمه احجارا فلم يرد . بالمقابل يهادن ويراءي عبد الله علي ابراهيم كل صاحب سلطة ولو كان محمد ابراهيم نقد او الصادق المهدي او ميادة سوار الدهب؛ فبئس الطالب والمطلوب.

    هل عبد الله علي ابراهيم ضكران؟

    والحقيقة ان منهجنا مضاد تماما لمنهج عبد الله علي ابراهيم؛ الذي يصف نفسه كاذبا بالضكارة. ورغم تخلف المفهوم وذكوريته الا انه لا ينطبق عليه. فالرجل عرضحالي يدافع عن السلطة بما هي سلطة واصحاب السلطة؛ رؤساء دول كانوا او رؤساء احزاب؛ بينما نحن معادين للسلطة كلها بما هي سلطة ؛ ويقع اصحابها تحت ازاميل نقدنا المتواصل؛ اذ لا شرعية لسلطة دون محاسبة ونقد. من الناحية الاخرى يتحامل الرجل على الفرادى من الناس وضحايا السلطة والذين لا يستطيعون الدفاع عن نفسهم؛ ومن اضعف في الدفاع عن نفسهم سوى الموتى ؟ لذلك آلينا على انفسنا أن ندافع عن الموتى – مثل اساتذتنا وضحايا السلطة علي عبد اللطيف وعوض عبد الرازق والخاتم عدلان وغيرهم ؛ وان نسترد لهم حقهم ما دامت فينا حياة ؛ بينما يقفر هو دائما ضدهم ومع السلطة التي قتلتهم ماديا او معنويا؛ فشتان .
    ونحن نعلم ان عبد الله علي ابراهيم لا يرد علينا فقط في موضوع استاذنا عوض عبد الرازق. فقد شتم الرجل استاذنا الخاتم عدلان قبل اشهر ؛ وكذب حين زعم انه علم عبد الخالق محجوب؛ وادعى لتفسه الضكارة؛ ومدح اسؤا رجلين في السياسة السودانية لان لهما احزاب؛ كما اطرى الترابي . فكتبنا عنه ان لا صلة له بالضكارة وانما بالخياسة ؛ وهي الفساد والافساد ؛ فسكت الرجل ووضع في فمه ماء؛ وتحين الفرصة حتى ظن انه وجدها في الدفاع عن ميادة سوار الدهب؛ فعجبى من ”الضكران“ الذي لا ينازل عندما يدعوه للنزال؛ ثم يأتي مختبئاً خلف اسكيرتات السيدات وعندما يضمن وجود الجوقات والسلطة الى جانبهن.
    وميادة سوار الدهب التي يطالب عبد الله علي ابراهيم برد اعتبارها حية ترزق؛ وهي تدعي انها رئيسة حزب ؛ ولها ابن عم سليط يدافع عنها في اللقاءات التي يذكر فيها أسمي مصحوبا بالشتائم عشرات المرات وليس 12 مرة فقط ؛ ولها كلاب حراسة من الصعاليك ممن لا عهد لهم ولا ذمة تطلقهم للنهش في الناس ؛ ولها بعل من اهل الانقاذ الفطاحلة ؛ ولها اسرة وطائفة تنافح عنها وتحتمي بها؛ ولها موتورون تجاه شخصي الضعيف وضعوا نفسهم في خدمتها بالمجان؛ ولها دعم من اسلامويي السودان وطائفييه ممن جعلوها دمية في ايديهم يحاولون بها تكسير نمو اي تيار ليبرالي حقيقي . وعن هذه يدافع عبد الله علي ابراهيم بينما ندافع نحن عن شرف وإسم رجل ميت عاش شريفا ومات شريفا معدما في ”قراش“ ؛ وكانت ورثته الباقية شنطة كتب. فتأمل.

    بين عبد الله علي ابراهيم وميادة سوار الدهب:

    وفي الحقيقة هناك شبه كبير بين عبد الله علي ابراهيم وميادة سوار الدهب . فميادة سوار الدهب لا ترد على كل الاتهامات تجاهها ؛ وانما تحارب بأيادي الآخرين؛ وهي تسكت سكوتا مطلقا ؛ بينما تطلق الاوباش للدفاع عنها لتظهر ان اياديها نظيفة وهيهات. أما عبد الله علي ابراهيم فهو لا يرد على من ينازله فكريا مباشرة : تراجع امام الخاتم عدلان وتراجع امام عبد المنعم عجب الفيا وتراجع امام خالد كتمور ؛ وتراجع امامي حينما وصفته بال“خايس“ فلم يرد ؛ وهو لا يتصدى للناس الا بعد ان يموتوا أو من وراء ستار زائف أو عندما يعلم ان السلطة تقف من ورائه فيا لخسئته. أما نحن فعلى هدى الرجال الشرفاء والنساء الشريفات نحارب معاركنا لوحدنا ومع الاحياء ومع كل سلطة ولا نبالي ؛ فتأمل مرة أخرى.
    ولقد وصف الحزب الشيوعي وعرضحاليته استاذنا عوض عبد الرازق بالانتهازية دون سند من موقف او سلوك ؛ بل لمجرد غرض الشواء الآدمي؛ وقد اثبتنا ذلك في مقالنا الذي لا يستطيع ”الخايس“ ع ع ابراهيم ان يرد عليه. بالمقابل ”شنعنا“ على ميادة سوار الدهب بوقائع واحداث صحيجة عليها شهود ووثائق؛ ذكرناها كلها ونتحدى ميادة سوار الدهب و ع ع ابراهيم ان ينكراها. والانتهازية صفة موجودة في الحياة وهي تنطبق على ميادة سوار الدهب وعبد الله علي ابراهيم ولا تنطبق على استاذنا عوض عبد الرازق؛ فالعبرة ليس في اطلاق الصفة وانما في صحتها او كذبها . وقد اثبت الشرفاء من امثال العم يونس الدسوقي ومن امثال الاستاذ شوقي بدري والاستاذ علي العوض علي والاستاذ محيي عووضة المحامي وغيرهم كثيرون خطل التهمة عن الاستاذ عوض عبد الرازق ؛ بينما اثبت الانتهازية عن ميادة سوار الدهب رفاقها السابقين في الحزب الديمقراطي الليبرالي مثل الاستاذ عبد العزيز كمبالي ومن انقسموا معها مثل الاساتذة ياسر ضحوي ورائد رستم وريهان الشاذلى ؛ بل ومن تحالفت معهم من الاتحاديين بقيادة الشيخ احمد زين العابدين الذين فصلوها من قيادة حزبهم ببيان رسمي اثبت انتهازيتها وحربائيتها؛ فشتان ثم شتان.

    إعلان:

    في النهاية اعلن أن ع ع ابراهيم خصم لي ؛ قد جعلته خصما لي في الحياة وبعد الممات؛ ليس لجرم فعله تجاه شخصي وانما لما جبل عليه من سيء الخصال ومن الخياسة والفساد ؛ ومن مهاجمة الموتى الشرفاء والكرام. وقد كنت من قبل من المخدوعين في الرجل فكريا وانسانيا؛ فلما قرأته وجدته مخاتلا عييا في الكتابة ؛ متناقضا ملجلجا وذلك لأنه غير مستقر نفسيا ولا فكريا؛ وهو يحاول ان يخفي جبنه وانكساره الذي جعله يهرب من معامع النضال في السبعينات وينكسر امام الانقاذ في التسعينات بادعاء الضكرنة ومغازلة الحزب العجوز، وذلك للتعويض النفسي عن الانكسار وهيهات. ولا شك ان للرجل سلطة معنوية على البعض؛ وصورة مزيفة كصورة دوريان غراى عند نفسه وفي مرآته. وقد آليت على نفسي تمزيق هذه السلطة وتكسير هذه المرآة المزيفة ؛ حتى يعرف الناس ويعرف الرجل؛ أنه فرعون عارى ورمز للخياسة الفكرية والاخلاقية في السودان.
    هنا الوردة ، فلترقص ها هنا …..

    عادل عبد العاطي
    18/7/2016

    ملحق : ( كتابة ع ع ابراهيم )
    لنرد الاعتبار لميادة سوار الدهب من تبشيع عادل عبد العاطي
    عبد لله علي إبراهيم
    كتب عادل عبد العاطي كلمة على الأسافير طلب فيه رد الاعتبار لعوض عبد الرازق، سكرتير الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو، التي تحولت للحزب الشيوعي في 1956) م من تبشيع الشيوعيين الطويل به ووصفه ب”الانتهازي” خاصة. ومعلوم أنه نشب خلاف في 1949 بأروقة حستو بين سكرتيرها عوض وبين تيار قاده أستاذنا عبد الخالق محجوب حو مسائل في وجهة تطور الحركة وآفاقها. وانتهى الصراع بتقلد أستاذنا مقاليد قيادة الحركة. فوقع الانقسام فيها في 1952 بين “بولشفيك” (الأغلبية في الروسية) أستاذنا وبين “منشفيك” عوض عبد الرازق. وهي مسائل يخوض فيها نفر من الشيوعيين السابقين بغير علم كما سنبين ذلك من قريب.
    قال عادل في محاسن عوض عبد الرازق إنه كان من الرافضين لإطلاق الأوصاف التشنيعية على الرفاق. ففي اللائحة التي وضعه لحركته ورد بند يرفض وصف الأخر بالانتهازي أو البرجوازي.
    قيل التشبه بالفالحين فلاح. ولكن عادل أضرب في ممارسته السياسية عن قدوة عوض ولائحته. فكلكم قرأ له منذ قريب تبشيعه لميادة سوار الدهب التي خرجت على طاعته في سياق الحركة الليبرالية ومنعطفاتها المؤسية عروفة. وسأترك جانباً ضروب التشنيع التي ابتلي الله بها ميادة من عادل (بما في ذلك شبهة التعامل مع الأمن) إلى إحصاء عدد المرات التي استخدم فيها كلمة “انتهازي” في شتمها في بوست هجائه لها. فوجدته استخدمها 12 مرة.
    سيأتي الزمن الذي يطلب فيه سياسي رحيم مثل عادل رد الاعتبار لميادة التي بشع بها عادل كما لا ينبغي لرفيق. ولم يأخذ صفحة من لائحة عوض التي حرمت التبشيع بالزميل في الحركة. فلا رفث ولا فسوق بين الرفاق. ( المرجع : https://www.facebook.com/abdullahi.ibrahim.5099?fref=nf)

     

  • محسن خالد ومحمود محمد طه: إبداع عرفاني في مركز دائرة الوجود (السودان)

    مقدمة :

    اعلن الاديب والروائي السوداني الشاب محسن خالد مجموعة من التحولات الفكرية والبحوث العرفانية في سلسة من الكتابات السردية في منابر الانترنت السودانية ؛ كان اشهرها ما سطره في كتابته الملحمية ” زهرة الغرق” في موقع سودانيات.كوم ؛ وما صاغه في كتابة موازية بعنوان “مراجعة المنهج والتجربة” في موقع سودانيز اونلاين. الا ان اهمها واكثرها اثارة للجدل هو ما سطره قبل نهاية العام الماضي بعنوان” العاشر من صفر، الموافق 22 ديسمبر، عيد الشهيد نبي السلام، هابيل” ؛ وهي الكتابة التي اعلن فيها رؤية ابوكاليبتكية للعالم تنبأ فيها بنهايات له تبدأ من كنيسة “اللد” في انجلترا. ولم يلبث ان اعلن فيها نبوته وانه النبي الطائر والمهدي المنتظر

    ((إنّني هِبَة البارئ، المهدي المنتظر، المهدي أي التائب إلى ربّه، والنبي الطائر، المؤيَّد بنار اليشب وبمذراة الحياة والطاقة، وريث السيّد المسيح عليه السلام، المأذون بإحياء الموتى والطيران وفعل الخوارق، من سيؤمُّ المسلمين في المسجد الأقصى. ومَن أسماه السيِّد المسيح بـ(المُدَلَّل عند ربّه) المعجّنو ربّو..))

    ليتراجع من بعد سريعا عن ذلك قائلا إن هذا الزعم كان من تلبيس الشيطان عليه.

    كتابات محسن خالد ذات الطبيعة التفاعلية؛ اذ ينم نشرها – وهي طازجة – في مواقع الحوار السودانية ؛ لا تزال مستمرة في ذات النسق؛ في شكل كتابات سردية وحوارية فذة وعميقة؛ ربما تكون مشاريع كتب؛ يستخدم فيها محسن خالد تفسيرات مجددة وشخصانية وميدعة للقرآن وقراءة للرموز والأرقام والأحرف في منهج عرفاني متطرف؛ يضع فيه نفسه في مرتبة عالية من العلم. وفي نفس الوقت الذي يغترف فيه محسن خالد من رموز ونظريات حديثة بل ومن عالم الادب والفن الهوليودي؛ في مقاربات لا سلفية بالمرة ؛ يُحمل كتاباته منهجا تشاؤميا كاسحا؛ ودعوة رسالية بصراع اخير ونهائي بين قوى الخير والشر ؛ في تصور ارماجدوني للعالم؛ وان كان بصيغة اسلامية ؛ وهو تصور يلعب هو نفسه فيه دورا مركزيا؛ حيث لم تغب دعوى النبوة تماما من أجندته وان تراجع عنها تكتيكيا كما يبدو . ولكن في كتاباته الاخيرة يوحي بأنه قد يكون تجلياً جديداً للنبي يحي ؛ سيتم اشهاره في ظرف عامين.

    ((في اعتقادي أنَّ يحيى قد بعثه اللهُ من الموت في العام 1975م وأنَّ عمره الآن 38 عاماً مثل رقم الآية التي تُحَدِّد الإنظار، وبإكماله أربعين عاماً فسيعرفه العالم أجمع، والله من قبل ومن بعد هو وحده العليم بكل شيء على وجه الدقة لا التقريب)).

    دور السودان المركزي عند محسن ومحمود :

    كتابات محسن خالد الاخيرة ؛ وخصوصا في هذه المصنفات الثلاثة المذكورة اعلاه؛ اختلف حولها القراء جدا ؛ ما بين مؤيد وناقد ؛ قابل وجاحد؛ صديق وعدو . وانتظم الناس في معسكرين رئيسين: ما بين معجب بلغتها وادبياتها العالية وطرافتها ؛ من جهة ؛ و ما بين متخوف من حمولتها التعبيرية و”التفجيرية” الضخمة؛ من الجهة الاخرى. ويأتي التخوف من طرف تيارين متناقضين: التقليديين الذين يرونه خارجا عن اطر العقيدة التقليدية ومفجرا لمسلماتها؛ عبر نهجه الغنوصي؛ و الحداثيين الذين يرونه خطرا على النظرة العلمية ونصيرا ادبيا للدعوة السياسية للسلفيين والتكفيريين؛ خصوصا بعد شنه هجوما شديدا على العلمانية والعلمانيين؛ وإعلانه “التوبة” عن “علمانيته” السابقة ؛ وهو الذي كان من اكثر روايي وكتاب السودان تحررا فكرياً وفنياً. مع هجوم جارف (أخيراً) على الماسونية او من يسميهم “البنائيين العبيد” ؛ والذين يشكلوا له تحالفاً قديماُ لأهل الشر من انس وجن؛ وتوزيعه للتهم بالانتماء لهم لجملة من الكتاب والشعراء السودانيين والعرب !.

    في كل هذا يجب الاشارة الى وضع السودان في ضمن الكتابة الجديدة لمحسن خالد؛ حيث يضعه في موقع مركزي في الكون؛ ويعتبر انه مؤطي الاماكن المقدسة ؛ وانه مركز الصراع الاولي بين الخير والشر ؛ ومكان المعركة الاولى بين قابيل وهابيل؛ وربما مكان المعركة الاخيرة بين قوى الخير والشر الكونية. يقول مجسن خالد :

    ((قلتُ السودان البلد المقدس، حيث جبل الطور-التاكا المقدس، تسمية التاكا حسب تحريف الشيطان الملعون، وتوتيل هي النبع المسمّى (سَرَيا) في القرآن، الذي نبع حين ولادة أمنا مريم للمسيح عليه السلام (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) حيث الرطب الجني بمواقيته في المدينة التي حُرّف اسمها لكسلا.))

    ويقول:

    ((السودان هو الأرض المقدسة القديمة التي شهدت خروج معظم الأنبياء الذين نعرفهم، والطور هو جبل التاكا في شرق السودان، وهو الشرق المقصود بخروج الدجال.))

    وكذلك

    ((وأريد ربط ذلك بالسودان فهو أحد مواطن الأسرار الكبرى بالنسبة لهذا الموضوع وبالنسبة للماسونية وبالنسبة لبلاد (الجن) (الجنان). هذه الحروب التي تشتعل في كل من مكان من السودان هي جزء من هذا الصراع الكوني، (اقتربت الساعة وانشق القمر) و(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)، الذي لا يؤمن بالله عليه أن يؤمن ويوحّد ويصلي ويتوب قبل فوات الأوان))

    محسن خالد في كل هذا ؛ هو كاتب واديب ؛ وهو لا ينسى هذه الحقيقة بل يذكر بها مرارا؛ وفي رده على بعض محاوريه ونقاده ذكرهم باحتفائهم القديم باعماله الادبية ؛ وانه اذا لم يعجبهم طرحه ولم تقنعهم افكاره فعليهم التعامل معها كنص ادبي؛ ولا يزال بين الحين والاخر يكرر هذه الثيمة. بل انه يشير – علنا – الى اقتفاءه أثر مهدي سوداني أخر هو محمد احمد المهدي في صيغة كتابته؛ ويستغرب من عدم اهتمام الناس بالمهدي محمد أحمد ك”كاتب ملهم”.

    (( لن يفوت على ذكائكم ومطالعتكم أنني أتمثّل أسلوب المهدي محمّد أحمد في “الكتابة”. بالمناسبة لماذا لم يقم أحدٌ بدراسة المهدي بوصفه “الكاتب” المُلْهَم؟)).


    منهج محسن خالد العرفاني؛ قريب ايضا من منهج المصلح الديني والصوفي الاجتماعي السوداني “محمود محمد طه” في التفسير ؛ وفي تقييم ذاته. فمحمود محمد طه كان يستخدم منهجا عرفانيا في التفسير يخرج فيه بتفسيرات جديدة كل الجدة عن النص القرآني؛ كما كان يرى نفسه أو يراه تلاميذه ك”الاصيل” الوحيد والمسيح المحمدي ورسول لرسالة ثانية للاسلام؛ وقد اعلن عن هذا مرات ولمح به مرات. الا ان محموداً كما يبدو كان يعاني من بعض ظلال الشك حول نفسه؛ ويقول انه لا يأمن مكر الله؛ في الوقت الذي طلب من تلاميذه عدم الشك فيهأ. محسن خالد في حديثه عن التلبيس الشيطاني؛ يعبر عن نفس الشك المحمودي؛ رغم اعلان الرجلان لدعوتهما الجديدة والطريفة في الواقع السوداني؛ وعدم تحرجهما في الدفاع عنها؛ رغم الشك الوجودي والمعرفي الذي عانيا منه.

    ومحمود أيضا مهموم بتقديم السودان على غيره؛ وتجده يقول أن السودان هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب:

    ((أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم .. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان ، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية ، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن ، وحاجة الفرد إلى الحرية المطلقة ، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب .. ولا يهولن أحداً هذا القول ، لكون السودان جاهلاً ، خاملاً ، صغيراً ، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض ، بأسباب السماء ))

    ويقول عن الخرطوم في تفسير لطيف:

    ((ولما كانت القلوب، في سويداواتها، قد جعلها الله حرما آمنا فإن منطقة الكبت لا تقع فيها، وإنما تقع في ((الخرطوم))، في ((المقرن)) في ((البرزخ)) الذي يقوم عند مجمع بحري العقل الواعي، والعقل الباطن.. قال تعالى في ذلك، ((مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)).. وهذا ((الخرطوم)) هو موطن الانسان في الانسان – هو موطن الانسان الكامل، في الانسان الذي هو مشروعه المستمر التكوين- وكما أن طريق التكوين، والتطوير، لولبي، فكذلك الكبت فإنه لولبي.. هو لولب يدور حول مركز.))

