البيان التأسيسي: نحو فقه معاصر يواكب كرامة الإنسان وروح العصر

 مقدمة:

منذ قرون طويلة، تَحَجّر الفقه الإسلامي عند اجتهادات تعود لعصور مضت، عصور كانت تفتقر إلى معاييرنا الأخلاقية الحديثة، وعلومنا، ومفاهيمنا عن الإنسان والمجتمع. وقد أنتج هذا الفقه – رغم بعض إشراقاته – منظومة تَمثّلت فيها الذكورية، التسلط، القسوة، والتناقض مع جوهر الدين نفسه، ومع المقاصد العليا للتشريع: العدل، الحرية، الرحمة، والكرامة.
اليوم، في ظل الثورة الرقمية، والعصر الإنساني ما بعد الحداثي، وظهور أدوات مثل الذكاء الاصطناعي، يتبيّن بجلاء أن الاستمرار في اجترار فقه القرن الثاني إلى التاسع الهجري لم يعد مجديًا، بل أصبح معيقًا لتطور المجتمعات المسلمة، ومصدرًا للجريمة أو الاستغلال، كما تفعل جماعات العنف والظلام.

 لماذا نحتاج فقهًا جديدًا؟


نحن في أمسّ الحاجة إلى فقه جديد للأسباب التالية:
1- الفقه القديم متخلف عن روح العصر: إن الفقه الذي يبرر السبي والرق، والذي إعتمد عليه الدواعش، ويصنف البشر إلى مؤمنين وكفار، ويقنن العنف الجسدي، ويختزل المرأة إلى آلة متعة، لا يمكن أن يكون صالحًا لمجتمع معاصر يؤمن بالمساواة والكرامة.
2- الفقه القديم أنتجه بشر مثلنا: هؤلاء الرجال اجتهدوا وفق مستوى وعيهم، وخضعوا لإرادة الحكام والسلاطين، وتحكمت فيهم مصالح طبقية وجندرية. بعضهم كان أقل وعيًا حتى من مفكري عصره مثل المعتزلة وإخوان الصفا والفلاسفة وكبار الصوفية المسلمين.
3- الفقه توقف عن التطور: منذ قرون طويلة لم يظهر فقهاء يجددون جوهر الشريعة، بل غرقوا في فتاوى تعيد إجترار فقه الإئمة الأربعة وتلاميذهم، كما صُنّف باب الاجتهاد على أنه مغلق، ما جعل الفقه علماً ميتًا. إن كثيراً من قضايا اليوم الملحة، مثل المعاملات المالية والاقتصادية الجديدة، وعلاقات المسلمين بغيرهم في بلاد الهجرة، والعلاقات الدولية في واقع العولمة، وقضايا البيئة، تحتاج الى معالجات جديدة وإنسانية.
4- تطور المجتمعات : كثير من الدول الإسلامية، كتركيا وإندونيسيا وتونس، تبنت قوانين مدنية وعلمانية أكثر عدلًا وفعالية من أنظمة الفقه التقليدية. ولنا أن ننظر في حال تلك الدول ونقارنها بالدول التي تتبنى الفقه التقليدي، مثل إيران وأفغانستان والسودان في زمن الانقاذ الخ، لنرى البون الشاسع في التطور والاستقرار وحفظ كرامة الإنسان.

 ما هو الفقه الإسلامي الجديد الذي ندعو إليه؟


الفقه الجديد لا يسعى الى هدم الدين، بل يهدف الى إعادة بنائه بمنهج عقلاني وإنساني، يراعي ما يلي:
1- مرجعية المقاصد لا حرفية النصوص: نقرأ النصوص قراءة تاريخية ونتأولها بناءً على ما تقتضيه مقاصد الشريعة الكبرى: حفظ النفس، والعقل، والكرامة، والحرية.
2- الانطلاق من حقوق الإنسان العالمية: كوثائق العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي مما أقرتها واجازتها كل الدول ذات الأغلبية المُسلمة، بوصفها أدوات تعبير حديثة عن جوهر العدالة.
3- تبني أدوات التفقه العقلي النقدي: المستند إلى العقل، التجربة، والمصلحة العامة، لا النقل والتقليد والجمود.
4- تحديث فقه المعاملات والأنظمة: بالاستفادة من القانون المدني، الاقتصاد الرقمي، العقود الحديثة، والتطورات الاجتماعية.
5- مواءمة الفقه مع الروح العالمية: تجاوز التمركز حول السلف، والمذهب، والطائفة، والحدود القومية، نحو خطاب ديني إنساني كوني.

 من أين نبدأ ؟


هل نبدأ من الصفر؟ لا. نحن لا نبدأ من العدم، بل نقف على أسس إصلاحية راسخة، من بينها:
1- فكر المجددين والعقلانيين من العلماء والأئمة السابقين، مثل المعتزلة، وإخوان الصفا، والصوفية العقلانيين.
2- محاولات التنوير الإسلامي الحديث: من الكواكبي والطهطاوي وخير الدين التونسي ومحمد عبده وتيار جديد الإسلامي في آسيا الوسطى في مطلع القرن العشرين، مروراُ بقاسم أمين ومحمد الطاهر عاشور وانتهاء بمحمد شحرور وعبد الكريم سروش.
3- اجتهادات الفقه الإباضي والشيعي النيرة في بعض جوانبها.
4- تجارب القوانين المدنية في بعض المجتمعات والدول ذات الأغلبية المُسلمة (تركيا، ألبانيا، اندونيسيا، أذربيجان, تونس، المغرب، ماليزيا الخ).
5- أدبيات حقوق الإنسان، والمبادئ الفلسفية للعصر الحديث.

 أهداف المشروع:

تتلخص أهداف المشروع في التالي:
1- إنشاء مرجعية فقهية عقلانية مستقلة عن المؤسسات الدينية التقليدية.
2- صياغة موسوعة “الفقه الإسلامي الجديد” بلغة معاصرة.
3- تطوير نظام معرفي إلكتروني يربط بين النصوص والمقاصد والواقع.
4- إعداد منصة تفاعلية تعليمية ومفتوحة للجمهور المسلم والمختصين.
5- إنتاج منهج دراسي بديل لفقه المدارس والجامعات.

 دعوة مفتوحة:

إنني أدعو كل من يؤمن بالعقل والعدالة والكرامة إلى المساهمة في هذا المشروع، من مفكرين، وفقهاء تقدميين، وقانونيين، ونسويين، وتقنيين، وناشطين.
هذا المشروع ليس ردّة فعل آنية، بل هو نتيجة مسار طويل لبناء عقل ديني جديد، يُجدد صلة الإنسان بالروح، دون أن يحرمه من حريته وحقه في تقرير مصيره.
«لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة، ماله ودمه»، هكذا جاء في الحديث الشريف. إننا نؤمن أن كل فقه لا يصون حياة وكرامة الإنسان، لا يمتّ لروح الإسلام الحقيقي بصلة.

عادل عبد العاطي
24 يونيو 2025م
adil@abdelaati.org