رؤية لسياسة خارجية جديدة تحمي مصالح السودان وتحقق تطلعات شعبه

مقدمة

عشية تكوين حكومة كامل ادريس يقف السودان اليوم في مفترق طرق. اذ انه بعد سنوات طويلة من التخبط السياسي، والانقلابات، والتدخلات الخارجية، وحرب داخلية مدمرة بدأت في 15 أبريل 2023، صار لزامًا علينا أن نعيد التفكير في كيف ندير علاقاتنا مع العالم. نحن بحاجة إلى سياسة خارجية جديدة، ذكية، وواضحة، تدافع عن مصالح السودان، وتحمي كرامة شعبه، وتفتح أمامه أبواب التنمية والتقدم.
لقد تابع كاتب هذه السطور عن قرب كل ما حدث خلال العقود الاخيرة في السودان، في ساحة العلاقات الخارجية. ولقد ابتدرت وشاركت في نقاشات كثيرة مع خبراء وسياسيين وقادة رأي، داخل وخارج السودان، عن الامر، وضمنت وجهة نظري في برنامح سودان المستقبل وفي العديد من المقالات، مما الخصه اليوم في التالي:

اولا: اهداف السياسة الخارجية السودانية

لا يمكن بناء سياسة خارجية ( ولا داخلية) ناجحة دون تحديد الأهداف الكلية لهذه السياسة. في السابق كانت أهدافنا اما خاطئة او مبهمة، او كما قال حميدتي ( هدفنا انو ما عندنا هدف). عموما ارى انه في قلب اي صياغة جديدة لسياستنا الخارجية، يجب ان تبرز هذه الاهداف الرئيسية:
١- هزيمة تمرد الدعم السريع الحالي، وحماية السودان من أي عدوان خارجي أو تمرد داخلي مدعوم من الخارج مستقبلاً. السودان يجب أن يكون قويًا في الدفاع عن أرضه وشعبه، لكن ليس فقط بالقوة العسكرية، بل بالدبلوماسية والتحركات السياسية المدروسة.
٢- استعادة سيادة السودان، وضمان امنه القومي وكرامة مواطنه و أمن موارده. لا يمكن أن نسمح لأي دولة أو جهة بأن تستنزف ثرواتنا ، او تهين مواطنينا، أو تتحكم في قراراتنا.
٣- استشراف التنمية عبر بناء شراكات مع دول أخرى على أساس “المصلحة المشتركة”، يعني بمنهج: “شيلني واشيلك “. هذا سيساعدنا على تحقيق التنمية السريعة التي ينتظرها كل سوداني.

ثانيا: مصادر المعلومات

لكي تنجح هذه السياسة الجديدة، يجب أن تكون مبنية على معلومات دقيقة وتحليلات صحيحة. لذلك، اقترح تأسيس “مركز السودان للأمن القومي والتحليل الجيوسياسي”، يجمع ممثلين من الجيش، المخابرات، الخارجية، وخبراء مستقلين، ليقدم تقارير عن المخاطر والفرص التي تواجه السودان.
ايضا من المهم إعادة تنظيم سفاراتنا ومراكزنا البحثية بحيث يكون فيها افراد متخصصون قادرون على جمع المعلومات وتحليلها.

ثالثاً: القرارات الحاسمة
ولأننا بحاجة لقرارات واضحة لا تقبل التردد، فإن السياسة الجديدة يجب تشمل اتخاذ وتنفيذ إجراءات حاسمة، من بينها :
١- وقف التصريحات العشوائية عن السياسة الخارجية. ان هذه التصريحات تضر ولا تنفع، ويستخدمها الخصوم شر استخدام. ان وزارة الخارجية وحدها هي من يجب ان تتحدث وتصرح باسم السودان في هذا المجال.
٢- تقليص العلاقات مع إيران . ان ايران وحلفاءها مستهدفون حالياً، ونحن لا نشكل عمقاً جغرافياً ولا اقتصادياً ولا عقائدياً لايران . ان ايران التي تخلت عن الأسد سريعاً يمكن ان تتخلى عنا بسرعة اكبر. كما ان مصالحنا مع جيراننا الاقربين اقوى. لا مصلحة لنا اطلاقا في ان نصنف كجهة موالية لايران في المنطقة.
٣- رفض إقامة قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان بل واي قاعدة عسكرية اجنبية في بلادنا. هذا يشكل تخلياً عن سيادتنا، كما يدخلنا في صراعات المحاور الدولية في امر نحن في غني عنه.
٤- استمرار الموقف الواضح تجاه الامارات ، بوصفها دولة عدوان. يجب ان تعلم الامارات ان الشعب السوداني لن ينكسر امامها، وان الطريق الوحيد لها لاصلاح علاقاتها مع بلادنا هو وقف دعمها للتمرد، وعدم التدخل في سياساتنا الداخلية، والتعويض العادل عن كل الدمار الذي احدثته بالسودان.