    وقد وقعت على من ينسب له ان تفسير مرج البحرين هو موقع الخرطوم؛ واعتماده على الاية ((سنسمه على الخرطوم)) ولكني وللحقيقة لم اجد توثيقا لهذا . وقد سار احد المهدويين السودانيين المعاصرين(سليمان أبو القاسم موسى) أكثر فكتب رسائلا طويلة حول ان ((الخرطــوم منــارة الـهــدى (تــحمــل إســم المسيــح ومنــها يخـــرج لنــصرة المســلميـــن) )) وان ((المهدي من أرض السودان)) وأن كردفان هي ((كوفة المهدي)) وجبل مرة ((مكة المهدي)) الخ من الكتابات التي يسودن فيها المهدية ويقنع فيها بمهديته.

    الجذور الفكرية لدعوات محسن ومحمود:

    ارجع لمحمود محمد طه ومحسن خالد ؛ واقول ان دعوات الرجلين جديدة في الواقع السوداني؛ ولكنها ليست جديدة في الواقع العربي – الاسلامي والكوني. فمحمود محمد طه قد كان متأثرا بافكار ورؤى الصوفية والعرفانيين المسلمين القدامي (وكذلك الصوفية السودانية) ؛ وبأفكار ونظرية الانسان الكامل (المسيح المحمدي) ؛ ذات التراث الذاخر في الصوفية الاسلامية؛ رغم انه ادخل عليها بعدا سودانياً اصيلا. أما محسن خالد فأفكاره رغم طرافتها وجدتها واعتمادها على اساليب وقراءات حديثة للرموز ؛ الا انها تشبه مدرسة الحروفية التي اسسها فضل الله النعيمي الاسترابادي ؛ وانتشرت في الاناضول ولعبت دورا كبيرا في تركيا بفضل تلميذه الشاعر عماد الدين نسيمي ؛ كما كان لها جناحها المغربي عبر ممثلها هناك أحمد بن علي البوني؛ صاحب كتاب “شمس المعارف الكبرى” الغنوصي المشهور بصورة واسعة في السودان. وربما يكون محسن خالد اقرب الى البوني المغرم بالجداول والذي يجمع ما بين العلوم الطبيعية والعلوم الغيبية. وقد زعم البوني انه وجد مخطوطات نادرة تحت الاهرامات تعود الى فترة ما قبل الطوفان؛ وطرحه قريب في منهجه من محسن خالد الذي تحتل الاثار والمصريات جزءا كبيرا من دائرة اهتمامه وتفسيره لوقائع بداية الخلق !

    الحروفية وارتباطها بالرقمية ؛ ثم ارتباطها بالخيمياء (السيمياء) ؛ تجد جذورها في كتابات اخوان الصفا ؛ وكذلك في نظريات عبد الكريم الجيلي وتحديده لسمت الانسان الكامل. البعض يربطها ايضا بالفيثاغورية ونظرياتها حول العدد ؛ وكذلك فيما يعرف بالجمطرية وهي ام الهندسة الرياضية الحالية ؛ والتي زعمت امكانية قياس كل ما في الارض والسماء بفضل الحروف والارقام. وقد نجد في الحروفية والرقمية وعلم الرموز انعكاسا في الفن والادب والتراث الاوروبي القديم والحديث؛ فالعديدون يرون ان كتابات ناستراداموس وتنبؤاته تنهل من نهج البوني وحروفيته. أما فلسفيا فقد تجلت تأثيرات الحروفية في “الفلسفة الخفية” التي طورها كورنيليوس اغريبا؛ أما في الادب فقد تأثر بها الشاعر الفرنسي جون إيزيدور غولدشتاين ؛ وربما استمرت عليها مدرسة الحروفية وبنتها الاصغر lettrist international الباريسية. وتظل الحروفية بالنسبة لي منهجا صوفيا مرتبطا بالادب حيث كان كل زعمائها كتابا مجيدين وكان بعضهم شعراء افذاذا ؛ ومن هنا وجه آخر للمقاربة.

    عموما تظل اشراقات محسن خالد جزءا من الابداع الصوفي والديني السوداني؛ منذ الشيخ فرح ود تكتوك وحتى آخر معلن للمهدية في السودان. وقد رصدنا في وقت سابق اربعة من “المهديين” المعاصرين الناشطين في السودان. واذا ما كان هذا الابداع قد أخذ الطابع الديني ؛ فلا غرو أن يحدث ذلك في مجتمع يتخلله الوعى الديني ويغوص الى اعمق اعماق ذاته المكونة. وكما قال ماركس فان الفلاسفة لا ينبتون مثل الفطر ؛ وانما هم حصيلة مجتمعاتهم وواقعهم. كذلك الانبياء والمهدويون لا ينبتون مثل الفطر؛ وانما هم حصيلة واقعهم ومجتمعاتهم التي نشاؤا فيها؛ ونتيجة الظروف التي لا تجعل للابداع والثورة والتغيير الا غلالة دينية في عالم الجنوب؛ بينما يخرج عالم الشمال المنهج العلمي والعلماء والمستقبليين الذين هم أيضا حصيلة واقعهم ومجتمعاتهم.

    لماذا وقفت مع محسن خالد ضد خصومه ؟

    لقد وقفت مع “شطحات” محسن خالد لسبيين: الاول هو ايماني المطلق بحرية الضمير وحرية التعبير ؛ بما في ذلك حرية الاعتقاد وحرية الالحاد وحرية تكوين الاحزاب السياسية والمناهج الفكرية والطرق الصوفية بل حتى اعلان النبؤة والمهدوية. هذه التمظرهات كلها تغرف من نبع واحد وهو الروح المبدعة ورحلة الانسان في معرفة حال نفسه في الحياة والمجتمع والكون. ولا حجر هنا على أحد ؛ ما دام كل شيئ يتم سلميا وما دام الصراع يدور بالأفكار والرؤى والكلمات. ولاقتناعي التام بصدق محسن مع نفسه ومعاناته في سبيل ما يؤمن به . اما السبب الثاني فهو كمية الشاعرية الدفاقة والافكار الجديدة الطازجة والمعلومات الغزيرة والشطحات الخطيرة في كتابات محسن خالد؛ مما يجعل قرائتها متعة محضة؛ أو محض متعة.

    لهذا اقول إني متعاطف مع محسن خالد في صراعاته الوجودية وفي بحوثه الرمزية العجيبة ؛ ومعجب بلغته الشاعرية وشجاعته الادبية الفائقة ؛ رغم اني اختلف معه منهجيا؛ واضرب صفحا عن المحمول السياسي العابر لدعوته وكتاباته؛ اذ يبدو ان همه الاول ليس سياسيا بل عرفانيا؛ ومن هنا تفشل وستفشل كل محاولات استقطابه سلفيا. فالرجل عرفاني لا سلفي؛ عقلي (وان بطريقته) لا نقلي. كما اني ارى في كتابته ابداعا سودانيا محضا ؛ فماذا يضيرنا ان يكون لنا نبي طائر سوداني او ان يخرج المهدي المنتظر من السودان؛ أو ان يكون السودان رحم البشرية ومحط صراعاتها الاولى ومركز الكون؟؟ هذا لن يكون فيه الا الخير لنا في صورة اهتمام عالمي بالاثار السودانية والسياحة السودانية والفكر السوداني؛ الديني منه والعلماني ؛ فمالنا ننقض غزلنا بايدينا ونقتل الانبياء والمبدعين فينا؛ في زمن قلت فيه النبوة وضمر فيه الابداع؟.

    في النهاية اتمثل في التعامل مع محسن خالد قول النبي محمد عندما ضايقه قومه فطلب منهم أن يتركوه والناس وقال:

    (( يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام و آخرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة))

    ثم ختم:

    ((فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)).

    وهكذا اظن محسن خالد فاعلاً.

    عادل عبد العاطي
    20-5-2013

  • متوكل مصطفى الحسين ….

    رايته في طرفة عين أو في بعض  حين؛ هذا الذي حكى عن مثله ابن العربي وسماه  الفتى الفائت ؛ المتكلم الصامت ؛ العائش المائت . هذا الذي عاش كميت ؛ والأن هو حي  في الممات. هذا الذي سماه أهله بالمتوكل ؛ ورأيت  فيه سمة الانسان الكامل، وتجلي نور الذات في أجمل الصفات .

    في الحق ما فكرت في متوكل الا وجائتني صورة الكمال؛ ولا كمال. فقد كان متوكل فريد زمانه ووحيد خلانه .. كان واسطة العقد بين الجمهوريين وكان الصغير الكبير وكان العالم الذي لا يكف عن البحث عن العلم وكان المحب  الذي لا يكف عن الحب وكان الانسان الذي تجلت فيه وتكملت به  معاني الانسانية .. كان قائداً زاهداً  وكان مُجّداً ماجداً وكان استاذا يضع نفسه دائما مقام التلميذ .. ادبته أمه وأباه الروحي بالحب والحق  فاحسنا تأديبه وسلّكاه في طريق الحق والحب فسار فيه حتى بلغ المرام وفات ناس الورا والقدام .

    تمر الايام والليالي ولا استطيع تصور ان متوكل قد مات ؛ فمثله لا يموت وهو الذي كان يزرع الحياة ويعطيها رونقها الخفي  ولونها البهي . كان كل حوار معه متعة وكان كل حديث معه درس. ساهرت معه الليالي ولم اشعر يوما بملل . عرفته في غفلة من الزمن فعددت نفسي من المحظوظين؛ وخالفت نصائحه العديدة فكنت من الخاسرين .

    لا اعرف انسانا عرف متوكل حسين ولم يحبه للتو .. تعرفت عليه قبل حوالي العشر سنوات في البالتوك ومنذ ذلك الوقت وانا واقع في اسر سحره. لا يعرف متوكل الا من استمع له ولصوته الشجي وحديثه الخلاب؛ فيا ويحي ويا ويحك يا هندا  اننا لن نسمع صوت ود ستنا  من جديد.

    كان متوكل محبا للناس والبشر ؛ وكان شديد الاحترام للنساء . اذكر لقاءات لنا ليلية عندي ونهارية عنده ربما؛ وكنا نجلس فيها مع صديقات وزميلات عزيزات ؛ يتذكرنه الان والحسرة ربما تقتلهن: رحاب خليفة ؛ نانسي عجاج؛ لنا جعفر ؛ منى خوجلي؛ ميادة سوار؛ آمال عبد العاطي ؛ لنا مهدي ؛ فآه وآه من الفقد.

    كان يحب مريم بت الحسين جدا ؛ وقلبي معك اليوم يا مريم . وكان دائم السؤال لي عن اماليا . قال لي قل لها ان لها عما يحبها في امريكا . قلت له انها تنوي الدراسة هناك بعد ثمانية سنوات فبدا يحدثني عن الجامعات المقترحة لها واين ستسكن وكيف ستعيش. كان يعيش للناس بالناس في الناس؛ وكنت احبه لحبه للناس.

    كان يحب الاستاذة اسماء محمود والنور حمد وقصي همرور وعبد الله  النعيم وعشرات ومئات غيرهم ممن امتلا بهم قلبه الكبير .  كان شديد الكرم باذخه تجاه الناس؛ قاصيهم ودانيهم. دعاني عدة مرات لزيارة امريكا؛ وكان يدعوني لأن ازوره وامكث معه شهرين تلاتة .. كنت دائما اضحك متعجبا من هذه الدعوة الغريبة ؛ فالناس يدعوك لزيارتهم اسبوع  أو اسبوعين وهو يدعوك لشهرين وثلاثة . كنت اقول له نعم في القريب؛ ولو كنت اعلم برحيله القريب لطرت اليه على جناح الريح  أو على خيوط البرق؛ ولو كان هناك من اقنعني بزيارة امريكا لكان متوكل الحسين؛ فعذرا امريكا لا لقاء لي معك بعد ان رحل اجمل من كان بك.

    كان يحب الناس كلهم ؛ وكان محور فكره الانسان بما هو انسان. واذا جاء في الحديث القدسي ان الارض والسماء لم تسع الرب ووسعه قلب عبده المؤمن ؛ فأن متوكل حسين قد اثبت ان الارض قد تضيق بساكنيها؛ ولكن لا يضيق عنهم قلبه. لم يكن من الغريب ان احبّه الاستاذ وكان – بشهادة الكثيرين – من أقرب تلاميذه الى قلبه. كيف لا وهو  بذلك القلب الكبير والعقل الكبير؟ كان يتحدث عن الاستاذ بكثير من الحب ولا يمل الحديث عنه ويجعلك تحبه رغم انك لم تراه. الآن افهم سر تعلق الجمهوريين بالاستاذ محمود؛ فمن كان متوكل تلميذه ومن ربى متوكل على اخلاقه فلا بد ان يكون من الافذاذ ومن الكاملين.

    انضم متوكل الى الحزب الليبرالي وما كان بحاجة الى ذلك؛ وانما كنا نحن بحاجة اليه. واؤقن انه تكرم علينا بالانضمام الينا. نفذ بعضا من المهام الحزبية بالتزام وجدية؛ ولكنه لم يكن من نمط الناشط الحركي وانما من نمط ذلك المثقف  الكوني الذي تحدث عنه هادي العلوي. كنت اعيب عليه قلة الكتابة؛ مع ما توفر عليه من المعارف. كان يمليني مرات فأكتب له وعنه؛ في مخاطبات مع زملاء او في كتابة عامة او في حوار؛ وكنت اجد في ذلك متعة ما بعدها متعة.

    كان قلب متوكل متعلق بالسودان واهل السودان: رغب من كل قلبه في خيرهم  وتضامن معهم في كل مآسيهم وكان قلبه يتمزق لكل جريمة وضنك وشر يتعرض له سوداني او سودانية. وكان شجاعا في قول رأيه حول الحلول؛ فقد كان يرى حل قضايا السودان في العلمانية الواضحة لا مراء فيها؛ وكان هذا طرحا شجاعا من جمهوري. أسسنا مجموعة “السودان العلماني” على شبكة  التواصل العالمية؛ ولكننا لم نثابر عليها بسبب المشاغل المتعددة؛ لكن رسالتك يا متوكل في القلب؛ وان نتركها يا حبيبي حتى ندخل الجب.

    كان متوكل جمهوريا مخلصا ومحبا عظيما للاستاذ محمود وتراثه ولكني احسبه قد تجاوز في فكره الثاقب حدود الدين التقليدي بما فيه من مدارس ومذاهب ولاهوت وبهموت ؛ الى حدود تنتهي فيها الفروق بين الناسوت والملكوت .. احسبه وصل الى مرحلة ابن العربي الذي قال : لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني – و قد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان و دير لرهبان – و بيت لأوثان و كعبة طائف و ألواح توراة و مصحف قرآن- أدين بدين الحب أنـّى توجهت ركائبه فالحب ديني و إيماني

    تعلمت من متوكل كثيرا فقد كان ذو نظر ثاقب وعقل نافذ. كان رغم وضوح اطروحاته رفيقا بالبشر ؛ وكم كم انبني وعاتبني وترجاني ان ارفق بالناس وبنفسي وان اهجر الرجز ؛ وكنت امانع واعاند فكان يرفق بي ويخفف من غلوائي؛ ضمن رفقه بكل الاحياء والاشياء .

    عاش متوكل متفردا متجردا؛ وكان فعلا نموذج الانسان الحر . مر على الدنيا كطائر؛ لم ياخذ منها الا بمقدار نقرة حبة ورشفة ماء ؛ ثم رحل عنها وهو في اوج جماله؛  ولكنه ترك فيها الكثير رغم عمره القصير. ترك حبا لو وزع على اهل الارض لكفاهم؛ وترك فكرا يا ليت لو كان هناك من سجّله وحفظه  للأجيال من بعده. ترك قلبا اخضر لا يفوت؛ وترك ذكرى دائمة  لا تموت . ترك متوكل شجيً في الروح وجرحاً بالقلب  ودمعة في العين وغصة في الحلق؛ وحسرة انه قد  ذهب عنا  مبكرا جدا ؛ قبل ان نرتوي منه. ترك لنا شوقاً عامراً اليه حتى نلحق به . ترك لنا حلم الانتصار على موت وضآلة  الجسد بخلود الروح العظيم .

    عادل عبد العاطي
    21/9/2012

  • ماركس وإنجلز : ممثلان للمركزية الاوروبية ام الشوفينية الألمانية ؟

     مقدمة:

    كتب الاستاذ عماد عيدروس مقالا قصيرا بعنوان ((ماركس ومركزية العقل الأوروبي)) نشره في صفحته بالفيسبوك وقد دار حوله نقاش واسع ساهمت فيه بقسط قليل، زعمت فيه ان ماركس (وانجلز) لم يكونا فقط يمثلان المركزية الاوروبية في طرحهما الفكري والسياسي؛  وانما كانا ينطلقان من مواقع التعصب القومي الالماني (الشوفينية) في تعاملهما مع كثير من شعوب العالم وخصوصا السلاف ؛ وانهما قد دافعا عن الاستعمار وزعما بوجود دور ثوري له؛ في مواجهة ما اسمياه بالاستبداد الشرقي . بل  مارس ماركس الدفاع عن العبودية والاسترقاق بدعوى اهميتهما الاقتصادية.

    اليوم اضيف ان ماركس وانجلز كانا ينطلقان ايضا من نظرة عنصرية مبطنة تجاه الاثنيات السوداء وان عنصريتهما تجاه اليهود والسود قد طفحت في الكثير من مواقفهما وخصوصا في رسائلهما ولم ينج منها  حتى اقرب الناس لهما . واعتبر انهما  في المحصلة كانا يعبران ليس فقط عن العقل المركزي الاووربي؛ وانما عن التعصب القومي الألماني  في ابشع تجلياته .

    للأسف راجعت اليوم صفحة الاستاذ عيدروس فلم اجدها ولم اجد المقال المذكور ؛ فقررت فتح هذا البوست والاتيان بمقاطع مطولة من ماركس وانجلز تثبت وجهة نظري؛ وهي نفس وجهة النظر التي أشار اليها المفكر ادوارد سعيد في كتابه عن “الاستشراق”؛ رغم انه اعتمد على مقاطع قليلة جدا من ماركس في نقده للعقلية الاستشراقية للرجل، و خصوصا دفاعه  (أي ماركس) عن الاستعمار ؛ وان لم بتعرض سعيد لشوفينية وعنصرية ماركس لأنها كانت خارج مجال بحثه .

