القفزة الاقتصادية السودانية ٢٠٢٥-٢٠٣٥م (١ من ١٠)
مقدمة:
يمر السودان بأزمة اقتصادية طاحنة تُعد من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث، نتيجة للحرب الدائرة منذ أبريل 2023 والتي اطلقتها مليشيا الدعم السريع (RSF) وحلفاءها الداخليين والخارجيين .
لقد خلفت هذه الحرب دماراً شاملاً في البنية التحتية، وانهياراً في النظام المالي، وموجة نزوح ولجوء غير مسبوقة، مع تفاقم المجاعة والفقر والتضخم.
بذلك اصبح الوضع الاقتصادي هشًا للغاية، مع مؤشرات كارثية شملت انكماش الناتج المحلي، تضخمًا فاحشًا، ارتفاع الديون إلى مستويات غير مسبوقة، وتفكك في البنية التحتية للخدمات والقطاعات الإنتاجية.
رغماً عن كل ذلك، فإن السودان لا يزال يملك إمكانيات وفرصًا مهمة في موارده الطبيعية والبشرية قد تُسهم في إنقاذه إذا أُحسن استغلالها في مرحلة ما بعد الحرب.
في سلسلة المقالات هذه نطرح برنامجاً طموحاً للنهوض والقفزة الاقتصادية خلال الفترة ٢٠٢٥-٢٠٣٥ ، وباستخدام حلول ثورية ومتقدمة في مجال الاقتصاد والتقنية والادارة.
الحلقة الاولى : الوضع الاقتصادي العام في السودان في عام ٢٠٢٥
لطرح اي برامج للنهضة الاقتصادية، لا بد ان ننطلق من معرفة موضوعية بماضي وحاضر الاقتصاد السوداني، وجملة الظروف الداخلية والخارجية التي تتحكم فيه، والامكانيات المستغلة والكامنة فيه.
في الفقرات أدناه أقدم عرضاً سريعاً لواقع الاقتصاد السوداني في عام ٢٠٢٥م
أولاً: السياق العام والوضع الإنساني:
أدت الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 إلى انهيار شبه كامل في معظم أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية. أبرز ملامح هذا الانهيار:
– أكثر من 150,000 قتيل، بينهم حوالي 7,500 مدني.
– حوالي 11.8 مليون نازح داخليًا، يشكلون أكبر موجة نزوح داخلي في العالم.
– أكثر من 4 ملايين لاجئ سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار.
– 25 مليون شخص – أي نحو نصف السكان – في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية عاجلة.
– انهيار قطاع الصحة بنسبة تفوق 80% في مناطق النزاع، واختفاء شبه تام للخدمات الأساسية في دارفور وكردفان.
– حوالي 250,000 حالة وفاة بين الأطفال الرضّع بسبب نقص الادوية وسوء التغذية الحاد.
– دمار أكثر من 33,000 مبنى في الخرطوم وحدها، وخسائر هائلة في القطاعين العام والخاص.
كل هذه المعطيات تشير إلى انهيار شبه شامل في بنية الدولة والإقتصاد، ما يستوجب تدخلًا اقتصاديًا وإنسانيًا واسعًا لإعادة بناء السودان.
ثانياً: المؤشرات الاقتصادية الكلية:
تعكس المؤشرات الاقتصادية للسودان في 2025 مدى عمق الانهيار المالي والاقتصادي الذي تعرضت له الدولة، وجاءت كالتالي:
الناتج المحلي الإجمالي (GDP):
تراجع بنسبة -37.5% في عام 2023.
تراجع إضافي بنسبة -5.9% في 2024.
نمو طفيف متوقع بـ0.5% في 2025 حال تحقق السلام والاستقرار.
معدل التضخم: بلغ 118.9% في 2025، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية وانخفاض القوة الشرائية.
نسبة الفقر: ارتفعت إلى 76% من السكان، أي حوالي 39.3 مليون سوداني يعيشون تحت خط الفقر.
العجز في الحساب الجاري: بلغ 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
الاحتياطي الأجنبي: لا يغطي سوى شهر واحد من الاستيراد، مما يعكس هشاشة قدرة الدولة على تغطية وارداتها الأساسية.
سوق العمل:
– فقدان أكثر من 5.2 مليون وظيفة نتيجة لانهيار قطاع الخدمات.
– هروب واسع لرأس المال البشري إلى الخارج.
ثالثاً: قطاع الزراعة:
يُعد القطاع الزراعي العمود الفقري للاقتصاد السوداني، حيث يُشغّل ما يزيد عن 80% من القوة العاملة، ويساهم بما يقارب 40% من الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن الحرب أثرت عليه بشدة، خاصة في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة وسنار والنيل الأبيض، وهي المناطق الزراعية الأهم في البلاد.