رابعاً: الشراكات الدولية

على مستوى الشراكات الاقليمية والدولية فيجب ان تبني على اساس حفظ السيادة والأمن القومي والمصالح المشتركة، وليس على اساس الأيدلوجيات او تحقيق العمولات.
في هذه اللحظة ارى التركير اقليميا على ترسيخ علاقاتتنا مع دول مثل تركيا، قطر، ومصر والسعودية، وهي دول وقفت موقفاً ايجابياً او محايداً تجاه الحرب البغيضة على السودان. كما يجب أن نعود بقوة للاتحاد الأفريقي، ونتعاون مع دول أفريقية كبرى مثل نيجيريا وجنوب افريقيا والمغرب وغانا وزامبيا والكونغو الخ.
وفضلا عن التعاون مع الدول والتجمعات والاقتصاديات الكبرى ( الولايات المتحدة، الصين، دول الأتحاد الأوروبي) هناك فرصة كبيرة أيضًا في التعاون مع دول مثل الهند، اليابان، البرازيل، والأرجنتين، اندونيسيا، كوريا الجنوبية، وكلها دول يمكن ان تساهم لبناء السودان وتطويره، ليصبح مركزًا اقتصاديًا وصناعيًا مهمًا في افريقيا.

خامساً : سياسة التفاوض

في السياسة ليس هناك اعداء دائمون ولا اصدقاء دائمون، لذلك هناك ضرورة للتفاوض في اغلب الاحيان مع الأطراف المختلفة.
في هذا الصدد لا يجب ان يرفض السودان الحوار او التفاوض مع اي طرف، بما في ذلك المليشيا او الامارات، ولكن يجب أن يتم التفاوض من موقع قوة، وبسقف مرتفع يحمي مصالحنا، وتكون مطالبنا هي حل المليشيا وتفكيكها ونزع سلاحها وإقرار سيادة الدولة. هنا لا مكان لاي تراجع او مساومات، والشعب الذي دفع الثمن غالياً لمدة عامين، لا يمكن اجباره على عودة المليشيا الارهابية باي شكل من الاشكال للحياة السياسية.

سادساً: خطوات ضرورية

لتنفيذ هذه السياسة، اقترح إصدار قرار واضح من مجلس السيادة بأن وزارة الخارجية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن السياسة الخارجية، مع إنشاء مجلس خاص لمتابعة تنفيذ هذه السياسة، يرفع تقارير دورية عن التقدم المحقق. كما يجب أن تراجع ملامح هذه السياسة كل ستة أشهر لتحديثها وتطويرها حسب الظروف.
كما تحتاج سياستنا الخارجية الجديدة إلى حوار واسع مع كل مؤسسات الدولة، سواء كانت مجلس السيادة، مجلس الوزراء، الجيش، المخابرات، بل والاقتصاديين والخبراء في السياسة والعلاقات الدولية. كما يجب أن يتم التشاو ر حولها مع ممثلي الشعب ومؤسسات المجتمع المدني والمثقفين وصناع الراي. لأن السياسة الخارجية ليست مجالاً محتكراً للحكومة، بل يجب ان يساهم في صياغتها وتنفيذها كل شعب السودان.

خاتمة

اؤمن انه بعد عقود من الفشل والتردد والتخبط، فقد حان الوقت لأن نمسك بزمام أمورنا. حان الوقت لأن تكون لنا سياسة خارجية تحمي بلدنا، وتعزز اقتصادنا، وتعيد للسودان مكانته الإقليمية والدولية.
مع تكوين حكومة جديدة والانتصارات على جبهات القتال يجب أن نتحرك ايضاً في الجبهة الدبلوماسية بثقة وشجاعة وعقلانية، بدون تردد ولا تخبط ولا مساومة على مصالح وطننا الكبرى والغالية.

عادل عبد العاطي
٢٥ مايو ٢٠٢٥م