    ماركس وانجلز والمركزية الغربية :

    انطلق ماركس وانجلز من مركزية غربية ترى ان اوروبا هي مركز الكون وان عصر التنوير هو بداية التاريخ وان الراسمالية هي النظام الاكثر تطورا ولن يعقبه نظام اكثر تطورا منه الا الشيوعية. وبما ان الراسمالية قد تطورت في الغرب فالشيوعية ستتم أيضا ً في الغرب ولذلك فإن الغرب هو مركز الكون ومحور مستقبله. ان القارئ للبيان الشيوعي ولكتاب رأس المال يجد هذا المفهوم منثورا على كل صفحاتهما. ورغم ان الرجلان ينطلقان من نقد عنيف للراسمالية الا انه لا يمكن تجاهل وجود اعجاب مضمر لهما بها ؛ وبما أسمياه بدورها الثوري والتدميري للبنى القديمة. وقد سألني الصديق قصي مجدي سليم هل كان ماركس يقف مع البرجوازية  أم مع البروليتاريا؛ فقلت له ان ماركس وفقا لكلماته نفسها  يناصر البرجوازية ضد الاقطاع وضد ما يسميه الاستبداد الشرقي ثم يناصر ما يسميه بالبروليتاريا ضد البرجوازية ، انظر لقوله في البيان الشيوعي الفصل الاخير (وفي ألمانيا يُناضل الحزب الشيوعي مع البرجوازية كلما قاومت البرجوازية مقاومة ثورية، النظام الملكي المطلق، والملكية العقارية الإقطاعية، والبرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق.)

    https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1848-cm/04.htm

    واذا كان ماركس وانجلز وفقا لنظريتهما الجبرية عن التاريخ ووفقا لتحليلهما عن المراحل الخمسة لتطور البشرية ( المشاعية ؛ الرق؛ الاقطاع؛ الراسمالية ؛ الشيوعية) قد اعلنا نهاية التاريخ؛ وبما ان الراسمالية تطورت في الغرب وبذلك ستقوم الشيوعية فيه؛ فما من العالم الباقي الا الاتباع والخضوع.  وحقيقة لم يجهد ماركس وانجاز نفسهما ببناء اي علاقات سياسية او تنظيمية مع عالم الجنوب ؛ حيث انهما اكتفيا هناك بدعم ومدح الاستعمار الذي يحطم البنى القديمة والاستبداد الشرقي لصالح الراسمالية ؛ حيث سيتم دمج الشرق المٌستعمر كله في الغرب الراسمالي ثم الشيوعي الذي ستقوده الطبقة العاملة التي يقودها الحزب الشيوعي الذي يقوده ماركس؛ فما حاجة ماركس اذن بقضايا ونضالات الشرق وهو يملك مستقبل الغرب؟

    في هذا يقول الأستاذ عيدروس:

    (( ماركس ، ورغم إجلالي له ولمنهجه الماركسي والذي إتخذه كوسيلة أساسية لتحليل الظواهر الإجتماعية الإقتصادية،إلا أن وعيه كان للأسف ممركزاً حول الوعي الأوروبي وعقلية الرجل الأبيض، فلم ير من الإحتلال الأوروبي لشعوب العالم المضطهدة ، لم ير من الإستعمار بكل بشاعته وقمعه إلا رؤية الرجل الأبيض البرجوازي الفائق القوة والحضارة وهو ينشر التمدن وعلاقات الإنتاج الرأسمالية.في إعتقادي هذه الرؤية وهذا التحليل خاطئ تماماً، الإستعمار لا ينشر التنوير، ولا ينشر علاقات الإنتاج الرأسمالية في البلد المحتل، بل يركب هذه العلاقات الرأسمالية (كأداة نهب) في قمة العلاقات القديمة، علاقات ما قبل الرأسمال الإقطاعية القبلية.وبهذا لا تنشر البرجوازية الأوروبية المستعمرة التحضر والتنوير، ولا تنشر علاقات الإنتاج الرأسمالية،بل تزرع في المجتمعات المحتلة ما يعوقها عن التقدم والتطور حتى بعد ذهاب المستعمر (كما حصل عندنا في السودان).))

    https://www.facebook.com/notes/imadeldin-ahmed-aidaroos/ماركس-ومركزية-العقل-الأوروبي/10155187224035274?comment_id=10155224238525274&notif_t=like

    متلازمة البربرية والحضارة وتبرير الاستعمار :

    هناك كلمتان تتكرران في كتابات ماركس وانجلز  اكثر من كلمة الشيوعية او الطبقة العاملة نفسها؛ وهي كلمة البربرية ؛ والتي يلصقها كل من ماركس وانجلز بالشعوب الشرقية وحكوماتها ؛ ثم كلمة الحضارة التي يلصقاها  عموما بالغرب وخصوصا بالمانيا ؛ رغم ان المانيا القرن التاسع عشر لم تكن الدولة الاكثر تطورا بل كانت كل من انجلترا وفرنسا تسبقاها حضاريا. ان ماركس وانجلز كما نزعم لم يكونا مجرد منفعلين بمنطق عصرهما كما يقال . فقد تجاوز كل من هاينة وشيلر وهما سابقان على ماركس وانجلز  الشوفينية الالمانية ولم يتجاوزها  القائدان الشيوعيان. كما ان جوته وهو ايضا سابق لماركس قد رفض تماما متلازمة ربط البربرية بالشرق؛ بل رأي التاريخ المشرق للشرق وحاول مزاوجة تراث الشرق والغرب كما تبدى في عمله “الديوان الغربي والشرقي” – اذن لا يصح القول ان ماركس وانجلز كانا يعبران عن عصرهما اذ استمرآ المنهج الاستشرافي المتعالي، بل كانا يعبران عن مركزيتهما الاوروبية وشوفينتهما الالمانية .

    ادت هذه النظرة الخاطئة والتقسيم الاعتباطي للشعوب لبريرية وحضارية الى تبرير وحشية الاستعمار والى تبرير الممارسة الاستعمارية نفسها؛ فقد كتب ماركس مثلا  في خاتمة مقاله عن ” الحكم البريطاني في الهند” يبرر ليس فقط الاستعمار بل الفظائع والجرائم البريطانية في الهند قائلا :

    (( انجلترا، هذا صحيح، قد تسببت في ثورة اجتماعية في هندوستان، وقد دفعتها في ذلك فقط  مصالح شنيعة ؛ وكان تنفيذها (لهذه الثورة ) غبيا . ولكن ليس هذا هو السؤال. السؤال هو: هل يمكن للبشرية الوفاء بمصيرها بدون ثورة أساسية في الوضع  الاجتماعي لآسيا؟ إن كانت الاجابة بلا ؛ فأنه ، مهما كانت جرائم انجلترا  فقد كانت هي  الأداة اللاواعية للتاريخ  في إحداث تلك الثورة.))

    ويمضي قائلا :

    (( لذا، مهما كانت مرارة مشهد انهيار للعالم القديم لمشاعرنا الشخصية، لدينا الحق في هذه النقطة من التاريخ، لنهتف مع غوته: ” هل يجب ان يعذبنا هذا العذاب ؛ اذ هو يجلب كل هذه المتعة الضخمة ؟ ألم يكن خلال حكم تيمور ؛ أن الارواح افترست دون حساب ؟ )) 

    https://www.marxists.org/archive/marx/works/1853/06/25.htm

    ان اللغة الادبية لا تخفي هنا تبرير جرائم الاستعمار؛ ودموع التماسيح لا تخفي المركزية الاوربية ولا الزعم بالدور الحضاري للاستعمار. ولكن فلنذهب اكثر ؛ فانجلز يدافع ايضا عن احتلال الجزائر ويعتبر ذلك من التقدم أيضا. في مقاله لصحيفة ” مورننغ استار” والتي تحولت فيما بعد الى صحيفة الحزب الشيوعي البريطاني ؛ يكتب التالي :

    (( على العموم فأنه في رأينا ؛  انه من الجيد جدا ان الزعيم العربي قد اُسر . لقد كان نضال البدو ميئوسا منه. ورغما عن عن ان الطريقة التي أدار بها الجنود العنيفون مثل بيغو   الحرب ملومة جدا ؛ الا ان احتلال الجزائر هو حقيقة مهمة وجيدة جدا لتقدم الحضارة )) .

    ان الزعيم العربي المقصود هو الأمير عبد القادر الجزائري! .  وفي نفس المقال يمضي ليقول إن قرصنة الدول “البربرية” ما كانت لتنتهي الا بالاحتلال ؛ وان احتلال الجزائر قد ارغم بيهات تونس وليبيا والمغرب على سلوك الحضارة ؛ ويقول انه مع ابداء الاسف على فقدان حرية البدو ؛ الا انهم كانوا مجرد لصوص مغتصبين بربريين. ويخلص انجلز  الى أنه:

    ((بعد كل حساب ؛ فإن  البرجوازي المعاصر ؛ مع الحضارة والصناعة والنظام والانوار التي يحملها على كل حال؛ هو أفضل من الوالي الاقطاعي واللص قاطع الطريق؛ ومن الطور الهمجي في المجتمع الذي ينتميان اليه ))

    . اي بصريح العبارة : أهل الجزائر والدول البربرية ؛  يستحقون ان يتم احتلالهم؛ حتى لو تم قتلهم ؛ لكيما تتقدم الحضارة.

    https://www.marxists.org/archive/marx/410.htm

    ماركس وانجلز واضحان جدا : هما يعترفان بالجرائم والانتهاكات الفظيعة للاستعمار؛ بل يمكن ان ينتقداها ويلوماها؛  كما ينتقدان الجلادين الاستعماريين على عنفهم المفرط وعلى اخطاء التطبيق؛ ولكنهم واضحان تماما انهم يقفان مع احتلال شعوب الشرق “البربرية” من طرف الدول الاستعمارية “المتحضرة” البيضاء . وفي كل ذلك يزعمان ان هذا هو منطق التاريخ؛ وتقدم الحضارة؛ وانها الثورة الاجتماعية في آسيا؛ وغيرها من الترهات. 

    أما عن احتلال ولايات واسعة من المكسيك من طرف الولايات المتحدة ؛ بما فيها كاليفورنيا؛ فإن انجلز يبتهج لذلك –  كيف لا والمكسيك بلد خلاسي “بربري” والولايات المتحدة حضارية بيضاء ؟ انظر اليه يقول في مقال لصحيفة “Deutsche-Bruesseler-Zeitung” عن الامر :

    (( في امريكا شهدنا احتلال المكسيك ولقد  ابتهجنا لذلك. بل انه تقدم حين نرى بلدا كان مشغولا حصرا بقضاياه الخاصة ؛ مجمد على الدوام بالحرب الاهلية ؛ ومعاق جدا في تطوره؛ البلد الذي كانت افضل احتمالاته ان يخضع صناعيا لبريطانيا ؛ عندما يوجه قسريا الى العملية التاريخية. انه من مصلحة تطور المكسيك ان  يتم وضعه في المستقبل تحت وصاية الولايات المتحدة. ان تطور كل امريكا سيستفيد من حقيقة ان امتلاك الولايات المتحدة لكاليفورنيا؛ سيعطيها القيادة في المحيط الهادي)) 

    https://www.marxists.org/archive/marx/410.htm

    ان ماركس وانجلز هنا يدافعان عن احتلال الامم المتحضرة في ذهنهما؛ والبيضاء ؛ للامم الشرقية والجنوبية. ففي الهند يدافع ماركس عن احتلال بريطانيا لها باعتبارها ثورة اجتماعية ؛ وفي الجزائر يدافع انجلز عن احتلالها باعتبار ان هذا يخدم تقدم الحضارة ؛ وفي المكسيك بدافعان عن احتلال امريكا لنصف البلاد ويقترحان وضع ذلك البلد  تحت الوصاية لمصلحته الخاصة . ويمكنني هنا ان اأتي بالامثلة بدون حساب.

    ماركس وانجلز والعداء للسلافية والسلافيين : 

    لقد خاضت المانيا معارك تاريخية في عدة اتجاهات : كان الاتجاه الشرقي واحدا منها وكان ضد الشعوب السلافية ؛ وكانت لالمانيا حروب تاريخية مع السلافيين – البولون اولا ثم الروس الخ – وفي حربين عالميتين حاربت المانيا ضد السلاف في الجبهة الشرقية. كما ان الامبراطورية النمساوية – المجرية كانت دولة خليطة يسكن فيها الناطقون بالالمانية مع المجريين مع السلافيين الخ؛ وكانت ممزقة بين ولائاتها المختلفة ؛ وكان تطور المانيا وتوسعها  مرهونا بهزيمتها للسلاف او انسحابها لصالحهم .

    ورغم ان المانيا قد حاربت ضد خصمها التاريخي ؛ فرنسا؛ ورغم انها خاضت حروبا توسعية واستعمارية وتنافسية ضد الدول الاسكندنافية ؛ الا انه لم يبرز في ادبها السياسي كره عنصري تجاه تلك الشعوب؛ بينما ظهر في ادبها احتقار عنصري وتحريض عنصري تجاه الشعوب السلافية التي اعتبرها العنصريون الالمان اقل حضارة من الالمان وشعوبا بربرية ؛ بل وصل الحال الى ان يسميهم هتلر رسميا في ايدلوجيته ( التي يقول الكثيرون ان الماركسية هي احد جذورها) بانهم عرقيا دون البشر “Untermensch” .

    في هذا الصراع التاريخي اندرج ماركس وانجلز؛ وخصوصا ان المانيا على عهد صباهما وشبابهما وكهولتهما ؛ وحتى عام 1870 ؛ كانت مقسمة الى امارات متعددة ولم تكمل توحدها القومي؛ الامر الذي كان مستفزا وجارحا للكثير من المفكرين والناشطين الالمان. كما كانت بعض اجزائها محتلة او متنازع عليها مع فرنسا؛ مثل اقليم الالزاس واللورين. وكان هناك العديد من الناطقين بالالمانية موزعين في عدد من دول اوروبا الاخرى ( خارج الامارات الالمانية وخارج الامبراطورية النمساوية المجرية والتي كانت دولة يسيطر عليها الناطقون بالالمانية ) . وكان كثير من المان الدياسبورا هؤلاء يقيمون في وسط دول او مجتمعات سلافية ؛ كالمان مدينة  غدانسك او المان منطقة فارميا ومازوي في بولندا (بروسيا الشرقية ) او المان مناطق ليفونيا كورلنديا وسيميغاليا (في دول البلطيق الحالية ) او المان نهر الدون في روسيا. 

    ورغم ان ماركس وانجلز يكرهان السلاف عموما والروس خصوصا ويعتبراهما برابرة – مثلا في مقاله عن جيوش اوروبا يتحدث انجلز هكذا عن الروس:

    (( ولكن حتى الوقت الحالي ؛ فان الروس من جميع الطبقات؛ هم في الاصل برابرة جدا ليجدوا اي متعة في المساهمة العلمية أو الفكرية من أي نوع ؛ عدا المؤامرات)) 

    http://ciml.250x.com/archive/marx_engels/english/engels_1855_the_armies_of_europe.html 

     فإن هذا لم يمنعهما من رؤية رسالة حضارية للروس في تمدين اسيا – عبر الاحتلال والاخضاع – . فالروس البرابرة  السلاف الأقل من الالمان؛ يظلون أفضل وأرقى من الاسيويين؛ وانجلز يضع لهم وظيفة جديدة هي تنفيذ مهمة حضارية في آسيا ولكن بالتعاون والتبادل مع الغرب. في ذلك يقول انجلز بعد سنوات وبعد صعود نجم روسيا في رسالة الى Nadejde في عام 1888 :

    ((وأخيرا، فإن الأمة النبيلة لروسيا العظمى، اذ لم تعد تشارك في متابعة الفتح الوهمي لصالح القيصرية، سوف تكون حرة في تنفيذ المهمة الحضارية الحقيقية في آسيا : وتطوير مواردها الفكرية الواسعة في التبادل مع الغرب، بدلا من اهدار أفضل دمائها على منصات الاعدام أو في سراديب التعذيب “كاتورغا”)) 

    هذا التغير في التكتيك تجاه روسيا ؛ بل وفي الموقف من القوميات السلافية الجنوبية؛ فرضته ظروف النهضة السياسية في تلك البلاد وبداية بروز تيار تابع لماركس وانجلز هناك. ولكن الموقف الرئيسي في صراع البربرية والحضارة لم يتغير : فروسيا التي وصفت من قبل بأنها بربرية اصبحت لها مهمة تحضير اسيا ( الأكثر بريرية) بالتعاون مع الغرب؛ أو قل تحديدا مع المانيا. فماركس وانجلز عندما يتحدثون عن الغرب يقصدون وطنهم القومي المانيا – كما سنوضح لاحقا. 

    انجلز وماركس والرغبة في تصفية الشعوب “المتأخرة”:

     في ضمن متلازمة البربرية والحضارة؛ يصف ماركس وانجلز عدد من الشعوب انها بربرية او رجعية او متأخرة. ما مصير هذه الشعوب في فلسفة الرجلين ؟؟

    ان الشعوب المتأخرة والرجعية (وقد نسى الرجلان تماما الصراع الطبقي الذي يقسم البشر الى طبقات وليس شعوبا) لا تستحق الحياة بالنسبة لانجلز. ففي مقال بعدد يناير – فبراير 1848 من صحيفة ‘Neue Rheinische Zeitung التي كان ماركس يرأس تحريرها كتب انجلز التالي:

    (( بين جميع القوميات والشعوب التابعة للنمسا ( يقصد الامبراطورية النمساوية المجرية) فقط ثلاثة من الشعوب هم حاملي لواء التقدم ولهم القدرة على الحياة : الالمان والبولون والمجريون . وبالتالي هم الان ثوريون. جميع القوميات والشعوب الاخرى مصيرها ان تُمحي في المحرقة الثورية العالمية))

     . ويمضي انجلز ليصف هذه الشعوب بأنها قمامة انسانية ؛ حيث يقول في نفس المقال:

    (( إن بقايا الشعوب والذين كما قال هيجل  ؛ قمعوا وسجنوا  على مدار التاريخ؛ هذه القمامة الانسانية ؛ يصبحون في كل مرة؛ ناقلون متعصبون للثورة المضادة . وسيظلون هكذا حتى يتم طمس كامل او فقدان لهويتهم القومية . ان وجودهم كله ؛ هو في حد ذاته؛ احتجاج على ثورة تاريخية كبيرة )) . 

    ولكي لا يترك انجلز مجالا للشكوك عمن يتحدث؛  يشرح إن المقصودين هم السلاف الجنوبيين ويصفهم مرة اخرى بالقمامة ؛ فيقول:

    (( مثل هؤلاء في النمسا هم عموم السلافيين من  السلاف الجنوبييين؛ والذين لا يعدون شيئا غير انهم قمامة بشرية للشعوب؛  ؛ ناتجين عن الف سنة من التطور المشوه بتطرف)) –

    ما العمل اذن مع هذه القمامة الانسانية والتي مجرد واقع وجودها يعطل الثورة؛ والمشوهة عبر الف سنة من التطور ؛ والذين لم تطمس هويتهم القومية بالكامل ؟؟ ان مصيرهم هو التصفية والاختفاء من وجه الأرض. يقول انجلز:

    (( إن الحرب العالمية القادمة ستؤدي إلى الاختفاء من على وجه الأرض ليس فقط  للطبقات الرجعية والعوائل الحاكمة، ولكن أيضا للشعوب الرجعية بأكملها. وهذا، أيضا، هو تقدم.))

    هذه دعاية كاملة للمحرقة او الهولوكاست الذي مارسه هتلر من بعد؛ ونحن نعرف ان هتلر كان يكره السلاف واليهود والزنوج . وسنجد ان ماركس وانجلز كانا يكرهان اغلب السلاف واليهود والزنوج . كما ان هتلر اسمى حزبه ( حزب العمال الاشتراكي القومي الالماني) وكان الحزب الذي رعاه ماركس وانجلز هو (حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الالماني) .هذا  غير اوجه الشبه الاخرى العديدة .

    ولكي يكون انجلز واضحا في طرحه عمن سيقوم بعملية التصفية والاخفاء عن وجه الارض ؛ فهو يجدد القائمين على هذه العملية أي الألمان . في مقام اخر يتحدث عن مواجهة هذه الشعوب بالارهاب ويضيف اليها روسيا.