الخسائر الكبرى في القطاع الزراعي:
– انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 80% في دارفور وكردفان بسبب النزاع والنزوح الجماعي وغياب التمويل والمدخلات الزراعية.
– تراجع إنتاج القطن في مشروع الجزيرة إلى أدنى مستوياته منذ تأسيس المشروع في 1925، بسبب إيقاف الري ونقص العمالة.
غياب السياسات الزراعية والتمويل: حيث توقف البنك الزراعي عن تمويل معظم المشاريع الزراعية بسبب الأزمة النقدية.
المنتجات الزراعية الرئيسية في 2025:
– السمسم: ~700,000 طن، يشكل أحد أهم صادرات السودان (بلغت قيمته 746 مليون دولار عام 2024.
– الفول السوداني: 1.5 مليون طن، بقيمة تصديرية بلغت ~143 مليون دولار في 2024.
– الذرة الرفيعة: 5 ملايين طن – لكنها تراجعت بنسبة 80% في مناطق الحرب.
– الصمغ العربي: 50,000 طن، يُصدر منه ما يعادل 100 مليون دولار سنويًا رغم التهريب وانعدام الرقابة.
– البرسيم والخضر والفواكه: تراجع انتاجها بشكل كبير بسبب انهيار نظم النقل والتبريد والأسواق.
التحديات الإضافية:
– الجفاف والعطش في مشروع الجزيرة وامتداداته نتيجة لضعف التدفق المائي بسبب سد الدمار الاثيوبي.
– فقدان المدخلات الزراعية المخزنة في العاصمة ومدني (أسمدة، مبيدات، بذور).
– انعدام الأمن في الحقول.
– نزوح المزارعين وانهيار الأسواق الريفية.
رابعاً: قطاع المعادن:
يمتلك السودان موارد معدنية ضخمة، خاصة في مجالات الذهب، النحاس، الحديد والكروم. لكن الحرب والأزمات السياسية حالت دون تطوير هذا القطاع بصورة منهجية.
الذهب:
– انتج السودان في عام 2024 نحو 64.36 طنًا من الذهب، بقيمة سوقية بلغت 1.51 مليار دولار.
– حوالي 83% من هذا الإنتاج يتم عبر التعدين التقليدي غير المنظم، والذي يُنتج في ظروف صعبة، دون رقابة بيئية أو مالية.
– يُهرّب أكثر من 34% من الذهب إلى خارج البلاد، عبر ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق الخ. وهو ما يمثل خسارة ضخمة للاقتصاد القومي.
النحاس:
– توجد احتياطات ضخمة في جبل أوهير بولاية البحر الأحمر، تقدر بـ1.95 مليون طن من خام النحاس عالي الجودة.
– القيمة النظرية لهذا الاحتياطي تُقدّر بـ 17.5 مليار دولار، ما يجعل السودان من أكبر دول المنطقة ثروة في هذا المعدن.
– لا توجد حتى الآن استثمارات كبيرة في استخراج النحاس.
الحديد:
– احتياطات السودان المؤكدة من خام الحديد تتجاوز 2 مليار طن، لا سيما في مناطق البحر الأحمر وغرب السودان.
– القيمة الاقتصادية النظرية لهذه الاحتياطات تقارب 200 مليار دولار، لكنها غير مستغلة.
معادن أخرى واعدة:
– الكروم: احتياطات ضخمة في النيل الأزرق والبحر الأحمر.
– الفوسفات: مؤكد وجوده في ولاية نهر النيل.
– الفضة، الرصاص، الزنك، التيتانيوم: لم يتم استغلالها بعد نتيجة ضعف البنية الجيولوجية والتنظيمية.
خامساً : قطاع الطاقة:
يمتلك السودان إمكانيات طاقوية كبيرة، لكنه يعاني من اختلالات هيكلية تفاقمت بفعل الحرب. ومع توفر احتياطات نفطية مؤكدة، وموارد هائلة من الطاقة المتجددة، إلا أن هذه الإمكانات لم تُستغل بعد بصورة منهجية.
النفط والغاز:الإنتاج الحالي لا يتجاوز 60,000 برميل يوميًا، مقارنة بـ120,000 قبل الحرب. معظم الحقول متضررة، والتنقيب متوقف. الاحتياطي المؤكد يتجاوز 1.5 مليار برميل.
الغاز الطبيعي:
تشير تقديرات هيئة البترول السودانية وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى وجود احتياطات تفوق 4.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، موزعة بين حوض طوكر، النيل الأزرق، وسواكن. لم يُستغل هذا المورد بعد، لغياب البنية الأساسية والكيانات المختصة.
