مقدمة:
كان الشيخ محيي الدين ابن عربي مُحبًّا للنساء، ضمن حبّه لكلّ البشر. ومن منطلق نظريته أن الدين الحقيقي هو المحبة، وبتأثيرٍ من تجربته الشخصية وعلاقاته بالنساء، فقد كان يحبهنّ ويحترمهنّ. ولا غرو، فهو القائل:
أُدينُ بدينِ الحبِّ أنّى توجّهتْ ** رَكائبهُ، فالحبُّ ديني وإيماني.
نساء حول إبن عربي:
ورغم أن كتابات ابن عربي تكاد تخلو من ذكر النساء تفصيليًّا أو التطرّق إلى حياته الشخصية والعائلية، إلا أنّ كلّ من ذكرهنّ – بابتسار – في كتاباته من النساء، كان ينطلق تجاههنّ من حبٍّ عظيم واحترامٍ أعظم. وذلك سواء تعلّق الأمر بأستاذاته (شيخاته) العجائز، مثل فاطمة القُرطُبيّة التي كان يقوم بخدمتها سنوات، والتي كانت بمثابة أُمّه الروحية، أو شمس “أم الفقراء” التي عرّج عليها بالمغرب، وقال إنها من الأولياء الأواهين، وهنّ الشيخات اللاتي تحدّث عن فضلهنّ وولايتهنّ.
ونرصد نفس الأمر في علاقته تجاه زوجاته، واللاتي ذكر منهنّ في كتبه فاطمة بنت يونس بن يوسف (أمير الحرمين)، ومريم بنت محمد بن عبدون، التي وصفها بالمرأة الصالحة، وتحدّث عن علمها ورؤيا لها. وكذلك تجاه أُختَيه، واللاتي رأى في رؤيا أنه سُمح له بالشفاعة يوم القيامة، فشفَع في عدد من الناس، منهم أختاه: “أم علاء” و”أم سعد”.
دور الانثى في الكون:
ولابن عربي احتفاءٌ خاصٌّ بالأنثى، ضمن نظريته عن الكون، وعلاقة الذكورة والأنوثة فيه. فنَجده في الفتوحات المكية، في معرض حديثه عن مشاهدته القلبية للأنبياء، وذكره لعيسى، يقول:
“قد جثا يُخبره بحديث الأنثى.”
بل إنّ ابن عربي يذهب أبعد من ذلك، ليقول إنّ كلّ الكون، ليس فيه رجلٌ واحدٌ، بل الرجال هم إناثٌ حقًّا؛ حين يتحدّث عن إحدى مراتب الوجود، أي مرتبة القابلية والانفعال والتأثّر، وذلك في قوله:
إنّا إناثٌ لما فينا يُولّدُهُ ** فالحمدُ للهِ ما في الكونِ من رجلِ
إن الرجالَ الذين العرفُ عينّهمُ ** هُمُ الإناثُ، وهم نفسي، وهم أملي.
إبن عربي وولاية النساء:
ورغم أن بعض الفقهاء حاولوا أن يقفوا ضد أهلية المرأة لتولّي القضاء أو الولاية العامة (الحكم)، استنادًا إلى أقوال نُسبت إلى ابن عربي، إلا أنه لا ريب عندي أنّ ابن عربي كان يقف مع ولاية المرأة السياسية، إذا كان يعترف لها بحقّ الولاية الصوفية، بل حقّ أن تكون قُطبَ الزمان والإنسان الكامل. يكتب ابن عربي في رسالته عقلة المستوفز، باب “الكمال الإنساني”، التالي:
“كلامُنا إذن في صورة الكامل من الرجال والنساء، فإنّ الإنسانية تجمع الذكر والأنثى، والذكورية والأنوثية إنما هما عَرَضان، ليستا من حقائق الإنسانية.”
فلا يُعقَل أن يرفض ابن عربي للمرأة الولاية السياسية أو ولاية القضاء، وهو قد اعترف لها بما هو أكثر من ذلك: القطبية، وتصريف شؤون الكون.
خاتمة:
هذا ما كان من موقف إبن عربي من النساء، بإختصار وابتسار. وسنرجع لعلاقته مع النظام وحبه المُعلن لها، في مقامٍ آخر. إلا أنه حتى ذلك الوقت، يمكن الرجوع إلى الدراسة القيّمة للدكتورة سعاد الحكيم بعنوان:
“المرأة وليّة.. وأنثى.. قراءة في نص ابن عربي”،
فهي دراسة شيّقة لمن أراد الاستزادة.
عادل عبد العاطي
23–9–2008