    أن روسيا فقد كانت دائما عدوا لماركس وانجلز ؛ وكانا يحرضان عليهما البولون والمجريون – وكان موقفهما من روسيا دائما منطلقا من الصراع التاريخي البروسي (الالماني) – الروسي. عموما يشرح انجلز كيف يمكن تصفية هذه  ” الشعوب المضادة للثورة ”  كالتالي:

    (( في مواجهة العبارات العاطفية عن الأخوة التي يجري تقديمها  هنا نيابة عن الشعوب  المضادة للثورة من أوروبا، نقوم بالرد أن كراهية الروس كانت وما زالت هي  العاطفة الثورية الأولية بين الألمان.  وبعد الثورة (يقصد ثورة 1848)  تمت إضافة الكراهية للتشيك والكروات، وأنه فقط من خلال الاستخدام الأكثر تصميما للإرهاب ضد هذه الشعوب السلافية يمكننا، بالاشتراك مع البولنديين والمجريين، حماية الثورة. ثم سيكون هناك صراع، وهو “بلا هوادة صراع حياة أو موت” ضد أولئك السلاف الذين يخونون الثورة. معركة ماحقة وبارهاب اكثر عزما – ليس في مصلحة ألمانيا، ولكن في مصلحة  الثورة!))

    انجلز ينتبه في الجملة الاخيرة لنفسه ويحاول ان يبرر ؛ وكما يقال الحرامي في راسو ريشة.

    ماركس وانجلز والتبرير للعبودية والاسترقاق:

    ان ماركس ؛ في نظرته الجبرية الميكانيكية لتطور المجتمعات والشعوب ؛ وهي النظرة التي اثبتت فشلها تماما؛ فالشيوعية لم تقم في اكثر الدول الراسمالية تقدما؛ بل قامت في اكثرها تخلفا؛ والشعوب السلافية الصغيرة لم تنقرض؛ رغم محاولات مواطنهما هتلر في ذلك؛ والطبقة العاملة او البروليتاريا لم تصبح اغلبية المجتمع ؛ بل الطبقة الوسطى هي التي سادت في الغرب؛ الخ الخ ؛ نقول انه في نظرته الجبرية مستعد لتبرير اكبر الجرائم في التاريخ؛ ومن ذلك الرق والعبودية.

    وحتى نكون واضحين فان ماركس وانجلز معه  لا يتحدثان عن ذلك الطور العبودي الاول في ماضي البشرية ؛ والذين صنفه الرجلان بعد المشاعية الاولى . لا .. الرجلان يتحدثان عن العبودية والاسترقاق المعاصران لهما ؛ وماركس يبدو واضحا وصارما في هذا ؛ فهو يقول في رسالة الى بافل انينكوف:

    ((أما بالنسبة العبودية، فليست هناك حاجة لي أن أتكلم من جوانبها السيئة. الشيء الوحيد الذي يتطلب التفسير هو الجانب الجيد من العبودية. وأنا لا أقصد العبودية غير المباشرة ، عبودية البروليتاريا. أعني العبودية المباشرة :  عبودية السود في سورينام، في البرازيل، في المناطق الجنوبية من أمريكا الشمالية. الاستعباد المباشر هو  المحور الذي تدور حوله الصناعة المعاصرة وكذلك الآلات والائتمان، الخ الرق بالتالي هو  وضع (تصنيف) اقتصادي ذو  أهمية قصوى))

    https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1847/poverty-philosophy/ch02.htm#s4

    ان ماركس هنا يرى جانيا “جيدا” من العبودية ؛ وهو يراه “ذو اهمية قصوى ” ؛ كما يرى ان العبودية هي محور الصناعة الحديثة . قد يزعم زاعم من اتباع ماركس الجهلة والعمى والصم عن الحقيقة  ان الرجل يقول هنا حكما مجردا علميا لا حكم قيمة ؛ والحق انه بهذا الحكم “المجرد” فقد برر ماركس تاريخا طويلا من الدم والألم والدموع وانتزاع الناس من ثقافاتهم واوطانهم لتحويلهم عبيدا يسترقون ويباعون كما تباع الاشياء. وفقا لاطروحة ماركس هذه؛ كانت ثورة سبارتاكوس ثورة رجعية ؛ اذ كيف يتمرد على وضع هو محور الاقتصاد وذو اهمية اقتصادية قصوى ؟ ولنتذكر دائما إن ماركس يرى الاقتصاد كالقوة المحركة للتاريخ. فليذبح الناس اذن وليتحولوا الى عبيد من اجل دوران الصناعة في الولايات الجنوبية وفي البرازيل وسورينام.

    ان ماركس لا يكتفي بهذا ؛ حيث نجده يتحدث بنفس العبارات في رده على كتاب برودون ” فلسفة البؤس” ؛ حيث رد عليه ماركس بكتاب اسماه ” بؤس الفلسفة ” وفيه يرد على دعوات برودون الحارة بتحرير العبيد في الولايات المتحدة بالتالي :

    ((دون العبودية، فإن أمريكا الشمالية، الدولة الأكثر تقدمية من البلدان، من شأنها أن تتحول إلى بلد بطريركي (أبوي) . أمحو أمريكا الشمالية من خريطة العالم، وسيكون لديك الفوضى :  الاضمحلال الكامل للتجارة الحديثة  والحضارة. إلغي  الرق وسيكون لديك محو لأمريكا من على خارطة الدول.))

    ماركس هنا يقول انه بدون رق ليس هناك امريكا وبدون امريكا ليس هناك حضارة وانما فوضى .. الغي الرق وستحصل على الفوضى والاضمحلال الكامل للحضارة !!! 

    https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1847-pv/03-1.htm#4

    ولقد توقعت ان يأتي أحد اتباع ماركس ليزعم ان الكلام ليس كلام ماركس وانما كلام برودون – للاسف هذه حجة ضعيفة – رغم الصيغة السيئة جدا لكتابة الكتاب . لأن انجلز قد علق على مقولة ماركس الأخيرة عن ان امريكا لا تكون بدون عبودية و العالم لا يكون دون عبودية بالقول:

    ((هذا كان صحيحا بشكل كامل لعام 1847 . في ذلك الوقت فان تجارة الولايات المتحدة العالمية قد كانت مقتصرة بصورة رئيسية على استيراد المهاجرين والمواد الصناعية ؛ وعلى تصدير القطن والتبغ ؛ اي بمعنى آخر ؛ منتجات قوة عمل العبيد الجنوبية . الولايات الشمالية كانت تنتج رئيسيا الذرة الشامية واللحوم لولايات الاسترقاق . انه فقط حينما بدأ الشمال في انتاج الذرة الشامية واللحوم للتصدير وعندما اصبح ايضا بلدا صناعيا؛ وعندما اصبح على احتكار القطن الامريكي ان يواجه منافسة قوية ؛ في الهند وومصر والبرازيل الخ ؛ فان الغاء العبودية أصبح ممكنا. وحتى وقتها فإن هذا قد قاد لتهدم الجنوب ؛ الذي لم يفلح في استبدال العبودية المفتوحة (المعلنة ) للزنوج بالعبودية المُقنّعة للحمالين الهود والصينيين . ف. أ))

    المرجع: https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1847/poverty-philosophy/ch02.htm#1

    https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1847-pv/03-1.htm#01

    تعليق انجلز كتبه للطبعة الالمانية لكتاب  “فلسفة الؤس ” لماركس لعام 1885 ؛ اي بعد حوالي 40 عاما من كتابة   لماركس ل”بؤس الفلسفة” ؛ وهو يشير فيه الى مقولة ماركس التالية تحديدا :

    ((دون العبودية، فإن أمريكا الشمالية، الدولة الأكثر تقدمية من البلدان، من شأنها أن تتحول إلى بلد بطريركي (أبوي) . أمحو أمريكا الشمالية من خريطة العالم، وسيكون لديك الفوضى :  الاضمحلال الكامل للتجارة الحديثة  والحضارة. إلغي  الرق وسيكون لديك محو لأمريكا من على خارطة الدول.)) 

    ارجو مراجعة علامة الاشارة * في المرجع المرفق؛ فعلام يدل هذا ؟

    يدل هذا على ان تلك المقولات المؤيدة للعبودية هي لماركس وليست لبرودون . لأن  انجلز يقول إن هذا التحليل  كان صحيحا عام 1847 . فهل يقصد تثبيت صحة مقولة برودون ام مقولة ماركس ؟ما مصلحة انجلز في تثبيت صحة مقولة برودون اذا كانا هو وماركس يعتبرانها خاطئة ؟؟

    إن انجلز كان شارح ماركس وكان كثيرا ما يأتي بتعليقات تشرح ما يقصده ماركس او يوسعه او يطوره ؛ بل لقد كتب عدداً من الكتب في شرح افكار ماركس وفي التعليق علىها الخ بل كانت لهما كتب عديدة مشتركة من بينها الايدلوجية الالمانية والبيان الشيوعي الخ ويكاد كتاب راس المال ان يكون كتابا مشتركا لهما ..

    انجلز لم ينف صحة المقولة وانما قال انها كانت صحيحة بشكل كامل ( perfectly correct ) فهل كان يؤكد كلام ماركس ام كلام برودون ؟ وهل انجلز معاصر ماركس وصديقه ورفيقه لم يكن يعرف ان الكلام كلام برودون حتى يصححه ويؤكده في زمنه ؟؟ ام هو يعلم تماما انها كلمات ماركس واقواله؟

    تعليق انجلز نفسه يوضح موافقته هو نفسه على العبودية ؛ باعتبارها ضرورة اقتصادية . إذ يقول انه فقط عندما انتفت ظروف العبودية اصبح الغائها ممكنا – اي أنه لم يكن ممكنا إلفائها في عام 1847 حين كان كلام ماركس (صحيحا بصورة كاملة) . مع ذلك وحتى بعد 40 عاما فان انجلز يقول ان الغاء العبودية قد ادى لتهدم الجنوب . ان انجلز في تحسره على “تهدم” او انهيار الجنوب العبودي انما يسير في نفس خط ماركس الذي يرفض الغاء العبودية حتى لا تُمحي امريكا من خارطة العالم.

    ان ملاحظة انجلز الواضحة والصريحة والعارية توضح ليس فقط موافقته على كلام ماركس وتأكيد صحته؛ وانما توضح اتفاقه التام مع ماركس وتبنيه لاقواله بعد حوالي 40 عاما؛ مما يوضح ان موقفهما في تبرير العبودية كضرورة اقتصادية هو موقف ثابت لهما لم يتغير حتى بعد ان اصبح انجلز هرما وبعد وفاة ماركس نفسه.

    ماركس وانجلز : العنصرية وعلاقات العرق:

    ازعم ان ماركس وانجاز وفقا لمنهجهما المركزي الغربي والالماني الشوفيني قد كانا عنصريان ايضا . والنهج العنصري والذي يركز على علاقات العنصر والدم تيار قديم في الثقافة الالمانية وقد وصل اوجه على يد هتلر وغوبلز اللذان اعتبرا ان الجنس الاري هو الجنس الافضل وان السلاف هم تحت – بشر وان المانيا يجب ان تكون فوق الجميع .

    ماركس وانجلز معروفان بأنهما كانا يريان ان الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية هي محركة التاريخ؛ ولكن القليل من الناس يعرف انهما كانا يريان اهمية كبيرة لعلاقات العرق والعنصر في منهج انثربيولوجي فج. لقد كان الرجلان تلميذان للامارك وقد احتفيا بداروين ونظريته في الانتقاء الطبيعي؛ وكانوا يؤمنان ان الانتقاء الطبيعي يتم ضمن البشر ايضا؛ وان البشر لا ينقسمون الى طبقات متناحرة فقط؛ وانما الى اعراق بعضها متقدم وبعضها متأخر؛ وان المتقدم منها بينه الألمان؛ وقد استخدما كلمة متفوق اي (superior) في وصفهما لما اسمياه بالعنصر او العرق او الجنس الآري اى الألماني- الجرماني .

    يقول ماركس وانجلز في كتاب “الايدلوجية الألمانية ” وهو واحد من كتبهما الاولى وهما  يتحدثان ليس عن الانتخاب الطبيعي وانما عن الانتخاب الصناعي بين الحيوانات والانواع البدائية وكيف يمكن نقله لعالم البشر:

     (( وأن سانشو يمكن أن يلقي في هذا الصدد نظرة سريعة   في علم الحيوان ليكتشف  أن “محدودات الذكاء الفطرية” تشكل الطبقة الأكثر عددا ليس فقط بين الغنم والبقر، ولكن أيضا بين السليلات المخاطية  والنقاعيات، التي ليس لها رؤوس على الإطلاق. وقد  سمع ربما أنه من الممكن تحسين أجناس الحيوانات وخلق انواع جديدة تماما   وأصناف أكثر كمالا على حد سواء للتمتع البشري او للتمتع الذاتي الخاص بينهم –  “لماذا لا” يكون  سانشو قادرا  على رسم الاستنتاج نفسه  فيما يتعلق بالناس كذلك؟ ))

     ويولي انجلز اهتماما كبيرا بقضايا العرق في كتابه ” اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” والذي اجازه ماركس؛ حيث يقول فيه ان الجنس الارياني “متفوق” كما اليهود بسبب من اكلهم للحم واللبن . 

    ويمضي في كتاب “انتي دوهرنج” ليقول انه كما تورث الصفات الفردية فالصفات العرقية الجماعية ايضا تورث ؛ ويقول ان طفل (الماني ؟) في الثامنة يفهم بديهيا في الرياضيات ما لا يمكن ان يفهمه بوشمان او زنجي استرالي بالمثال؛ حيث يكتب:

    (( من ناحية أخرى، فإن العلوم الطبيعية الحديثة وسعت مبدأ أن أصل كل محتوى فكري ينتج من الخبرة – الى الدرجة التي تنهار فيها الحدود والصياغات الميتافيزيقية القديمة . من خلال التعرف على توريث الصفات المكتسبة، نمد هذا الموضوع من خبرة الفرد إلى الجنس.  أن يكون  الفرد الواحد من ذوي الخبرة لم يعد ضروريا، بل يمكن استبدال خبرته الفردية إلى حد معين من نتائج تجارب عدد من أسلافه. إذن، على سبيل المثال، اذ كانت البديهيات الرياضية تبدو  لنا بديهية لكل طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات، وليست  في حاجة إلى دليل من التجربة، فإن هذا هو  فقط نتيجة “الإرث المتراكم.” وسيكون من الصعب أن نعلمها حتى بدليل لرجل الغابة ( البوشمان)  أو الزنجي الاسترالي ))

    ان هذا الرأي حول العوامل العرقية ثابت عند ماركس وانجلز ؛ وهو ممتد في كل كتاباتهما في جميع مراحلها التاريخية .. ففي كتاب “راس المال ” وهو من الكتب الناضجة لماركس الشيخ ( توفي قبل أن يكمله ) يقول ماركس:

    (( ان الامكانية معروضة هنا لتطور اقتصادي ياخد موقعه؛ وفقا ؛ بطبيعة الحال؛ على ظروف مواتية ؛ وكذلك على الصفات العرقية الموروثة الخ ))

    كمان انجلز يؤيده في مقال نشر بالاعمال المختارة لهما حيث يقول:

    (( نحن نعتبر الظروف الاقتصادية هي العامل الذي يحدد في نهاية المطاف التطور التاريخي. ولكن العرق  هو في حد ذاته عاملا اقتصاديا )).

    هذا هو الاطار النظري؛ فما هو المنظور العملي لماركس وانجلز من قضايا العرق ؟؟ انهما ؛ مثل استاذهما هيجل؛ يؤمنان بتفوق اعراق على اخرى ؛ وان صفات الاعراق  تتنتقل بالوراثة ؛ وان هناك اعراق متفوقة على اخرى؛ بسبب من محتويات غذائها؛ وان هناك اعراق وشعوب رجعية ؛ واخرى بربرية ؛ وثالثة هي قمامة بشرية ؛ ورابعة ليس لها مستقبل وليس لها تاريخ ؛ الخ الخ

    الشوفينية الالمانية والتوسعية البروسية :

    لقد تحدثنا عن الظروف التي كانت فيها المانيا في فترة صبا وشباب وكهولة ماركس وانجلز ؛ اي حتى العام 1870 حين اكملت المانيا وحدتها تحت زعامة بروسيا وعلى يد بسمارك. في كل هذا الوقت حاول ماركس وانجلز خلق تنظيم اوربي – وربما عالمي – يخدم خطط اعادة توحيد المانيا وقيادتها لاوروبا وربما العالم.

    ان عصبة الشيوعيين كانت تنظيم الماني في المقام الاول ؛ وكانت فروعها الاجنبية تتكون في الغالب من عمال المان ؛ كما كانت قيادتها في اغلبيتها العظمى من الالمان. اما حينما تكونت جمعية الشغيلة العالمية كتنظيم شيوعي “اممي” فقد سعى ماركس وانجلز دائما لوضعه تحت السيطرة الالمانية ؛ وكانا يمارسان هجوما منقطع النظير على الثوري الفرنسي برودون ؛ كما على الروسي باكونين؛ ومن يدعمها من فروع الاممية وخصوصا اللاتينية والسلافية منها.

    بل لقد اعترف الرجلان ان الصراع مع برودون هو صراع لتخليص منظمة الشغيلة العالمية (ما تسمى بالأممية الأولى ) من القيادة الفرنسية لصالح القيادة الالمانية ومن مفاهيم الشيوعية الفرنسية لمفاهيم الشيوعية الالمانية (سأتي بالنص لاحقا)- اما حينما اكتملت وحدة المانيا وتفكيك الاممية الاولى من طرف ماركس وانجلز حتى لا يسيطر عليها اتباع باكونين وهم الاغلبية ؛ فقد جعل ماركس وانجلز كل همهما لبناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني والذ1ي بدأ العمل تحت تأثيرهما الفكري والسياسي الكاسح .