الطاقة المتجددة:
– يتمتع السودان بإشعاع شمسي من بين الأعلى عالميًا، بمتوسط 6.1 كيلوواط/ساعة/متر مربع يوميًا، ما يجعله مثاليًا للاستثمار في الطاقة الشمسية.
– كذلك، فإن الرياح في المناطق الساحلية (بورتسودان، طوكر، سواكن) والشمالية (دنقلا، عطبرة) تسمح بإنتاج طاقة رياح مستدامة بقدرة تصل إلى 15,000 ميغاواط بحسب دراسات IRENA.
– تمتلك البلاد 5 سدود عاملة (مروي، الروصيرص، سنار، خشم القربة، أعالي عطبرة وستيت)، لكن معظمها يعمل بأقل من 50% من طاقته التصميمية بسبب ضعف وصول المياه بعد تخزين السد الاثيوبي وتراكم الطمي وضعف الصيانة.
سادساً : قطاع الصناعة:
تدهور هذا القطاع تدريجياً على مدى 40 عامًا، وبلغ التدهور ذروته مع دمار المناطق الصناعية. مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الاجمالي تراجعت إلى أقل من 6% مقارنة بـ14% عام 2010.
الوضع الحالي:
* تدمير أو توقف أكثر من 70% من المصانع، فضلاً عن غياب الطاقة الكهربائية والنقل وضعف الإمدادات
* اختفاء العديد من الصناعات الدوائية،الغذائية، النسيج.
* تدمير الصناعة في ولاية الخرطوم تماماً، وبقاء محدود لبعض المصانع المتوسطة في عطبرة وبورتسودان.
– بعض المصانع الصغيرة في القضارف وسنجة وربك / كوستي عاودت العمل مؤخرًا، لكن بطاقة محدودة.
اهم الصناعات المتضررة:
– الصناعات الغذائية: مثل مطاحن الدقيق ومصانع الزيوت والسكر، التي تعطلت بسبب غياب التمويل والنقل.
– الصناعات الدوائية: أكثر من 12 مصنعًا تم تدميرها جزئيًا أو كليًا، مما ساهم في أزمة دواء وطنية.
– صناعة الغزل والنسيج: كانت تعمل بـ20% من طاقتها قبل الحرب، وتوقفت بالكامل منذ مايو 2023.
سابعاً : قطاع الأعمال والتجارة:
تأثر قطاع الأعمال والتجارة بشدة بالحرب، وفقد السوق السوداني تماسكه الداخلي والخارجي.
على مستوى السوق الداخلي كانت اهم المشاكل كالتالي:
– تضخم السوق الموازي.
– اختلاف الأسعار بين المناطق.
– فقدان سلاسل الإمداد.
على مستوى السوق الخارجي كانت اهم المشاكل كالتالي:
– تراجع الصادرات إلى 2.4 مليار دولار.
– سيطرة التهريب على الذهب والثروة الحيوانية وخصوصاً في الاقاليم الغربية.
– بطء في التخليص الجمركي، وتوقف في مشاريع تطوير المؤاني.
أهم الشركات العاملة في السودان حالياً:
رغم ظروف الحرب والانهيار شبه التام للبنية التحتية لقطاع الاعمال والتجارة، إلا أن بعض الشركات الكبرى ما زالت تحاول الصمود:
شركات محلية ودولية بارزة:
– مجموعة دال: أكبر مجموعة اقتصادية سودانية، تعمل في مجالات الأغذية، الزراعة، الطاقة، والنقل. نقلت جزءًا من عملياتها إلى بورتسودان وحافظت على بعض نشاطها في المناطق الآمنة.
– شركة زين السودان أكبر مزود للاتصالات، وواصلت تقديم خدماتها الرقمية رغم تعرض أبراج الاتصالات للنهب والتدمير. لعبت دورًا محوريًا في استمرار المعاملات المالية عبر تطبيق Bankak.
– شركة سكر كنانة : تضررت بشدة من الحرب، خاصة بعد توقف الري في مناطق المشروع.
– Sudatel وMTN: واجهتا تحديات كبيرة، مع فقدان أكثر من 60% من الشبكة في مناطق النزاع.
الخسائر:
– تقدر الخسائر المباشرة وغير المباشرة للشركات الكبرى بعدة مليارات من الدولارات.
– كثير من المصانع (مثل مصانع الأدوية والمواد الغذائية) والشركات والمخازن إما دُمّرت أو نُهبت.
