قراءة في كتاب “حلاج السودان” ليوسف سُمرين

قرأتُ قبل أيام كتاب “حلاج السودان: أطروحات محمود محمد طه والحزب الجمهوري بعين النقد” من تأليف الكاتب الفلسطيني المقدسي الشاب يوسف سُمرين. صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في عام 2020م، ويقع في 145 صفحة، وصدر عن دار اللؤلؤة في بيروت.

ورغم أن الكاتب ينتمي بصورة عامة إلى التيار السلفي الديني (ما يُسمى بأهل السنة والجماعة)، إلا أنه قدّم – في تقديري – نقدًا موضوعيًا لأفكار ومواقف محمود محمد طه، من خلال تحليل أطروحاته الفكرية والسياسية. أوضح فيها ما كنا قد كشفناه من قبل في كتاب اختبار البطة، أن محمودًا غير أصيل في كتاباته، وإنما يقتبس دون إشارة إلى المراجع، وأنه في ذلك حاطب ليل.

كما كشف سُمرين في كتابه الطابع التكفيري الجامح للجمهوريين وتفوقهم في ذلك على الخوارج، وشرح أي دولة استبدادية كان يريد أن يقيمها الحزب الجمهوري ومحمود، لو أُتيحت لهم الفرصة في الحكم، حيث يكون محمود فيها “الفعال لما يريد”، فهو ليس ظل الله في الأرض وإنما هو الله نفسه (الإنسان الكامل) مجسّدًا على الأرض.

ويقارن الكاتب أيضًا بين محمود محمد طه والحلاج، وخصوصًا في فكرة وحدة الوجود والتنزل الإلهي في المخلوقات، والتأثر بالأفكار الإفلوطينية* في ذلك. وإن كان المؤلف يرفض كِلا من أفكار الرجلين، إلا أنه ينحني احترامًا للحلاج الذي لم يُنكر أفكاره بل جهر بها، بينما مارس الجمهوريون المغالطات حول طبيعة أفكارهم، رغم جهر محمود – وجهرهم بها – في العديد من الكتب والوثائق.

ويكشف سُمرين بالتفصيل مواقف محمود والجمهوريين من قضايا القرآن، وتفسيرهم العشوائي له، وقضايا النبوة والرسالة، والصفات والأسماء، والحرام والحلال، والجنة والنار، حتى يصل إلى تأكيد ادّعاء محمود الرسالة والنبوة بل والألوهية، وبتوثيق جيّد. كما يكشف أن من انتقد الجمهوريين لم يُشوّه أفكارهم، بل أنهم هم يمارسون الإنكار والتناقض في طرحهم، والذي يغطونه بالتعالي الزائف والصوت العالي والهجومية العدائية وادّعاء التفرد الكاذب.

كتاب سُمرين يستحق الاهتمام من القارئ السوداني، إذ إن الرجل على اطّلاع واسع على أفكار الجمهوريين، وله خلفية فلسفية ومعرفية عميقة، كشف من خلالها ضعف تأسيس محمود والجمهوريين المعرفي بل والفقهي. وكنت قد أشرتُ من قبل إلى زعم محمود أن الرجم من حدود الله، وخطأ فهمه أصلًا للمصطلح. وقد أوضح سُمرين أن جزءًا كبيرًا من مرجعية محمود الدينية، من آيات وأحاديث، إمّا أنها تُستخدم خارج سياقها، أو تُفسَّر اعتباطيًا، أو هي موضوعة أصلًا وليست بأحاديث.

لقد تناول الدكتور قصي همرور الكتاب بمبضع النقد، في مدونته الشخصية، ولكن من المؤسف أن نقده كان دفاعيًا بحتًا وتبخيسيًا، في ممارسة تقليدية للجمهوريين الذين يظنون بأنفسهم ظنونًا عظيمة من التفوق والتفرّد. وهو الوهم الذي فضحه سُمرين شر فضح. إن من المحزن أن عقلًا قويًا وكبيرًا مثل عقل قصي همرور لا يرى كل تناقضات هذا الفكر المزعوم، بسبب الانتماء الأيديولوجي والعمى العقيدي.

  • لا يجب الخلط بين أفكار افلاطون اليوناني وأفلوطين المصري، والذين خلط بينهما العرب القدامي لتشابه الأسماء.

نسخة بي دي اف للكتاب