    اننا نجد في كل كتابات ماركس وانجلز وخصوصا انجلز ؛ رغم الجارغون الشيوعي والثوري والاممي؛ إحتفاء بالجنس الالماني او الجرماني أو الأري ؛ في مقابل تشنيع وحط من شأن الشعوب الأخرى الموصوفة بالبربرية . بما فيهم من افارقة واسيويين ولاتينين؛ ولن نذكر السلاف ولكن ايضا الايرلنديين وأهل اسكندنافيا- فقد كتب انجلز مثلا عن الاسكدنافيين في مقال لصحيفة(Neue Rheinische Zeitung) عدد سبتمبر 1848 :

    (( أن الاسكندنافية هي  الحماس لوحشية ودناءة وقرصنة  الصفات الوطنية للنورس (الشمالي ) القديم؛ وللحياة الداخلية  الموروثة والتي لا يستطيع ان يعبر عن الافكار والمشاعر المندفعة فيها في كلمات؛  ولكن يمكن التعبير عنها  في الأفعال، وتحديدا في الوقاحة تجاه المرأة، والسكر  الدائم والهيجان البري للمقاتلين المهووسين  المتناوب مع العاطفية الدامعة))

    واذا كان هناك احد سيزعم ان هذا نص لانجلز الشاب ؛ فلننظر لهذا النص الذي كتبه عن شعوب جنوب اوروبا بما فيها من سلاف واغريق في شيخوخته اي في عام 1885:

    ((هذه  الشظايا البائسة الخربة  لشعوب المرة – الواحدة : الصرب، البلغار واليونانيين، والعصابات الناهبة الاخرى ؛ الذين  يشعل لهم الليبراليون المتحمسون  شموع متحمسة في مصلحة روسيا، هم غير مستعدين لمنح بعضهم البعض الهواء الذي يتنفسوه، ويشعرون  بالالزام لقطع حلاقيم بعضهم البعض . شعوب البلقان الردئية ))

    لقد تحدثنا اعلاه عن كراهية ماركس وانجلز للسلاف وتوعد الشعوب السلافية بمحرقة حرب عالمية يتم فيهم تدميرهم وتغيبب حتى اسم تلك الشعوب ؛ وان الالمان سوف يقودون تلك الحرب (مع البولنديين والمجريين) ؛ كما تابعنا حديثهم عن المسخ الثقافي الكامل للشعوب السلافية في الامبراطورية النمساوية المجرية ( التي كان  يقودها الناطقون بالالمانية من الاسرة المالكة النمساوية) – ونعرف ان كل هذا مرتبط بالعداء لروسيا؛ عدوة المانيا التقليدية وقتها  – انظر الي انجلز (او ماركس) يقول في العدد 42 من صحيفة “Neue Rheinische Zeitung” التالي :

    (( فقط حرب ضد روسيا ستكون حربا من أجل  ألمانيا الثورية، حرب يمكن ان تطهر بها (المانيا)  نفسها من خطاياها الماضية، حرب تاخذ فيها شجاعتها لهزيمة مستبديها ونشر الحضارة بتضحيات ابنائها الذين سيبصحون شعبا  ينفض عن نفسه سلاسل العبودية  المتبلدة   الطويلة )) 

    هذا كله مرتبط بنزعة توسعية المانية تتحدث عن استرداد الالزاس واللورين (اقليم يتبع لفرنسا كان يسكنه المان) مرة وعن احتلال مناطق نهر الراين حيث يقيم المان خارج حدود الدولة الالمانية. بل وصل الأمر لأن يدعو انجلز لجرمنة بعض الشعوب عقابا لها على عدم الولاء لالمانيا. انظر قوله في مقال عن ارنست ارندت نشر في صحيفة “تلغراف المانيا ”  في مطلع عام 1841 وهو شاب غض :  

    ((صحيح، أنها فكرة ثابتة لدي الفرنسيين أن الراين هو ممتلكاتهم، ولكن تجاه  هذا الطلب المتغطرس فإن  الرد الوحيد الذي يُستحق من الأمة الألمانية هو لأرندت: “اعيدوا الألزاس واللورين”. لأنني أرى، وربما على النقيض من العديد الذين أشاركهم الرأي في قضايا اخرى ، أن إعادة احتلال  الضفة اليسرى الناطقة بالألمانية من نهر الراين هي مسألة شرف وطني، وأن جرمنة  هولندا وبلجيكا الخائنات هي ضرورة سياسية بالنسبة لنا. هل يجب ان نترك الوطنية  الألمانية لتقمع تماما في هذه البلدان، في حين أن السلاف ينهضون  بقوة أكثر  في الشرق؟))

    https://www.marxists.org/archive/marx/works/1841/01/arndt.htm

    أن البعض قد يزعمون ان هذه مواقف غير ناضجة لانجلز ؛ تعود لفترة شبابه. وهذه هراء فقد ابتدأ الرجل شوفينيا المانيا وانتهى شوفينيا المانيا.  فقد كتب انجلز التالي في رسالة لأوغست بيبل أحد زعماء  الحزب الاشتراكي الديمقراطي  الالماني (الشيوعي حينها) والذي كان انجلز بمثابة الراعي له وهو كهل عجوز اي في  في عام 1891 التالي فيما يعتبر وصية سياسية :

    ((على أي حال يجب أن نعلن أنه منذ 1871 لقد كنا دائما على استعداد للتفاهم  السلمي مع فرنسا، أنه حالما يأتي حزبنا الى السلطة فإنه لن يكون قادرا على ممارسة تلك السلطة إلا إذا  حددت الألزاس واللورين  مستقبلهما بطريقة حرة. ، ولكن  إذا فرضت الحرب علينا، وعلاوة على ذلك كانت تلك  حرب في تحالف مع روسيا، يجب علينا أن نعتبر هذا بمثابة هجوم على وجودنا والدفاع عن أنفسنا بكل طريقة، وذلك بالتحلص من (استخدم تعبير “فرم”) جميع المواقع على طريقنا وبالتالي متز وستراسبورغ أيضا (مدن فرنسية) – حتى يمكن لجيشنا قيادة ومواصلة الهجوم الرئيسي .  . ان المؤكد جدا بالنسبة لي :  إذا كنا سننهزم سيتم سيتم طرح كل حاجز للشوفينية وحروب الانتقام في أوروبا لسنوات.  إذا انتضرنا  فسوف يأتي حزبنا  إلى السلطة. وبالتالي فإن فوز ألمانيا هو انتصار للثورة، واذا وصل الامر الى الحرب يجب علينا ليس فقط ان نرغب في الانتصار ولكن الوصول اليه بكل وسيلة ))

    ونحن نعرف كيف خاضت من بعد المانيا حروبها التوسعية في الحروب العالمية التي توعد بها انجلز السلاف والفرنسيين والهولنديين والبلجيك الخ من الشعوب “البربرية” و”الخائنة”.

    https://www.marxists.org/archive/marx/works/1891/letters/91_09_29.htm

    ان كل هذا النهج الاستعماري التوسعي والعدائي يتم التبرير له مرة بإسم الثورة ومرة بإسم الحضارة – فحين تقوم المانيا باحتلال اراضي الغير يقوم انجلز ومن ورائه ماركس بتبرير ذلك . انظر لقول انجلز عن احتلال المانيا لاراضي (امارة شيلزفيغ الدنماركية):

    انه نفس الحق الذي اتاح لالمانيا أخذ شيلزفيغ – أنه حق الحضارة مقابل البريرية ؛ حق التقدم ضد الجمود )  

    رغم ان انجلز يعترف ان الاتفاقيات  القانونية  هذه المرة كانت تقف  مع الدنمارك – ولكنه اعتبر ان هذا امر يقتضيه التطور التاريخي ؛ باعتباره نزعا لاراضي برابرة وضمها للمتحضرين  – حتى الدنماركيين الاوربيين  اعتبرهم انجلز برابرة وذلك لمصلحة المانيا؛ بعد ان كانت البربرية صفة تطلق فقط على العرب والزنوج والهنود من من غير اوروبا البيضاء الغربية.و

    وأواصل


    مقاطع مرجعية :

    انجلز يتحدث عن تفوق الجنس الالماني على الشعوب الاخرى في العلوم  

    Karl Marx, “A Contribution to the Critique of Political economy” (Review by Frederick Engels), Das Volk, 30 No. 14, August 6, 1859: “The Germans have long since shown that in all spheres of science they are equal, and in most of them

    superior

    , to other civilised nations. Only one branch of science, political economy, had no German name among its foremost scholars.”

    in : https://www.marxists.org/archive/marx/works/1859/critique-pol-economy/appx2.htm

    انجلز يتحدث عن تفوق الأريين واليهود بسبب أكلهم للحم واللبن  

    “The plentiful meat and milk diet among the Aryans and the Semites, and particularly the beneficial effects of these foods on the development of children, may, perhaps, explain

    the superior development

    of these two races.”

    The quotation is from Engels, “Origin of the Family, Private Property and the State”, Fourth revised edition, 1891, in Marx & Engels, Selected Works In One Volume, Lawrence & Wishart: London, 1980, p 464.

    انجلز يدعم جرمنة الشعوب الاخرى ( هولندا وبلجيكا) واحتلال اراضيها من قبل الالمان ( البروسيين )  بدعوى انتصار الحضارة على البربرية وانها شرف وطني وضرورة سياسية الخ  ويتسائل هل يمكن السماح للقومية الالمانية ان يتم اضطهادها في تلك البلدان ( خارج المانيا) بينما ينهض السلاف أكثر قوة  في الشرق؟

    “True, it is a fixed idea with the French that the Rhine is their property, but to this arrogant demand the only reply worthy of the German nation is Arndt’s: “Give back Alsace and Lorraine”. For I am of the opinion, perhaps in contrast to many whose standpoint I share in other respects,

    that the reconquest of the German-speaking left bank of the Rhine is a matter of national honour

    , and that the

    Germanisation of a disloyal Holland and of Belgium is a political necessity

    for us. Shall we let the

    German nationality be completely suppressed in these countries, while the Slavs are rising ever more powerfully in the East

    ?”

    in : https://www.marxists.org/archive/marx/works/1841/01/arndt.htm

    انجلز مرة اخرى يتحدث عن احتلال المانيا لاراضي الغير  (امارة شيلزفيغ الدنماركية) ويقره رغم ان الحق هذه المرة كان مع الدنمارك بسبب زعمه ان هذه نقلة من البربرية للحضارة واقتضاها التطور الحضاري – حتى الدنماركيين اعتبرهم برابرة 

    “By the same right under which France took Flanders, Lorraine and Alsace, and will sooner or later take Belgium — by that same right Germany takes over Schleswig; it is the right of civilization as against barbarism, of progress as against stability. Even if the agreements were in Denmark’s favor — which is very doubtful-this right carries more weight than all the agreements, for it is the right of historical evolution”

    انجلز يعتبر بعض الشعوب السلافية متاخرة ويسميها بالقمامة  الانسانية  ويتحدث عن تصفيتها المقبلة في حرب ثورية عالمية  

    “Among all the nations and sub-nations of Austria, only three standard-bearers of progress took an active part in history, and are still capable of life — the Germans, the Poles and the Magyars. Hence they are now revolutionary.

    All the other large and small nationalities and peoples are destined to perish before long in the revolutionary world HOLOCAST.

    (…) 

    This remnant of a nation that was, as Hegel says, suppressed and held in bondage in the course of history, this

    human trash

    , becomes every time — and remains so until their complete obliteration or loss of national identity — the fanatical carriers of counter-revolution,

    just as their whole existence in general is itself a protest against a great historical revolution

    . (…) 

    Such, in Austria, are the pan-Slavist Southern Slavs,

    who are nothing but the human trash of people

    s, resulting from an extremely confused thousand years of development. (…) 

    The next world war will result in the disappearance from the face of the earth not only of reactionary classes and dynasties, but also of entire reactionary peoples. And that, too, is progress.

    انجلز مرة اخرى يهاجم بعض الشعوب السلافية ويعتبر ان لا مستقبل لها لأنه ليس لها ماض 

    “We repeat: apart from the Poles, the Russians, and at most the Turkish Slavs,

    no Slav people has a future, for the simple reason that all the other Slavs lack the primary historical, geographical, political and industrial conditions for independence and viability

    . Peoples which have never had a history of their own, which from the time when they achieved the first, most elementary stage of civilization already came under foreign sway, or which were forced to attain the first stage of civilization only by means of a foreign yoke, are not viable and

    will never be able to achieve any kind of independence.

    And that has been the fate of the Austrian Slavs. The Czechs, among whom we would include the Moravians and Slovaks, although they differ in respect of language and history, have never had a history of their own”

    انجلز يحتفل باحتلال الجزائر ويعتبرة نقلة مهمة في انتصار الحضارة 

    Engels in The Northern Star January 22, 1848: “

    Upon the whole it is, in our opinion, very fortunate that the Arabian chief has been taken. The struggle of the Bedouins was a hopeless one, and though the manner in which brutal soldiers, like Bugeaud, have carried on the war is highly blamable, the conquest of Algeria is an important and fortunate fact for the progress of civilisation

    . The piracies of the Barbaresque states, never interfered with by the English government as long as they did not disturb their ships, could not be put down but by the conquest of one of these states.

    And the conquest of Algeria has already forced the Beys of Tunis and Tripoli, and even the Emperor of Morocco, to enter upon the road of civilisation

    . They were obliged to find other employment for their people than piracy, and other means of filling their exchequer than tributes paid to them by the smaller states of Europe.

    And if we may regret that the liberty of the Bedouins of the desert has been destroyed, we must not forget that these same Bedouins were a nation of robbers, – whose principal means of living consisted of making excursions either upon each other, or upon the settled villagers, taking what they found, slaughtering all those who resisted, and selling the remaining prisoners as slaves. All these nations of free barbarians look very proud, noble and glorious at a distance, but only come near them and you will find that they, as well as the more civilised nations, are ruled by the lust of gain

    كتابات ماركس انجلز الكاملة – الطبعة الانجليزية – المجلد الخامس – – هنا تجدها في صفحتي 471 – 472 من هذا الملف http://ciml.250x.com/…/english/mecwsh/mecwsh-6_401.p

    انجلز يحتفي ويسعد باحتلال الولايات المتحدة للمكسيك ويطالب بوضع المكسيم تحت وصابة الولايات المتحدة ؛ من اجل مصلحتها طبعا 

    Engels in Deutsche-Bruesseler-Zeitung 1848: “

    In America we have witnessed the conquest of Mexico and have rejoiced at it

    . It is also an advance when a country which has hitherto been exclusively wrapped up in its own affairs, perpetually rent with civil wars, and completely hindered in its development, a country whose best prospect had been to become industrially subject to Britain – when such a country is forcibly drawn into the historical process.

    It is to the interest of its own development that Mexico will in future be placed under the tutelage of the United States.

    The evolution of the whole of America will profit by the fact that the United States, by the possession of California, obtains command of the Pacific”

    https://marxists.anu.edu.au/archive/marx/works/1848/01/23.htm

    انجلز يدعو روسيا لمباشرة مهمتها الحضارية الحقيقية في آسيا بالتعاون مع الغرب :

    ” Finally, the noble nation of Great Russia, no longer engaged in pursuing chimerical conquest for the benefit of Tsarism,

    will be free to carry out its true civilising mission in Asia

    and to develop its vast intellectual resources in exchanges with the West, instead of squandering the best of its blood on the scaffold or in the katorga.”

    ماركس يتحدث عن”الإهمية  الاقتصادية” للعبودية والرق 

    “As for slavery, there is no need for me to speak of its bad aspects. The only thing requiring explanation is the good side of slavery. I do not mean indirect slavery, the slavery of proletariat; I mean direct slavery, the slavery of the Blacks in Surinam, in Brazil, in the southern regions of North America. Direct slavery is as much the pivot upon which our present-day industrialism turns as are machinery, credit, etc. Slavery is therefore an economic category of paramount importance.”

    – Karl Marx to Pavel Vasilyevich Annenkov, (Letter, 28 December 1846)

    ماركس يقول ان امريكا بدون العبودية ستصبح بلدا بطريركيا ويكون هذا نهايو الحضارة والتجارة ؛ وان العالم شسينتهي بدون امري وان امريما ستنتهي بدون العبودية 

    “Without slavery North America, the most progressive of countries, would be transformed into a patriarchal country. Wipe North America off the map of the world, and you will have anarchy – the complete decay of modern commerce and civilization. Cause slavery to disappear and you will have wiped America off the map of nations”

    انجلز يؤكد “صحة” مقولة ماركس ان امريكا بدوزن عبودية ستدمر وان العالم سينتهى دون امريكا العبودية 

    “This was perfectly correct for the year 1847. At that time the world trade of the United States was limited mainly to import of immigrants and industrial products, and export of cotton and tobacco, i.e., of the products of southern slave labour. The Northern States produced mainly corn and meat for the slave states. It was only when the North produced corn and meat for export and also became an industrial country, and when the American cotton monopoly had to face powerful competition, in India, Egypt, Brazil, etc., that the abolition of slavery became possible. And even then this led to the ruin of the South, which did not succeed in replacing the open Negro slavery by the disguised slavery of Indian and Chinese coolies, F.E.”

    Note by Frederick Engels, to the 1885 German Edition. For more information

    ماركس وانجلز عن قضايا العرق والاعراق :الانتخاب الصناعي يمكن ان يتم بين البشر 

     “He has not the slightest idea that the ability of children to develop depends on the development of their parents and that all this crippling under existing social relations has arisen historically, and in the same way can be abolished again in the course of historical development. Even naturally evolved differences within the species, such as racial differences, etc., which Sancho does not mention at all, can and must be abolished in the course of historical development. Sancho — who in this connection casts a stealthy glance at zoology and so makes the discovery that “innate limited intellects” form the most numerous class not only among sheep and oxen, but also among polyps and infusoria, which have no heads at all — has perhaps heard that it is possible to improve races of animals and by cross-breeding to create entirely new, more perfect varieties both for human enjoyment and for their own self-enjoyment.. “Why should not” Sancho be able to draw a conclusion from this in relation to people as well?”

    Marx & Engels, “The German Ideology”, Chap. 3

     الآريون شعب متفوق بسبب اكل اللحم واللبن 

    “The plentiful meat and milk diet among the Aryans and the Semites, and particularly the beneficial effects of these foods on the development of children, may, perhaps, explain the superior development of these two races.”

     Engels, “Origin of the Family, Private Property and the State”, Fourth revised edition, 1891, in Marx & Engels, Selected Works In One Volume, Lawrence & Wishart: London, 1980, p 464.)

     طفل الثامنة يفهم الرياضيات بديهيا والتي لا يمكن تعليمها للزنجي الاسترالي  

      “On the other hand, modern natural science has extended the principle of the origin of all thought content from experience in a way that breaks down its old metaphysical limitation and formulation. By recognising the inheritance of acquired characters, it extends the subject of experience from the individual to the genus; the single individual that must have experienced is no longer necessary, its individual experience can be replaced to a certain extent by the results of the experiences of a number of its ancestors. If, for instance, among us the mathematical axioms seem self-evident to every eight-year-old child, and in no need of proof from experience, this is solely the result of “accumulated inheritance.” It would be difficult to teach them by a proof to a bushman or Australian negro”.

     Engels. “Notes to Anti-Duehring”

     الصفات العرقية تحدد التطور الاقتصادي

     “The possibility is here presented for definite economic development taking place, depending, of course, upon favourable circumstances, inborn racial characteristics, etc.”

    Marx , Capital, vol. 3, chapter 47:

     العرق هو أيضا عامل اقتصادي 

      “We regard economic conditions as the factor which ultimately determines historical development. But race is itself an economic factor”.

    Engels: (Marx and Engels, Selected Works, Vol. 3, p. 502.(

    للمقاطع المرجعية بقية 

  • فراشة تايهة تحلم بالوصال

    فراشة تايهة تحلم بالوصال
    نزلت على زهر الخيال 
    قايلاهو نوارة سيال. 
    ولمن حطت رحيلا على ارض الخراب 
    عرفت طريقا بدون صواب *

    صديقي شرف الدين الذي اشرت اليه في أحد الخواطر**. كان انساناً بسيطاً من أرياف كردفان. تعرفت عليه في سجن كوبر ذات عامين. كان محكوما بانتظار تنفيذ الإعدام. لم يعترف بارتكاب جريمته قط ولم يهمني ذلك؛ إن كان قد فعلها ام لا . اذ اني رأيت الإنسان فيه. الإنسان الذي يمكن ان يخطيء ويسير في طريق الجلجلة وأن يقتل حتى ، ليعود لانسانيته فيما بعد. سامحته وأنا الذي لا أقدر على مسامحة نفسي. حكى لي كيف تمزق قلبه عندما احضروا له ابنه الصغير الذي لم يره لسنوات ولما حاول احتضانه نفر منه الطفل. قال ان هذا كان اقسى عليه من حكم الاعدام.  كان يسألني هل سيلغي الصادق المهدي الاحكام الحدية واحكام الاعدام القديمة وكنت اعلله إن هذا ممكن؛ وأنا أعلم ان من يأمل فيه  كاذب كذيب لا يُرجي منه خيرا. قال لي : يا عادل انا لا اخاف الموت ولكن اخاف ان اتجرس لحظة الموت. قبل تنفيذ الاعدام بأيام تحدثت معه وشجعته . ظهر قبل الاعدام لم اقدر على الذهاب له لزنازنته لتوديعه كما فعل الاخرون. لم انم في ليلة التنفيذ وفي الفجر طارت روحه كفراشته التي حلمت بالوصال لتحط في عالم آخر ربما هو سعيد. تحية لك يا شرف الدين فأنا لا أزال اذكرك رغم مرور السنوات.