– بعض الشركات نقلت مقارها إلى الخارج أو إلى المناطق الاخرى كعطبرة او بورتسودان.
ثامناً : النظام المصرفي والبنك المركزي
شهد النظام المصرفي السوداني في 2023 و2024 انهيارًا غير مسبوق:
البنك المركزي السوداني (CBOS):
– دُمّر مقره في الخرطوم في أبريل 2023 خلال قصف عنيف.
– تم نهب 1.3 طن من الذهب بقيمة تقارب 150 مليون دولار من خزائن البنك المركزي بواسطة قوات الدعم السريع، حسب تقارير الأمم المتحدة.
– انقطعت معظم فروع البنك المركزي عن الاتصال بالأنظمة المالية الدولية.
القطاع المصرفي:
– خسرت المصارف السودانية أكثر من 4 مليارات دولار من الأصول، منها أرصدة مودعين وشركات.
– اكثر من 80% من العملة المحلية أصبحت خارج النظام المصرفي، ما خلق اقتصادًا نقديًا غير مراقب.
– البنوك الكبرى (بنك الخرطوم، بنك فيصل الإسلامي، بنك النيل، بنك الادخار، وغيرهم) أغلقت معظم فروعها في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
– تم إدخال أوراق مالية جديدة من فئات 500 و1000 جنيه في نهاية 2024، لكنها لم تُوزّع إلا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، مما عمّق الانقسام المالي في البلاد.
تاسعاً : الدين العام
يُعد الدين العام السوداني من أكثر الملفات تعقيدًا وخطورة، حيث ارتفعت مديونية السودان خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، ما يجعلها عبئًا خانقًا على الاقتصاد ومهددًا لاستقراره المستقبلي.
أرقام رئيسية في 2025:
– إجمالي الدين العام (داخلي + خارجي): بلغ 25,6 مليار دولار، وهو ما يعادل 272% من الناتج المحلي الإجمالي.
– الدين الخارجي فقط: يبلغ 22.6 مليار دولار، بعد توقف معظم مبادرات إعفاء الديون التي كانت مقررة في إطار مبادرة HIPC (البلدان الفقيرة المثقلة بالديون).
أهم الدائنين الدوليين:
– الكويت: حوالي 9.8 مليار دولار، وهي أكبر دائن عربي للسودان.
– السعودية: حوالي 3 مليار دولار، خاصة من ودائع واستثمارات سابقة في بنك السودان.
– نادي باريس: ديون تجاه فرنسا، النمسا، وأمريكا.
– صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: الديون الرسمية والمتأخرة عليهما تقدر بـ3.7 مليار دولار.
الإشكاليات:
– استمرار الحرب أوقف جميع عمليات إعادة هيكلة الديون.
– انعدام الثقة في الحكومة السودانية منع أي التزام خارجي بالتمويل أو إعفاء.
– ضعف الإيرادات العامة يجعل سداد الفوائد وحدها عبئًا غير ممكن دون المساعدات.
عاشراً : التحول الرقمي والاتصالات:
رغم انهيار الدولة، شكّل التحول الرقمي إحدى أدوات البقاء والابتكار، لا سيما في ظل تدمير الخدمات التقليدية وخروج المصارف عن الخدمة.
الاتصالات:
– 60% من الشبكات خارجة عن الخدمة.
– انخفاض التغطية إلى أقل من 48%.
– الإنترنت ضعيف أو غائب في معظم المناطق.
الخدمات المالية الرقمية:
– بعض المصارف مثل بنك الخرطوم حاولت التوسع في الخدمات الرقمية.
– تطبيق Bankak نفذ أكثر من 50 مليون معاملة خلال عامين.
– بروز محافظ إلكترونية بديلة رغم غياب الإطار القانوني.
العملات الرقمية:
– توسع في استخدام العملات الرقمية وخصوصا وسط الشباب والسودانيين بالخارج.
– ظهور أسواق تقبل العملات الرقمية محليًا.
الفراغ التنظيمي:
– لا هيئة رقمية وطنية.
– لا قوانين لحماية البيانات أو العملات المشفرة.
حادي عشر: التحديات الاقتصادية الكبرى:
يواجه الاقتصاد السوداني جملة من التحديات البنيوية والفورية تعيق أي إمكانية للتعافي دون إصلاحات شاملة وجذرية.
أبرز التحديات:
– التهريب الواسع للذهب (34% من الإنتاج السنوي يُهرّب).
– غياب الأمن في مناطق الإنتاج الحيوي (دارفور، كردفان، تخوم النيل الابيض والشمالية).
– عدم الاستقرار السياسي وانقسام الصلاحيات بين جهات مختلفة.
– الافتقار إلى الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام.