    * الأبيات لشرف الدين

  • ملاحظات حول كتاب روسو “العقد الإجتماعي”

    (من حوار في حلقة نقاشية للحزب الديمقراطي الليبرالي)

    كتاب “العقد الإجتماعي” لجان جاك روسو كتاب مهم في تاريخ الفكر الإنساني. وتشكل كتابات وأفكار وأرث لاو تسي وسونجاتا كيتا وابن خلدون وجان جاك روسو وجون لوك ووتوماس هوبز وآدم سميث جذورا واصولا لليبرالية الكلاسيكية، ولكنها ليست الليبرالية ككل وليست هي الليبرالية الحديثة خصوصا.
    يجب أن نقول في البدء إن روسو ذاته كان يتطور في افكاره وكتبه. أول كتاب مشهور له او قل كتيب كان عن أثر الفنون والعلوم والفنون في حياة الناس هاجم فيه العلوم والفنون ومدح فيه حالة الطبيعة الاولى والبساطة ، لذلك يعتبره البعض من مؤسسي المدرسة الرومانسية في الادب المتجهة للطبيعة والتي تحارب المدنية والصناعة الخ . كتابه الثاني عن أصل التفاوت بين البشر او عدم المساواة بين البشر ربط فيه عدم المساواة بظهور الملكية الخاصة وخصوصا ملكية الارض، وفي ذلك يشبه المنهج الشيوعي الذي يقول بوجود مشاعية اولى ثم ظهور المجتمع الطبقي بعد ظهور الملكية الخاصة، لذلك كان شيوعيو الثورة الفرنسية من امثال بابوف ايضا من انصار روسو .


    هنا اقول إن فكرة روسو وفكرة الشيوعيين حول وجود مجتمع خيالي بسيط مثالي في فجر البشرية هي مجرد هراء. البشرية خرجت كما قال محمود محمد طه من بين الدم والطين وبداياتها كانت دموية جدا وكانت الملكية الفردية فيها من البداية ، ثم بدأت البشرية في التطور الاجتماعي والفكري. ولك ان تراجع سلوك الطفل الصغير لتر انه يبدأ انانيا ثم يتطور مع الزمن ويهذبه اهله ( المجتمع ) فيتعلم التعاون والتنازل والتضحية الخ.
    كتاب روسو المهم الثالث اي كتابه الذي نناقشه الآن عن “العقد الإجتماعي” كان كتاباً شبه ليبرالي او ليبرالي بدائي اذ وضع فيه افكار مدنية المجتمع والدولة وشن فيه هجوما عنيفا على افكار الحكم المطلق والحكم الالهي الخ .. يعني هذا إن كتابات روسو زي جراب الحاوي، اي زول ممكن يلقا فيهو الدايرو. غير ذلك كتب روسو في التربية وعلم النبات وفي الفن ومذكرات وكتب دفاعية عن نفسه. الرجل كان خليطاً من ثائر وفيلسوف واديب.

    كتاب “العقد الإجتماعي” :

    روسو في كتاب “العقد الإجتماعي” انطلق من ان حالة الانسان الطبيعية هي الحرية ، ولكن مع الزمن تحول الى كائن مقيد، واعتبر ان هذه القيود قد فرضتها عوامل كثيرة ( سارجع لها) وانه من اجل ان يكتسب حريته من جديد فانه لا بد ان يتنازل الناس عن جزء من حريتهم لصالح ان يكسبوا جزئها الاخر ، اي ان يتفقوا على عقد اجتماعي ( يمكن ان نسميه اليوم الدستور ) يتنازلوا فيه عن جزء من حرياتهم ومصالحهم من اجل المصلحة العامة او المنفعة العامة
    لم يحدد روسو بوضوح ما يجب التنازل عنه وما هي المصلحة العامة هذه، ولكن المفهوم من الكتاب أنه يقصد التنازل عن الحرية المطلقة والمنفعة الشحصية الانانية من اجل تنظيم افضل للمجتمع لا ياكل فيه القوى الضعيف. افكار التصويت العام وحاكمية الشعب ومدنية القانون هي من بنات افكار روسو ، لكنه لم يضع تصورا لنظام سياسي بعينه. هو في الحقيقة كان فيلسوفا اكثر منه منظرا سياسيا. لذلك تعتبر وثيقة حقوق الانسان والمواطن التي اقرتها الثورة الفرنسية هي التعبير الاوضح لافكارروسو التي لم يقلها، ولا ننسى ان افكار روسو كانت في تطور مستمر ولم تكن ثابتة.

    الانتقادات الموجهة لروسو :

    ينتقد البعض روسو في كتابه العقد الاجتماعي” أنه كان غير واضحاً في موقفه من الديمقراطية، بل اتهمه البعض انه تحت اسم الحرية يؤسس لاستبداد جديد هو استبداد المجتمع والدولة. وذلك بناء بعض التعبيرات والأفكار التي يمكن ان يفهم منها ان بعض الناس لا يصلحون للحرية او غير مهيئون لها او غير قادرين عليها ويجب حملهم او اجبارهم عليها. وهذه نظرية تبرر لما اسماه البعض بالاستبداد العادل، ولا ننسى إن روبسبير وهو احد متطرفي بل وطغاة الثورة الفرنسية كان من اقوى اتباع روسو.
    وافكار روسو في هذا المجال ليست حكرا عليه؛ فقد كان عندنا ولا يزال اليوم في السودان من يدعون لحكم الاقلية المستنيرة واجبار الشعوب على الحرية. تجلى هذا في افكار الاستاذ محمود محمدطه والذي كان يقول ان الحرية مرتبطة بحسن التصرف فيها ، فحين لا يحسن الناس التصرف في مسؤوليتهم تنزع عنهم حريتهم الخ ، وقد اوصله هذا الامر للدفاع عن نظام مايو حتى عام 1983 باعتبار ان الشعب السوداني لم يحسن التصرف في حريته، وان مايو رقد قضت على الطائفية والشيوعية الخ، وهي لم تقض على شيء اكثر من قضائها على الحرية .
    ويأتي انتقاد آخر لروسو أنه مع اعتقاده بحاكمية الشعب وانه المشرع وليس رجال الدين او الملوك، لكنه كان يعارض نظرية فصل السلطات الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) التي اتى بها مونتيسكيو ، ولذلك كان روبسبير وجماعته من انصار روسو ضد فصل السلطات الذي نادى به الليبراليون الفرنسيون ابان الثورة الفرنسية ، وكان هؤلاء المتطرفون يعتقدون ان الشعب هو المشرع والمنفذ والقاضي، وفي النهاية احتكروا صوت الشعب وتحولوا هم الى مشرعين وقضاة ومنفذين وبدؤا عهد الارهاب .
    المهم ان كتاب روسو هذا في اجماله كان كتابا متقدما في عصره، ولا ننسى انه كتب في القرن الثامن عشر حيث كان الوعى الديمقراطي ضعيفا وكانت الشعوب تعيش في سبات وفي تخلف، وكان الكثير من المفكرين والساسة يرون انه يجب اجبار الجهلة على الحق والتنوير. ومن هنا جاء إرهاب الثورة الفرنسية.

    روسو والليبرالية الحديثة :

    الفكرتين الاساسيتين لروسو اللتان تتفقان مع الليبرالية الحديثة هي فكرة ان الاصل في الاشياء الحرية وان الانسان يولد حرا ( في الاسلام تعبر عنها المقولة ولد الناس احرارا والمقولة الثانية ان الاصل في الاشياء الاباحة) ، رغم ان تصوره عن المجتمع الطبيعي هو تصور خيالي حيث لم يوجد مجتمع كهذا في التاريخ وانما في الحقيقة بدأ الناس تاريخهم من واقع متخلف كانت تحكم فيه قو انين الغاب. النقطة الثانية هي ان الشعب اصل السلطات وان القوانين تصاغ باجماع الناس واتفاقهم ولا تأتى من خارجهم .
    نحن نقول ان افكار روسو وغيره هي بذورللافكار الديمقراطية والليبرالية ولكنها ليست الليبرالية الحديثة وانما ليبرالية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بكل ما فيها من نواقص.
    ذلك إن اختلاف الليبرالية عن جميع المدارس السابقة بل اللاحقة لها انها تعيش حالة من التطور باستمرار، وانها تدرك قصورات مؤسسيها وبعض مفكريها، المرتبط بظروفهم التاريخية والحياتية وتطورات حالة الفكر والعلم والمجتمع وقتها الخ ، ولذلك لا تقدس اي واحد منهم وانما تدرس كتبهم ككتب تاريخية وليس كنصوص مقدسة. لذلك لم ترتبط الليبرالية باسم شخص كالماركسية او اللينينية او الهيجلية الخ ، ذلك انها فكرة انسانية تتطور باستمرار وتتجاوز قصورها ولا تؤمن بقداسة نص او فرد بقدر ما تؤمن بقيم الحرية والعقلانية والتقدم.

    27/8/2015

  • مالكولم إكس أم الحاج مالك الشباز ؟؟ قراءات في سيرة التحول


    مقدمة:

    يحتل مالكولم اكس او الحاج مالك الشباز موقعاً محورياً في حركة تحرر الزنوج الامريكان؛ تتجاوز عمره القصير. لقد أصبح مالكولم اكس احدى مرجعيات تلك الحركة؛ ولا تزال الكثير من العناصر والتنظيمات تقتفي اثره؛ كما تعقد المؤتمرات وتكتب الدراسات عن فكره .

    في الفقرات التالية أساهم بملاحظات سريعة كتبتها على هامش نقاشات عن مالكولم اكس؛ بعضها يتناول علاقته بالسودان والسودانيين. أتمنى من المهتمين رفدها بالنقاش .

    الاسم والأسطورة : من مالكولم ليتل إلى الحاج مالك الشباز:

    1- جدل الأسماء والهوية في تجربة “أمة الإسلام”:

    لا شك إن قضية الهوية؛ وفي داخلها الاسم كرمز للهوية؛ قد شكلت هاجسا حقيقيا لمالكولم اكس؛ مثلما شكلت هاجسا لكل من سبقه ومن لحقه في تنظيم أمة الإسلام؛ من أمثال فارد محمد والجاح محمد ولويس فرخان الخ . كما امتد أثرها – وبتأثير مباشر من نموذج مالكولم – حتى الآن في إطلاق الأسماء الإفريقية والإسلامية وأسماء جديدة تم اختراعها مثل اسم الشباز؛ وسط الشباب والفنانين والفنانات الأفروأمريكان.

    وقد كان مؤسس أمة الإسلام نفسه؛ رمزا لهذا الهاجس . فالرجل حتى اليوم لا يعرف اسمه الحقيقي أو أصله. فقد عرف في سجلات البوليس باسم والاس دود فورد (Wallace Dodd Ford)؛ بينما عرف وسط إتباعه باسم والاس فارد محمد (Wallace Fard Muhammad ). وقد عرف الرجل أيضا كفارد محمد (Fard Muhammad ) ؛ وكوالي فاراد (Wali Farad) وكوالي فاراد محمد (Wali Farad Muhammad ). ولا يستبعد أن يكون قد مارس نشاطه تحت اسم عبد الله محمد (Muhammad Abdalla ) بعد اختفائه الغريب في 1934 وعودته المزعومة في الستينات وحتى وفاة عبد الله محمد في 1992؛ إذا كان هو نفسه فعلا عبد الله محمد.[i]

    اما الجاح محمد (Elijah Muhammad) فتشير أغلب المصادر إلى انه وُلد تحت اسم الجاح بوولى(Elijah Poole)؛ وان كنا نتشكك في ذلك؛ حيث وقع في يدنا إن اسمه الحقيقي كان روبرت بوول (Robert Pool). وقد وُلد خليفته والقائد الحالي لأمة الإسلام لويس فرخان(Louis Farrakhan) تحت اسم لويس ايوجين والكوت (Louis Eugene Walcott )؛ وفي الخمسينات و الستينات سمى نفسه باسم لويس اكس (Louis X) ؛ قبل أن يستقر على اسمه الحالي في السبعينات من القرن الماضي.[ii]

    تغيير مالكولم لإسمه لم يكن إذن شيئا جديدا في تاريخ أمة الإسلام؛ بل انه يعتبر استمرارا لتراث ذلك التنظيم. إلا إن مالكولم يعتبر الناشط والمفكر الأكثر شهرة فيما يتعلق بثيمة تغيير الاسم كرمز لتغيير الهوية. المثير للخلط وما اشرنا إليه في الحديث عن ثورية وسلفية مالكولم؛ انه معروف باسمين او اسم مزدوج؛ هو مالكولم اكس والذي اشتهر به لأكثر من 12 عاما هي فترة نشاطه في أمة الإسلام؛ والحاج مالك الشباز؛ وهو الاسم الذي اختاره كاسم رسمي في نهاية حياته.

    إلا انه بغض النظر عن الخلط والجدل حول هل ينبغي أن نستخدم اسم مالكولم هو مالكولم اكس أم الحاج مالك الشباز؛ للإشارة إلى الرجل؛ إلا إننا نجد إن مالكولم قد كان القائد الأكثر تأثيرا فيما يتعلق بتغيير الاسم كرمز لاستعادة الهوية؛ وسط الأفروأمريكان؛ وهو بلا منازع الشخص الذي جعل اسم شباز يدخل قائمة الأسماء المنتشرة وسط الزنوج الأمريكان.

    2- أسطورة “أمة الإسلام” وقبيلة الشباز :

    قبل أن نناقش تغييرات مالكولم اكس لاسمه؛ ينبغي أن نناقش قضية أساسية؛ وهي قضية محورية في فكر وايدولوجية “أمة الإسلام”؛ وهي قضية “أمة الإسلام” التي اخذ منها التنظيم اسمه؛ وقضية قبيلة الشباز التي تعتبر معادلا موضوعيا (اثنيا) لأمة الإسلام.

    يرجع مفهوم أمة الإسلام وقبيلة الشباز بجذوره قطعا إلى فارد محمد ؛ وهو يقصد به السود في أمريكا؛ وليس كل المسلمين في العالم . على أساسه تمت تسمية التنظيم الذي أقامه ب”أمة الإسلام” . إلا إن الناشر الحقيقي للمفهوم هو الجاح محمد . فلنسمع إليه يقول في كتابه “رسالة إلى الرجل الأسود في أمريكا” – : (( الإله قد أعلن إننا خلف لأمة سوداء من آسيا ولقبيلة هي قبيلة الشباز . في الأصل هم القبيلة التي أتت مع الأرض ( أو هذا الجزء منها) قبل 60 تريليون سنة؛ حينما سبب انفجارا كبيرا في كوكبنا فصله الى قسمين . واحدا منهما نسميه الأرض؛ بينما الثاني نسميه القمر.

    نحن قبيلة الشباز؛ كما يقوله الإله ( الله) ؛ كنا أول من اكتشف أفضل مكان في ارض للعيش فيه . ذلك هو وادي النيل المصري الغني؛ وكذلك موضع المدينة المقدسة؛ مكة؛ في الجزيرة العربية . نحن هم الأعظم؛ الأكثر ذكاءا؛ الأفضل؛ ولكننا لا نعرف ذلك)) .[iii] [iv]

    لا يمكن فهم الكلام أعلاه؛ دون إدراك إن الجاح محمد لا يعني بالله ما يعنيه به المسلمون التقليديون؛ سنة أم شيعة. وانما يقصد به فارد محمد؛ والذي هو وفقا له تجل لله على الأرض . هو الله مشخصنا . إذن حينما يقول الجاح محمد إن الله اخبرنا فهو يقصد إن فارد محمد اخبرنا . كما لا يمكن فهمه دون إدراك عقيدة فارد محمد والجاح محمد في خلق الأرض والجنس البشري والسود تحديدا عبر مخلوقات من الفضاء؛ أو في مركبة فضائية . إذن كل النظرية او الأسطورة ترجع لفارد محمد؛ وربما هي راجعة لجذور أعمق في تعاليم أستاذه تيموثي دريو او نوبل دريو علي والذي أسس المحفل العلمي المغربي الأمريكي (Moorish Science Temple of America)؛ وهي تعاليم لا نريد الدخول في تفاصيلها الآن .

    يقول الجاح محمد في نفس الكتاب : (( لقد جاءنا الله (الرب) من المدينة المقدسة مكة؛ الجزيرة العربية ؛ عام 1930. لقد كان يستعمل اسم والاس د. فارد؛ وكان يوقعه غالبا بحروف و. د . في السنة لثالثة (1933) وقع اسمه و. ف. محمد ؛ والتي تعني والاس فارد محمد . لقد جاءنا وحده . لقد ابتدأ تعليمنا علوم أنفسنا ؛ عن الرب والشيطان؛ عن مقاييس الأرض؛ وعن الكواكب الأخرى؛ وعن حضارات بعض الكواكب الأخرى غير الأرض)).[v] [vi]

    على كل حال فإننا نجد أيضا إشارة في تعاليم “أمة الإسلام” إلى إن “أمة الإسلام” أو قبيلة شاباز – أي الزنوج الأمريكان- هم الشعب الضائع – المستعاد؛ بما يشبه هذا أسطورة القبيلة اليهودية – الثانية عشرة – الضائعة. وقد كان لكل من فارد محمد والجاح محمد تأثر كبير بالتراث اليهودي وكانا يستخدمان الإنجيل لإقناع السود بالدخول في … الإسلام!! كما يمكن أن تكون المسألة محاولة لإعادة اللحمة مع الشعوب الأفريقية والأسيوية وتأثرا بأفكار البان افريقية والتي كان ينشرها ماركوس غارفي؛ كما يظهر فيها التأثر الكبير بأفكار نوبل دريو علي عن إن الزنوج الأمريكان هم أصلا من أصول آسيوية أو مغربية وان دينهم الأصلي كان الإسلام.

    جدير بالانتباه إلى كل من نوبل دريو علي والجاح محمد وربما فارد محمد لم يكونوا يقولون بالأصل الإفريقي للزنوج الأمريكان؛ بل ينسبونهم لأصل آسيوي وقبيلة مجهولة وأسطورية هي قبيلة الشاباز؛ وهو أمر غريب. ربما يرجع الأمر إلى كل هؤلاء الرجال كانوا مولدين؛ ولم يكونوا من أصول افريقية بحتة؛ الأمر الذي يعززه لونهم الفاتح وما هو معروف – أو في الحقيقة مختلف عليه – من تاريخهم. جدير بالذكر إن نوبل دريو علي كان يقول إن تعبير اسود يعني الموت؛ وكان يرفض أن يُسمي الزنوج الأمريكان بالإثيوبيين؛ وهي تسمية اقرب إلي الصحة من تسميته لهم بالمغاربة أو المورويين .

    بقى أن نشير إلى الأصل اللغوي لتسمية شاباز؛ والتي لم يفسر أصلها مؤسسي أمة الإسلام. يقول الباحث يحي مناسترا أن هناك تفاسير مختلفة للاسم؛ من بينها إن شاباز يرجع إلى الاسم العبري المذكور في الإنجيل شيشبازّار (Sheshbazzar). بينما يذهب الهنود والباكستانيون إلى انه اسم مأمرك من الاسم الفارسي شاهباز (Shahbâz)؛ والذي يعني الصقر الملكي أو صقر الملك؛ وهو رأى يعززه نشاط الهنود والإيرانيين والباكستانيين في نشر الإسلام في أمريكا في بدايات القرن العشرين؛ أي الفترة التي تكونت فيها كل من أفكار نوبل دريو علي وفاراد محمد.

    بينما يذهب يحي مناسترا إلى إن اسم شباز كان مقصودا في حد ذاته وهو يحمل معنى ايجابيا .. ويقول انه دمج لكلمتين عربيتين هما شعب + عزّ ؛ وبما إن العين تتحول إلى ألف في الانجليزية فان النتيجة كانت هي خلق الكلمة الجديدة وهي شاباز؛ وهو الشعب أو القبيلة التي كان كل من فاراد محمد والجاح محمد يقولان بتفوقها وعزتها على الأمم البيضاء؛ وبذلك إن قبيلة شاباز هي في الحقيقة شعب العز المختار.[vii]


    الاطار الفكري لنشاط مالكولم اكس:

    1. مالكولم اكس بين السلفية والثورية:

    كان مالكولم اكس من دعاة الإسلام الأسود كما طرحته مجموعة “أمة الإسلام” .ثم بعد صراعه مع قائدها الجاح محمد لأسباب تتعلق بالفساد في المنظمة والسلوك؛ وكذلك بتأثير من عناصر أصولية إسلامية ( كان احدهم سوداني) ؛ وهي عناصر كانت ترى في أفكار أمة الإسلام تجديفا وخروجا من الإسلام الحقيقي ؛ تحول مالكولم إلى نوع من الإسلام السلفي السني في مجال العقيدة؛ والى نوع من الراديكالية القومية اليسارية فيما يتعلق بالأفكار السياسية.

    لذا فان مالكولم بعد رجوعه من الحج وزيارة آسيا وإفريقيا؛ أسس منظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية – كجناح سياسي؛ ومؤسسة المسجد الإسلامي كهيئة دينية ذات توجه سلفي؛ وكانت كلاهما تعبران عن قناعات مالكولم حينها؛ أي من جهة عن إسلاميته وسلفيته؛ من جهة أخرى عن مفهومه لتحرر السود في أمريكا .

    وقد شكلت سلفية مالكولم وثوريته في آن؛ معضلة للباحثين وكذلك لمؤيدي بعض أفكار مالكولم اكس؛ فالسلفيين نظروا فقط إلى مالكولم السلفي فقط؛ والذي سمى نفسه الحاج مالك الشاباز واستغني عن اسم مالكولم اكس؛ واعتبروه من قيادات الإسلام السلفي بل الإسلام السياسي السني؛ وذلك بعد خروجه من أمة الإسلام ذات الأفكار الغريبة – ولذلك يعدوه من قياداتهم ورجالهم.

    بينما اعتبره اليساريون منهم وانه زولهم؛ وتمسكوا باسمه القديم الذي كان يستخدمه في أمة الإسلام (مالكولم اكس ) ؛ وهذا بارادوكس ولكن ربما كانوا لا يرغبوا في أن يتماهوا مع اسمه الإسلامي الجديد؛ فوق إن لكلمة اكس رنين ثوري جذاب؛ وخصوصا إن لويس اكس – والذي حل محل مالكولم في هرمية أمة الإسلام قد حول أسمه لاسم لويس فرخان؛ وبذلك انتفى تماهي لقب اكس مع أمة الإسلام؛ واعتبر اليساريون – على اختلافهم – مالكولم ثوريا أو قوميا اسود أو يساريا راديكاليا؛ وتعاملوا مع قضية سلفيته الإسلامية وكأنها لم تكن.

    وكان تعامل الطرفين بلا شك لا تاريخيا ولا علميا ونفعيا.

    2. مالكولم اكس : انسان متحول:

    النظر العلمي والتاريخي يقول؛ إن مالكولم اكس ( أو الحاج مالك الشباز) ؛ كان في مرحلة تحول ومخاض فكري وسياسي كبير ؛ في تلك الفترة الحرجة والسريعة التي أعقبت خروجه من أمة الإسلام – 1964 – وسبقت اغتياله في فبراير 1965؛ وهي فترة أنجز فيها مالكولم تحولا هائلا من أفكار أمة الإسلام الدينية والسياسية المشوهة والفجة؛ إلى أفكاره الانتقالية التي عبر عنها في خطاباته الأخيرة وفي النظام الأساسي لمنظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية؛ وفي سيرته الذاتية التي سجلها بنهاية 1964 للكاتب اليكس هيلي؛ صاحب كتاب الجذور؛ وهي واحدة من السير الأكثر شهرة في تاريخ الأدب الأمريكي وربما العالمي؛ وعليها اعتمد اسبايك لي في إعداده لفيلمه الشهير عن مالكولم اكس.

    إذن فان كلا من سلفية مالكولم – والتي هي مرحلة تقدمية مقارنه مع دين أمة الإسلام العنصري – والذي يحمل بعض سمات الدين اليهودي في الحقيقة -؛ وأفكاره السياسية الثورية التي لم تكن قد نضجت نضوجا كاملا؛ قد كانتا علامتان على مرحلة انتقالية مهمة ولكن مؤقتة حتما في تطور مالكولم اكس أو الحاج مالك الشباز لفكري والروحي والسياسي .

    يقيني إن مالكولم اكس لو كان عاش سنة أخرى أو سنتان ؛ لقطع تماما مع الفكر السلفي ؛ وربما مع الفكر الديني عموما؛ ولتحول للنضال السياسي الاجتماعي وفق أفكار تدعو لتحرير الزنوج والمجتمع كله؛ وقد كانت هناك إرهاصات لهذه التحولات؛ في خطاباته ووثائقه الأخيرة وخطبه؛ لا يتسع المجال لذكرها هنا؛ وربما نعود لها في المستقبل؛ في إطار تحليل أعمق لتحولات مالكولم الفكرية في العام العاصف الأخير من حياته .

    إذن فان مالكولم السلفي الديني؛ و مالكولم القومي الأسود اليساري الراديكالي؛ ما هو إلا مالكولم في حالة تحول؛ وليس مالكولم اكس الأخير؛ و الذي تشير كل المعطيات؛ انه لم يكن ليستمر في سلفيته؛ ولم يكن ليستمر في راديكاليته السوداء والدعوة لاستقلال الزنوج ؛ وإنما كان سيتخذ سمتا آخر ؛ أكثر انفتاحا سياسيا وأعمق التزاما اجتماعيا واقل توجها دينيا . هذا السمت يمكن لنا أن نرسمه من مواقف مالكولم الأخيرة وتطوراته التي قُطعت بعنف؛ بسبب من اغتياله الغادر؛ وقصة اغتياله نفسها قصة غامضة وتحتاج إلى أكثر من كتابة .

    نرجع هنا للموقف التلفيقي عن مالكولم اكس؛ فنقول انه هنا يتفق السلفيون ودعاة الراديكالية السوداء؛ في تلفيق صورة مالكولم – أو الحاج مالك الشباز – الأخيرة ؛ عندما يحصرها السلفيون في سلفيته؛ وعندما يحصرها الراديكاليون في راديكاليته؛ وهم إذ يحصرونها – لأسباب أيدلوجية سياسية- في مرحلة ولحظة واحدة ومعزولة عن بقية المكونات الأخرى ومشهد واحد – من مراحل و لحظات ومشاهد تطوره الفكري والسياسي؛ ويتجاهلوا عملية التغيير التي كانت تتم في فكره ونهجه يوما اثر يوم؛ فهم يظلمون الرجل ويعتدون على التاريخ.

    لم يكن تناقض مالكولم هو اختياره؛ بل كان النتيجة الطبيعية لتحولاته العميقة بعد خروجه من أمة الإسلام؛وكون المرء لا يستطيع القطع مرة واحدة مع تراثه القديم؛ وإنما يتم التحول تدريجيا ومع الزمن فالتغيير الفكري يتم بالتطور وليس بالطفرة. رغم إننا في الحقيقة نقول أن مالكولم قد أنجز تغييرا كبيرا وتطورا هو أشبه بالطفرة العميقة منه إلى التطور التدريجي .. هذا إذا نظرنا إلى تطوره بمقياس الزمن – أي أقل من عام- ؛ للانتقال من أفكار أمة الإسلام الخربة والمشوشة؛ إلى ما وصل إليه من مواقف أكثر تقدما بما لا يقاس؛ رغم ما فيها من التناقض والنقص .

    المخجل إن هذا الواقع الذي نتج عن قصر عمر تلك التجربة وذلك الإنسان العظيم ؛ – أعني واقع التناقض – ؛ تتم محاولة تأييده والبحث عن المبررات له؛ من قبل أناس عاشوا بعد مالكولم اكس بأربعين سنة؛ واكتسبوا معارف وتجارب لم تتاح له في عمره القصير عموما؛ أو في فترة تحولاته بعد خروجه من هوس أمة الإسلام خصوصا .

    لكن مالكولم كان ثوريا وعبقريا؛ بينما هؤلاء لا هذا ولا ذاك.


    مالكولم اكس والسودان:

    1. المكون السوداني في سيرة مالكولم اكس : الشيخ احمد حسون

    لعب الشيخ احمد حسون من السودان؛ دورا مهما في حياة مالكولم اكس بعد انقسامه من أمة الإسلام ؛ حيث كان أول إمام لأول فرعا لمسجد الإسلامي؛ وهي المؤسسة التي أنشاها مالكولم اكس في 1964؛ وكان بمثابة مستشار روحي لمالكولم اكس؛ وقد قام بإجراءات غسله وتكفينه بعد اغتياله.

    كوّن مالكولم مؤسسة المسجد الإسلامي وأراد أن تقوم على الفقه السني السلفي؛ باعتبار إن ديانة أمة الإسلام بعيدة عن الإسلام المدرسي وكانت تتعرض لانتقاد شديد من قبل السلفيين والمسلمين العرب والأفارقة السنة في أمريكا؛ باعتبار إن الكثير من أطروحاتها لا تتفق مع الإسلام المدرسي؛ ومن الجدير بالذكر إن احد أبناء الجاحي محمد (مؤسس أمة الإسلام) ؛ اعتقد انه صمويل اكس؛ قد انضم إلى مالكولم في حركته التصحيحية الدينية والسياسية؛ وان كان بعد اغتيال مالكولم قد أصبح ذو اتجاه ديني أكثر من سياسي؛ وان لم يرجع حسب علمي لأمة الإسلام .

    في هذا الإطار أولى مالكولم للشيخ احمد حسون مهمة الإشراف على أول فرع للمسجد الإسلامي في هارلم؛ وكان المسجد الإسلامي يفترض إن يقدم الدعم الروحي لحركة مالكولم الجديدة : منظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية؛ التنظيم السياسي الذي أنشأه وقاده مالكولم اكس .

    تقول اما شاباز عن الشيخ حسون (ترجمة غير حرفية من طرفي ) :

    ((أُرسل العالم السوداني احمد حسون من قبل رابطة العالم الإسلامي إلى نيويورك للمساعدة في عمل المسجد الإسلامي؛ وهو المؤسسة التي أنشاها مالك الشاباز . بعد اغتيال الأخ مالك الشاباز في 21 فبراير 1965؛ أجرى الشيخ احمد حسون له غسل الجنازة وكفنه .))[viii][ix]

    في نفس الوقت الذي كان فيه احمد حسون إماما للمسجد الإسلامي؛ والذي كان مقره في هارلم في فندق تيريسا؛ كان يعمل كمستشار روحي أو معلم ديني لمالكولم اكس. ويلاحظ تواجده معه أو خلفه في بعض الصور الأخيرة لمالكولم اكس؛ مما يوضح قرب العلاقة بينهما.

    من ناحية أخري كان مالكولم حريصا على أن تؤول قيادة العمل الإسلامي لمؤسسة المسجد الإسلامي للافرو أمريكان؛ ولذلك انتدب 35 طالبا للدراسة في الأزهر؛ ومن بعدهم 15 طالبا للدراسة في السعودية؛ لكيما يصبحوا أئمة وقادة لمؤسسة المسجد الإسلامي . من بين هؤلاء يعتبر الأكثر شهرة وأهمية كولي احمد توفيق؛ والذي كان يفترض أن يكون أول إمام من الافروامريكان لقيادة المسجد الإسلامي – بدلا من حسون – ؛ ولكن هذا المسعى لم يتحقق بعد مقتل مالكولم وانهيار مؤسسة المسجد الإسلامي. مع ذلك أسس توفيق فيما بعد مؤسسة مسجد الإخوة الإسلامية؛ المتأثر بأفكار مالكولم الإسلامية ونهجه السياسي؛ والذي لا يزال يواصل عمله حتى اليوم تحت قيادة الحاج طالب عبد الرشيد ( افروامريكاني ).[x]

    إلى أي مدى كان تأثير الشيخ احمد حسون على مالكولم اكس؛ وتأثير مالكولم على حسون؛ وما هو مصير حسون اللاحق بعد اغتيال مالكولم .. هذا ما سنتناوله في كتابة قادمة.

    2. مالكولم اكس وزيارة السودان :

    يقول مالكولم اكس في احدى حواراته :

    (لقد زرت مصر والعربية والكويت ولبنان والسودان واثيوبيا وكينيا وتنجانيقيا وزنزبار (الآن تنزانيا) ونيجيريا ، غانا، ليبراليا؛ غينيا، والجزائر. ) [xi]

    هناك الكثير من الغموض حول زيارة مالكولم اكس للسودان . حيث تمت الاشارة اليها في الكثير من المراجع عن مالكولم اكس؛ اعتمادا على الفقرة اعلاه من هذا الحوار؛ ولكن ابدا لم يكن هناك تفصيل لهذه الزيارة وكم استمرت ومن من المسؤولين او غيرهم التقى بهم مالكولم اكس؛ بل ان وقت الزيارة نفسه هو موضع نظر !!

    هذا الحوار او اللقاء الصحفي تم في عام 1965 ؛ وهو يعتبر من اخر اللقاءات الصحفية مع مالكولم اكس. وهو في هذا الحوار كاأنما يتحدث عن رحلته في نهاية عام 1964 لعدة بلدان افريقية ؛ اى بعد خروجه من أمة الاسلام ؛ والتقائه بعدد من الرؤساء ذكرهم ؛ فهل كانت زيارته للسودان ضمن هذه الرحلة ؟؟ هذا يبدو مستبعدا حيث لم تشر اليه اى مراجع اخرى .

    بالمقابل نجد ان موقع http://www.brothermalcolm.net/ يشير الى زيارتين لمالكولم اكس الى السودان؛ تمتا في عام 1959 . تمت الزيارة الاولى على تخوم شهري مارس وابريل ؛ او بالضبط في الفترة ما بين 29 مارس و15 ابريل؛ حيث ان الموقع لم يحدد التاريخ بالضبط؛ بل كتب ان مالكولم قد زار في هذه الفترة الجمهورية العربية المتحدة والسودان ونيجيريا . بينما يقول نفس الموقع عن مقال بعنوان Pulse of the Public تم نشره في 28 اغسطس من نفس العام؛ ان مالكولم كتبه من الخرطوم – السودان .

    ما يزيد الأمر حيرة؛ ان نفس الموقع يذكر تاريخ 27 مايو 1959 تاريخا لحصول مالكولم على جوازه باسم مالكولم ليتل؛ فهل سافر مالكولم في مارس – ابريل الى عدة دول من بينها السودان بجواز اخر؛ ام كانت زيارته للسودان فعلا في اغسطس 1959 ضمن رحلة طويلة لافريقيا كمبعوث من قبل الجاح محمد ابتدات في يوليو من ذلك العام ؟؟

    كذلك يذكر نفس الموقع ان مالكولم اكس قد سافر بالطائرة الى بيروت للحديث بدعوة من النادي الثقافي السوداني في بيروت؛ وذلك في 6 مايو 1964 .[xii]

    3. مالكولم اكس في الكتابات السودانية :

    لم يهتم السودانيون كثيرا بتجربة مالكولم اكس، عدا مساهمات بسيطة مثل التدوينتين المهمتين اللتين كتبهما عن مالكولم اكس في موقع سودانيز اونلاين . كوم كل من الاخوين محمدين محمد اسحق وعبد الغني بريش . حيث كتب الاستاذ محمدين محمد أسحق تدوينته بعنوان ((الخطاب الدارفوري بين نموذج مالكولم اكس و نموذج مارتن لوثر كنج او البحث عن الوسطية الافريكانية .)) [xiii]

    أما عبد الغني بريش فقد كتب تدوينة تعريفية بعنوان ( Malcolm X (El-Hajj Malik El-Shabazz )الحاج مالك الشباز ) وهو ما يوضح تأرجحه بين أسماء الرجل؛ وهي تدوينة تعريفية في المقام الأول [xiv]

    إلا أن اطول بحث عن مالكولم أكس بقلم سوداني هو للدكتور محمد وقيع الله بعنوان (أربعة مؤثرات سودانية في فكر ومسيرة مالكولم إكس) ، يتحدث فيه بتفصيل عميق عن المؤثرات السودانية في فكر مالكولم إكس؛ وهو ينظر لمالكولم اكس من نظرة اسلامية وبوصفه داعية للاسلام . وقد كتب الاستاذ عبد السلام الخبير عن بحث الدكتور محمد وقيع الله التالي في تدوينة له بموقع سودانيز اونلاين كوم:

    ( هذا مقال طريف في موضوعه نشرته صحيفة (الصحافة) علي حلقات..رأيت أن أشرك أعضاء المنبر في قراءته لما فيه من رصد دقيق -إذا صحت مصادر الكاتب –للمؤثرات السودانية التي أسهمت في تشكيل فكر زعيم أمة الأسلام مالكوم أكس..والمقال في تقديري يأتي من حيث الأهمية بعد كتاب الراحل المقيم الأستاذ عبدالهادي الصديق عن (الأفريقانية) والذي أستعرض فيه الدعم السياسي والثقافي والفكري الذي قدمه السودان لحركات التحرر الأفريقية. وهو كذلك المقال الأول من نوعه الذي يزعم ويبحث ويستقصي وجود مؤثرات سودانية صرفة في مسيرة زعيم التحرر الأمريكي ماكوم أكس وهو فرضية إن صحت تضع السودان في مكانة رفيعة في حركة تحرير السود في أمريكا.

    بعد قراءة هذا المقال ومن قبله كتاب الأفريقانية للراحل المقيم الأستاذ عبدالهادي الصديق أصبحت أكثر قناعة أن السودان القديم الذي صار سبة عند البعض كان من أكثر الكيانات الجغرافية التي قدمت دعما سخيا وغير محدود لحركات التحرر العالمية والتي تعدت أفريقيا الي أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية ..وهو دعم ترتفع قيمته لأن السودان لم يكن غنيا فأعطاهم من فائض خيره بل أقتسم مع حركات التحرر الخبز ولقمة العيش … إنها دعوة للحوار حول تراثنا الذاتي المتهم بأنه أسلاموعربي أكثر من أنه أفريقاني أو عالمي تحرري” .[xv]

    عادل عبد العاطي

    الاشارات المرجعية:

    [i] https://en.wikipedia.org/wiki/Walla…

    [ii] https://en.wikipedia.org/wiki/Elija…

    [iii] يقول النص الأصلي (God] has declared that we are descendants of the Asian black nation and of the tribe of Shabazz. . . . Originally they were the tribe that came with the earth (or this part) 60 trillion years ago when a great explosion on our planet divided it into two parts. One we call the earth and the other the moon.

    We, the tribe of Shabazz, says Allah (God), were the first to discover the best part of our planet to live on. The rich Nile Valley of Egypt and the present seat of the Holy City, Mecca, Arabia. . . . We are the mighty, the wise, the best, but we do not know it)

    [iv] Message to the Blackman in America – Alijah Mohamed – Chapter 18, Original Man Know Thyself على هذا الرابط : http://www.seventhfam.com/temple/bo…

    [v] يقول النص الأصلي ((Allah (God) came to us from the Holy City Mecca, Arabia, in 1930. He used the name Wallace D. Fard, often signing it W.D. Fard. In the third year (1933), He signed His name W.F. Muhammad, which stands for Wallace Fard Muhammad. He came alone. He began teaching us the knowledge of ourselves, of God and the devil, of the measurement of the earth, of other planets, and of the civilizations of some of the planets other than earth.))