– العقوبات الدولية المتجددة وتعليق مبادرات الدعم الدولي.
– غياب دور الميزانية العامة وضعف فدرة الحكومة المركزية على التخطيط الاقتصادي.
– الانهيار الكامل للعمل المؤسسي في الوزارات الاقتصادية مثل المالية والتخطيط والزراعة والصناعة.
– ضعف الرقابة على الشركات المملوكة للجيش والأمن والدعم السريع، والتي تسيطر على قطاعات حيوية دون مساءلة أو شفافية.
ثاني عشر: الفرص المتاحة لإعادة بناء الاقتصاد:
رغم حجم الكارثة، إلا أن السودان لا يزال يمتلك فرصًا واعدة لإعادة بناء اقتصاده، بشرط توفر الإرادة السياسية، ووقف الحرب، وقيام حكومة انتقالية فعالة ذات شرعية واسعة.
1. الموارد الطبيعية الهائلة:
– الزراعة: الأراضي الصالحة للزراعة تغطي أكثر من 100 مليون فدان، ويمكن أن تُحول السودان إلى سلة غذاء لأفريقيا والعالم العربي إذا توفرت البنية التحتية والدعم الفني.
– المعادن: امتلاك السودان لاحتياطات كبيرة من الذهب، النحاس، الحديد، الفوسفات، الكروم، التيتانيوم، وغيرها، يمكن أن يشكل أساسًا قويًا لاقتصاد تعديني حديث.
– موقع السودان الجغرافي على البحر الأحمر يتيح له فرصًا لوجستية وتجارية ضخمة إذا أعيد تأهيل الموانئ وربطها بالشبكة القارية.
2. رأس المال البشري:
– رغم النزيف الحاد للهجرة، لا يزال السودان يحتفظ بنسبة كبيرة من الشباب المتعلمين، ويمكن الاستثمار فيهم من خلال برامج تدريب وتحفيز للعودة.
– المهجر السوداني (الدياسبورا) يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في التحويلات المالية والاستثمار والخبرة إذا وُضعت حوافز كافية لربطهم بالاقتصاد الوطني.
3. التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية:
– فرض الواقع على المواطنين استخدام الحلول الرقمية، مما يوفر أساسًا لبناء اقتصاد لا نقدي (cashless).
– يمكن للسودان أن يقفز مباشرة إلى مرحلة الاقتصاد الرقمي باستخدام البنية المتوفرة (الاتصالات، التطبيقات)، وتطوير إطار قانوني مشجع.
4. فرص الشراكات الإقليمية والدولية:
– السودان جزء من مبادرة الربط الإقليمي الأفريقي (AfCFTA) ومؤهل ليكون ممرًا بريًا وتجاريًا بين دول غرب وشرق أفريقيا.
– إذا استقرت الأوضاع، يمكن للسودان أن يجذب استثمارات ضخمة من الخليج، الاتحاد الأوروبي، والصين، والولايات المتحدة في مجالات الزراعة والطاقة والمعادن.
5. الموارد المائية:
– يمتلك السودان موقعًا مائيًا استراتيجيًا على نهر النيل، ويمكن أن يطوّر مشاريع ري وكهرباء مستدامة إذا أعيد النظر في سياسات إدارة المياه.
الخاتمة:
إن الوضع الاقتصادي في السودان لعام 2025 يمثل قمة الانهيار بعد سنوات من الفساد، سوء الإدارة، والانقسام السياسي، وقد جاءت الحرب لتقضي على ما تبقى من مؤسسات الدولة.
ومع ذلك، فإن حجم الفرص والإمكانات الكامنة لا يزال كبيرًا، ويمكن للسودان أن يتحول إلى قصة نجاح نادرة في أفريقيا إذا توفرت له الارادة السياسية والخطط السليمة والتنفيذ المثابر الناجح.
في الحلقات القادمة سوف نتناول بعض الخطط والمشاريع الثورية لانهاض الاقتصاد والقفز به خلال العشر سنوات القادمة.
عادل عبد العاطي
٢٣ يوليو ٢٠٢٥م
ملاحظات:
١- المقال اعلاه جزء من بحث كبير وموسع عن الوضع الاقتصادي السوداني الحالي اثرت هنا اختصاره لتسهيل القراءة على القاريء غير المتخصص.
٢- لم أشر الى البيانات والمؤشرات والإمكانيات الاقتصادية في اقليمي كردفان ودارفور، الا فيما ندر، حتى يتم تحريرهما من دنس المليشيا وحلفاءها، وتحليل الوضع بهما بدقة ووضع برامج خاصة للقفزة الاقتصادية فيهما.