    [vi] Message to the Blackman in America – Alijah Mohamed – Chapter 8, THE COMING OF GOD AND THE GATHERING TOGETHER OF HIS PEOPLE تجدها في الرابط التالي: http://www.seventhfam.com/temple/bo…

    [vii] Yahya Monastra – The name “Shabazz”: Where did it come from? – http://theamericanmuslim.org/tam.ph…

    [viii] يقول النص الأصلي :

    ((Shaykh Ahmed Hassoun, the Sudanese scholar, had been sent to New York by the Muslim World League to assist the work of the Muslim Mosque, Incorporated that Malik Shabazz had established. After the assassination of Brother Malik Shabazz on February 21, 1965, Shaykh Ahmed Hassoun performed the final ghusl for him and wrapped his remains in Islamic burial shroud, Kafan))

    [ix] Ama F. Shabazz: The Legacy of Malik Shabazz: Reassurance for seekers of Truth

    http://www.teachislam.com/index.php?option=com_content&task=view&id=2903&Itemid=524

    [x] Imam Al-Hajj Talib Abdur-Rashid: The Sunni Islamic Training And Mission Of El-Hajj Malik El-Shabazz / Malcolm X

    http://mana-net.org/jmla/index.php?option=com_content&view=article&id=248%3Athe-sunni-islamic-training-and-mission-of-el-hajj-malik-el-shabazz-malcolm-x&catid=70%3Acommentary&Itemid=30

    [xi] يقول النص الأصلي : (I visited Egypt, Arabia, Kuwait, Lebanon, Sudan, Ethiopia, Kenya, Tanganyika, Zanzibar (now Tanzania), Nigeria, Ghana, Liberia, Guinea, and Algeria. ) تجدها في : Malcolm X: youth more filled with urge to eliminate oppression- Excerpts from an interview printed in Malcolm X Talks to Young People given to Young Socialist Alliance leaders Jack Barnes and Barry Sheppard on January 18, 1965 – http://www.malcolm-x.org/docs/int_b…

    [xii] Chronology of the Life and Activities of Malcolm X تجدها في الرابط: http://www.brothermalcolm.net/mxtimeline.html

    [xiii] محمدين محمد أسحق : الخطاب الدارفوري بين نموذج مالكولم اكس و نموذج مارتن لوثر كنج او البحث عن الوسطية الافريكانية – http://sudaneseonline.com/cgi-bin/s…

    [xiv] عبد الغني ابو ريش – Malcolm X (El-Hajj Malik El-Shabazz )الحاج مالك الشباز – تدوينة نشرت بموقع سودانيز اونلاين كوم – تجدها على هذا الرابط: http://sudaneseonline.com/cgi-bin/s…

    [xv] عبد السلام الخبير : هل أثر السودانيون في فكر ومسيرة مالكوم أكس – تدوينة بموقع سودانيز اونلاين) تجدها على هذا الرابط: http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=8&msg=1080262801

    شارك هذا الموضوع:

  • نوره عبد الله إدريس: إمرأة من السودان

    (1)
    ولدت نوره عبد الله إدريس (نوره بت بعنيب)؛ كأكبر أخواتها وأخوتها؛ في يوم ما في شهر ما من عام 1936؛ حيث لم تستخرج لها شهادة ميلاد؛ ولم يعن لأحدهم أن يسجل تاريخ ميلادها؛ ولو عن له ذلك؛ لما أمكنه؛ في وسط كانت تسيطر عليه الأمية الأبجدية؛ والناتجة عن واقع اجتماعي ضاغط علي الكادحين؛ لا عن رفض للتعليم ونوره. وترعرعت نوره في مدينة الدامر؛ وسط أسرة من أصول شايقية سكنت المدينة وعمل عائلها جنديا ثم عاملا عند ” الحيكومة”؛ وقضت معظم حياتها الراشدة في عطبرة؛ فكانت بذلك بنت مدينة.

    (2)
    ونوره عبد الله إدريس امرأة جميلة. جميلة هي في الشكل والجوهر؛ وهي عندي من اجمل نساء العالم. كان أهلها يؤمنوا بمبدأ “الشلوخ”؛ فشلخوها؛ وكانوا يؤمنوا ب”دق” الشفاه؛ فدقوها لها؛ ولازمها ذلك طول حياتها. أخبرتني مرة كيف مرت بتجربة دق الشفاه؛ وهي ممارسة لمن يجهلها؛ تقوم علي وخز الشفاه بعشرات الإبر؛ ثم سكب مسحوق من الكحل الأسود عليها؛ حتى تأخذ الشفاه لونه؛ فيما تصوروه مثالا جماليا. وحكت لي نوره كيف كان الألم قاسيا أثناء هذه العملية السادية؛ وكيف استمر بعدها لأيام وأسابيع؛ وكيف تبقت ذكراه في الخاطر؛ لسنين وعقود.

    (3)
    تزوجت نوره عبد الله إدريس؛ أو زوجت بالأصح؛ وهي لا تزال صبية يافعة؛ وكان عمرها عندما تزوجت؛ ثلاثة عشر عاما. ربما كانت تلك سن يمارس فيها تزويج البنات حينذاك. ولكن نوره التي أنجبت طفلتها الأولى وهي ابنة 14 عاما؛ قد خسرت طفولتها الي الابد؛ في زحمة الالتزامات الزوجية والتزامات الأمومة الجديدة. وكانت بذلك لوقت طويل؛ الأم الطفلة؛ والزوجة الطفلة؛ التي تركض لبيت أبيها مع كل مشكلة صغيرة؛ ومع كل “حردة”؛ حاملة طفلتها الصغيرة بيد؛ و شنطة الصفيح بيد؛ وتود في بيت والديها لو تلعب مع أخواتها وصديقاتها؛ ولا تستطيع؛ حيث تصرخ الصغيرة من جانب؛ وحيث ينبغي بعد أن يخف الزعل؛ أن تعود لبيتها وزوجها من الجانب الآخر.

    (4)
    تزوجت نوره أو زوجت؛ بأحد أقاربها البعيدين؛ ممن كان يكبرها بأعوام عديدة؛ وممن كان صبورا معها؛ كما كانت هي صبورة معه. تقاسما الحياة بحلوها ومرها؛ وقامت هي بواجباتها كزوجة وأم؛ طيلة فترة حياته؛ والتي انقطعت بتراجيدية؛ في متصف السبعينات من القرن الماضي. أصبحت نوره حينها أرملة؛ مع “كورجة” من الأطفال؛ وهي شابة في حوالي الأربعين من عمرها؛ لتدخل في طور جديد من حياتها؛ كانت فيه هي الأم والاب؛ لتلك “الكورجة” من البنات والاولاد؛ والذين كان اغلبهم في المدارس؛ وكانت أصغرهم طفلة بنت ثلاثة أعوام.

    (5)
    واجهت نوره عبد الله إدريس؛ في ذلك الزمان؛ وضعا جديدا تماما عليها؛ حيث اصبح من واجبها؛ دون أي تأهيل أو خبرة سابقة؛ أن تعيل جيشا من الأطفال؛ وتشرف علي تعليمهم وتربيتهم؛ دون أن تكون لها أي موارد علي الإطلاق. وقد عانت نوره في هذا السبيل؛ وكافحت بجلد؛ ونجحت فيما عجز عنه الكثيرون من الرجال الأكثر خبرة وتأهيلا؛ وهو توفير العيش الكريم لبناتها وابنائها؛ ودفعهم/ن إلى أقصى درجات التعليم الممكنة؛ وتزويجهم/ن بالصورة الاجتماعية اللائقة؛ فيما اعتبرته واجباتها الرئيسية في الحياة.

    (6)
    كانت نوره عبد الله إدريس لأبنائها وبناتها أما وأبا؛ وخصوصا لأولئك الصغار الذين كانوا في نهاية العنقود. وكانت محبة بقدر ما كانت صارمة. وربما كانت صرامتها وشدتها؛ راجعة إلى رغبتها الجارفة؛ في عدم الفشل في مهمة التربية؛ هذه المهمة التي ألقيت علي عاتقها دون مقدمات. اعرف كيف سمع ابنها الأكبر بالصدفة؛ ودون أن تحس به؛ حديثها إلى بعض جاراتها بفخر واضح؛ عن كيف أن ابنيها لا يتعاطيان السجاير ولا السعوط؛ في وقت كان فيه نصف الشباب في عمرها يتعاطيان أحديهما؛ وكانت تعتبر ذلك نجاحا لتربيتها. اعرف كم هزت هذه المقولة ذلك الابن؛ وكيف هرع إلى أخيه وكيف تعاهدا؛ علي ألا يخذلاها أبدا؛ و ألا يتعاطيا هذين المكيفين طيلة حياتهما؛ وقد كان.

    (7)
    بالمقابل كان هذا النجاح في هذه المهمات الصعبة؛ أو فلنقل المستحيلة؛ أي كسب العيش لستة بنات وولدين – كانت الابنة الكبرى قد تزوجت بحياة الأب-؛ وتربيتهم؛ وتعليمهم؛ وتزويجهم؛ ثم الأشراف علي أحفادها من بعد؛ وولادتهم في حجرها؛ والمساعدة في تربيتهم؛ علي حساب صحة نوره الجسمانية والنفسية. فكان أن أصابها مرض السكر؛ وأرهقها بمضاعفاته المتعددة؛ وكان أن أصابها التوتر والألم والانقباض؛ وسالت دموعها غزيرة في الليالي العديدة؛ حين كانت تحاصرها المشاكل والديون والهموم؛ وكان أن ذبل شبابها قبل الأوان؛ وتدهورت صحتها؛ ولكن لم تذبل روحها الحافلة بالحياة.

    (
    في ذاكرة الإنسان تبقي مواقف لا يمكن أن ينساها؛ مهما طال به الزمن. من تلك المواقف اذكر رؤيتي لنوره عبد الله إدريس؛ وهي تعمل الساعات الطوال في دق الويكة والشطة؛ والتي كانت تشتريها جافة أو تجففها؛ ثم تعبئها من بعد في أكياس صغيرة؛ لبيعها من بعد لنساء الحي؛ وتكسب من كل هذا الجهد قرشا أو قرشين. كما اذكر عملها للزلابية والشاي؛ والتي كن يذهبن بها بعض بناتها؛ لبيعها في محطة البصات صباحا للسائقين؛ أو شرائها لجريد شجر الدوم؛ وتوزيعه إلى حزم وربطات صغيرة؛ وإرسال ابنيها اليافعين لبيعه في سوق الحي؛ قبل الذهاب إلى المدرسة. في كل ذلك كانت نوره عبدا لله إدريس المايسترو والأكثر عملا؛ في أطراف الليل و آناء النهار؛ تعمل وتوزع المهام علي عائلة من الصغار؛ المجبرين كلهم علي العمل؛ وعيناها ملتهبتان من وجع متطايرات الشطة المدقوقة.

    (9)
    ضحت نوره عبدا لله إدريس بشبابها؛ واحتياجاتها كإمرأة؛ من اجل أن تقوم بواجباتها كأم في تربية وإنشاء و إعالة أطفالها. تم ذلك حيث رفضت الكثير من الخطاب؛ بعد وفاة زوجها؛ وهي لا تزال شابة في الأربعين. اعرف أنها عندما تقدم لها أحد “الخطاب” الأكثر إصرارا؛ سألت ابنها البكر؛ وهو يافع بعد لا يتجاوز عمره العشر سنوات إلا قليلا؛ عن رأيه في الأمر. أجابها وفي داخله شي من الحرج والغيرة والإحساس بالمسؤولية؛ إن هذه حياتها؛ ولو تزوجت مرة أخري؛ لما كان له تجاه ذلك غضاضة. بكت نوره عبد الله حينها ؛ وقالت له أنها لن تتزوج ابدا؛ ولن تستبدل أطفالها برجل؛ ولن تأتي لهم بزوج أم؛ يمكن أن يكون غير برا بهم. فرح الطفل في قرارة نفسه حينها؛ ولكنه لم يكن يعلم إنها تضحية غالية؛ لامرأة عاشت عمرها في التضحيات وبالتضحيات.

    (10)
    كانت نوره عبدا لله إدريس؛ أما رؤومة؛ وكانت تبالغ في بعض الأحيان؛ في شفقتها وحنانها علي أطفالها. كانت لا تنام؛ حتى يرجع أولادها من الخارج؛ وكان هذا يضايق ابنها الأكبر جدا؛ ويسبب له التوتر. كان مما يغيظه؛ عندما ظن انه اصبح راشدا؛ أن يجدها وهو راجع من الأصدقاء أو السينما؛ جالسة علي بنبر ساهرة واجمة في انتظار عودته؛ في حوش المنزل؛ والكل نيام. كان هذا سببا في توترات كثيرة؛ وكانت تقول له صابرة؛ أن هذا هو قلب الوالد؛ وانه سيعرف ذلك كله؛ عندما يكون أبا. كان يزعم انه لن يكون مبالغا في شفقته هكذا أبدا؛ وكانت تقول له سنري. بعد أن انجب طفلته الأولي؛ عرف أن أمه كانت علي حق؛ وان قلب الوالد لا يعرف الاطمئنان.

    (11)
    علمت نوره عبد الله إدريس نفسها بنفسها؛ فكانت بذلك عصامية من الطراز الأول. لم تتعلم القراءة والكتابة؛ ولكنها تعلمت في مدرسة الحياة؛ وتخرجت من أكاديمية التجربة؛ وأخذت انواط الشرف وشهادات الدكتوراه؛ من جامعات الكدح والمعاناة. زارت عددا من البلدان العربية؛ وكانت دائما تحرص علي أن تري الجديد؛ وان تستفيد. إلتقاها ابنها الأكبر بعد عدة سنوات من هجرته؛ في إحدى العواصم العربية؛ وكانت قد أتت حاملة معها شحنة من الكركدي لبيعها؛ مع عناوين لمن يمكن أن يشتروها. سألها ابنها لم هذا التعب والتلتلة؛ وانه يمكن أن يعطيها مبلغ ذلك الكركدي؛ دون أن تتكبد ذلك المشاق. قالت : اعطني ما تريد؛ ولكن دعني مع ذلك أبيع هذا الكركدي؛ لأنه عملي؛ وهو عمل شريف؛ آكل به من عرق جبيني؛ ويكفيني شر العوز وسؤال الناس.

    (12)
    كانت نوره عبد الله ولا تزال؛ خدومة للآخرين؛ مساعدة لهم في ساعات الأزمة والاحتياج؛ رغم ضيق ذات اليد المزمن. لم يأت إليها أحد طالبا المساعدة وخذلته. اعلم إنها كانت تستلف المال؛ لتسلفه لذوي الحاجة من الرجال أو النساء. ظل بيتها عامرا مفتوحا للأهل والجيران والاصدقاء؛ وكانت نار “كانونها” لا تنطفئ؛ ولا تزال. حكت لي كيف أنها في تجارتها الصغيرة؛ كثيرا ما لا ترجع لها قيمة ما تبيع؛ لعسر ذات يد المشتري؛ أو ترجع لها عبر أقساط صغيرة؛ تدفع عبر سنوات طويلة. حقيقة إن اكثر أهل الكرم والجود ومساعدة الآخرين؛ هم من الفقراء؛ ممن يعرفوا لحظة الضيق وقسوة الزمان. ليس عبثا إذن؛ أن يقول المسيح؛ انه اسهل أن يدخل الجمل من خرم إبرة؛ من أن يدخل الغني إلى ملكوت الله؛ وأضيف أنا: والي ملكوت الإنسان أيضا.

    (13)
    ونوره عبد الله إدريس؛ بعد ومع وبسبب كل كفاحها هذا في الحياة؛ إنسانة تؤمن عميقا بالله وبالقدر؛ وهو إيمان بسيط ولكنه غائص إلى الجذور؛ خالي من التشنج والتعصب؛ كإيمان كل الناس البسطاء. كانت مقولتها المفضلة؛ في لحظات الأزمات وانعدام الأمل: ” الله في”؛ أي أن الله موجود. كانت لفترة تصلي دون انتظام؛ وكانت ممنوعة من الصوم لدواعي مرضها؛ وكان كل هذا هاجسا لها. كنت أقول لها: لو كانت هناك جنة ونار يا نوره؛ وكان هناك إنسان وحيد يفترض إن يدخل هذه الجنة؛ لدخلتيها أنت بلا منازع؛ وذلك علي أنغام الموسيقي. كانت تستنكر هذا القول مني؛ ولكنها ترجع وتقول؛ أنها رغم عدم انتظامها في صلواتها؛ فإنها لم تضر إنسانا في حياتها. وكنت أقول لها أن هذا هو بيت القصيد.
    منذ عدة سنوات تصلي نوره عبد الله بانتظام؛ وهي سعيدة بذلك.

    (14)
    من هي نوره عبد الله إدريس؛ هذه الإنسانة التي أتحدث عنها اليوم؛ واحكي سيرتها باختصار؛ ولو أردت الكتابة الحقيقية عنها؛ لكتبت المجلدات؟ . إنها امرأة أمية بسيطة كادحة؛ من نساء السودان. ألقاها القدر في محيط ومكان وظروف ترعرعت فيها؛ وكانت قاسية كثيرا عليها؛ ولكنها تجاوزتها جميعا؛ وأنجزت الكثير؛ ولا تزال تنجز؛ لنفسها وأهلها ومعارفها وأحبابها؛ فكان ان قامت بالواجب؛ وزيادة.

    (15)
    في هذا اليوم؛ احني هامتي شديدا؛ أمام نوره عبد الله إدريس؛ هذه المرأة البسيطة من السودان. وأقول لها كم أنا فخور بك؛ ومحب لك؛ ومشتاق إليك؛ يا نوره عبد الله إدريس؛ يا نوره بت بعنيب؛ يا أمي العزيزة.

    عادل عبد العاطي
    8 مارس 2004
    سوليوفك – بولندا.

  • محمد ابراهيم نقد :صفحات من سيرة الشمولية السودانية

    (1)

    في ذكرى رحيل القيادي الستاليني محمد ابراهيم نقد يحاول البعض ان يجعل من فسيخ سيرة الرجل شربات، ونسوا ان نقد كان من مؤسسي الشمولية السودانية ، كلس ودمر الحزب الشيوعي وذهب به في طريق اليمين الرجعي ، شارك بالتواطؤ في اغلب انقلابات السودان وخصوصا انقلابي مايو 1969 ويوليو 1971 وغض النظر عن انقلاب الانقاذ وهو يعلم به ..مارس التسلط حين بقى في قيادة حزبه حتى بلغ ارذل العمر، ولم يسن سنة حسنة بالتنحي حتى حينما اصيب بالمرض، فكان احد ديناصورات السياسة السودانية وانانييها.كان الرجل لطيفا مع اعداء الشعب جلفا مع من هم اضعف منه، اساء للأموات ممن قدموا لحزبه ولشعب السودان، مثل شيبون وخضر نصر ووصفهم بالجنون .لم يكن الرجل امينا حتى مع سلفه حين اخفي اوراق عبد الخالق محجوب الاخيرة فتآمر بذلك على التاريخ وحق الناس في المعرفة .كان الرجل مستهزئا متعاملا بخفة مع القضايا الوطنية ويتضح ذلك في حديثه القبيح عن قضية حلايب المحتلة وعن الجنوب الذي تحدث باحتقار عنه وعن طموحاته . كان الرجل ممثلا للثقافة العروبية – الاسلاموية بلا منازع رغم شيوعيته المزعومة . (المزيد…)